انتكاسة روسية ـ تركية تذكر بإسقاط الطائرة واغتيال السفير

رتل عسكري تركي يعبر طريق «إم 4» جنوب إدلب (أ.ف.ب)
رتل عسكري تركي يعبر طريق «إم 4» جنوب إدلب (أ.ف.ب)
TT

انتكاسة روسية ـ تركية تذكر بإسقاط الطائرة واغتيال السفير

رتل عسكري تركي يعبر طريق «إم 4» جنوب إدلب (أ.ف.ب)
رتل عسكري تركي يعبر طريق «إم 4» جنوب إدلب (أ.ف.ب)

لم تعد المؤشرات على تعرض العلاقات الروسية - التركية إلى أسوأ انتكاسة منذ سنوات، تقتصر على تبادل الاتهامات بتأجيج الموقف حول إدلب، أو الفتور الذي أظهره الكرملين في التعامل مع الدعوات التركية لتنظيم لقاء على مستوى رئاسي لمحاصرة الأزمة المتصاعدة، إذ أعادت تهديدات بالقتل تلقاها السفير الروسي لدى تركيا اليكسي يرخوف أجواء أسوأ مرحلة كادت أن تسفر عن انزلاق الوضع نحو مواجهة عسكرية بين الجانبين في العام 2015.
وأعلنت موسكو عن اتخاذ تدابير مشددة لحماية السفارة الروسية في أنقرة، بعدما حذر السفير الروسي من أن الوضع في إدلب «تسبب في إطلاق هستيريا معادية لروسيا» على شبكات التواصل الاجتماعي التركية.
ولفت في مقابلة مع وكالة «سبوتينك» الحكومية أن «التصعيد في سوريا مؤلم ومقلق للغاية. مات ضباط روس وبعد ذلك جنود أتراك، والآن نشهد هذا الصخب الوحشي على الشبكات الاجتماعية».
وزاد أنه تلقى تهديدات مباشرة بالقتل على وسائل التواصل حملت عبارات مثل: «ودع حياتك» و«لن يحزن عليك أحد» و«لقد حان الوقت كي تحترق». وأشار إلى أن «التعطش الدموي لبعض المدونين وبعض المنشورات، والغضب والكراهية، تؤدي أحيانا إلى تثبيط القدرة على التفكير المنطقي لديهم». وذكر السفير بأن هذه الأجواء كانت انتشرت قبل خمس سنوات «بدلا من إدلب كانت (المعارك) في حلب، وأسفر الوضع عن أزمة إسقاط المقاتلة الروسية ثم مقتل السفير الروسي أندريه كارلوف».
وكانت حادثة إسقاط الطائرة الروسية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 بعد أن تذرعت تركيا بأنها اخترقت المجال الجوي التركي، كادت أن تسفر عن مواجهة مباشرة، بعدما قطعت موسكو كل أشكال التعاون التجاري وبدأت حربا إعلامية وسياسية قوية، واضطر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لتهدئة الوضع إلى تقديم صيغة اعتذار بعد عدة شهور، تم التوافق عليها بوساطة كازاخية. ولم تكد الأوضاع بين البلدين تهدأ قليلا، حتى وقع حادث اغتيال السفير الروسي لدى أنقرة في نهاية العام التالي، أثناء مشاركته في فعالية ثقافية غابت عنها التدابير الأمنية بشكل أثار تساؤلات، وكالت موسكو اتهامات جديدة للجانب التركي بأنه لم يضع تدابير كافية لحماية السفير. واللافت أنه في الحادثتين لجأت أنقرة في وقت لاحق، إلى تحميل المسؤولية على «أطراف تتعمد تخريب العلاقات مع موسكو وعلى رأسها جماعة الداعية فتح الله غولن».
ولفت الأنظار في حديث يرخوف أنه وجه اتهامات مبطنة إلى الحكومة التركية بـ«تأجيج الوضع»، مشيرا إلى أن «الشيء الثاني، في رأيي، الأكثر خطورة هو الإحجام المطلق عن فهم الشريك ومنطق تصرفاته، وغياب الاعتراف بحق الآخر في وجهة نظره الخاصة المختلفة، وهذا ما يمكن أن يتحول إلى كارثة كبيرة».
