تعنيف المرأة... آثار صحية ونفسية واجتماعية

تعنيف المرأة... آثار صحية ونفسية واجتماعية
TT

تعنيف المرأة... آثار صحية ونفسية واجتماعية

تعنيف المرأة... آثار صحية ونفسية واجتماعية

تعرّف الأمم المتحدة العنف الممارس ضد المرأة بأنّه «أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية البدنية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة». وتمتد آثار العنف إلى ظهور مشكلات صحية إنجابية وقد تزيد من درجة التعرّض لأمراض جنسية معدية كفيروس الإيدز.
تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن واحدة من كل 3 نساء (35 في المائة) في أنحاء العالم كافة تتعرض في حياتها للعنف على يد شريكها الحميم أو للعنف الجنسي وجرائم القتل على يد غيره. وقد صرّح الأمين العام للأمم المتحدة بأن العنف الجنسي ضد النساء والفتيات يستمد جذوره من هيمنة الذكور التي دامت قروناً من الزمن، وأنه «يجب ألا يغيب عن ذهننا أن أوجه عدم المساواة بين الجنسين التي تغذي ثقافة الاغتصاب هي في الأساس مسألة اختلال في موازين القوة».
-- أنواع العنف
تحدث إلى «صحتك» البروفسور حسان عبد الجبار، أستاذ أمراض النساء والولادة بكلية الطب في جامعة الملك عبد العزيز ورئيس «الجمعية السعودية لأمراض النساء والولادة» ورئيس الندوة التي أقامتها الجمعية أخيراً في «المركز الطبي الدولي» بجدة بعنوان «أوقفوا العنف ضد المرأة»، وأكد على أن نسبة تعرض المرأة للعنف تعدّ عالية جداً، «فواحدة من كل 3 نساء في العالم تتعرض لنوع من أنواع العنف خلال حياتها، وهو أمر خطير يستدعي التأمل والدراسة. ولا نقصد بالعنف الجسدي الفيزيائي فقط؛ فللعنف 3 أقسام: عنف جسدي فيزيائي، وعنف جنسي، وعنف سيكولوجي نفسي. ومع الأسف ففي كثير من الدول لا يُعار العنف النفسي اهتماماً رغم أن له آثاراً كبيرة على مستقبل المرأة المعنّفة.
وقد وعت ذلك الأمم المتحدة فأقرت برنامجاً لحماية المرأة في عام 2006، وبدأت منظمة الصحة العالمية في تصنيف أنواع وصور العنف ضد المرأة عبر مراحل تكوينها؛ ابتداءً من اختيار الزوجين نوع طفلهما بأن يكون ذكراً لا أنثى، وحتى شيخوختها، ومنها:
> اختيار جنس الجنين: فاختيار البويضة الملقّحة التي تحمل جنيناً ذكراً والتخلص من التي تحمل جنيناً أنثى، نوع من العنف ضدها.
> وَأْد البنات: وهو قتل المولودة الأنثى والإبقاء على الذكر، وهو نوع آخر من العنف ضد المرأة.
> الإجهاض: سواء بحكم القانون الذي تفرضه بعض الدول التي لا تسمح للأسرة إلا بطفل واحد فقط ويتم الإجهاض بعده، أو أن يتم الإجهاض باختيار الزوجين إذا كان الحمل بأنثى حيث يكون الذكر هو المفضل، أو الإجهاض الشامل للنساء لتصفية عرق ما، وهو عنف ضد البشرية أيضاً، أو أن تطلب المرأة الحامل الإجهاض لحمل غير شرعي.
> العنف العاطفي: كالقتل والتشويه والأذى، وهو ما يتم عند حصول اختلاف ما بين شخصين متحابين فيقتل الرجل عشيقته أو يشوّه وجهها بمحلول ماء النار (حمض الكبريت) مثلاً.
> العنف أثناء الولادة: من الطبيب والممرضة وأحياناً من الزوج، وقد واجهت وزارة الصحة هذه المشكلة بإصدار تعميم يدعو لعدم العنف حتى وإن كان لفظياً، وأن يشيع العطف والحنان من جميع الموجودين في غرفة الولادة لدعم المرأة أثناء ولادتها.
