الإذاعة في غزة تصارع للبقاء بذكريات الزمن الجميل

مُسن يستمع إلى الراديو في غزة
مُسن يستمع إلى الراديو في غزة
TT

الإذاعة في غزة تصارع للبقاء بذكريات الزمن الجميل

مُسن يستمع إلى الراديو في غزة
مُسن يستمع إلى الراديو في غزة

يضبط السائق برهان أبو النجا مؤشر مذياع سيارته جيداً على أثيره المفضل، بينما يتنقل في ساعات الصباح الباكر بين شوارع مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، باحثاً عن الركاب والرزق. يمضي الوقت وهو يستمع لسلسلة الأغاني الصباحية التي تبثها الإذاعات المحلية، قبل أن تبدأ جولة البرامج التي تمتاز غالباً بتنوع قضاياها وشموليتها، وقربها من نبض المواطن ومشاكله؛ إذ إن كثيراً منها هو عبارة عن موجة مفتوحة تستقبل اتصالات الناس الراغبين في البوح عن العقبات التي تواجههم، وعن أمنياتهم ونجاحاتهم كذلك.
يقول في حديثٍ لـ«الشرق الأوسط»: «الاستماع إلى الإذاعة بشكلٍ يومي يمثل الجزء الأكبر من وقتي، فأنا أعمل على سيارة الأجرة نحو 10 ساعات خلال النهار، وخلالها لا يتوقف الراديو بتاتاً؛ لأنه الوسيلة الوحيدة للترفيه والتسلية لدي، ولا سيما أن خدمات الإنترنت غير متوافرة في السيارات التي تصل لقطاع غزة»، مبيناً أنه لا يمل من متابعة مختلف البرامج السياسية والاجتماعية والدرامية والكوميدية، ويحفظ مواعيد بثها ومقدميها جيداً، ويذكر أنه يسارع للاستماع للإذاعات في أوقات الأزمات والتصعيدات الإسرائيلية.
وتزيد معدلات الاستماع إلى الإذاعات المحلية في فلسطين بشكلٍ عام في أوقات الأزمات والحروب، حيث إن الوضع بشكلٍ مستمر ودائم يمتاز بالتوتر، بفعل الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية التي تؤدي غالباً إلى تعطيل في شبكات الاتصال والإنترنت والبث الفضائي، ويروي الشابّ محمد الصوري (29 عاماً): «خلال عدوان عام 2014 الذي استمر لمدة 51 يوماً واستهدف قطاع غزة، كان الناس يتابعون الإذاعة بصفتها مصدراً أول للأخبار والأحداث، وكانت التغطية عبرها تمتاز بالسرعة الشديدة والدقة، وعلى صعيدي الشخصي لم ألحظ أي غياب للرسالة الإعلامية التي تبثُها، خلال وقت العدوان».
يُشار إلى أن إحصاءات منظمة اليونيسكو التابعة لهيئة الأمم المتحدة، كانت قد أوضحت ضمن تقاريرها الصادرة خلال عام 2016، أن عدد مستمعي الإذاعة في العالم تجاوز عدد مشاهدي التلفزيون ومستخدمي الهواتف الذكية، حيث إنه تم رصد وجود نحو 800 محطة إذاعية في بلدان العالم النامية، وتمّ كذلك الحديث خلال التقارير عن أن نصف سكان العالم تقريباً ما زالوا غير قادرين على الاتصال بشبكة الإنترنت، وهذا الأمر الذي يعزز من أهمية الإذاعة وغيرها من وسائل الاتصال الأرضية.
