بطل هندي عجوز قضى عمره في تكريم الموتى مجهولي الهوية

قضى بطل هندي 28 عاماً من عمره في فعل شيء لا يجرؤ كثيرون غيره على مجرد التفكير فيه، فقد حرص محمد شريف (82 عاماً)، على إجراء الطقوس الأخيرة المناسبة لما يزيد على 25.000 جثمان لم يتم التعرف على هويتها، بغض النظر عن ديانة المتوفى. واليوم، حصل شريف على أعلى رابع وسام هندي: «بادما شري».
كان شريف قد حرص على حفر قبور للمسلمين، وإشعال المحارق الجنائزية أثناء تأدية الطقوس الأخيرة لهندوس، بينما رقدت أجسادهم دون أن يتعرف على هويتها أحد.
كانت بعض الجثامين مقطوعة الرأس، والآخر متيبس بسبب التخشب الموتي، والبعض الآخر متحلل. وكانت بعض الجثث مغطاة بملابس غارقة في الدماء، لكن أياً من ذلك لم يمنع شريف الذي يعمل ميكانيكياً بمجال الدراجات من المضي قدماً فيما عاهد نفسه على الاضطلاع به.
كما يبدي شريف حرصه على الحفاظ على التناغم الطائفي داخل مجتمعه، واحتفظ بسجل لجميع من تولى إجراء الطقوس الأخيرة لهم وكذلك صور لهم. وفي كل يوم، يتولى شريف جمع الجثث المهجورة ويحفر قبوراً ويشعل نيراناً جنائزية داخل منطقة حرق جثث الموتى، بغية توفير نهاية لائقة للموتى. أما الحدث الذي دفع شريف نحو اتخاذ هذا المسار في حياته فكان مأساة متكاملة الأركان. بدأ الأمر بعد وفاة نجله الأكبر، موهد رايس خان، في فبراير (شباط) 1992.
وعن الحادث الأليم، قال شريف تشاتشا، وهي كلمة تعني «عم»: «كان ابني قد نال لتوه شهادة الطب عام ،1992 وتوجه ذات يوم لعمله كصيدلاني، لكنه ظل مفقوداً طوال شهر. وبعد ذلك عثر عليه مقتولاً وجسده ملقى على الطريق داخل جوال لمدة شهر، ونهشت حيوانات ضالة أجزاء من جسده».
كان ذلك الحادث الذي غير مسار حياة محمد شريف إلى الأبد، وقرر منذ ذلك الحين رعاية الجثث مجهولة الهوية في أي مكان داخل الضاحية التي يقطنها. وقرر أن يضطلع بمهمة توفير مراسم دفن لائقة لأي جثمان مجهول بغض النظر عن الديانة.
وقال: «عندما فقدت ابني، ولم أتمكن من توفير مراسم دفن لائقة له، قررت تولي مسؤولية إجراء الطقوس الأخيرة لدفن الجثامين المجهولة، وألا أترك جثماناً مجهولاً يلقى المصير ذاته». وبالفعل، يتنقل شريف كل يوم ما بين عمله في إصلاح الدراجات والمقابر ومناطق حرق الجثث.
وقال: «يأتي الكثيرون إلي، ويسألون عن أطفالهم المفقودين، وإذا ما قمت بحرق أجسادهم أو دفنها. وعندما يكتشفون أن طفلاً لهم حصل على طقوس دفن أو حرق لائقة، ينهارون ويغدقون الشكر عليّ، ويبدو امتنانهم متجاوزاً لحدود التعبير».
ولم تقتصر جهود شريف على حرق ودفن جثث الموتى من المسلمين والهندوس، وإنما امتدت كذلك إلى إجراء الطقوس الأخيرة للسيخ والمسيحيين. ويأتي ذلك على الرغم من أنه يعيش في فقر شديد مع نجله الآخر، ويكفي دخله بالكاد مصاريف الاحتياجات الضرورية له. ومع هذا، فإنه عندما يتعلق الأمر بتوفير الطقوس الأخيرة اللائقة للموتى، لا يتردد شريف تجاه إغداق جزء كبير من دخله على هذا الأمر. وعن التكريم الذي ناله، قال شريف: «أنا سعيد بالتكريم الذي نلته. ويتدفق الجميع على منزلي الآن». يذكر أنه عندما أعلنت للمرة الأولى أنباء حصول شريف على وسام «بادما شري»، كان في زيارة لضريح.
وقال عن ذلك الموقف: «أتي إليّ رجل شرطة، وأخبرني أنني مطلوب على نحو عاجل في مكتب مأمور الضاحية. وسألته ماذا فعلت، لكن لم يجبني ولم يسمح لي حتى باصطحاب دراجتي معي. داخل مكتب مأمور الضاحية، قدموا لي الورود وأمسك المأمور بيدي، وأخبرني بأمر الجائزة. ورحب بي رئيس الوزراء ناريندرا مودي، كثيراً، وأكد لي أنه سينظر في جميع المشكلات المالية التي أعانيها، وسيوفر تمويلاً رسمياً لجهود الحرق والدفن. لقد احتفت الحكومة بجهودي عبر تقديم الميدالية والمال. أمر لم أحلم به قط، وأهديه اليوم إلى ابني المتوفى والمئات الآخرين الذين ماتوا دون أن ينالوا الدفن اللائق».
وأكد شريف أنه لا ينظر إلى أي شخص باعتباره «هندوسياً أو مسلماً»، مؤكداً أن «الجميع بشر. نحن بشر في المقام الأول، وتجري في عروقنا الدماء ذاتها. ولا أميز بين الهندوس والمسلمين عندما يتعلق الأمر بحرق أو دفن الجثامين». ونظراً لضيق ذات اليد، يعتمد شريف على التبرعات في الاستمرار في مهمته. ويتضمن روتين عمله زيارة أقسام الشرطة والمستشفيات القريبة ومحطات السكك الحديدية والمشرحة بحثاً عن أي جثمان مجهول الهوية.
وتبعاً للإجراءات الجديدة المقررة، ستتولى الشرطة تسليم الجثامين إلى شريف فقط، بعد مرور 72 ساعة دون أن يتعرف عليها أحد.
من جانبه، أكد شريف أنه واجه صعوبات مالية مرات كثيرة، لكنه استمر في جهوده بفضل التبرعات.
وظهر البطل العجوز في برنامج «ساتياميف جايات» الذي يستضيفه الممثل عامر خان، الذي حرص على التحقق من القصة بنفسه قبل البرنامج.
وربما تمثل هذه المرة الأولى التي يمنح فيها وسام «بادما شري» إلى أشخاص معنيين بالعمل الإنساني.
وقال شريف: «مع تقدمي في العمر، اضطررت للاستعانة بمعاونين، وهم سانتوش وموهد إسماعيل وشيام فيشواكارما الذين لا يطلبون أجراً مقابل جهودهم في دفن الأطفال. وتبلغ تكلفة عملية الدفن 3.000 روبية على الأقل، بينما تتراوح تكلفة حرق الجثمان بين 3.000 و3.500 روبية».