«القوى الناعمة» المصرية... مساع رئاسية وحكومية للنفاذ الإقليمي

TT

«القوى الناعمة» المصرية... مساع رئاسية وحكومية للنفاذ الإقليمي

عبر مساعٍ رئاسية وتحركات لمؤسسات حكومية ومستقلة، تعكس إجراءات مصرية دؤوبة تركيزاً لافتاً على محاولة النفاذ الإقليمي للقاهرة عبر أدوات «القوى الناعمة»، سواء كان ذلك بالمساعدات المباشرة والشراكات القارية، أو عبر الروابط الثقافية وتعميق العلاقات السياسية.
وتستعد مصر، السبت المقبل، لإقامة فعاليات «اجتماع القاهرة رفيع المستوى» الرابع لرؤساء المحاكم والمجالس الدستورية والمحاكم العليا الأفريقية، الذي يحظى برعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، ويعقد بشكل سنوي منذ عام 2017، بالاشتراك بين المحكمة الدستورية المصرية و«الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية» بوزارة الخارجية. وأثمرت الفاعلية ذات الطابع القضائي، العام الماضي إطلاق «المنصة الإلكترونية القانونية للمحاكم الدستورية الأفريقية»؛ لتعزيز التعاون القضائي بين الدول الأفريقية.
وغير بعيد عن ذلك، فإن مصر تنخرط في تقديم مساعدات إنسانية مباشرة لبعض الدول الأفريقية، إذ أعلنت وزارة الخارجية، أمس، أن «الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، سلمت مساعدات إنسانية تتضمن مواد إغاثية إلى دولة زامبيا لمساندتها فيما تتعرض له من موجة جفاف».
وكثيراً ما يصرح مسؤولون مصريون من مستويات عدة، عن رغبتهم في استعادة «التأثير والنفاذ إقليمياً وقارياً»، وقبل نحو أسبوع تقريباً ناقش اجتماع لرؤساء أركان حرب القوات المسلحة لدول تجمع الساحل الأفريقي الخمس (G5) في القاهرة، المقترح المصري باستضافة «قمة أفريقية لبحث إنشاء قوة قارية لمكافحة الإرهاب في دول الساحل».
ولا تقتصر التحركات المصرية على الجانب السياسي المباشر للقوى الناعمة، إذ ناقش السيسي، ووزيرة الثقافة، إيناس عبد الدايم، قبل شهرين تقريباً «برنامجاً لتنمية الموهوبين والمبدعين، فضلاً عن جهود تعظيم القوى الناعمة لمصر من خلال الريادة الثقافية»، فيما اعتبر رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، أن «معرض القاهرة الدولي للكتاب» والذي اختتم فعالياته، مطلع الشهر الجاري «فرصة لإظهار قوة مصر الناعمة»، وكانت السنغال ضيف شرف الدورة المنصرمة.
الجهود التدريبية والتعليمية، كانت أيضاً من محاور التحركات إذ احتفلت «الأكاديمية الوطنية للتدريب» بتخرج الدفعة الثالثة، من «البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب الأفريقي للقيادة» بحضور مشاركين من 37 دولة أفريقية.
ونقل «تقرير الحالة المصرية» الصادر، أخيراً، عن منتدى «أخبار اليوم للسياسات العامة» والقريب من دوائر صنع القرار الرسمية، تقديرات مواقف دراسات لخبراء تشير إلى ضرورة تكثيف التحركات المصرية في إطار استعادة التأثير عبر «القوى الناعمة»، ويعدد الباحث الأكاديمي المصري، الدكتور سامح فوزي، في ورقة بحثية ضمن التقرير، عدداً من المقومات اللازمة لتفعيل التحركات المصرية في إطار السعي عن النفاذ الإقليمي، ومنها «تحقيق استقلالية المؤسسات الإعلامية والثقافية على نحو يتيح لها التخلص من إجراءات مركزية معوقة للعمل، والتأكيد على العنصر البشري الملهم في المحيط من علماء الدين والأدباء والصحافيين والفنانين والرياضيين وغيرهم».
وفيما يشير فوزي كذلك إلى دور «المجلات الثقافية، وضرورة تقديم إصدار مُلهم يحظى بالتأثير العربي والإقليمي»، ينبه الخبير الإعلامي المصري الدكتور ياسر عبد العزيز، في التقرير نفسه، إلى «الدور المتعاظم للإعلام وضرورة بناء تعبيرات إعلامية فوق محلية تخاطب الإقليم، وصناعة وإبراز رموز ونجوم وأبطال، وخلق حاضنات إبداع قادرة على الجذب والتأثير دولياً وإقليمياً».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم