«العلاقات السعودية ـ الإماراتية في ضوء التحديات المشتركة»

تركي الدخيل يتحدث عن قيمة فكرة «الأحلاف» في العقل السياسي والاجتماعي للدولتين

«العلاقات السعودية ـ الإماراتية في ضوء التحديات المشتركة»
TT

«العلاقات السعودية ـ الإماراتية في ضوء التحديات المشتركة»

«العلاقات السعودية ـ الإماراتية في ضوء التحديات المشتركة»

عن «مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية - سلسلة محاضرات الإمارات»، صدر لتركي بن عبد الله الدخيل، سفير المملكة العربية السعودية لدى دولة الإمارات العربية المتحدة، كتاب «العلاقات السعودية - الإماراتية في ضوء التحديات المشتركة»، في 102 صفحة من القطع المتوسط.
وتناول المؤلف عبر عناوين كثيرة بداية العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، التي يحكمها، كما مع كل بلدان الخليج العربية، «تشابه التكوين الاجتماعي، والإنساني، واللغوي، والجغرافي، والتاريخي». وتعود هذه العلاقة، قبل كل قيام كل من الدولتين في شكلها الرسمي الراهن، وتطورت لاحقاً؛ مما جعل التنسيق المشترك بينهما نهجاً في تدبير الشأنين العربي والإقليمي. وقد بُني هذا التنسيق، كما يذكر الدخيل، «على رصيد من الواقعية، المستمدة من الخبرة السياسية للدولتين، وتجاربهما الداخلية، ويمكن أن نطلق عليه ذاكرة الأخلاق السياسية للتحالفات في عقل صانعي القرار. ولهذا فإن فهم التحالف وتفسيره لا يقتصران على سرد المصالح الراهنة فقط، بل العودة إلى المعطيات التاريخية، التي تكشف عن قيمة فكرة (الأحلاف) في العقل السياسي والاجتماعي للدولتين».
وتطرق المؤلف إلى التعاون الاقتصادي بين البلدين، باعتباره ركيزة مهمة في توطيد التكامل بينهما، ويذكر هنا أن «دولة الإمارات العربية المتحدة شكلت ثالث أكبر مورد إلى المملكة العربية السعودية، وسادس أكبر مستورد منها، في عام 2017، بنسبة 7 في المائة من إجمالي الصادرات السعودية». وفي الربع الأول من عام 2019 «جاءت دولة الإمارات العربية المتحدة الشريك التجاري الأكبر للسعودية، على مستوى تجارتها مع الدول العربية؛ إذ استحوذت على 43 في المائة من حجم تجارة المملكة العربية السعودية مقارنة بنسبة 4.15 في المائة في الربع الأول من عام 2018».
وتطرق تركي الدخيل أيضاً إلى تعاون البلدين على مستوى مكافحة التطرف والإرهاب، فقد اتجهت «المملكة العربية السعودية، بقيادة الأمير محمد بن سلمان إلى إنشاء التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، وكانت الإمارات العربية المتحدة من أولى الدول الحاضرة بقوة في التحالف»، كما أشار المؤلف إلى تأسيس المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال)، في 21 مايو (أيار) على هامش انعقاد القمة العربية - الإسلامية - الأميركية، ضاماً في عضويته دولة الإمارات العربية المتحدة. وتجسد التحالف السعودي - الإماراتي في مكافحة الإرهاب في اليمن، الذي توج بـ«عاصفة الحزم»، لدعم الشرعية في هذا البلد، وكذلك في دعمهما جهود مكافحة الإرهاب في الساحل الأفريقي، بالإضافة إلى جوانب أخرى عرفت تعاوناً وثيقاً بين البلدين، ومنها الجانب الإعلامي، حيث اعتمدت السعودية والإمارات استراتيجية مباشرة في وأد الإشاعات والأخبار الكاذبة التي تطال البلدين.



«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»
TT

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة أو أن تُحسب دراسته، على الرغم من التفصيل والإسهاب في مادة البحث، أحدَ الإسهامات في حقل النسوية والجندر، قدر ما يكشف فيها عن الآليات الآيديولوجية العامة المتحكمة في العالمَين القديم والجديد على حد سواء، أو كما تابع المؤلف عبر أبحاثه السابقة خلال أطروحته النظرية «العالم... الحيز الدائري» الذي يشتمل على أعراف وتقاليد وحقائق متواصلة منذ عصور قديمة وحديثة مشتركة ومتداخلة، وتأتي في عداد اليقين؛ لكنها لا تعدو في النهاية أوهاماً متنقلة من حقبة إلى أخرى، وقابلة للنبذ والنقض والتجدد ضمن حَيِّزَيها التاريخي والاجتماعي، من مرحلة الصيد إلى مرحلة الرعي، ومنهما إلى العصرَين الزراعي والصناعي؛ من الكهف إلى البيت، ومن القبيلة إلى الدولة، ومن الوحشية إلى البربرية، ومنهما إلى المجهول وغبار التاريخ.

ويشترك الكتاب، الصادر حديثاً عن دار «الياسمين» بالقاهرة، مع أصداء ما تطرحه الدراسات الحديثة في بناء السلام وحقوق الإنسان والعلوم الإنسانية المتجاورة التي تنشد قطيعة معرفية مع ثقافة العصور الحداثية السابقة، وتنشئ تصوراتها الجديدة في المعرفة.