> عنف ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن ومنهم النساء: ليس فقط التعنيف الجسدي، ولكن أيضاً عدم إعطائهم حقوقهم وتمهيد الطريق لهم لأن يعيشوا حياتهم مثل الآخرين، فهذا نوع من العنف. وبالنسبة لكبار السن، فهناك صور متعددة لتعذيبهم من قبل القائمين على خدمتهم تصل لحد القتل أحياناً لإراحتهم أو الارتياح منهم، أو عدم عمل الإنعاش لهم عندما يتعرضون لحالة خطيرة تستدعي ذلك بحجة أنهم كبار سنّ أو ليرتاحوا من عذاب وألم المرض، وطبعا 50 في المائة من ذلك يخصّ المرأة.
> زواج القاصرات: هو نوع آخر من العنف، وقد تم تداوله كثيراً في مؤتمراتنا، ويحتاج لسن قوانين ووضع أنظمة.
> ختان أو طهور المرأة: لا نتحدث عن الطهور السُنّي؛ وإنما الطهور الفرعوني الكامل، وهو منتشر عالمياً، وهو غير مقبول عرفاً وقانوناً.
> العنف الجنسي الذي يمارس على خلفية المظاهرات السياسية: نوع آخر من العنف ضد المرأة، ويشهده كثير من الدول المجاورة.
> المهجّرون واللاجئون بسبب الحروب والذين يعيشون في المخيمات، خصوصاً النساء، تمارس ضدهم صور مختلفة من العنف».
-- أسباب العنف
كما تحدثت إلى «صحتك» البروفسورة سامية العمودي، مؤسسة «مبادرة التمكين الصحي» بكلية الطب في جامعة الملك عبد العزيز واستشارية أمراض النساء والولادة مديرة «مركز التميز لسرطان الثدي»، وأوضحت أن «مشكلة العنف ضد النساء في المملكة تواجه تحديات مختلفة، منها: أولاً: غياب الإحصاءات الدقيقة والنسب الحقيقية لعدم وجود دراسات حولها. وثانياً: أننا تربينا في مجتمع متحفظ ومن العيب أن تشتكي فيه المرأة مهما عُنِّفت حتى لو كان العنف جنسياً. إلا إن تمكين المرأة بدأ يتصاعد بشكل كبير، في الآونة الأخيرة، مع رفع الوعي في المجتمع، مما أبرز وجود هذه القضية وأهمية التصدي لها. أما عن الأسباب، فأهمها:
> طبيعة المجتمع الذكوري: وهو ما جعلنا نعتقد أن للرجل الحق في أن يكون كأنه يملك المرأة سواء كانت زوجة أو ابنة أو أختاً، وله الحق في أن يتصرف معها كما يشاء حتى بالضرب.
> التربية والتنشئة: هناك أخطاء متوارثة لسنوات طويلة حول التشريعات السماوية والتعليمات الدينية، أعطت للوالدين الحق في التربية بكل الطرق العنيفة، وهي في حقيقتها لا تعني أبداً السطوة والعنف في التربية.
> التعامل في الحياة الزوجية: فعندما تذهب المرأة إلى بيت زوجها يتكرر معها السيناريو نفسه الذي عاشته في بيت أهلها، وقد يكون أشد تعنيفاً منه.
-- ترتيب المُعَنِّفين
من هو المُعَنِّف للمرأة؟ أوضحت البروفسورة سامية العمودي أنها، عادة، ترتب المعنفين للمرأة كالتالي:
> المرأة نفسها: فأحياناً تكون هي السبب، ليس لأنها ترغب في التعنيف، ولكن بسبب التربية الضعيفة والتنشئة على أنها مخلوق ضعيف وعليها أن تتقبل كل صور التعنيف التي تتعرض لها دون مقاومة؛ من الأب من الأخ من الزوج ومن كل شخص آخر. ولهذا، فإننا نعمل على برامج التمكين للشباب والشابات لخلق جيل جديد يلم بحقوقه ويدافع عنها.
> الأنظمة والتشريعات: فلم تكن تساعد، وهذه حقيقة، ولا ننكر أن هناك فرقاً الآن عمّا قبل 10 سنوات أو أكثر، ونحن بحاجة لكثير من التمكين للمرأة، وإننا على يقين بأن تفعيل الأنظمة سيكون أقوى قريباً.
> الرفيق أو الزوج؛ وفقاً للإحصاءات العالمية، وكذلك العلاقات خارج إطار الشرعية التي تؤدي لممارسات خاطئة. فنجد أن العنف يأتي من الرفيق والصديق الذي تعاشره المرأة. وفي مجتمعنا، نجد أن الزوج هو رقم واحد في التعنيف، يليه الأب والأخ».
-- صور العنف
وأضافت البروفسورة سامية العمودي أن «معظم صور العنف التي يعاني منها المجتمع تكون نتيجة ضعف المعلومة والتمكين الصحي، والجهل بالأنظمة والتشريعات، وهذا للأسف ليس فقط عند أفراد المجتمع العاديين؛ ولكن أيضاً لدى الأطباء والعاملين الصحيين، فينتج عنه العنف». وأوردت صورتين توضح ذلك:
