تخوف فرنسي من صدور أحكام قاسية بحق باحثين في طهران

رولان مارشال وفريبا عادلخواه
رولان مارشال وفريبا عادلخواه
TT

تخوف فرنسي من صدور أحكام قاسية بحق باحثين في طهران

رولان مارشال وفريبا عادلخواه
رولان مارشال وفريبا عادلخواه

مرة أخرى، دعت «لجنة دعم فريبا عادلخواه ورولان مارشال»، الباحثين الفرنسيين المعتقلين في طهران منذ بداية شهر يونيو (حزيران) الماضي إلى تجمع حصل أول من أمس، في «ساحة حقوق الإنسان» في باريس للمطالبة بإطلاق سراحهما «الفوري وغير المشروط» في ظل مخاوف من تدهور صحتهما وغياب أي معلومات مؤكدة عن مصيرهما أكان ذلك لجهة محاكمتهما أم لإخلاء سبيلهما.
واختيار الحادي عشر من فبراير (شباط) لم يكن صدفة، إذ إنه تاريخ مهم بالنسبة للثورة الإيرانية. والقائمون على اللجنة رأوا أن هذا الخيار من شأنه توفير صدى إعلامي كبير قد يكون من شأنه أن يحفز المسؤولين الإيرانيين على القيام ببادرة بعد أن فشلت الضغوط الدبلوماسية والسياسية الفرنسية في ذلك رغم «المناشدات» التي حصلت من قبل رئيس الجمهورية ووزير الخارجية وعبر القنوات الدبلوماسية العادية.
وما كان يزيد من قلق اللجنة تردي صحة عادلخواه التي أعلنت إضرابا عن الطعام في 24 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وجاء في بيان لـ«اللجنة» قبل يومين أن الحالة الصحية للباحثين قد «تدهورت كثيرا». فمن جهة وبفعل الإضراب عن الطعام، «تهاوت صحة فاريبا عادلخواه وهي تجاهد من أجل الحفاظ على توازنها».
أما مارشال، الذي يحظى برعاية قنصلية بعكس رفيقة دربه المحرومة منها لرفض السلطات الإيرانية الاعتراف بازدواج الجنسية، فإنه «يواجه مشاكل صحية يزيد حبسه من فداحتها» رغم المعالجة التي يتلقاها.
وهم «اللجنة» الأول كان الضغط على عادلخواه من أجل وضع حد لتوقفها عن الطعام الذي بدأته للاحتجاج على وضعها وللمطالبة بالإفراج عنها و«كذلك للمطالبة باحترام الحرية الأكاديمية»، وفق لجنة الدعم. بيد أن الدعوات والضغوط التي انصبت عليها من قبل اللجنة ومن كل حدب وصوب دفعتها، مؤخرا، وبعد ستة أسابيع، إلى الرضوخ لطلب وقف الإضراب. فقد أعلن محاميها سعيد دهقان، وفق ما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية أمس أن عادلخواه «استجابت لطلب خطي من نشطاء مدنيين وسياسيين وأوقفت إضرابها عن الطعام منتصف هذا اليوم أمس».
لكن هذا التطور «الإيجابي» رغم أهميته، لا يبدد قلق لجنة الدعم ولا الباحثين المعتقلين مما قد يصدر عن المحكمة من أحكام في حال تم سوقهما أمامها. فقد رجح بيان صادر عن «اللجنة»، أن المحاكمة ربما تحصل قبل العشرين من شهر مارس (آذار) المقبل، عيد النوروز، مطلع السنة الجديدة الإيرانية.
وما يخيف الباحثة الأنثروبولوجية وعالم الاجتماع «ثقل» التهم المساقة بحقهما حيث إنهما متهمان بـ«تهديد الأمن القومي» الإيراني ونشر «دعاية» كاذبة بحق النظام. وأوردت «اللجنة» تفاصيل مثولهما، في 5 فبراير الحالي أمام «القسم 15» التابع للمحكمة الثورية في طهران، حيث تم إخضاعهما لتحقيقين منفصلين دام عشر دقائق لـعادلخواه وثلاثين دقيقة لمارشال. وتعزو «اللجنة» سبب استطالة مثول مارشال لـ«ضرورات الترجمة». وتم التحقيقان من غير حضور محام.
