{كورونا} يفتح ملفات أفلام نهاية العالم ومسبباتها

أوبئة تسبب الجنون وانتشار الزومبيز

العسكر يتدخلون في «بعد 28 أسبوعاً»
العسكر يتدخلون في «بعد 28 أسبوعاً»
TT

{كورونا} يفتح ملفات أفلام نهاية العالم ومسبباتها

العسكر يتدخلون في «بعد 28 أسبوعاً»
العسكر يتدخلون في «بعد 28 أسبوعاً»

في يقين الكولونيل جاك د. ريبر أن الشيوعيين سمموا مياه الشرب في كل الولايات المتحدة على نحو يجعل كل من يشرب الماء يتحوّل تلقائياً إلى شيوعي. يقول ذلك في تأكيد وألم ويتناول كأسه من الكحول وهو يتحدث.‬
جاك د. ريبر هو من شخصيات فيلم ستانلي كوبريك «دكتور سترانجلَف أو كيف تعلمت التوقف عن القلق وأحببت القنبلة» (1964)، الذي فيه نتعلم أن الفيروسات قد تحوّل عقل الإنسان وليس شكله خصوصاً إذا ما شُربت عبر أكواب الماء.
مع انتشار الوباء الحالي كورونا، وفي محاولة لقراءة شيء من تاريخ العقل البشري مع آفات مشابهة في الرواية كما في الفيلم، تطالعنا الكثير من الحالات الشبيهة التي بدت خيالاً جانحاً إلى سنين قليلة سابقة، لكنّها تبدو اليوم كما لو كانت واقعية بسيناريوهات تثير الخوف بالفعل.
ماذا لو كان ما نراه في «بعد 28 أسبوعاً» أو في «عدوى» أو «ليلة الموتى
- الأحياء» قابلا لأن يقع في الحياة الحاضرة؟ ماذا لو أنّ نهاية العالم أزفت على النحو الذي شاهدناه في World War Z؟ أو في «وباء» (Outbreak) أو فيلم «عدوى» (Contagion‪‬)؟ هناك عشرات الأفلام للاختيار منها، وقليل منها يبدو جنوحاً بعيد الاحتمال عندما تطل عليك آفات الزمان وفيروساته مهدّدة حياة الإنسان عبر أهم آليات الحياة: التنفس.
نهاية الحياة على الأرض؟
قبل عامين فقط وضعت المؤلّفة داليا شوايتزر كتاباً قيّماً في هذا الصدد عنوانه «زومبز، فيروسات ونهاية العالم» (صدر عن دار روتغرز يونيفرسيتي برس، 2018). وفيه وجدت أن إنسان اليوم يعيش، إذا ما نظرنا في كافة الظّروف ومع أخذ الأمان الذي تعيش فيه دول كثيرة رغم الأحداث السياسية والحروب، في وضع آمن لم يسبق أن مرّ بمثله من قبل.
قد يبدو ذلك، رغم مبررات الكاتبة، ضرباً مستحيلاً، لكنّها تومئ بأنّه على الرغم مما تقوم به الميديا من نشر الأخبار التي تستولي على الاهتمام والتي هي عادة أخبار حروب وفواجع، إلّا أنّ هناك فاصلاً كبيراً بين الواقع وبين ما ترصده الميديا من حالات. وتشير إلى أنّ بعض هذا الفاصل معزز بحقيقة أنّ السينما تتناول مثل هذه المواضيع التي «نعرف جميعاً أنها غير قابلة فعلياً للتحقق».
رغم قناعاتها التي تبدو، في الوقت الراهن، غير واقعية فإن الكاتبة تربط المسألة جيداً بالأفلام التي تتحدث عن أوضاع العالم المختلفة. الآفات التي تهدد بها بعض الأفلام حياتنا ليست وحدها في صدد التنبؤ بنهاية الحياة على الأرض، أو الحضارات كما نعرفها ونعيشها، بل هناك الإرهاب وخطر الحروب الكبرى.
شيء واحد يميّز أفلام الفيروسات وسيناريوهات نهاية الحياة على الأرض وهو أنّنا إذ نراقبها على الشّاشات الكبيرة أو الصغيرة، فإنّ هناك فاصلاً مريحاً بيننا وبين ما يحدث. إصابة بيولوجية تتفشى بين الناس وتحوّلهم إلى مجانين خطرين في The Grazies المخيف على الشاشة. لكن المرء يشاهده في صالة يخرج منها إلى الحياة بقليل من القلق كونه يعلم بأنّ ما رآه بصرف النظر عن احتمالات حدوثه، ما زال بعيداً عن الواقع.
هذا الفاصل المطمئن يبدو اليوم أقل إثارة للطمأنينة. عشرات الأفلام التي تحدثت عن أوبئة تنتشر وتهدّد الإنسان على الأرض في المزارع أو المدن تبدو اليوم كاحتمالات واقعية، علماً بأنّ معظمها كان يجتر أفكاراً لإثارة الرّعب تقع في الحاضر أو في المستقبل القريب.