- الصورة الأولى: امرأة في العشرين من العمر حضرت للولادة، ورفض موظف الاستقبال إدخالها إلا بتوقيع من زوجها بالموافقة. وعند الولادة طلبت إعطاءها إبرة الظهر، لكن زوجها رفض ذلك فلم تُعطَ لها. وعند الخروج، لم يُسمح لها بتسلم أوراق إثبات الولادة لأن ذلك من شؤون الزوج. حدث كل ذلك، في حين أنها هي صاحبة القضية ولها حق التقرير في كل ذلك، وتكفله لها تعاميم وزارة الصحة الصادرة عام 1984، ولكن يجهلها حتى العاملون في القطاع الصحي.
- الصورة الثانية: مريضة حضرت لعيادة النساء والولادة، وعند إخبارها بحاجتها لعملية، طلبت إدخال زوجها ليس من باب الاحترام؛ وإنما لاعتقادها بأنه يفهم أكثر منها في هذه الأمور، وهو من يوقّع بالموافقة على العملية. إنها صورة من صور العنف الإنساني الحقوقي للمرأة.
-- آثار سلبية
من الآثار السلبية لتعنيف المرأة:
> آثار جسدية: وتنتهي عادة بالعلاج الطبي.
> آثار نفسية: قد تلازم المعنَّفة لآخر عمرها، وتحتاج لعلاج نفسي قد يطول.
> آثار اجتماعية: فالمرأة المعنَّفة تفتقد الأمان الأسري وقد كسر لديها كثير من المشاعر، فكيف لها أن تربي جيلاً سليماً إن لم تصبح هي الأخرى معنِّفة لأطفالها ولغيرهم؛ وفقاً لدراسات اجتماعية تشير إلى أن المعنَّف قد يصبح معنِّفاً لغيره، وأن المتحرَّش به قد يصبح متحرِّشاً بالآخرين، في رد فعل ونتيجة الشعور بالحقد والرغبة في الانتقام؟ إنها مسألة خطيرة.
-- الحلول
أجمع البروفسور عبد الجبار والبروفسورة العمودي على أهمية التوعية، وتغيير المفاهيم، وسنّ القوانين، كما يلي:
- أولاً: التوعية لتغيير المفاهيم الطبية عند العاملين الصحيين، والمنطق عند المرأة، وهذا يحتاج إلى جهد كبير من الجمعيات والجامعات والمدارس لتقديم مبادرات ومحاضرات، للأولاد قبل البنات، لخلق جيل واثق وواعٍ، وهذا يأخذ وقتاً طويلاً.
- ثانياً: سنّ الأنظمة والقوانين وتفعيلها ومتابعتها ومعاقبة من لا يطبقها.
- ثالثاً: إشاعة الحب في المجتمع ليكون خالياً من العنف، فالعنف أساسه الكراهية. ويجب تربية الأبناء والأسرة والمجتمع على الحب والتفاهم ونبذ الكراهية والبغض والحقد.
- رابعاً: لا شك في أن العلاج النفسي جزء من العلاج الذي تحتاجه المعنَّفة. وهناك «برنامج الأمان الأسري» الذي يقدم برامج مختصة في إعادة التأهيل والدعم النفسي والاجتماعي وبناء الثقة لدى المعنَّفة وتخطي المشكلات النفسية، وله نتائج ممتازة.
- خامساً: التمكين الصحي يوفر للمرأة المعلومة ويعرفها بحقوقها، ودور المرأة أن تمكن نفسها من المعلومة ومن الأنظمة والقوانين والتشريعات فتقي نفسها من التعنيف.
-- «رؤية 2030» تعيد للسعودية حقوقها
> تقول البروفسورة سامية العمودي إن «المرأة في مجتمعنا عاشت، لعقود، لا تعرف مصطلح (حقوق) أو (تمكين)، بعكس الأجيال الجديدة لمن هم في العشرينات من العمر، فأصبحت معلوماتهن الحقوقية مختلفة كثيراً عمّا كانت عليه سابقاً. اليوم، مع التمكين وزيادة الوعي الذي يتوافق مع {رؤية المملكة 2030}استطعنا أن نكسر حاجز الصمت في المجتمع، وأصبح للمرأة صوت يصل إلى المسؤولين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى لو كانت محبوسة في بيتها فتستطيع أن ترسل رسالة أو تغريدة تأخذ بها حقها. لقد مكنت {الرؤية} المرأة اقتصادياً واجتماعياً ونفسياً وصحياً وأيضاً استعادة ونيل حقوقها وفقاً للشريعة، والحق الصحي يأتي على رأس القائمة، فإذا لم تنل الحق الصحي فلن تستطيع أن تطالب ببقية الحقوق».