وفي فلسطين، عززت أسباب أخرى من ارتفاع نسبة الاستماع للإذاعة، منها على سبيل المثال، أزمة الكهرباء التي تزيد مدة قطعها في بعض المناطق على 12 ساعة يومياً؛ مما يدفع المواطنين إلى الالتجاء نحو الوسائل الأخرى، والتي تعتبر الإذاعة أبرزها، كونهم يحصلون من خلالها معلومات شاملة ووافية، تشمل أحوال الطقس والطرقات وبعض المشكلات المحلية والفعاليات، كما أنه زاد خلال السنوات الماضية، اتجاه بعض الإذاعات المحلية لنقل مجرى المباريات الرياضية في الدوري الفلسطيني وفي الدوريات الأخرى، سواء كانت إقليمية أو عالمية.
ليست الإذاعات المحلية الفلسطينية هي الوحيدة التي يتابعها المواطنون عبر أجهزة الراديو الخاصة بهم، فثمة إذاعات أخرى تبث من داخل إسرائيل باللغتين العربية والعبرية، تعتبر بمثابة المصدر الرسمي والأول للأخبار عند شريحة كبيرة من أبناء المجتمع الفلسطيني، ولا سيما فئة كبار السن،.
يقول أبو نايف العجرمي (65 عاماً) من شمال قطاع غزة لـ«الشرق الأوسط»: «منذ نحو 40 سنة، وصباحي لا يبدأ إلا بعد الاستماع لنشرة الأخبار التي تبثها الإذاعة العبرية الناطقة باللغة العربية، حيث إن أخبارها بالنسبة لي هي الأهم والأدق، خاصة فيما يتعلق بالوضع الأمني وحالة المعابر والحواجز، كما أنه يُذكر فيها أسعار العملات وحالة الطقس»، موضحاً أن الإذاعة تبث بعد انتهاء النشرة الأغاني الصباحية الجميلة بصوت فيروز وصباح وغيرهما من فناني الزمن الجميل؛ مما يزيد من وقت استماعه له.
أمّا الحاج رزق أبو هاني الذي يقطن مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة، فيسرد لـ«الشرق الأوسط» أنه لا يستمع خلال يومه إلا للإذاعة العبرية، حيث إنه لا يستخدم الإنترنت بتاتاً في تفاصيل حياته اليومية، ولا يشاهد التلفزيون بسبب مرضٍ في عينيه، لافتاً إلى أن مستمعي الإذاعات الإسرائيلية في الشارع الفلسطيني يتناقص عددهم بشكلٍ كبير، خاصة في قطاع غزة وجيلها الصغير الذي لم يختلط بالمجتمع العبري، ولم تربطه أي علاقات قوية بإسرائيل خلال الفترة الماضية، بسبب الأوضاع الأمنية.
وفي مناسباتٍ سابقة، رأى عدد من المختصين في متابعة الشأن الإسرائيلي، أن الاحتلال يتعمد الاستمرار في البث الإذاعي الذي يصل لمختلف الأراضي الفلسطينية؛ لأجل الاستمرار في التواصل مع السكان المحليين في قطاع غزة والضفة الغربية؛ وذلك كونه يعلم جيداً أن الأخبار والمعلومات التي تمرر للمواطنين من خلال الإذاعة، تحظى بأهمية بالغة لديهم، خاصة عندما يتعلق الأمر بأخبار الجيش والأمن والمعابر وأحوال الطقس وغيرها.
ويفوق عدد الإذاعات العاملة في قطاع غزة، العشرين إذاعة تبث جميعها عبر موجة «إف إم» الأرضية، وذلك بحسب البيانات المنشورة على موقع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الفلسطينية، وتتنوع تبعية تلك الإذاعات بانتماءات مالكيها الحزبية، حيث إن معظمها تخضع في عملها لقواعد فصائلية، وتأثر بالعوامل السياسية المختلفة.


