هل يعاند بوريس جونسون الإعلام ويسير على خطى ترمب؟

انسحاب صحافيين من مؤتمر حكومي بريطاني قد تكون بداية الأزمة

من كواليس «10 داوننغ ستريت» بعدسة مصور رئيس الوزراء البريطاني الخاص أندرو بارسونز
من كواليس «10 داوننغ ستريت» بعدسة مصور رئيس الوزراء البريطاني الخاص أندرو بارسونز
TT

هل يعاند بوريس جونسون الإعلام ويسير على خطى ترمب؟

من كواليس «10 داوننغ ستريت» بعدسة مصور رئيس الوزراء البريطاني الخاص أندرو بارسونز
من كواليس «10 داوننغ ستريت» بعدسة مصور رئيس الوزراء البريطاني الخاص أندرو بارسونز

على ما يبدو، انتقل نموذج تعامل إدارة الرئيس ترمب مع الإعلام إلى حكومة بوريس جونسون البريطانية؛ الأمر الذي يشير إلى أزمة في نموذج التعامل التقليدي بين صحافة «فليت ستريت» وبين إدارة «10 داوننغ ستريت». من ناحية، هناك تضامن غير مسبوق بين الإعلاميين في واقعة التفرقة في المعاملة في دعوة البعض واستبعاد البعض الآخر من مؤتمرات صحافية حكومية، ومن ناحية أخرى يلجأ الفريق الاستشاري الإعلامي لرئيس الوزراء جونسون إلى اغفال التعامل والإعلام والتعامل المباشر مع الجمهور.
وكانت آخر تجليات هذا التغيير في التعامل مع الإعلام البريطاني وقوع أزمة غير متوقعة تسبب فيها اثنان من مستشاري رئيس الوزراء جونسون البريطاني تصلح مثالاً لما يجب على المستشار ألا يفعله، وهو أن يحرج رئيسه المباشر. وكان أسلوب التعامل غير المحترف مع الإعلام البريطاني من مستشاري جونسون، لي كيم ودومنيك كامينغز، هو الذي تسبب في الأزمة أثناء تنظيم مؤتمر صحافي في مقر رئيس الوزراء في «10 داوننغ ستريت» حول سير المفاوضات البريطانية الأوروبية لشروط الخروج من أوروبا.
وتم توجيه الدعوات إلى عدد مختار من الإعلاميين البريطانيين لحضور المؤتمر دون البعض الآخر. لكن المستبعدين حضروا أيضاً في الموعد للمشاركة في المؤتمر. وكان يمكن التغاضي عن وجودهم وإجراء المؤتمر الصحافي، لولا تدخل المستشارين الذين حولوا مؤتمر صحافي إلى أزمة حكومية مع الإعلام.
حاول المستشارون استبعاد الصحافة ذات التوجهات اليسارية المضادة لسياسة الحكومة البريطانية. وشمل الاستبعاد صحافيين من مطبوعات جادة، مثل صحيفة «دايلي ميرور» اليسارية و«إندبندنت» الليبرالية و«هف بوست» و«بوليتكس بوست»، بالإضافة إلى صحف مغمورة أخرى. ونتج من الأزمة أيضاً اتهام حزب العمال المعارض حكومة بوريس جونسون بأنها تمارس أساليب الرئيس الأميركي ترمب في استبعاد بعض الصحافيين غير الموالين للحكومة حتى تتجنب الأسئلة المحرجة.
الأزمة باختصار وقعت في القاعة الأمامية من مقر بوريس جونسون في «10 داوننغ ستريت» عندما اجتمع عدد من الصحافيين لسماع بيان حكومي حول سير المفاوضات التجارية مع أوروبا بعد توقيع طلاق «بريكست» مع الاتحاد الأوروبي. لكن الحضور فوجئ بمستشار جونسون، لي كين، يدخل القاعة ويطلب من هؤلاء الذين تلقوا دعوات للحضور بالوقوف على جانب من القاعة، أما بقية الحضور الذي لم يتلق دعوات فطلب منهم المغادرة.
لكن الموقف تطور إلى مغادرة جميع الصحافيين تضامناً مع زملائهم بدلاً من السماح لمستشار الحكومة باختيار من له الحق في الحضور.
وانسحب من المؤتمر الصحافي أيضاً الحاصلون على تراخيص الحضور مثل «بي بي سي»، وتلفزيون «اي تي في»، ومحررين سياسيين من «سكاي نيوز»، وصحف «دايلي ميل»، و«تلغراف»، و«صن»، و«غارديان»، و«فاينانشيال تايمز». وبالطبع ألغي المؤتمر الصحافي بعد مغادرة الإعلام للقاعة.
