سالفيني يطمح إلى استغلال محاكمته لفتح قضية المهاجرين التي تراجعت مؤخراً

سالفيني يطمح إلى استغلال محاكمته لفتح قضية المهاجرين التي تراجعت مؤخراً
TT

سالفيني يطمح إلى استغلال محاكمته لفتح قضية المهاجرين التي تراجعت مؤخراً

سالفيني يطمح إلى استغلال محاكمته لفتح قضية المهاجرين التي تراجعت مؤخراً

أُسدِل الستار أخيراً على المسرحية السياسية حول احتمال إحالة زعيم حزب «الرابطة»، والسياسي الأوسع شعبية في إيطاليا اليوم، ماتّيو سالفيني، لمنعه إنزال 131 مهاجراً كانوا على متن سفينة حربية إيطالية راسية في أحد المرافئ الإيطالية عندما كان وزيراً للداخلية مطلع الصيف الماضي. وكان مجلس الشيوخ الإيطالي قد صوّت لصالح رفع الحصانة عن سالفيني في ختام جلسة حامية مساء الأربعاء الماضي، تخللتها مشادات حادة استعاد سالفيني فيها أسلوبه الشعبوي الذي كان وراء صعوده السريع في السنوات الثلاث الماضية، ووجهت فيه المعارضة اتهامات إلى الحكومة بأنها تسعى إلى إزاحة زعيم الرابطة عن طريق القضاء بعد أن عجزت عن دحره في الانتخابات.
ويُذكر أن سالفيني كان قد تخلّى طوعاً عن حصانته البرلمانية في الصيف الماضي عندما كان وزيراً للداخلية كي يمْثل أمام القضاء في قضية أخرى مماثلة، وطلب من نواب حزبه الأعضاء في لجنة التحقيق التصويت لصالح إحالته إلى المحاكمة. وفي حسابات زعيم الرابطة أن هذه المحاكمة سوف تزيد من شعبيته وتعيد إلى السجال العام موضوع الهجرة الذي تراجع الاهتمام به في الفترة الأخيرة، والذي بنا عليه سالفيني خطابه السياسي وكان الرافعة الأساسية لشعبيته التي واجهت أول انتكاسة لها في الانتخابات الإقليمية الأخيرة. وقد صوّت أعضاء مجلس الشيوخ الذين ينتمون إلى أحزاب الائتلاف الحكومي لصالح رفع الحصانة البرلمانية عن سالفيني، فيما قرّر أعضاء حزب «الرابطة» مغادرة قاعة المجلس عند التصويت الذي كانت نتيجته محسومة. وكعادته لجأ زعيم «الرابطة» إلى خطاب التحدّي ومعاداة الهجرة الذي يعرف أنه أصبح بأمسّ الحاجة إليه بعد الانتكاسة الانتخابية الأخيرة وصعود حزب «إخوان إيطاليا» الفاشي الذي صار ينافسه على زعامة المهد اليميني المتطرف في إيطاليا. وقال سالفيني «لن أذهب إلى قاعة المحكمة للدفاع عن نفسي، بل كي أعرب عن اعتزازي بما فعلت»، كما استحضر مجدداً أسلوب استثارة المشاعر عندما ذكر أولاده، وقال: «من حقهم أن يعرفوا أن والدهم الذي كان غالباً بعيداً عن البيت، لم يكن يختطف أشخاصاً بل كان يدافع عن حدود بلاده وأمنها».
على الصعيد الإجرائي، وبعد رفع الحصانة البرلمانية عن سالفيني، يخرج ملف القضية من نطاق صلاحيات محكمة الوزراء ويحال إلى القضاء العادي الذي سيبتّ أمر إحالته إلى المحاكمة. وكانت محكمة «كاتانيا» في جزيرة صقلية قد وجّهت إلى سالفيني تهمة «سوء استخدام السلطة واحتجاز أشخاص بالقوة» التي تصل عقوبتها إلى السجن خمسة عشر عاماً وحرمانه من تولّي مناصب عامة. لكن زعيم «الرابطة» أصرّ في كلمته أمام مجلس الشيوخ على أنه سيبقى «مرفوع الجبين ومرتاح الضمير كأي مدافع عن أرضه وشعبه»، مؤكداً أنه تصرّف دائماً بهدف الدفاع عن الحدود وأمن البلاد، مقتبساً من الشاعر الأميركي إيزرا باوند، الذي يقتدي الفاشيون الإيطاليون بأفكاره، قائلاً: «إن المرء غير المستعدّ للنضال من أجل أفكاره، فإما أن أفكاره لا قيمة لها، وإما أنه هو بلا قيمة». لكن متاعب سالفيني مع القضاء لم تصل إلى نهايتها بعد، إذ إن هناك قضايا أخرى مشابهة مرفوعة ضده عندما كان وزيراً للداخلية ونائباً لرئيس الحكومة حتى مطلع الصيف الماضي. ومن المنتظر أن يعود مجلس الشيوخ للنظر في سحب حصانته البرلمانية أواخر الشهر الجاري في التهمة الموجهة إليه بمنع سفينة الإنقاذ التابعة لمنظمة «الأذرع المفتوحة» غير الحكومية من الدخول إلى المياه الإقليمية الإيطالية وعلى متنها 150 مهاجراً أمضوا عشرين يوماً في عرض البحر قبل أن يتمكنوا من النزول إلى اليابسة.
وتجدر الإشارة إلى أنه منذ خروجه من الحكومة في الصيف الماضي إثر طلبه سحب الثقة من رئيس الوزراء جيوزيبي كونتي، وتشكيل حكومة ائتلافية جديدة بين حركة «النجوم الخمس» والحزب الديمقراطي، يندّد سالفيني بما يسمّيها «مؤامرة داخلية وخارجية» لإبعاده عن الحكم، ويوجّه أصابع الاتهام إلى فرنسا وألمانيا والمفوضية الأوروبية، ملمّحاً إلى تواطؤ من رئيس الجمهورية سرجيو ماتّاريلّا، لمنعه من الوصول إلى رئاسة الحكومة. وتشير كل استطلاعات الرأي إلى أن سالفيني هو حالياً الزعيم السياسي الأكثر شعبية في إيطاليا، وأن التحالف اليميني الذي يرأسه هو الأوفر حظاً للفوز بالأغلبية المطلقة في الانتخابات العامة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