لم يكن اختيار الباحث فالح مهدي إحدى الظواهر الإنسانية، وهي «المرأة»، ورصد أدوارها في وادي الرافدين ومصر وأفريقيا في العالمَين القديم والجديد، سوى تعبير عن استكمال وتعزيز أطروحته النظرية لما يمكن أن يسمَى «التنافذ الحقوقي والسياسي والقانوني والسكاني بين العصور»، وتتبع المعطيات العامة في تأسس النظم العائلية الأبوية، والأُمّوية أو الذرية، وما ينجم عن فضائها التاريخي من قرارات حاكمة لها طابع تواصلي بين السابق واللاحق من طرائق الأحياز المكانية والزمانية والإنسانية.

إن هذه الآليات تعمل، في ما يدرسه الكتاب، بوصفها موجِّهاً في مسيرة بشرية نحو المجهول، ومبتغى الباحث هو الكشف عن هذا المجهول عبر ما سماه «بين غبار التاريخ وصورة الحاضر المتقدم».

كان الباحث فالح مهدي معنياً بالدرجة الأساسية، عبر تناول مسهب لـ«المرأة» وعلاقات القوى المؤثرة في وجودها الإنساني عبر مسار التاريخ، بأن يؤكد أن كل ما ابتكره العالم من قيم وأعراف هو من صنع هيمنة واستقطاب الآليات الآيديولوجية، وما يعنيه بشكل مباشر أن نفهم ونفسر طبيعةَ وتَشكُّلَ هذه الآيديولوجيا تاريخياً ودورها التحويلي في جميع الظواهر؛ لأنها تعيد باستمرار بناء الحيز الدائري (مفهوم الباحث كما قلت في المقدمة) ومركزة السلطة وربطها بالأرباب لتتخذ طابعاً عمودياً، ويغدو معها العالم القديم مشتركاً ومتوافقاً مع الجديد.

إن مهدي يحاول أن يستقرئ صور «غبار التاريخ» كما يراها في مرحلتَي الصيد والرعي القديمتين، ويحللها تبعاً لمسارها في العهد الحداثي الزراعي الذي أنتج النظم العائلية، وبدورها أسفرت عن استقرار الدول والإمبراطوريات والعالم الجديد.

يرصد الكتاب عبر تناول مسهب «المرأة» وعلاقات القوى المؤثرة في وجودها الإنساني عبر مسار التاريخ في ظل استقطاب آيديولوجيات زائفة أثرت عليها بأشكال شتى

ويخلص إلى أن العصر الزراعي هو جوهر الوجود الإنساني، وأن «كل المعطيات العظيمة التي رسمت مسيرة الإنسان، من دين وفلسفة وعلوم وآداب وثقافة، كانت من نتاج هذا العصر»، ولكن هذا الجوهر الوجودي نفسه قد تضافر مع المرحلة السابقة في عملية بناء النظم العائلية، وأدى إليها بواسطة البيئة وعوامل الجغرافيا، بمعنى أن ما اضطلع به الإنسان من سعي نحو ارتقائه في مرحلتَي الصيد والرعي، آتى أكله في مرحلة الزراعة اللاحقة، ومن ثم ما استُنْبِتَ في الحيز الزراعي نضج في الحيز الصناعي بمسار جديد نحو حيز آخر.

ومن الحتم أن تضطلع المعطيات العظيمة التي أشار إليها المؤلف؛ من دين وفلسفة وعلوم وآداب زراعية؛ أي التي أنتجها العالم الزراعي، بدورها الآخر نحو المجهول وتكشف عن غبارها التاريخي في العصرَين الصناعي والإلكتروني.

إن «غبار التاريخ» يبحث عن جلاء «الحيز الدائري» في تقفي البؤس الأنثوي عبر العصور، سواء أكان، في بداية القرن العشرين، عن طريق سلوك المرأة العادية المسنّة التي قالت إنه «لا أحد يندم على إعطاء وتزويج المرأة بكلب»، أم كان لدى الباحثة المتعلمة التي تصدر كتاباً باللغة الإنجليزية وتؤكد فيه على نحو علمي، كما تعتقد، أن ختان الإناث «تأكيد على هويتهن».

وفي السياق نفسه، تتراسل دلالياً العلوم والفلسفات والكهنوت والقوانين في قاسم عضوي مشترك واحد للنظر في الظواهر الإنسانية؛ لأنها من آليات إنتاج العصر الزراعي؛ إذ تغدو الفرويدية جزءاً من المركزية الأبوية، والديكارتية غير منفصلة عن إقصاء الجسد عن الفكر، كما في الكهنوت والأرسطية في مدار التسلط والطغيان... وهي الغبار والرماد اللذان ينجليان بوصفهما صوراً مشتركة بين نظام العبودية والاسترقاق القديم، وتجدده على نحو «تَسْلِيع الإنسان» في العالم الرأسمالي الحديث.

إن مسار البؤس التاريخي للمرأة هو نتيجة مترتبة، وفقاً لهذا التواصل، على ما دقّ من الرماد التاريخي بين الثقافة والطبيعة، والمكتسب والمتوارث... حتى كان ما تؤكده الفلسفة في سياق التواصل مع العصر الزراعي، وتنفيه الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا في كشف صورة الغبار في غمار نهاية العصر الصناعي.