مقالات ذات صلة

تشكيلة جديدة للهيئات الإعلامية بمصر وسط ترقب لتغييرات

شمال افريقيا مبنى التلفزيون المصري في ماسبيرو (الهيئة الوطنية للإعلام)

تشكيلة جديدة للهيئات الإعلامية بمصر وسط ترقب لتغييرات

استقبلت الأوساط الإعلامية والصحافية المصرية، التشكيلة الجديدة للهيئات المنظمة لعملهم، آملين في أن تحمل معها تغييرات إيجابية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
المشرق العربي المسؤول الإعلامي في «حزب الله» محمد عفيف خلال مؤتمر صحافي بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:40

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف تكون إسرائيل انتقلت من اغتيال القادة العسكريين في الحزب إلى المسؤولين والقياديين السياسيين والإعلاميين.

بولا أسطيح (بيروت)
يوميات الشرق «SRMG Labs» أكثر الوكالات تتويجاً في مهرجان «أثر» للإبداع بالرياض (SRMG)

«الأبحاث والإعلام» تتصدّر مهرجان «أثر» للإبداع بـ6 جوائز مرموقة

حصدت «SRMG Labs»، ذراع الابتكار في المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)، 6 جوائز مرموقة عن جميع الفئات التي رُشّحت لها في مهرجان «أثر» للإبداع.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق تضم المنطقة المتكاملة 7 مباني استوديوهات على مساحة 10.500 متر مربع (تصوير: تركي العقيلي)

الرياض تحتضن أكبر وأحدث استوديوهات الإنتاج في الشرق الأوسط

بحضور نخبة من فناني ومنتجي العالم العربي، افتتحت الاستوديوهات التي بنيت في فترة قياسية قصيرة تقدر بـ120 يوماً، كواحدة من أكبر وأحدث الاستوديوهات للإنتاج.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم سيارة عليها كلمة «صحافة» بالإنجليزية بعد تعرض فندق يقيم فيه صحافيون في حاصبيا بجنوب لبنان لغارة إسرائيلية في 25 أكتوبر (رويترز)

اليونيسكو: مقتل 162 صحافياً خلال تأديتهم عملهم في 2022 و2023

«في العامين 2022 و2023، قُتل صحافي كل أربعة أيام لمجرد تأديته عمله الأساسي في البحث عن الحقيقة».

«الشرق الأوسط» (باريس)

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)
TT

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)

تلعب وسائل الإعلام المرئية المحلية دورها في تغطية الحرب الدائرة اليوم على لبنان.

نوع من «التجنيد الإجباري» فرضته هذه الحالة على المحطات التلفزيونية وموظفيها ومراسليها، فغالبيتهم يمضون نحو 20 ساعة من يومهم في ممارسة مهامهم. وبعضهم يَصِلون ليلهم بنهارهم في نقل مباشر وموضوعي، وآخرون يضعون دمهم على كفّ يدهم وهم يتنقلون بين مناطق وطرقات تتعرّض للقصف. أما رؤساء التحرير ومقدِّمو البرامج الحوارية اليومية، فهم عندما يحوزون على ساعات راحة قليلة، أو يوم إجازة، فإنهم يشعرون كما السمك خارج المياه. ومن باب مواقعهم ومسؤولياتهم الإعلامية، تراهم يفضلون البقاء في قلب الحرب، وفي مراكز عملهم؛ كي يرووا عطشهم وشهيّتهم للقيام بمهامهم.

المشهدية الإعلامية برمّتها اختلفت هذه عن سابقاتها. فهي محفوفة بالمخاطر ومليئة بالصدمات والمفاجآت من أحداث سياسية وميدانية، وبالتالي، تحقن العاملين تلقائياً بما يشبه بهرمون «الأدرينالين». فكيف تماهت تلك المحطات مع الحدث الأبرز اليوم في الشرق الأوسط؟

الدكتورة سهير هاشم (إنستغرام)

لم نتفاجأ بالحرب

يصف وليد عبود، رئيس تحرير الأخبار في تلفزيون «إم تي في» المحلي، لـ«الشرق الأوسط»، حالة الإعلام اللبناني اليوم بـ«الاستثنائية». ويضيف: «إنها كذلك لأننا في لبنان وليس عندنا محطات إخبارية. وهي، بالتالي، غير مهيأة بالمطلق للانخراط ببث مباشر يستغرق ما بين 18 و20 ساعة في اليوم. بيد أن خبراتنا المتراكمة في المجال الإعلامي أسهمت في تكيّفنا مع الحدث. وما شهدناه في حراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) الشعبي، وفي انفجار مرفأ بيروت، يندرج تحت (الاستنفار الإعلامي) ذاته الذي نعيشه اليوم».

هذا «المراس» - كما يسميه عبود - «زوّد الفريق الإخباري بالخبرة، فدخل المواكبة الإعلامية للحرب براحة أكبر، وصار يعرف الأدوات اللازمة لهذا النوع من المراحل». وتابع: «لم نتفاجأ باندلاع الحرب بعد 11 شهراً من المناوشات والقتال في جنوب لبنان، ضمن ما عرف بحرب المساندة. لقد توقعنا توسعها كما غيرنا من محللين سياسيين. ومن كان يتابع إعلام إسرائيل لا بد أن يستشفّ منه هذا الأمر».

جورج صليبي (إنستغرام)

المشهد سوريالي

«يختلف تماماً مشهد الحرب الدائرة في لبنان اليوم عن سابقاته». بهذه الكلمات استهل الإعلامي جورج صليبي، مقدّم البرامج السياسية ونشرات الأخبار في محطة «الجديد» كلامه لـ«الشرق الأوسط». وأردف من ثم: «ما نشهده اليوم يشبه ما يحصل في الأفلام العلمية. كنا عندما نشاهدها في الصالات السينمائية نقول إنها نوع من الخيال، ولا يمكنها أن تتحقق. الحقيقة أن المشهد سوريالي بامتياز حتى إننا لم نستوعب بسرعة ما يحصل على الأرض... انفجارات متتالية وعمليات اغتيال ودمار شامل... أحداث متسارعة تفوق التصور، وجميعها وضعتنا للحظات بحالة صدمة. ومن هناك انطلقنا بمشوار إعلامي مرهق وصعب».

وليد عبود (إنستغرام)

المحطات وضغوط تنظيم المهام

وبالفعل، منذ توسع الحرب الحالية، يتابع اللبنانيون أخبارها أولاً بأول عبر محطات التلفزيون... فيتسمّرون أمام الشاشة الصغيرة، يقلّبون بين القنوات للتزوّد بكل جديد.

وصحيحٌ أن غالبية اللبنانيين يفضّلون محطة على أخرى، لكن هذه القناعة عندهم تتبدّل في ظروف الحرب. وهذا الأمر ولّد تنافساً بين تلك المحطات؛ كي تحقق أكبر نسبة متابعة، فراحت تستضيف محللين سياسيين ورؤساء أحزاب وإعلاميين وغيرهم؛ كي تخرج بأفكار عن آرائهم حول هذه الحرب والنتيجة التي يتوقعونها منها. وفي الوقت نفسه، وضعت المحطات جميع إمكاناتها بمراسلين يتابعون المستجدات على مدار الساعات، فيُطلعون المشاهد على آخر الأخبار؛ من خرق الطيران الحربي المعادي جدار الصوت، إلى الانفجارات وجرائم الاغتيال لحظة بلحظة. وفي المقابل، يُمسك المتفرجون بالـ«ريموت كونترول»، وكأنه سلاحهم الوحيد في هذه المعركة التنافسية، ويتوقفون عند خبر عاجل أو صورة ومقطع فيديو تمرره محطة تلفزيونية قبل غيرها.

كثيرون تساءلوا: كيف استطاعت تلك المحطات تأمين هذا الكمّ من المراسلين على جميع الأراضي اللبنانية بين ليلة وضحاها؟

يقول وليد عبود: «هؤلاء المراسلون لطالما أطلوا عبر الشاشة في الأزمنة العادية. ولكن المشاهد عادة لا يعيرهم الاهتمام الكبير. ولكن في زمن الحرب تبدّلت هذه المعادلة وتكرار إطلالاتهم وضعهم أكثر أمام الضوء».

ولكن، ما المبدأ العام الذي تُلزم به المحطات مراسليها؟ هنا يوضح عبود في سياق حديثه أن «سلامة المراسل والمصور تبقى المبدأ الأساسي في هذه المعادلة. نحن نوصيهم بضرورة تقديم سلامتهم على أي أمر آخر، كما أن جميعهم خضعوا لتدريبات وتوجيهات وتعليمات في هذا الشأن... وينبغي عليهم الالتزام بها».

من ناحيته، يشير صليبي إلى أن المراسلين يبذلون الجهد الأكبر في هذه الحرب. ويوضح: «عملهم مرهق ومتعب ومحفوف بالمخاطر. لذلك نخاف على سلامتهم بشكل كبير».

محمد فرحات (إنستغرام)

«إنها مرحلة التحديات»

وبمناسبة الكلام عن المراسلين، يُعد إدمون ساسين، مراسل قناة «إل بي سي آي»، من الأقدم والأشهر في هذه المحطة. وهو لا يتوانى عن التنقل خلال يوم واحد بين جنوب لبنان وشماله. ويصف مهمّته خلال المرحلة الراهنة بـ«الأكثر خطراً». ويشرح من ثم قائلاً: «لم تعُد هناك خطوط حمراء أو نقاط قتال محددة في هذه الحرب. لذا تحمل مهمتنا التحدّي بشكل عام. وهي محفوفة بخطر كبير، لا سيما أن العدو الإسرائيلي لا يفرّق بين طريق ومبنى ومركز حزب وغيره، ويمكنه بين لحظة وأخرى أن يختار أهدافه ويفاجئ الجميع... وهذا ما وضع الفرق الصحافية في خطر دائم، ونحن علينا بالتالي تأمين المعلومة من قلب الحدث بدقة».

وفق ساسين، فإن أصعب المعلومات هي تلك المتعلقة بالتوغّل البرّي للجيش الإسرائيلي، «فحينها لا يمكن للمراسل معرفة ما يجري بشكل سليم وصحيح على الأرض... ولذا نتّكل أحياناً على مصادر لبنانية من جهة (حزب الله)، و(اليونيفيل) (القوات الدولية العاملة بجنوب لبنان) والجيش اللبناني والدفاع المدني، أو أشخاص عاشوا اللحظة. ومع هذا، يبقى نقل الخبر الدقيق مهمة صعبة جداً. ويشمل ما أقوله أخبار الكمائن والأسر، بينما نحن في المقابل نفتقر إلى القدرة على معرفة هذه الأخبار، ولذا نتوخى الحذر بنقلها».

«لبنان يستأهل التضحية»

في هذه الأثناء، يتكلم مراسل تلفزيون «الجديد» محمد فرحات «بصلابة»، عندما يُسأل عن مهمّته الخطرة اليوم.

محمد كان من بين الفريق الإعلامي الذي تعرّض لقصف مباشر في مركز إقامته في بلدة حاصبيا، وخسر يومذاك زملاء له ولامس الموت عن قرب لولا العناية الإلهية، كما يقول. ويتابع: «لقد أُصبت بحالة إنكار للمخاطر التي أتعرّض لها. في تلك اللحظة عشت كابوساً لم أستوعبه في البداية. وعندما فتحت عيني سألت نفسي لبرهة: أين أنا؟»، ويضيف فرحات: «تجربتي الإعلامية ككل في هذه الحرب كانت مفيدة جداً لي على الصعيدين: الشخصي والمهني. من الصعب أن أُشفى من جروح هذه الحرب، ولكني لم أستسلم أو أفكر يوماً بمغادرة الساحة. فلبنان يستأهل منا التضحية».

العلاج النفسي الجماعي ضرورة

أخيراً، في هذه الحرب لا إجازات ولا أيام عطل وراحة. كل الإعلاميين في مراكز عملهم بحالة استنفار. ولكن ماذا بعد انتهاء الحرب؟ وهل سيحملون منها جراحاً لا تُشفى؟

تردّ الاختصاصية النفسية الدكتورة سهير هاشم بالقول: «الإعلاميون يتعرضون لضغوط جمّة، وفي الطليعة منهم المراسلون. هؤلاء قد لا يستطيعون اليوم كشف تأثيرها السلبي على صحتهم النفسية، ولكن عند انتهاء الحرب قد يكون الأمر فادحاً. وهو ما يستوجب الدعم والمساندة بصورة مستمرة من مالكي المحطات التي يعملون بها». وأضافت الدكتورة هاشم: «ثمة ضرورة لإخضاعهم لجلسات علاج نفسية، والأفضل أن تكون جماعية؛ لأن العلاج الموسمي غير كافٍ في حالات مماثلة، خلالها يستطيعون أن يساندوا ويتفهموا بعضهم البعض بشكل أفضل».