وهناك أوجه تشابه بين هذه الخطوة وما تقوم به إدارة ترمب في استبعاد الصحافيين غير الموالين للرئيس لمنعهم من توجيه أسئلة محرجة أو انتقاد سياسات الحكومة أو الحزب الجمهوري. وتشير الخطوة أيضاً إلى تزايد التوتر بين إدارة بوريس جونسون وبين الإعلام البريطاني التي تأزمت في الأسابيع الأخيرة.
هناك أيضاً سوابق في ارتكاب أخطاء في التعامل مع الإعلام البريطاني في اتساق لما تفعله إدارة الرئيس ترمب مع الإعلام الأميركي، فقد كان من قرارات مستشاري جونسون في الشهور الأخيرة منع وزراء من الظهور إعلامياً في برنامج «توداي» على راديو القناة الرابعة من «بي بي سي»، وبرنامج «صباح الخير يا بريطانيا» على تلفزيون «اي تي في». كما منع الفريق أي مسؤول من الظهور على القناة الرابعة التلفزيونية منذ الانتخابات الأخيرة في نهاية عام 2019.
وتم أيضاً منع الوزراء من تناول وجبات اجتماعية مع الصحافيين السياسيين. وذكر إعلامياً في صحيفة «الغارديان» أن دومنيك كامينغز، كبير مستشاري جونسون، أسس لشبكة من الجواسيس لمعرفة ما إذا كان أي فرد من المستشارين له علاقات ودية من الإعلام يمكن من خلالها تسريب المعلومات. وهو أيضاً أسلوب مستعار من إدارة ترمب.
وتبدو العلاقات في ذروة تأزمها بين الحكومة وهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، وذلك بعد تصريح جونسون أثناء حملته الانتخابية الأخيرة بأنه يدرس إلغاء رخص التلفزيون المفروضة على كل المشاهدين. وكانت تلك من أفكار كامينغز بإنهاء نموذج التمويل المستقل للهيئة التي يعتبرها «ألد أعداء حزب المحافظين». وانتهى الأمر أخيراً بإلغاء تجريم عدم دفع رسوم الرخصة لـ«بي بي سي»؛ مما يعني أن هناك نسباً من المشاهدين سوف تمتنع عن دفع ثمن الرخصة؛ مما قد يؤثر سلبياً على مداخيل «بي بي سي» واستقلالها المالي.
كان فريق المستشارين أيضاً وراء فكرة تصوير «خطاب جونسون إلى الأمة» في مناسبة يوم «بريكست» في آخر شهر يناير (كانون الثاني) الماضي من داخل مقر الحكومة بفريق إعلامي حكومي بدلاً من دعوة وسائل الإعلام لتصويره بمعرفتها مثلما هو المتبع في مثل هذه الحالات؛ الأمر الذي أثار استياء الإعلام البريطاني.
واستاء هذا الإعلام أيضاً من بعض التعيينات في فريق المستشارين الخاص بجونسون التي شملت خبراء في الإنتاج التلفزيوني والتصوير، وخصوصاً أن جونسون يستخدم الآن مصوراً خاصاً به ويستغني عن الإعلام البريطاني في هذه المهمة. وتأكدت المخاوف بعد أن بدأ جونسون في التواصل المباشر عبر برنامج اسمه «اسأل رئيس الوزراء» يجيب فيها عن أسئلة الجمهور التي يختارها بنفسه، متجنباً الإعلام وأسئلته المحرجة.
ويطلق مستشارو الحكومة البريطانية على رجال الإعلام السياسي المحلي اسم «اللوبي»، ويحاولون تغيير نوع العلاقة معهم والسيطرة عليهم. وفي الأسابيع الأخيرة انتقل موقع اللقاء اليومي من متحدث رئيس الوزراء من قاعة مجلس العموم إلى مقر رئيس الوزراء، أي من أرض محايدة إلى مقر حكومي رسمي.
وتوجد سوابق لمنع صحافيين من تغطية أحداث سياسية من قبل، لكنها كانت ذات أبعاد سياسية وليست تغطية حكومية يجب أن تتاح للجميع. فخلال الحملات الانتخابية، تم استبعاد صحيفة «ميرور» اليسارية من تغطية حملة بوريس جونسون ومنع مراسلها من دخول الباص الانتخابي الذي كان يتجول فيه جونسون على الناخبين. وكان ذلك نتيجة شكاوى من مشجعي جونسون بأن تغطية الصحيفة كانت منحازة ضد حزب المحافظين.