مقالات ذات صلة

«قذرات غبيات»… بريجيت ماكرون تأسف إذا آذت نساءً ضحايا عنف جنسي

أوروبا بريجيت ماكرون زوجة الرئيس الفرنسي تصل إلى مراسم إحياء الذكرى العاشرة لهجمات إرهابية في باريس... 13 نوفمبر 2025 (أ.ب)

«قذرات غبيات»… بريجيت ماكرون تأسف إذا آذت نساءً ضحايا عنف جنسي

قالت بريجيت ماكرون، زوجة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إنها تشعر بـ«الأسف» إذا كانت تصريحاتها قد آذت نساءً تعرّضن للعنف الجنسي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
آسيا دعت الأمم المتحدة الأحد سلطات «طالبان» إلى رفع حظر تفرضه منذ 3 أشهر على عمل موظفاتها الأفغانيات في مقراتها في أفغانستان (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة تدعو «طالبان» إلى السماح للأفغانيات بالعمل في مكاتبها

دعت الأمم المتحدة، الأحد، سلطات «طالبان» إلى رفع حظر تفرضه منذ 3 أشهر على عمل موظفاتها الأفغانيات في مقراتها في أفغانستان.

«الشرق الأوسط» (كابول)
صحتك سيدة تعمل في منزلها وأمامها طفلها في هولندا (أرشيفية - رويترز)

دراسة تكشف: العمل من المنزل يُعزز الصحة النفسية للنساء أكثر من الرجال

وجدت دراسة تمت على أكثر من 16 ألف عامل في أستراليا أن العمل من المنزل يُعزز الصحة النفسية للنساء أكثر من الرجال.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق إطلاق حملة  لمناهضة التنمر الرقمي ضد النساء (مكتبة الإسكندرية)

مكتبة الإسكندرية تكتسي بـ«البرتقالي» لمناهضة العنف ضد المرأة

اكتست مكتبة الإسكندرية باللون البرتقالي مساء الاثنين للتعبير عن التضامن العالمي لإنهاء أشكال العنف كافة ضد النساء والفتيات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
تحليل إخباري لاغارد تتحدث إلى وسائل الإعلام بعد اجتماع مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي (رويترز)

تحليل إخباري تغيير «الحرس» في «المركزي الأوروبي»... التنوع أول ضحاياه

شرع مسؤولون بمنطقة اليورو في عملية تستغرق عامين لاستبدال غالبية أعضاء المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي، بما في ذلك الرئيسة كريستين لاغارد.

«الشرق الأوسط» (فرنكفورت)

هل تُحسّن حمامات «الساونا» الصحة فعلاً؟

الساونا تُعدّ مكافأة بعد التمرين لبعض الناس بينما تُشكّل عامل الجذب الرئيسي لآخرين (بيكسلز)
الساونا تُعدّ مكافأة بعد التمرين لبعض الناس بينما تُشكّل عامل الجذب الرئيسي لآخرين (بيكسلز)
TT

هل تُحسّن حمامات «الساونا» الصحة فعلاً؟

الساونا تُعدّ مكافأة بعد التمرين لبعض الناس بينما تُشكّل عامل الجذب الرئيسي لآخرين (بيكسلز)
الساونا تُعدّ مكافأة بعد التمرين لبعض الناس بينما تُشكّل عامل الجذب الرئيسي لآخرين (بيكسلز)

عند تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، قد يتبادر إلى ذهنك أن حمامات الساونا والغطس في الماء البارد أشبه بعلاج سحري، يُعزز المناعة، ويحرق الدهون، ويُعالج كل شيء من آلام المفاصل إلى تقلبات المزاج.

