احتفاءٌ بالقراءة وشغفها في معرض الكتاب بالدار البيضاء

تختتم، اليوم، بالدار البيضاء، فعاليات الدورة الـ26 من المعرض الدولي للنشر والكتاب. وفيما أكدت فعاليات برنامج أول من أمس وأمس أهمية عدد من الفقرات المقترحة، سواء لجهة الأسئلة والمواضيع التي قاربتها، أو قيمة الأسماء المشاركة فيها، من قبيل فقرتي «ندوات» و«إصدارات»، فقد أعطت المشاركة اللافتة والحضور الكبير للأطفال واليافعين قيمة مضافة للتظاهرة من جهة البرنامج المتنوع الذي توزعته فقرات «ركن النجوم تحكي» و«ركن كاتب وقصة» و«ركن إبداع وعلوم» و«ركن فنون» و«ركن الخشبة»، فيما شكلت مسابقة «ألوان الأقصى» في الرسم والتلوين، التي استقبلها، على امتداد أيام المعرض، «رواق وكالة بيت مال القدس»، فرصة لتحسيس الناشئة بمكانة المدينة المقدسة، وإذكاء الوعي لديهم، بمكانتها باعتبارها رمزاً للتعايش والسلام. فيما شكل حفل تسليم «الجائزة الوطنية للقراءة» و«جائزة الشباب للكتاب المغربي»، في صنفي الرواية والشعر، من تنظيم «شبكة القراءة بالمغرب» بدعم من وزارة الثقافة والرياضة والشباب، فرصة للاحتفاء بالقراءة وشغفها بين الصغار والشباب، وتأكيد أهمية التظاهرات والمسابقات العديدة الموجهة للناشئة في المؤسسات التعليمية، التي تعنى بفعل القراءة ومؤانسة الكتاب.
من جهتها، شكلت مواعيد توقيع الكتب الجديدة بعدد من الأروقة المشاركة في التظاهرة فرصة للقاء القراء والزوار بعدد من الكتاب العرب والمغاربة، الذين أكدوا قيمتهم ومكانتهم داخل مشهد الكتابة والإبداع. غطت الندوات المبرمجة عدداً من الانشغالات الفنية والأدبية، مغربياً وعربياً. فعلى صعيد الكتابة الشعرية، كان الموعد مع ندوة «المنجز الشعري في المغرب، وسؤال التجاوز»، التي تناولت سؤال التحول في الشعر المغربي المعاصر، أطرته مداخلات حورية الخميليشي وعبد الله شريق ومحمد علوط ومحمد الديهاجي، من تسيير عبد اللطيف الوراري. وانطلق المشاركون من معطى أنه لا يمكن الحديث عن نقد الشعر في المغرب إلا باستحضار ما تراكم من منجز شعري غزير ميزته الأساسية التنوع والاختلاف؛ مع ملاحظة أن هذا المنجز لم يعد مقروناً بحساسية أو جيل؛ وإنما أصبح تجربة فردية تعبر عن رؤية الشاعر المغربي المعاصر الجمالية والفنية في علاقتها بالذاتي والموضوعاتي. أما ندوة «المنجز المغربي في المسرح، وسؤال الخصوصية والتجريب»، بمشاركة أحمد مسعاية وعبد الرحمن بن زيدان وعز الدين بونيت ومحمد بهجاجي، وتسيير مسعود بوحسين، فركزت على ما حظي به المسرح المغربي من عناية خاصة، سواء على مستوى التأليف أو على مستوى الأداء، وتمكن النقد المسرحي المغربي من تبوء مرتبة عربية مهمة جداً مثلتها العديد من الأسماء الجادة في المجال، تأليفاً وإخراجاً ونقداً.
في ندوة «الرواية العربية بين المقترح الجمالي والمصاحبة النقدية»، بمشاركة وحيد الطويلة (مصر) ومحمود عبد الغني وعبد الكريم الجويطي وزهور كرام (المغرب)، من تسيير يحيى بن الوليد، فقد كان الإنصات إلى تجارب سردية من المغرب ومصر منظوراً إليها من زاوية رؤية نقدية، ركزت على الصعود اللافت والحضور المكثف للرواية العربية في المشهد الثقافي العام، والقيمة الرمزية والاعتبارية التي أضحت تحتلها الرواية كنوع سردي مقارنة مع الأجناس الأدبية الأخرى؛ إذ مع توالي الجوائز وعقد الندوات والمؤتمرات وتحول عدد كبير من الشعراء إلى كتابة الرواية صار الاهتمام بها مضاعفاً قراءة ومتابعة ونقداً.
في ندوة «الكتابة السيرية والسير ذاتية في الأدب المغربي المعاصر (الذاكرة والتاريخ والذات)»، التي سيرها محمد الداهي، بمشاركة عبد القادر الشاوي وسعيد يقطين ومصطفى القباج، كانت العودة إلى بعض التجارب المعاصرة التي مارست الكتابة السيرية والسير ذاتية بشكل أكد خصوصية النقلة النوعية التي حصلت، حيث بدأ التفكير في البعد التخييلي والجمالي يغلب على الميل إلى التقريرية والذاتية المفرطة؛ من منطلق أن السيرة بأنواعها المختلفة، الذاتية والغيرية والتخييلية، ضمن الأنواع السردية الأخرى مثل الرواية والقصة القصيرة وغيرهما، لكونها تنتمي إلى السرد، فإن الكاتب يتوسل في حكيه عن الذات باستدعاء الذاكرة واسترجاع الماضي بأبعاده المختلفة.
كان الموعد، ضمن فقرة «إصدارات»، مع تقديم «منتخبات شعرية» لمحمد الأشعري الذي يعد من الأسماء الشعرية المغربية التي هاجرت إلى مجال الرواية، فكتب «القوس والفراشة» و«جنوب الروح» و«علبة الأسماء» و«ثلاث ليال» و«العين القديمة». وقد أكد الإصدار الشعري الجديد، أنه إذا كانت الرواية قد استهوت الأشعري؛ فإن حنينه إلى الشعر لا يزال متقداً ومتوهجاً بالألق ذاته، الذي كتب به ديوانه الشعري الأول «سيرة مطر»، لتترجم المنتخبات الشعرية الأخيرة شغفه بالشعر واستمرار صفة الشاعر لديه.
من جهته، أكد الإصدار الجديد، «قطائع»، لعبد الفتاح كيليطو قيمة المسار الذي خطه لنفسه هذا الكاتب والباحث المتميز في مجال النقد الأدبي، من خلال أعماله الكثيرة التي اشتغلت على النص التراثي القديم، الذي لقيت مشاريعه التأويلية اهتماماً لافتاً من قبل مختلف الدارسين والباحثين، باعتبارها أبحاثاً قمينة بالتأمل وإعمال الفكر.