وقد اكتفى القاضي الذي مثلا أمامه، بحسب «اللجنة»، بقراءة رسالة طلب منهما التوقيع عليها. ويعتبر الباحثان أنهما في مواجهة «مسار قضائي طويل ومعقد ولا مخرج منه».
لفترة طويلة، سعت باريس لإبقاء اعتقال الباحثين بعيدا عن الأضواء. فقد كشف عن توقيف عادلخواه في 16 يوليو (تموز) فيما لم يعلن توقيف مارشال إلا في 16 أكتوبر (تشرين الأول). وفي ظن الدبلوماسية الفرنسية أن الاتصالات المباشرة والخفية أنجع سبيل لدفع السلطات الإيرانية للتجاوب مع طلب باريس إخلاء سبيل مواطنيها. يضاف إلى ذلك، أن الطرف الفرنسي ربما راهن على المساعي التي يبذلها من أجل المحافظة على الاتفاق النووي وتمكين إيران من الالتفاف على العقوبات المالية والاقتصادية والنفطية الأميركية، لا، بل بذل جهود مكثفة من أجل لقاء بين الرئيسين الأميركي والإيراني في نيويورك أو على الأقل التواصل الهاتفي بينهما.
وكانت باريس على الأرجح تتوقع أن ترد لها طهران الجميل. إلا أن الواضح أن المعايير الإيرانية مختلفة وأن طهران لم تنس الاتهامات التي وجهتها لها باريس في ملف التحضير لاعتداء إرهابي ضد تجمع للمعارضة الإيرانية بداية صيف عام 2018 في محلة «فيلبانت» شمال العاصمة.
عندما فشلت الدبلوماسية السرية، وبعد أن ذاع خبر توقيف الباحثين، لم يتبق لباريس من خيار سوى تناوله بشكل علني. وجاء ذلك على لسان الرئيس ماكرون ووزير خارجيته. وفي كل مرة، كانت باريس تعتبر أن أمرا كهذا «لا يمكن قبوله».
والأسبوع الماضي، عاد جان إيف لودريان لتناول هذه المسألة في مقابلة صحافية لثلاث وسائل إعلامية فرنسية «يمكن أن تقوم بفعل قوي إذا عمدت إلى إطلاق سراح» الباحثين «لأنهما لم يرتكبا أي جرم» ولأن فرنسا تعتبر أن احتجازهما الذي بدأ في أول يونيو من العام الماضي «أمر لا يطاق وقد أوصلنا رأينا بذلك إلى أعلى السلطات بمن فيها الرئيس روحاني». وزاد الوزير الفرنسي، من باب مضاعفة الضغوط على طهران أن الحالة الصحية لهذين الشخصين «المتهمين بالإضرار بأمن الدولة» وفق تعبيره، «ليست جيدة وأنهما لا يعاملان بشكل لائق». لكن الرد الإيراني لم يتأخر فاعتبرت أن «الضغوط» لن تعطي نتيجة، رافضة التدخل بشؤون القضاء وبأمورها الداخلية.
واليوم تبدو الأمور أكثر تعقيدا بعد أن تغيرت مقاربة باريس للملف النووي وبعد انتقاداتها الأخيرة للبرنامج الباليستي لطهران، وخصوصا بعد أن كانت باريس من الدافعين من أجل تفعيل «آلية فض النزاعات» المنصوص عليها في الاتفاق المذكور التي تصفها طهران بأنها «خط أحمر» لأنها تعني عودة العقوبات الدولية.
هذه الاعتبارات العامة قد لا تكون السبب الحقيقي في الإبقاء على الباحثين الفرنسيين قيد الاعتقال. وثمة من يرى في باريس أن طهران تريد استخدامهما للمساومة من أجل استعادة المهندس الإيراني المتخصص بالألياف البصرية جلال روح الله نجاد المعتقل جنوب فرنسا والصادرة بحقه مذكرة توقيف دولية بناء على طلب من واشنطن.
وحتى اليوم، لم تعط الحكومة الضوء الأخضر لذلك، رغم مصادقة إحدى محاكمها على ذلك. وثمة قناعة مترسخة بأن تسليم المهندس المذكور لواشنطن سيعني بقاء المواطنين الفرنسيين رهن الاعتقال حتى تلوح في الأفق ملامح صفقة أخرى.