‫إلى حين وقعت كارثة 11 سبتمبر 2001، كان الوهم الكبير من نصيب السينما. تحليق طائرة فوق أحد البرجين الكبيرين ثم اصطدامها به عن قصد ثم اقتراب طائرة أخرى وتدميرها البرج الثاني، وبعد ذلك انهيار البرجين على الأرض بدا حتى حينها، كما لو كان من صنع استديوهات المؤثرات الخاصة. هوليوود تعرض آخر إنتاجاتها. لكن الحقيقة هي أنّ هذا الحدث كان واقعاً وبعده لم يعد الخيال قادراً على الإتيان بسيناريوهات تتجاوز هذه المحنة.‬
على العكس بدأنا نعيش مرحلة تقلّد فيها السينما الواقع أو تستلهمه. اليوم لا شيء مفاجئاً أو غريباً في خروج فيلم جديد، مثل «وورلد وور زد 2» الذي يتم تحضيره، يتمدد في طول وعرض الفيلم السابق الذي أخرجه مارك فورستر سنة 2013.
كما الواقع في «عدوى» (Contagion) وهو فيلم في صدد الموضوع وصلبه. حققه ستيفن سودربيرغ سنة 2011، بتمويل من مؤسسة «إيماجناشن» في أبوظبي عندما كانت تمارس خطة لإنتاج أفلام أميركية في ذلك الحين. على عكس أفلام كثيرة أخرى، فهو لا يهرع صوب التخويف بل يدرس حالاته على نحو واقعي وضمن الدراما وليس تبعاً لسينما الرعب.
«الفيروس» الذي نراه في هذا الفيلم ينتقل من الوطواط إلى الخنزير ومن الخنزير إلى الطبّاخ الذي يلمس بيديه الملوّثتين المرأة المتزوّجة بت (غوينيث بالترو) فتنتقل العدوى إليها. لدى المخرج متسع من الوقت لمتابعة مسيرة هذا الوباء ضمن الدراما. فبت المتزوجة من مات دامون تتوقف في طريق عودتها من سفرها لدى صديق سابق وتمارس الحب معه، بذلك تتسع الدائرة ويدخل الأبرياء والخاطئون في مدار واحد.
«اندلاع» (Outbreak) هو فيلم جاد آخر من هذا النوع. أنجزه الألماني وولفغانغ بيترسون في حقبته الهوليوودية حول ما الذي يحدث، واقعياً، عندما يكتشف العالم أنّ هناك وباءً معدياً انتقل - مثل إيبولا - من أفريقيا إلى الولايات المتحدة. واقعية الفيلم تجعله مميزاً لأنّ تأثيره على المشاهد لا يمرّ عابراً بل يحفر فيه أسئلة حقيقية حول كيف يمكن لوباء أن ينتشر وكيف يمكن للإنسان مواجهته.
هذا لا يعني أنّ بعض الأفلام المرعبة لا تنجز التأثير نفسه.
في مقدمتها «بعد 28 يوماً» الأول أخرجه داني بويل سنة 2007، والثاني «بعد 28 أسبوعاً». أقدم عليه جوان كارلو فرسناديللو بعد أربع سنوات. في كليهما هناك ذلك الوباء الذي يحوّل الناس إلى زومبيز. لندن صارت أصغر بعدما تُرك جنوبها مرتعاً للمصابين واحتمى الباقون في الجزأين الأوسط والشمالي منها. في الجزء الثاني هناك مساعدة عسكرية أميركية، لكن هذا سوف لن يحدّ من تسلّل الوباء لمن هم في الجانب الآمن.
«28 أسبوعاً آخر» بالتحديد ليس من النوع الذي يتركك بسلام بعد مشاهدته. قد ترغب في الابتعاد بنفسك عن الناس حال خروجك من الصالة. هذا الناقد فعل وكم كان سعيداً أنّ سيارته كانت مركونة في موقف لا يبعد سوى أمتار قليلة عن الصالة. شيء من الطمأنينة ساد بعد قليل من المناعة التي توفرها السيارة المغلقة جيداً صوب المرأب تحت المبنى الذي أعيش في إحدى شققه على بعد ربع ساعة من القيادة.
علم وإعلام وعسكر
هناك خيوط سياسية تفرضها بعض الأفلام. مجرد قيام العسكر بالتدخل يعكس احتمال تحويل الحياة العادية إلى حالة طوارئ تُسلّم مقاليد الحياة فيها إلى العسكر والسياسيين. في فيلم جورج أ. روميرو «ليلة الموتى - الأحياء» (The Night of the Living Dead) يُقتل الناجي الوحيد من هجوم الزومبيز على يدي رجال مسلحين غير مصابين بالوباء لمجرد أنّه رجل أسود اعتقده الجميع من بعيد أحد المصابين.
روميرو حقّق بعد ذلك سلسلة تحتوي على «فجر الموتى - الأحياء» و«يوم الموتى - الأحياء» حيث انتقد بوضوح أكثر العلم والإعلام والعسكر.
ليس أنّ السينما تطرقت إلى موت الحياة على الأرض نسبة لوباء ما في السنوات العشرين الأخيرة مثلاً، هناك فيلم بريطاني منسي عنوانه «أعشاب بلا نصال» (No Blade of Grass) أخرجه كورنل وايلد سنة 1970 ويحتوي على فكرة انتشار فيروس مميت في مدينة لندن ما يدفع رب عائلة (نايجل دافنبورت) للرحيل منها (سيراً على الأقدام) مع عائلته صوب اسكوتلندا.
الصورة التي يرسمها فيلم وايلد ريفية قوامها أشجار ميتة وأعشاب جافة وحياة على المعافى فيها القتال ضد المصابين. وهي صورة متكررة إلى اليوم وأقرب إلى ما يمكن توقعه في الحياة الحاضرة إذا ما أصاب فيروس قاتل جموع البشر فانقلبوا إلى متمردين على النظام الذي أودى بهم أو لم يسعفهم.
ليس أنّ كل الأفلام تشي بإلقاء اللوم على السياسيين والعلماء وأصحاب الشأن، وإن كان ذلك يعزز قيمة الفيلم كنص ومفادات، فهناك الكثير منها الذي ينحدر تحت لواء الصراع بين المعافين والمصابين. ثم هناك تلك التي تتجاوز ما حدث لتنتقل إلى ما بعد الدمار الشامل.
بعد عام من خروج «أعشاب بلا نصال»، قام الأميركي روبرت وايز بتحقيق فيلم «ضغط أندروميدا» (The Andromeda Strain) حيث المشاكل تقع في محيط العلم والمختبرات التي يعملون بها. الوباء ينتشر بفعل المختبرات (وهي نظرية يتطرق إليها الإعلام اليوم على إيقاع كورونا وتبعاته) التي من المفترض أن تعمل في خدمة الناس.
اقتُبس ذلك الفيلم عن إحدى روايات مايكل كريتون الذي عمد أكثر من مرّة لنقد العلم والتكنولوجيا وقام بعد عامين من هذا الفيلم بتحقيق «وست وورلد» عن فشل العلم في تحصين الروبوتس من احتمال انتشار حالة فيروسية بينها تحوّلهم من أداة ترفيه إلى قتلة.
في فيلم فرنسيس لورنس «أنا أسطورة» (I Am Legend) نتعرف على الناجي الوحيد مما أصاب نيويورك في المستقبل غير البعيد. يعيش وحده في شقة محصنة مع كلبه. يخرج في النهار إلى الشوارع لكنّه يدرك أنّه الناجي الوحيد لكنّه ليس الحي الوحيد. ففي كل ليلة يستطيع أن يسمع أصوات الزومبيز وآكلي لحوم البشر وهم يجوبون الشّوارع بحثاً عمّا يأكلونه.
إنّها نهاية العالم في الكثير من هذه الأفلام. بعضها سيحدّد عدد من بقي حياً بأكثر من فرد واحد، كما حال «منذ أن انتهى العالم» (Ever Since the World Ended) حيث لم يبق من أحياء مدينة سان فرنسيسكو أكثر من 186 فردا تجوب الكاميرا أحوالهم ومخاطر البقاء على قيد الحياة.
ولكن إذا ما كانت الأوبئة طريقاً مضمونة لنهاية الحياة الطبيعية على الأرض، كما توعز معظم هذه الأفلام، فإنّ تلك النهاية لها، في السينما، أكثر من سبيل من بينها الحروب والدّمار الآتي من النيازك الطائرة أو من الغزو لمخلوقات غير بشرية أو بسبب ثورة القردة أو الروبوتس أو ما يشابه كل ذلك من احتمالات.
مع انتشار وباء كورونا يطرح الواقع أسئلة تداولتها السينما كترفيه جاد: هل من السلامة بمكان الحفاظ على عاداتنا اليومية؟ هل نبقى على صلة بما نقوم به أو نتغير تبعاً؟ هل سنعيش جميعاً في أقنعة توهمنا بالسلامة أو أنّ السلامة في اعتزال الحياة والتحصن في المنازل مع ما يكفي من مؤونة؟
ثم ماذا عن ارتياد صالات السينما؟ ماذا عن صالات المهرجانات التي نحضرها… هل سنخرج منها سالمين أو متحوّلين؟
في كل الأحوال هي حياة أعجب اليوم مما كانت عليه في الواقع، بل ربما في الخيال ذاته.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».