وكان السفير الروسي لدى أنقرة لفت الأنظار بقوة عندما أصدر سلسلة تصريحات نارية اتهم فيها السلطات التركية بالتنصل من التزاماتها ومحاولة تحميل روسيا والحكومة السورية مسؤولية فشلها في تطبيق اتفاق سوتشي. وقال بأن تركيا أخفقت في الوفاء بالتزاماتها بسحب الجماعات الإرهابية من المنطقة منزوعة السلاح في إدلب وفتح طريقي M5 وM4. وانتقد «الكثيرين الذين يلقون الآن باللوم ويرمون بكل الذنوب على روسيا والنظام السوري بزعم أنهما ينتهكان الاتفاقات ويهاجمان ويقصفان الأهداف المدنية»، مضيفا أنه «إذا لم تقم بتنفيذ التزاماتك، هل يحق لك أن تطالب الطرف الآخر بذلك؟ يجب أن تكون التزامات أطراف الاتفاق مطبقة، وإلا فإنه من الصعب التحدث عن شراكة متساوية». وحمل تركيا المسؤولية عن زيادة «جرأة الإرهابيين في هجماتهم المتكررة على مواقع الجيش السوري وقاعدة حميميم الروسية».
لكن حديث السفير لم يكن وحده سبب إثارة الغضب لدى أوساط تركية، إذ نشطت السفارة الروسية لدى أنقرة في توجيه رسائل مباشرة إلى الشارع التركي، من خلال نشر استطلاعات للرأي حول الوضع في إدلب، وحول العلاقة مع الولايات المتحدة. وكان بين هذه الاستبيانات سؤال لـ«الشعب التركي، ما إذا كان يعتبر الأميركيين حليفا له؟» على خلفية إعلان واشنطن وقوفها إلى جانب أنقرة حليفتها في حلف شمال الأطلسي (ناتو) ضد الجيش السوري. ونشرت السفارة جدولا يوضح حجم المساعدات التي قدمتها واشنطن للأكراد مع تذييلها بملاحظة: «نترك الخيار لك». وبدا أن هذا التحرك من جانب السفارة لعب دورا في تأجيج مشاعر ضد الروس على خلفية الوضع في إدلب، ومقتل نحو 13 جنديا تركيا في الفترة الأخيرة بنيران الجيش السوري.
وفي إطار عقد المقارنات مع أجواء التوتر السابقة بدا أن موسكو أخذت التهديدات التي تلقاها السفير الروسي بجدية كاملة، دفعت الكرملين إلى توجيه رسائل مباشرة إلى الحكومة التركية، وقال الناطق باسمه ديمتري بيسكوف بأن «الكرملين واثق من أن تركيا ستتخذ جميع الإجراءات من أجل سلامة موظفي السفارة والروس عموما على الأراضي التركية». وزاد أنه «بالنسبة للوضع المحيط بسفيرنا، ليس لدينا شك في أن الجانب التركي سيتخذ جميع التدابير اللازمة لضمان أمن السفير الروسي وجميع الموظفين، وكذلك موظفي الشركات الروسية والوكالات الروسية الموجودة في تركيا، وفقا لاتفاقية فيينا، وكذلك في روح علاقاتنا الثنائية». وأشار الناطق الرئاسي إلى أن «روسيا وتركيا على اتصال وثيق على مستويات مختلفة بشأن الوضع في إدلب».
وكانت موسكو أعلنت أن رئيسي الأركان في الجيشين أجريا اتصالا هاتفيا لبحث الوضع الميداني، وأعلن لاحقا عن ترتيب لقاء يجمع وزيري الخارجية سيرغي لافروف وجاويش مولود أوغلو الأحد على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن الأحد. ومع الإعلان عن قيام السلطات التركية بتشديد الإجراءات الأمنية حول السفارة الروسية في أنقرة، دعا رئيس المجلس الروسي للتعاون الدولي والدبلوماسية، سيرغي أوردجونيكيدزي، أجهزة الأمن التركية لاتخاذ كافة التدابير والإجراءات العاجلة والفعالة لمنع تكرار حوادث سابقة.



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».