تصريحات ميتسوتاكيس تُعيد إشعال التوتر بين أثينا وأنقرة بعد أشهر من الهدوء

إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)
إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)
TT

تصريحات ميتسوتاكيس تُعيد إشعال التوتر بين أثينا وأنقرة بعد أشهر من الهدوء

إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)
إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)

أشعل رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس توتراً جديداً مع تركيا، بعد أشهر من الهدوء تخللتها اجتماعات وزيارات متبادلة على مستويات رفيعة للبناء على الأجندة الإيجابية للحوار بين البلدين الجارين.

وأطلق ميتسوتاكيس، بشكل مفاجئ، تهديداً بالتدخل العسكري ضد تركيا في ظل عدم وجود إمكانية للتوصل إلى حل بشأن قضايا المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري.

تلويح بالحرب

نقلت وسائل إعلام تركية، السبت، عن ميتسوتاكيس قوله، خلال مؤتمر حول السياسة الخارجية عُقد في أثينا، إن «الجيش يمكن أن يتدخل مرة أخرى إذا لزم الأمر». وأضاف: «إذا لزم الأمر، فسيقوم جيشنا بتنشيط المنطقة الاقتصادية الخالصة. لقد شهدت أوقاتاً تدخّل فيها جيشنا في الماضي، وسنفعل ذلك مرة أخرى إذا لزم الأمر، لكنني آمل ألا يكون ذلك ضرورياً».

رئيس الوزراء اليوناني ميتسوتاكيس (رويترز - أرشيفية)

ولفت رئيس الوزراء اليوناني إلى أنه يدرك أن وجهات نظر تركيا بشأن «الوطن الأزرق» (سيطرة تركيا على البحار التي تطل عليها) لم تتغير، وأن اليونان تحافظ على موقفها في هذه العملية. وقال ميتسوتاكيس: «في السنوات الأخيرة، زادت تركيا من نفوذها في شرق البحر المتوسط. قضية الخلاف الوحيدة بالنسبة لنا هي الجرف القاري في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط. إنها مسألة تعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، وعلينا أن نحمي جرفنا القاري».

من ناحية أخرى، قال ميتسوتاكيس إن «هدفنا الوحيد هو إقامة دولة موحّدة في قبرص... قبرص موحّدة ذات منطقتين ومجتمعين (تركي ويوناني)، حيث لن تكون هناك جيوش احتلال (الجنود الأتراك في شمال قبرص)، ولن يكون هناك ضامنون عفا عليهم الزمن (الضمانة التركية)».

ولم يصدر عن تركيا رد على تصريحات ميتسوتاكيس حتى الآن.

خلافات مزمنة

تسود خلافات مزمنة بين البلدين الجارين العضوين في حلف شمال الأطلسي (ناتو) حول الجرف القاري، وتقسيم الموارد في شرق البحر المتوسط، فضلاً عن النزاعات حول جزر بحر إيجه.

وتسعى اليونان إلى توسيع مياهها الإقليمية إلى ما هو أبعد من 6 أميال، والوصول إلى 12 ميلاً، استناداً إلى «اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار» لعام 1982 التي ليست تركيا طرفاً فيها.

وهدّد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان من قبل، مراراً، بالرد العسكري على اليونان إذا لم توقف «انتهاكاتها للمياه الإقليمية التركية»، وتسليح الجزر في بحر إيجه. وأجرت تركيا عمليات تنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط في عام 2020 تسبّبت في توتر شديد مع اليونان وقبرص، واستدعت تحذيراً وعقوبات رمزية من الاتحاد الأوروبي، قبل أن تتراجع تركيا وتسحب سفينة التنقيب «أوروتش رئيس» في صيف العام ذاته.