لكن الحقيقة، كما يقول الخبراء، أكثر تعقيداً.

أفادت الدكتورة هيذر ماسي، الأستاذة المشاركة في علم البيئة القاسية وعلم وظائف الأعضاء بجامعة بورتسموث البريطانية: «هناك الكثير ممن يُؤمنون بفاعلية التعرض للحرارة والبرودة، لكننا لا نملك حتى الآن أدلة كافية تُؤكد فوائدها بشكل قاطع».

وتُوضح أن أجسامنا «مذهلة» في الحفاظ على استقرار درجة حرارتها الداخلية، التي تتراوح عادةً بين 36.5 و37 درجة مئوية.

وفي حياتنا اليومية، نادراً ما نُعرّض هذا النظام للخطر؛ إذ نقضي فترات طويلة في أماكن مُدفأة أو مُكيّفة.

وتُضيف أن تسخين الجسم أو تبريده يُسبب ضغطاً طفيفاً، قد يُحفز استجابات تكيفية أو وقائية، حسب هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).

العلم وراء الساونا

تكمن جاذبية الساونا في هذه الفكرة، حيث نادراً ما تخلو منها الصالات الرياضية والمنتجعات الصحية هذه الأيام.

بالنسبة للبعض، تُعدّ الساونا مكافأة بعد التمرين، بينما تُشكّل عامل الجذب الرئيسي للبعض الآخر، ويُقسم الكثيرون بفوائدها، مُقتنعين بأنّ 15 دقيقة من الحرارة الشديدة تُحدث فرقاً كبيراً في صحة الجسم والعقل.

ولا شكّ في أنّها تُشعِر بالراحة.

قالت الدكتورة ماسي: «عندما تجلس في الساونا وتتعرّق، قد تشعر بمزيد من الاسترخاء والحرية، وتزداد مرونتك، وقد تخفّ آلامك قليلاً... إذن، هناك بالتأكيد بعض الفوائد لاستخدام الساونا، لكن السؤال هو: هل هذه فائدة صحية طويلة الأمد أم أنها فائدة نفسية في المقام الأول؟».

أوضحت ماسي أن دراسة حديثة أجريت على أشخاص خضعوا لجلسات متكررة في أحواض المياه الساخنة، وأظهرت النتائج تغيرات في مستويات الأنسولين وضغط الدم.

وأضافت: «بدأنا بدراسة ما إذا كان تسخين الجسم قد يُفيد الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة».

مع ذلك، تحثّ على توخي الحذر عند إطلاق ادعاءات صحية جريئة؛ إذ لا تزال الأدلة العلمية الموثوقة محدودة.

شرحت: «لم نُجرِ تجربة سريرية حقيقية للساونا. أعتقد أننا سنكتشف فوائد في المستقبل، لكننا لم نصل إلى هذه المرحلة بعد».

وأكدت أنه من المعقول حالياً الاستمتاع بهذه العادة لما تُضفيه من شعور، دون افتراض أنها طريق مختصر ومضمون لتحسين الصحة.

وإذا قررت تجربة الساونا أو أحواض المياه الساخنة، تنصح الدكتورة ماسي بالحذر، والبدء تدريجياً، واستشارة طبيبك أولاً إذا كنت تعاني من أي أمراض مزمنة أو كنتِ حاملاً.

ماذا عن السباحة في الماء البارد؟

يُفضّل البعض تجربة عكس ذلك تماماً.

تزداد شعبية مجموعات السباحة في الماء البارد، حيث باتت السباحة في الصباح الباكر مشهداً مألوفاً على الشواطئ والبحيرات والأنهار.

تمارس الدكتورة ماسي، التي سبحت في القناة الإنجليزية وشاركت في بطولة العالم للسباحة في الجليد، السباحة في الماء البارد مرة واحدة أسبوعياً، لكنها لا تمكث فيه سوى بضع دقائق.