وفي مناسبة حديث جونسون عن «بريكست» في آخر شهر يناير الماضي، قام مستشارو جونسون بتحديد الحضور إلى صحافي واحد من كل مؤسسة إعلامية. وكان هذا بهدف منع الرسامين الذين يصاحبون الصحافيين ويرسمون جونسون في لقطات كاريكاتيرية تنشر بعد ذلك.
وفي واقعة طرد الصحافيين من المؤتمر الصحافي في «10 داوننغ ستريت» قال متحدث حكومي، إن المؤتمر كان مخصصاً لنخبة من الصحافيين المتخصصين، لكن مجموعة أخرى غير مدعوة من الصحافيين اقتحمت المكان وطلبت أن تشارك في المؤتمر، لكن المشرفين على المؤتمر طلبوا منهم المغادرة. ودخل هؤلاء الصحافيون المطرودون إلى مقر الحكومة عبر بطاقاتهم البرلمانية التي تسمح لهم بحضور المؤتمرات الصحافية الحكومية.
هذه الأزمة وصلت إلى قاعة البرلمان، حيث علقت عضو حزب العمال المعارض المسؤولة عن الثقافة والإعلام، تريسي برابن على الواقعة في مناقشات جلسة لمجلس العموم قالت فيها، إن مقاطعة بقية الصحافيين للمؤتمر الصحافي الحكومي في «داوننغ ستريت» كان درساً قاسياً للحكومة التي حاولت ممارسة الرقابة على الإعلام. وأضافت نائبة رئيس البرلمان إلينور لانغ، أن معاملة الصحافيين يجب أن تكون باحترام.
وقالت برابن، إن حرية الصحافة هي حجر الأساس في الديمقراطية، وإن المهمة الرئيسية للصحافيين هي محاسبة الحكومة. وأضافت أن الاتفاقات التجارية مع أوروبا في المستقبل هي قضية في غاية الأهمية للراي العام، وأن حضور مثل هذه المناسبات لا يجب أن يكون باختيار الحكومة وإنما لكل الإعلاميين.
وقال النائب عن الحزب الوطني الاسكوتلندي جون نيكلسون، إن بوريس جونسون يهرب من الصحافيين الجادين؛ لأنه لا يريد الإجابة عن الأسئلة الصعبة، وهو أسلوب مستعار من الرئيس ترمب.
- رئيس اتحاد الصحافيين البريطانيين لـ«الشرق الأوسط»: الحكومة تريد إسكاتنا
> قال البروفسور كريس فوست، رئيس مجلس إدارة نقابة الصحافيين البريطانيين (NUJ) لـ«الشرق الأوسط»، إنه من المخيف في دولة ذات تاريخ عريق من الديمقراطية أن تحاول الحكومة فيها إسكات النقد بمنع الصحافيين من أداء وظيفتهم.
ورفض فوست محاولة استبعاد مستشار رئيس الوزراء بوريس جونسون بعض الصحافيين من مؤتمر صحافي حول مفاوضات التجارة مع أوروبا بعد «بريكست»، وقال إن جونسون اعتلى منصب رئيس الوزراء قبل أشهر عدة فقط، لكنه يحاول بالفعل إسكات الإعلام، وأضاف «أنا أصفق إعجاباً لمن غادر المؤتمر الصحافي في (10 داوننغ ستريت) دعماً لزملاء المهنة، واعتراضاً على هذا النوع من الرقابة».
من ناحية أخرى، صرحت الأمين العام للنقابة، ميشيل ستانستريت، بأنها تدعم بشكل كامل تضامن الصحافيين السياسيين مع زملائهم وخروجهم من مؤتمر «داوننغ ستريت» حول الاتحاد الأوروبي. وقالت، إن هذا الحادث أمر خطير، ولا يجب على موظفي الحكومة الاعتداء على حرية الصحافة بهذه الطريقة. وأضافت، أن الوزراء يرفضون دورياً المسؤولية عن أفعالهم، ويقاطعون بعض البرامج والصحافيين، وهذا في حد ذاته يمثل خطوة سلبية غير مسبوقة. وأضافت «على حكومة جونسون أن توقف هذا الهوس، وأن تتعامل مع كل أنواع الإعلام وليس فقط الإعلام المفضل لديها». وأشارت ستانستريت إلى أن هناك تعليمات صادرة إلى الوزراء بألا يتناولوا الغذاء مع الصحافيين السياسيين، وأن مستشار جونسون، دومينيك كامنغز لديه شبكة من الجواسيس لكشف أي صداقة بين بقية المستشارين وبين ممثلي الإعلام. واستخدمت ستانستريت لفظ «بارانويا» لوصف كيفية تعامل إدارة بوريس جونسون مع الإعلام.