سفن حربية تركية رافقت سفينة التنقيب «أوروتش رئيس» خلال مهمتها في شرق المتوسط في 2020 (الدفاع التركية)

وتدخل حلف «الناتو» في الأزمة، واحتضن اجتماعات لبناء الثقة بين البلدين العضوين.

أجندة إيجابية وحوار

جاءت تصريحات رئيس الوزراء اليوناني، بعد أيام قليلة من تأكيد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في كلمة له خلال مناقشة البرلمان، الثلاثاء، موازنة الوزارة لعام 2025، أن تركيا ستواصل العمل مع اليونان في ضوء الأجندة الإيجابية للحوار.

وقال فيدان إننا «نواصل مبادراتنا لحماية حقوق الأقلية التركية في تراقيا الغربية، ونحمي بحزم حقوقنا ومصالحنا في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط، ​​سواء على الأرض أو في المفاوضات».

وعُقدت جولة جديدة من اجتماعات الحوار السياسي بين تركيا واليونان، في أثينا الأسبوع الماضي، برئاسة نائب وزير الخارجية لشؤون الاتحاد الأوروبي، محمد كمال بوزاي، ونظيرته اليونانية ألكسندرا بابادوبولو.

جولة من اجتماعات الحوار السياسي التركي - اليوناني في أثينا الأسبوع الماضي (الخارجية التركية)

وذكر بيان مشترك، صدر في ختام الاجتماع، أن الجانبين ناقشا مختلف جوانب العلاقات الثنائية، وقاما بتقييم التطورات والتوقعات الحالية؛ استعداداً للدورة السادسة لمجلس التعاون رفيع المستوى، التي ستُعقد في تركيا العام المقبل.

ولفت البيان إلى مناقشة قضايا إقليمية أيضاً خلال الاجتماع في إطار العلاقات التركية - الأوروبية والتطورات الأخيرة بالمنطقة.

وجاء الاجتماع بعد زيارة قام بها فيدان إلى أثينا في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أكد البلدان خلالها الاستمرار في تعزيز الحوار حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.

لا أرضية للتوافق

وقال ميتسوتاكيس، في مؤتمر صحافي عقده بعد القمة غير الرسمية للاتحاد الأوروبي في بودابست في 9 نوفمبر، إن الحفاظ على الاستقرار في العلاقات بين بلاده وتركيا سيكون في مصلحة شعبيهما.

وأشار إلى اجتماع غير رسمي عقده مع إردوغان في بودابست، مؤكداً أن هدف «التطبيع» يجب أن يكون الأساس في العلاقات بين البلدين، وتطرق كذلك إلى المحادثات بين وزيري خارجية تركيا واليونان، هاكان فيدان وجيورجوس جيرابيتريتيس، في أثنيا، قائلاً إنه جرى في أجواء إيجابية، لكنه لفت إلى عدم توفر «أرضية للتوافق بشأن القضايا الأساسية» بين البلدين.

وزير الخارجية اليوناني يصافح نظيره التركي في أثينا خلال نوفمبر الماضي (رويترز)

وسبق أن التقى إردوغان ميتسوتاكيس، في نيويورك على هامش مشاركتهما في أعمال الدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأكد أن تركيا واليونان يمكنهما اتخاذ خطوات حازمة نحو المستقبل على أساس حسن الجوار.

وزار ميتسوتاكيس تركيا، في مايو (أيار) الماضي، بعد 5 أشهر من زيارة إردوغان لأثينا في 7 ديسمبر (كانون الأول) 2023 التي شهدت عودة انعقاد مجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين، بعدما أعلن إردوغان قبلها بأشهر إلغاء المجلس، مهدداً بالتدخل العسكري ضد اليونان بسبب تسليحها جزراً في بحر إيجه.