تجد الأمر «مؤلماً» في البداية، لكن تلك الصدمة الأولية هي ما يسعى إليه الناس.

تشرح قائلة: «عند الغطس لأول مرة، ينتابك شعورٌ بالاختناق اللاإرادي وتسارع في التنفس». يرتفع معدل ضربات القلب وضغط الدم، وتزداد هرمونات التوتر مثل الكورتيزول والأدرينالين.

وتضيف: «تصل هذه الاستجابة إلى ذروتها بعد نحو 30 ثانية، ثم تتلاشى بسرعة كبيرة».

يُقلل التعرض المتكرر من استجابة الصدمة، وبعد عدة مرات، يمكن تقليلها بنسبة 50 في المائة تقريباً.


الأمعاء الصحية تساعد في إدارة القلق... كيف؟

الأفراد الذين يواجهون القلق غالباً ما يُعانون من انخفاض في تنوع الميكروبات واختلال في توازن بكتيريا الأمعاء (بيكسلز)
الأفراد الذين يواجهون القلق غالباً ما يُعانون من انخفاض في تنوع الميكروبات واختلال في توازن بكتيريا الأمعاء (بيكسلز)
TT

الأمعاء الصحية تساعد في إدارة القلق... كيف؟

الأفراد الذين يواجهون القلق غالباً ما يُعانون من انخفاض في تنوع الميكروبات واختلال في توازن بكتيريا الأمعاء (بيكسلز)
الأفراد الذين يواجهون القلق غالباً ما يُعانون من انخفاض في تنوع الميكروبات واختلال في توازن بكتيريا الأمعاء (بيكسلز)

يعاني كثير من الأشخاص من قلق شديد، مصحوب بأعراض تتراوح بين تسارع الأفكار والأرق، وصولاً إلى نوبات الهلع. وبينما تُعتبر العلاجات النفسية وتغييرات نمط الحياة، وأحياناً الأدوية، عناصر أساسية في إدارة القلق، فإن صحة الأمعاء تُعدُّ جانباً غالباً ما يُغفل عنه.

وتزداد الأدلة التي تُشير إلى أن توازن البكتيريا والكائنات الحية الدقيقة الأخرى في الأمعاء -المعروفة باسم الميكروبيوم المعوي- يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالصحة النفسية، ولا سيما حالات القلق والاكتئاب، وفقاً لموقع «هيلث لاين».

وعلى سبيل المثال، أظهرت البحوث أن الأفراد الذين يعانون من القلق غالباً ما يُعانون من انخفاض في تنوع الميكروبات، واختلال في توازن بكتيريا الأمعاء.

وعندما يختل توازن الأمعاء، قد يُساهم ذلك في حدوث التهاب، ويُعطِّل إنتاج النواقل العصبية المنظمة للمزاج، مثل السيروتونين. لذا، فإن دعم صحة الأمعاء قد يُساعد في تخفيف أعراض القلق وتحسين الصحة النفسية العامة.

وفيما يلي بعض الطرق المُستندة إلى الأدلة لتحسين صحة الأمعاء، والتي قد تُساعد أيضاً في دعم التوازن العاطفي:

اختر الأطعمة الكاملة المفيدة للأمعاء

يلعب النظام الغذائي دوراً رئيسياً في صحة ميكروبيوم الأمعاء. فالأطعمة المُصنَّعة بكثرة، والسكريات المُضافة، والدهون المُشبعة، تُغذي البكتيريا الضارة، وتُعزز الالتهابات، وهما عاملان قد يُؤثران سلباً على الصحة النفسية.

فحاول استبدال الأطعمة الكاملة بالأطعمة فائقة المعالجة، والغنية بالسكريات والدهون.

وتشمل هذه الأطعمة:

الأطعمة الغنية بالألياف: البروكلي، والكرنب، والشوفان، والبازلاء، والأفوكادو، والكمثرى، والموز، والتوت، فهي غنية بالألياف التي تُساعد على الهضم الصحي.

الأطعمة الغنية بأحماض «أوميغا 3» الدهنية: سمك السلمون، والماكريل، والجوز، وبذور الشيا، وبذور الكتان، فهي غنية بأحماض «أوميغا 3» التي قد تُساعد على تقليل الالتهابات وتحسين الهضم.

تناول الأطعمة الغنية بالبروبيوتيك والبريبيوتيك

يعتمد توازن ميكروبيوم الأمعاء على كلٍّ من البروبيوتيك (البكتيريا النافعة) والبريبيوتيك (الألياف التي تغذيها). ويمكن أن يساعد تناول مزيج من كليهما في دعم التنوع الميكروبي، المرتبط بصحة عقلية وهضمية أفضل.

من طرق إدخال البروبيوتيك والبريبيوتيك في نظامك الغذائي ما يلي:

أطعمة غنية بالبروبيوتيك: مخلل الملفوف، والكفير، والكيمتشي، والكومبوتشا، وخل التفاح، والكفاس، والزبادي عالي الجودة.

أطعمة غنية بالبريبيوتيك: الجيكاما، والهليون، وجذر الهندباء البرية، وأوراق الهندباء، والبصل، والثوم، والكراث.

مارِس عادات هضم صحية

لا يقتصر دعم الهضم على ما تأكله فحسب؛ بل تلعب العادات اليومية دوراً أساسياً في صحة الأمعاء والصحة النفسية.

حافظ على رطوبة جسمك: يساعد الماء على تحريك الطعام عبر الجهاز الهضمي، ويدعم امتصاص العناصر الغذائية.

تناول الطعام بوعي: تناول الطعام ببطء وفي جو هادئ يُحسِّن الهضم ويُخفف التوتر.

مارس الرياضة بانتظام: النشاط البدني يدعم انتظام حركة الأمعاء ووظائفها.

احصل على قسط كافٍ من النوم: قلة النوم تُخلُّ بتوازن البكتيريا النافعة في الأمعاء، وتزيد من القلق. احرص على النوم من 7 إلى 9 ساعات كل ليلة.


دور السردين في المحافظة على مستويات السكر في الدم

أحماض أوميغا 3 الموجودة في  السردين تساعد في المحافظة على مستويات السكر في الدم (بيكسباي)
أحماض أوميغا 3 الموجودة في السردين تساعد في المحافظة على مستويات السكر في الدم (بيكسباي)
TT

دور السردين في المحافظة على مستويات السكر في الدم

أحماض أوميغا 3 الموجودة في  السردين تساعد في المحافظة على مستويات السكر في الدم (بيكسباي)
أحماض أوميغا 3 الموجودة في السردين تساعد في المحافظة على مستويات السكر في الدم (بيكسباي)

تعرف الفوائد الصحية للسردين والأسماك الدهنية على نطاق واسع، فمحتواها العالي من الدهون غير المشبعة يُساعد على تنظيم مستويات الكولسترول والوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية. لكن فوائدها لا تتوقف عند هذا الحد، حيث تساعد عناصر غذائية مثل التورين، وأوميغا 3، والكالسيوم، وفيتامين د، الموجودة في السردين على الوقاية من الأمراض.

كما يُحسّن تناول السردين مؤشرات صحية أخرى، مثل تنظيم الكولسترول وخفض الدهون الثلاثية وضغط الدم.

ويساعد السردين في المحافظة على مستويات السكر في الدم لاحتوائه على بروتين عالي الجودة وأحماض أوميغا 3 الدهنية، التي تساهم في تحسين حساسية الإنسولين وتقليل الالتهابات المرتبطة بارتفاع السكر.

ما السردين؟

السردين هو سمك زيتي صغير الحجم يمكن تناوله طازجاً أو معلباً سواء في الزيت أو صلصة الطماطم. ينتمي السردين إلى عائلة الرنجة، وهو معروف باحتوائه على نسبة عالية من البيوفا (PUFA)، بالإضافة إلى مستويات الكالسيوم والحديد والمغنسيوم والبوتاسيوم والفوسفور وفيتامين «د» وفيتامين «ب 12».

تحتوي كل 100 غرام من السردين المطبوخ على نحو 382 ملغم من الكالسيوم، أي ما يعادل 38 في المائة من الكمية اليومية الموصى بها. كما أنه يحتوي أيضاً على 2.9 ملغم من الحديد، و490 ملغم من الفوسفور، و8.9 ميكروغرام من فيتامين «ب 12»، وكلها تدعم صحة العظام وتكوين خلايا الدم الحمراء ووظائف القلب والأوعية الدموية.

السردين والسكري

أُجريت الدراسة على مجموعة من المشاركين الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً فأكثر. ومع ذلك، يدّعي الباحثون إمكانية تعميم النتائج على فئات عمرية أخرى. حيث كشفت دراسة أجرتها ديانا دياز ريزولو، المحاضرة والباحثة في كلية العلوم الصحية بجامعة كاتالونيا المفتوحة أن الاستهلاك المنتظم للسردين يُساعد على الوقاية من داء السكري من النوع الثاني، حيث تُساعد العناصر الغذائية الموجودة بكميات كبيرة في السردين، مثل التورين وأوميغا 3 والكالسيوم وفيتامين د، على الوقاية من داء السكري.

وأوضحت د. ريزولو قائلةً: «لا يقتصر الأمر على كون السردين ميسور التكلفة ويسهل الحصول عليه، بل إنه آمن ويُساعد على الوقاية من الإصابة بداء السكري من النوع الثاني. ومن السهل التوصية بهذا الطعام خلال الفحوصات الطبية، وهو مقبول على نطاق واسع بين الناس».

علبتان من السردين أسبوعياً

شملت الدراسة 152 مريضاً من كبار السن (65 عاماً فأكثر) تم تشخيص إصابتهم بمقدمات السكري (مستويات سكر الدم بين 100 و124 ملغم/ديسيلتر) وخضع جميع المرضى لبرنامج غذائي يهدف إلى تقليل خطر إصابتهم بالمرض، ولكن المجموعة التي تلقت التدخل الغذائي فقط هي التي أضافت 200 غرام من السردين إلى نظامها الغذائي أسبوعياً (علبتان من السردين في زيت الزيتون). ولتسهيل هذا الاستهلاك، تلقى المشاركون في الدراسة قائمة بوصفات تتضمن السردين المعلب. ونُصح المشاركون بتناول السردين كاملاً، دون إزالة العظام، لأنها غنية بالكالسيوم وفيتامين د.

من بين المجموعة التي لم تتناول السردين، كان 27 في المائة من أفرادها معرضين لخطر الإصابة بداء السكري (تم قياس ذلك باستخدام استبيان FINDRISC). وبعد عام، انخفضت هذه النسبة إلى 22 في المائة. من بين المجموعة التي تناولت السردين ضمن نظامها الغذائي، كان 37 في المائة من أفرادها معرضين لخطر الإصابة بداء السكري عند بداية الدراسة. وبعد عام، انخفضت هذه النسبة إلى 8 في المائة فقط. كما لوحظ تحسن في مؤشرات حيوية هامة أخرى، مثل انخفاض مؤشر مقاومة الإنسولين (HOMA-IR)، وارتفاع مستوى الكولسترول الجيد (HDL)، وزيادة هرمونات تسريع تكسير الغلوكوز (الأديبونكتين)، وانخفاض مستوى الدهون الثلاثية وضغط الدم، وغيرها.

أُجريت الدراسة على مشاركين تبلغ أعمارهم 65 عاماً فأكثر، نظراً لارتفاع معدل الإصابة بداء السكري لدى كبار السن مقارنةً بالشباب. وصرح الدكتور ريزولو قائلاً: «مع التقدم في السن، قد تساعد الأنظمة الغذائية المقيدة (من حيث السعرات الحرارية أو المجموعات الغذائية) في الوقاية من داء السكري».

دور الغذاء الوقائي وليس المكملات الغذائية

إن أطعمة مثل السردين - الغنية بالتورين، وأوميغا 3، والكالسيوم، وفيتامين د - لها تأثير وقائي واضح ضد الإصابة بداء السكري، ولا يعني ذلك أن تناول المكملات الغذائية وحدها سيؤدي إلى نفس التأثير. وأوضحت ريزولو: «يمكن للعناصر الغذائية أن تلعب دوراً أساسياً في الوقاية من العديد من الأمراض وعلاجها، ولكن تأثيرها عادةً ما يكون ناتجاً عن التآزر بينها وبين الطعام الذي تحتوي عليه. لذا، يتمتع السردين بعنصر وقائي لأنه غني بالعناصر الغذائية المذكورة، بينما لا تُجدي العناصر الغذائية المتناولة بشكل منفرد على شكل مكملات غذائية نفعاً بنفس القدر».

.