تغييرات البحث على «غوغل» تُثير مخاوف ناشرين

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)
TT

تغييرات البحث على «غوغل» تُثير مخاوف ناشرين

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)

تحدثت شركة «غوغل» عن خطتها لتطوير عملية البحث خلال عام 2025، وأشارت إلى تغييرات مرتقبة وصفتها بـ«الجذرية»؛ بهدف «تحسين نتائج البحث وتسريع عملية الوصول للمعلومات»، غير أن الشركة لم توضح كيفية دعم الناشرين وكذا صُناع المحتوى، ما أثار مخاوف ناشرين من تأثير ذلك التطوير على حقوق مبتكري المحتوى الأصليين.

الرئيس التنفيذي لشركة «غوغل»، سوندار بيتشاي، قال خلال لقاء صحافي عقد على هامش قمة «ديل بوك» DealBook التي نظمتها صحيفة الـ«نيويورك تايمز» خلال ديسمبر (كانون الأول) الحالي: «نحن في المراحل الأولى من تحول عميق»، في إشارة إلى تغيير كبير في آليات البحث على «غوغل».

وحول حدود هذا التغيير، تكلّم بيتشاي عن «اعتزام الشركة اعتماد المزيد من الذكاء الاصطناعي»، وتابع أن «(غوغل) طوّعت الذكاء الاصطناعي منذ عام 2012 للتعرّف على الصور. وعام 2015 قدّمت تقنية (رانك براين) RankBrain لتحسين تصنيف نتائج البحث، غير أن القادم هو دعم محرك البحث بتقنيات توفر خدمات البحث متعدد الوسائط لتحسين جودة البحث، وفهم لغة المستخدمين بدقة».

فيما يخص تأثير التكنولوجيا على المبدعين والناشرين، لم يوضح بيتشاي آلية حماية حقوقهم بوصفهم صُناع المحتوى الأصليين، وأشار فقط إلى أهمية تطوير البحث للناشرين بالقول إن «البحث المتقدم يحقق مزيداً من الوصول إلى الناشرين».

كلام بيتشاي أثار مخاوف بشأن دور «غوغل» في دعم المحتوى الأصيل القائم على معايير مهنية. لذا، تواصلت «الشرق الأوسط» مع «غوغل» عبر البريد الإلكتروني بشأن كيفية تعامل الشركة مع هذه المخاوف. وجاء رد الناطق الرسمي لـ«غوغل» بـ«أننا نعمل دائماً على تحسين تجربة البحث لتكون أكثر ذكاءً وتخصيصاً، وفي الأشهر الماضية كنا قد أطلقنا ميزة جديدة في تجربة البحث تحت مسمى (إيه آي أوفرفيوز) AI Overviews، وتعمل هذه الميزة على فهم استفسارات المستخدمين بشكل أفضل، وتقديم نتائج بحث ملائمة وذات صلة، كما أنها توفر لمحة سريعة للمساعدة في الإجابة عن الاستفسارات، إلى جانب تقديم روابط للمواقع الإلكترونية ذات الصلة».

وحول كيفية تحقيق توازن بين استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين البحث وضمان دعم مبتكري المحتوى الأصليين وحمايتهم، قال الناطق إنه «في كل يوم يستمر بحث (غوغل) بإرسال مليارات الأشخاص إلى مختلف المواقع، ومن خلال ميزة (إيه آي أوفرفيوز) AI Overviews المولدة بالذكاء الاصطناعي، لاحظنا زيادة في عدد الزيارات إلى مواقع الناشرين، حيث إن المُستخدمين قد يجدون معلومة معينة من خلال البحث، لكنهم يريدون المزيد من التفاصيل من المصادر والمواقع».

محمود تعلب، المتخصص في وسائل التواصل الاجتماعي بدولة الإمارات العربية المتحدة، رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن التغييرات المقبلة التي ستجريها «غوغل» ستكون «ذات أثر بالغ على الأخبار، وإذا ظلّت (غوغل) ملتزمة مكافحة المعلومات المضللة وإعطاء الأولوية لثقة المُستخدم، فمن المرجح أن تعطي أهمية أكبر لمصادر الأخبار الموثوقة وعالية الجودة، والذي من شأنه أن يفيد مصادر الأخبار الموثوقة».

أما فادي رمزي، مستشار الإعلام الرقمي المصري والمحاضر في الجامعة الأميركية بالقاهرة، فقال لـ«الشرق الأوسط» خلال حوار معه: «التغيير من قبل (غوغل) خطوة منطقية». وفي حين ثمّن مخاوف الناشرين ذكر أن تبعات التطوير «ربما تقع في صالح الناشرين أيضاً»، موضحاً أن «(غوغل) تعمل على تعزيز عمليات الانتقاء للدفع بالمحتوى الجيد، حتى وإن لم تعلن بوضوح عن آليات هذا النهج، مع الأخذ في الاعتبار أن (غوغل) شركة هادفة للربح في الأساس».