في الوقت الذي يدعو فيه الكرملين زعماء العالم لحضور فعاليات كبرى مقررة في شهر مايو (أيار) المقبل، احتفالاً بالذكرى 75 للانتصار في الحرب العالمية الثانية التي يطلق عليها الروس «الحرب الوطنية العظمى»، يواصل الرئيس فلاديمير بوتين الدفاع باستماتة عن الزعيم السوفياتي الراحل جوزيف ستالين، ويتصدى بقوة لدعوات تطالب بفتح الأرشيف السري المتعلق بقيام الدولة السوفياتية بقتل الملايين من مواطنيها. ويشدد بوتين من لهجة خطابه ضد القوى الغربية بسبب معاهدة «مولوتوف ريبنتروب» التي أبرمت في عام 1939 بين ستالين وهتلر. ويهدد دفاع بوتين عن ستالين وعن السجل السوفياتي بتقويض جهود موسكو لتخفيف حدة التوترات مع الغرب.
ويبحث الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في دعوتين من بوتين لحضور عرض عسكري سنوي يقام في الميدان الأحمر في 9 مايو المقبل، في حين قال الرئيس الفرنسي إيمانويل إنه سوف يحضر العرض. وأبلغ بوتين زعماء الجمهوريات السوفياتية السابقة في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بأن الكرملين اضطر إلى التوقيع على معاهدة «مولوتوف ريبنتروب» (التي تعرف رسمياً بمعاهدة عدم الاعتداء بين ألمانيا والاتحاد السوفياتي السابق) لكسب الوقت لإقامة دفاعات البلاد بعدما خانت بريطانيا وفرنسا الاتحاد السوفياتي وتوصلتا إلى اتفاقية ميونيخ مع هتلر في عام 1938.
وقال بوتين في خطاب بثه التلفزيون الرسمي في روسيا: «إنهم يريدون تحويل المسؤولية عن اندلاع الحرب العالمية الثانية من النازيين إلى الشيوعيين». ولطالما هاجم بوتين بولندا، متهماً إياها بـ«التآمر» مع هتلر.
وجعل بوتين الانتصار في الحرب محور جهود آيديولوجية لحشد الروس وراء رؤيته الخاصة بأمة قوية لا تعتذر عن ماضيها وقادرة على الوقوف في وجه الغرب في أعقاب انهيار القوة العظمى السوفياتية. وهي رؤية تتعارض مع أعمال القمع الجماعي إبان حقبة ستالين وتاريخ الاحتلال السوفياتي لأوروبا الشرقية بعد الحرب.
ويوجد في مدينة بوتوفو أكثر من 200 ألف ضحية في مقبرة جماعية بقرية سابقة ترجع لعهد القياصرة، على بعد نحو 20 ميلاً (32 كيلومتراً) خارج موسكو. وقتل بعضهم بالغاز في شاحنات كانت تقلهم وهم يرتدون ملابسهم الداخلية إلى ساحات القتل خلال حملة «الرعب العظيم» التي نفذها ستالين خلال عامي 1937 و1938. وقال كيريل كاليدا، وهو قس أرثوذكسي روسي كان جده ضمن القتلى، وهو جزء من حملة تهدف إلى الكشف بشكل تام عن مصير ضحايا قمع ستالين: «نريد معرفة الحقيقة... لا يجب أن نحاول التستر عليها».
وفي اجتماع عُقِدَ في ديسمبر (كانون الأول) الماضي للمجلس الروسي لحقوق الإنسان، اتسم رد بوتين بالتشكك في دعوة لإنشاء قاعدة بيانات عامة عن عمليات القتل التي تمت في عهد ستالين، قائلاً إن هناك «مخاطر كبرى» تتعلق بفتح سجلات الشرطة السرية (إن كيه في دي) إبان عهد ستالين. وأضاف بوتين: «نعرف الطريقة التي عملت بها الشرطة السرية خلال حقبة ثلاثينات القرن الماضي... ربما لا يكون الأمر دائماً ساراً بالنسبة للأقارب إذا جرى فتح ملفات أسلافهم».
وتتزامن الاستعدادات للاحتفال بالذكرى الخامسة والسبعين للانتصار في الحرب العالمية الثانية، مع تغييرات دستورية من شأنها أن تسمح لبوتين بالاستمرار في حكم روسيا بعد انتهاء ولايته الرئاسية الحالية في عام 2024 إذكاء الشعور بالوطنية. وعمل بوتين على تأجيج الشعور بالوطنية للاحتفاظ بالدعم الشعبي في خضم المواجهة مع الولايات المتحدة وحلفائها على خلفية ضم موسكو لشبه جزيرة القرم في عام 2014، وتدخلها عسكرياً في شرق أوكرانيا، في الوقت الذي تحمل فيه المواطنون الروس وطـأة 5 سنوات من تراجع الدخل بسبب العقوبات الدولية على بلادهم.
