«شبح كورونا» يلاحق ركاب السفن السياحية

البحث عن مئات المصابين المحتملين في كمبوديا... وحالات مؤكدة بين أميركيين في اليابان

فيل كورتر على متن طائرة باتجاه الولايات المتحدة عقب إجلائه من السفينة السياحية «دايموند برينسس» أمس (رويترز)
فيل كورتر على متن طائرة باتجاه الولايات المتحدة عقب إجلائه من السفينة السياحية «دايموند برينسس» أمس (رويترز)
TT

«شبح كورونا» يلاحق ركاب السفن السياحية

فيل كورتر على متن طائرة باتجاه الولايات المتحدة عقب إجلائه من السفينة السياحية «دايموند برينسس» أمس (رويترز)
فيل كورتر على متن طائرة باتجاه الولايات المتحدة عقب إجلائه من السفينة السياحية «دايموند برينسس» أمس (رويترز)

يلاحق «شبح» فيروس «كورونا» الجديد ركاب سفينتين سياحيتين في آسيا؛ إحداهما ما زالت عالقة في المياه اليابانية قبالة يوكوهاما، والأخرى سمحت لها كمبوديا بالرسو، بعد أن ردّتها عدّة دول خوفاً من عدوى الفيروس المعروف رسمياً باسم «كوفيد - 19».
وعقب توجيه الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الشكر لكمبوديا لسماحها برسو السفينة السياحية الأميركية «ويستردام»، ونزول ركابها بعد فحصهم، تبيّن أن إحداهم مصابة بالفيروس، رغم خلو نتيجة فحصها منه. وتعمل شركة «هولاند أميركا» المالكة للسفينة «بتنسيق وثيق» مع حكومات عدة ومنظمة الصحة العالمية ومراكز فحوص في الولايات المتحدة، «للتحقيق وتتبّع الأشخاص الذين قد يكونوا تفاعلوا» مع السائحة المصابة.
وبعد أن رفضت دول آسيوية عدة استقبالهم خشية الإصابة بفيروس «كورونا» الجديد، سُمح لركاب السفينة، البالغ عددهم 1455 شخصاً، بالرسو، الخميس، في مرفأ سيهانوكفيل جنوب كمبوديا. ونزل أكثر من 1200 سائح من السفينة في الأيام اللاحقة، بعد أن خضع بعضهم لفحص طبي سريع.
واستقبل رئيس الوزراء هون سين أول من نزل من السفينة شخصياً، وسخر من «مرض الخوف»، مؤكداً أنه لم يتمّ رصد أي إصابة على متن السفينة. إلا أنه ثبُتت إصابة إحدى الركاب الأميركيين، وهي امرأة تبلغ 83 عاماً بعد أن عادت عبر الطائرة إلى منزلها في ماليزيا. وقد غادر كمبوديا على غرارها عشرات المسافرين الآخرين عائدين إلى بلدانهم، ما يُثير الخشية من تفشّي الوباء الذي أودى بحياة حوالي 1800 شخص في الصين.
ولمواجهة ذلك، كثّفت سلطات كمبوديا عمليات مراقبة الأشخاص الذين لا يزالون على أراضيها، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية. وقالت كريستينا كيربي، التي نزلت منذ بضعة أيام من السفينة، وهي موجودة حالياً في بنوم بنه، عاصمة كمبوديا، للوكالة، «لدي أطفال صغار في المنزل (في الولايات المتحدة)، ولا أريد أن أجازف بنقل العدوى إليهم».
وتعتزم تايلاند، التي سبق أن رفضت رسو السفينة في أحد مرافئها، منع دخول ركاب السفينة إلى أراضيها، إلا أن عدداً منهم قد دخلوا بالفعل. من جهتها، فرضت سنغافورة على اثنين من مواطنيها كانا على متن السفينة، الحجر الصحي. وأعلنت أنها لن تسمح «لأي من ركاب السفينة بالدخول أو عبور» أراضيها.
وانطلقت سفينة «ويستردام» في الأول من فبراير (شباط) من هونغ كونغ، حيث سُجّلت حالة وفاة واحدة جرّاء الفيروس و60 إصابة به. وكان يُفترض أن تصل رحلتهم إلى اليابان. لكن خشية من انتشار الوباء، منعت اليابان السفينة من الرسو، ثمّ تايوان، والفلبين، وجزيرة غوام الأميركية، وأخيراً تايلاند، قبل أن تستقبلها كمبوديا، حليفة بكين التي تستثمر بمليارات الدولارات في هذا البلد.
ولا يزال على متن السفينة 233 شخصاً و747 من أفراد الطاقم. وقال مسؤول كمبودي لوكالة الفرنسية: «سنأخذ عيّنات من هؤلاء الأشخاص لكي يتمّ فحصهم»، مضيفاً أنهم سيبقون معزولين إلى حين صدور النتائج. أما بالنسبة للسائحة الأميركية المصابة، فهي تخضع وزوجها للمراقبة حالياً في ماليزيا.
أما السفينة السياحية الثانية، فنالت النصيب الأكبر من الاهتمام الإعلامي، كونها بؤرة ثاني أكبر انتشار للفيروس خارج الصين. وبلغ عدد الإصابات على سفينة «دايموند برينسس» 454 إصابة بعد اكتشاف 99 حالة جديدة أمس، من أصل 3711 راكباً، كما أفادت وسائل الإعلام اليابانية نقلاً عن وزارة الصحة المحلية. يأتي ذلك رغم إجبار الركاب على البقاء في حجراتهم مدة 14 يوماً. لكن بسبب نقص المعدات، لم يخضع سوى 1219 راكباً لفحوص حتى أمس.
وقد أطلقت واشنطن، أمس، عملية لإجلاء 300 من مواطنيها البالغ عددهم 350 من السفينة، بعد أن أجرت فحوصات طبية للتأكد من خلوّهم من الوباء. إلا أن عملية نقلهم إلى الولايات المتّحدة واجهت تحدّياً غير متوقّع، بعدما تبينت إصابة 14 شخصاً بينهم.
ونقلت طائرتان 300 راكب أميركي من السفينة، أمس؛ وصلت إحداهما إلى كاليفورنيا، فيما ينتظر وصول الثانية إلى تكساس. ويخضع هؤلاء لحجر صحي لمدة 14 يوماً، وهي المدة القصوى لحضانة الفيروس بدون ظهور عوارض. إلا أن الخارجية الأميركية أعلنت أن الفحوص أثبتت إصابة 14 شخصاً بفيروس «كورونا» الجديد بين الركاب الذين تم إجلاؤهم. وأوضحت أن هؤلاء عزلوا عن الركاب الآخرين في الطائرة التي نقلتهم.
بموازاة ذلك، نُقل 40 أميركياً آخرون للعلاج في اليابان، لإصابتهم بفيروس «كورونا»، وفق واشنطن. وأعلنت حكومات دول أخرى، بينها إيطاليا وأستراليا، نيتها إجلاء مواطنيها من السفينة. كما أعلنت سلطات هونغ كونغ أنها تريد إجلاء نحو 330 من مواطنيها الموجودين في السفينة «بأقرب وقت ممكن». وأكدت كندا أيضاً أنها تسعى لإجلاء نحو 250 كندياً.


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