وفي عام 2007، قام بوتين بزيارة مدينة بوتوفو. وبفضل رئيس استخبارات يتسم بالتفكير الليبرالي في موسكو في مطلع تسعينات القرن الماضي وشهادة ضابط رفيع المستوى من جهاز الاستخبارات الروسية السابق «كي جي بي»، تم تحديد هوية الضحايا الذين دفنوا في المدينة والبالغ عددهم 20 ألفاً و762 شخصاً، وكان بينهم ألف قس أرثوذكسي وزعيم الجالية اليهودية السوفياتية وفرقة مسرحية من منطقة البلطيق، وشخصيات روسية بارزة. وقال كاليدا الذي رافق الرئيس الروسي خلال زيارته لمدينة بوتوفو في عام 2017: «كانت العصبية واضحة على بوتين». وكاليدا مسؤول اليوم عن موقع جرى فيه إقامة نصب من الغرانيت حفرت عليه أسماء الضحايا وتواريخ إعدامهم. وأضاف كاليدا: «بالنسبة له، لم تكن الزيارة سهلة، وقد قال إنه جرت إبادة صفوة الأمة».
وتتضمن الوثائق المعروضة في مدينة بوتوفو وصفاً قدمه شهود عيان للسجناء وهم يحتضرون جراء إطلاق غاز أول أكسيد الكربون عليهم وهم داخل شاحنات. ووفقاً لكاليدا، قد يصل عدد المدفونين في الموقع إلى 30 ألف شخص. وتوجد مقابر جماعية مماثلة في جميع أنحاء الاتحاد السوفياتي السابق، وتم اكتشاف عدد قليل منها فقط. وخلال عصر ستالين الذي استمر نحو 3 عقود، حتى وفاته في عام 1953، قامت الشرطة السرية بسجن أو ترحيل أو إعدام ما يقرب من 27 مليون مواطن، بحسب متحف «جولاج» للتاريخ الذي تموله الدولة. كما توفي الملايين جراء المجاعة في أعقاب حملة مصادرة واسعة النطاق نفذتها الدولة للحبوب والأراضي الزراعية بموجب سياسة المزارع الجماعية القسرية التي كان يطبقها ستالين. وقالت إيلينا زيمكوفا، المديرة التنفيذية لمنظمة «ميموريال» الحقوقية التي تنفذ حملة لفتح الملفات الخاصة بحقبة حكم ستالين: «عدم الحديث عن الشر يعني أن الناس تنسى... ماذا يمكن أن يحدث إذا رفضوا في ألمانيا مناقشة جرائم النازية؟».
ويلجأ البعض إلى المحاكم، وقد حصلت مجموعة من المحامين في سان بطرسبرغ يطلق عليها الطاقم 29 المتخصص في تمثيل لأسر ضحايا القمع، يوم الـ12 من الشهر الجاري، على حكم بالاطلاع على الملفات الخاصة بإيليا زاكون، الذي كان توفي داخل أحد سجون لينينغراد خلال الحصار. وقال المحامي مكسيم أولينيتشيف إن هذا أول حكم من نوعه تشهده المدينة خلال عدة سنوات.
كما أن أولينيتشيف يمثل ديمتري أوسترياكوف، وهو معلم في سان بطرسبرغ يبلغ من العمر 35 عاماً، الذي قدم طلباً في وقت سابق الشهر الجاري للاطلاع على ملف قضية جده فاسيلي، الذي كان مدير مزرعة جماعية وتوفي في معسكر للعمل القسري بمنطقة «فار إيست» في عام 1944 بعد عام من اعتقاله بتهمة الخيانة. وفي عام 2017، فاز جهاز الأمن الفيدرالي الذي حل محل «كي جي بي»، بجلسة استماع لحرمان والد ديمتري، فاليري، من الاطلاع على ملف القضية. وقال ديمتري: «أعتبر إثبات الحقيقة واجبي»، فجده «ليس له قبر حتى».
بوتين يدافع عن حملة «الرعب العظيم» لستالين في الذكرى الـ75 للحرب
ترمب وجونسون يبحثان دعوته وماكرون يؤكد حضور الاحتفالية في موسكو
بوتين يدافع عن حملة «الرعب العظيم» لستالين في الذكرى الـ75 للحرب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة