{الشرق الأوسط} في مهرجان أبوظبي السينمائي - 7 : «حورية وعين» للسعودية شهد أمين يحصد جائزة «أفلام الإمارات» الأولى

أُعلنت، يوم أول من أمس، جوائز مسابقة «أفلام من الإمارات»، التي هي جزء أساسي من مهرجان «أبوظبي السينمائي»، وذلك قبل 24 ساعة من إعلان جوائز باقي مسابقات المهرجان (ليلة البارحة).
الجائزة الأولى في مسابقة أفلام الإمارات (وهي ليست ذاتها مسابقة الأفلام القصيرة الدولية التي تنتمي أيضا إلى أعمال ومسابقات مهرجان أبوظبي) في فئة الفيلم الروائي ذهبت إلى «حورية وعين»، فيلم رقيق ذو جمالية واضحة للمخرجة السعودية شهد أمين، حوَّل فتاة صغيرة ترغب في أن تصحب أبيها (صائد اللؤلؤ) إلى رحلاته البحرية، وحين لا يسمح لها، تعيش عوالمها وأحلامها خصوصا، وهي ترى تلك الجواهر التي يعود بها أبوها من رحلاته.
الجائزة الثانية في هذا المجال ذهبت للمخرج الإماراتي عبد الله الكعبي عن فيلم «كشك» وهو عن امرأة عجوز ينقذها شاب يشبه ابنها الغائب، فتدعوه إلى حيث تعيش فيقوم بسرقتها.
تسجيليا، ذهبت الجائزة الأولى إلى فيلم «مروان الملاكم» لحسن كياني، وهو سينمائي إماراتي جيّد سبق له أن قدم أفلاما وثائقية وتسجيلية عدة. هذا الفيلم يدور حول ملاكم شاب وتمريناته في سبيل الاشتراك في الدورات العالمية. الثانية في هذا النطاق ذهبت إلى «زهرة»، وهو عن متدرّبة أخرى، فزهرة لاري هي رياضية تتدرب للاشتراك في بطولات التزحلق على الثلج. المخرجة هي شيرين أبو عوف، وهي مصرية تعيش في أبوظبي، لكنها درست السينما في شيكاغو.
أقيمت الحفلة في قاعة «قصر الإمارات»، وعكست بالطبع تخصص هذه المسابقة بالأفلام القصيرة المنتجة بأيدي الجيل المقبل من السينمائيين. الجيل الذي سيعول إليه الاستمرار في حمل مشعل سينما ما زالت جديدة، وتقف أمام مفترقات. وهي في مجموعها احتوت على 52 فيلما في 4 فئات؛ الأفلام الروائية القصيرة والأفلام الروائية القصيرة للطلبة والأفلام الوثائقية القصيرة والأفلام الوثائقية للطلبة.
«أفلام الإمارات» هو المهرجان الأم في أبوظبي. في عام 2000 أطلقه مسعود أمر الله من المركز الثقافي الذي كان يديره محمد السويدي، وذلك تحت اسم «أفلام من الإمارات». آنذاك كان مسابقة محدودة وصغيرة، بحسب عدد الأفلام التي كانت تنتج آنذاك. عاما بعد عام، ازداد عدد الأفلام الإماراتية المنتجة، وارتفعت نسبة المشاركات، وتحوّل المهرجان إلى عروض موازية لكل السينما الخليجية.
عندما انتقل مسعود أمر الله إلى دبي ليصبح مدير مهرجان دبي الفني، اضطر، وقد اختلفت الإدارة في أبوظبي، وتوقف عمل المركز الثقافي ليصبح مؤسسة تحمل اسم «TwoFour 54» ترك وليده في رعاية مهرجان أبوظبي السينمائي الذي كان يديره آنذاك بيتر سكارلت، وهذا كان مهتما فقط بالمهرجان الكبير تاركا للسينمائي الإماراتي علي الجابري إدارته. وأبلى الجابري بلاء حسنا منذ البداية، وإن بقي المهرجان هامشيا.
منذ 3 سنوات عندما أقيل سكارلت، وأصبح الجابري مدير المهرجان بأسره، أودع الجابري في مسابقة «أفلام الإمارات» كل ما يستطيع من جهد. كأي مسؤول عن الحركة الثقافية والفنية في دولة الإمارات العربية المتحدة، تحرّك من دوافع وطنية وسينمائية واحدة، وأنجز لهذه المسابقة المزيد من العناية. من نتائج هذا الاهتمام، أن تم إلغاء المشاركات الطويلة (تسجيلية أم روائية) كونها تستطيع الالتحاق مباشرة بالمسابقات الدولية، وتوسيع رقعة المشاركة لتضم أفلاما خليجية أخرى، ولو تحت العنوان الإماراتي ذاته.

* «أبو محمد»
* ليس سهلا استباق المستقبل وما سيحمله بالنسبة لهذه المواهب الفائزة، بل أي مواهب أخرى لم يسعها الفوز. ليس فقط أن الطريق لا يزال طويلا، بل هناك مشكلتان تعوقان التقدّم بالنسبة للكثيرين من هؤلاء؛ الأولى هي الاكتفاء بالثقة الزائدة عن الحاجة التي تمنع أصحابها من التقييم الموضوعي لإنجازاتهم، والثانية هي أن العديد من المحاولات المحلية في هذا النطاق، ومنذ سنوات بعيدة، تستعير من الوسائط القريبة أفكارها. هناك أفلام تحاول (عبر الموسيقى والمؤثرات) اتباع أساليب هوليوودية وأخرى تكتفي بالاستحياء من أعمال وأجواء البرامج والمسلسلات التلفزيونية.
لكن النسبة التي ما زالت تعاني من هذه المشاكل النوعية ما زالت على حالها في السنوات الأخيرة، وتلك التي تحاول بالفعل الخروج من الدائرة الضيّقة لنصوص الذات هي التي بدأت تنتشر.
لم تُتح لي مشاهدة كل هذه الأفلام، فهي بحاجة إلى تخصيص برنامج عمل مستقل، لكن أحد تلك التي شاهدتها كان يستحق الجائزة الأولى، لأسباب ربما لم تعد لجان التحكيم تصر عليها. الفيلم هو «أبو محمد» للمخرجة الشابة هبة أبو مساعد، ثاني فيلم قصير لها، كما أعتقد، ويأتي حافلا بالنفس القصصي الصحيح مع تنفيذ لا تشوبه شائبة.
هو عن صاحب دكان متقدم في العمر نراه جالسا وراء مكتبه الضيق عند مدخل الدكان، يرد على اتصال زوجته بأن الغداء بات جاهزا. يقفل الدكان. يمشي في تلك الدروب الشعبية (المخرجة أردنية من أصل فلسطيني والأحداث والشخصيات أردنية)، ثم يسقط أرضا.
ها هو في البيت تحت رعاية زوجته وعندما يفيق يسمع المشادات بين ولديه الشابّين. ما يحدث لاحقا هو توجيه فوهة الفيلم لمعالجة الجو الأسري الذي يُثير هم الأب المعتل. ليس أن للفيلم قصة محبوكة أو غير محبوكة، بل هو دراما تسبر الدقائق الـ17 من مدة عرض الفيلم محققة نجاحا في الكتابة وفي الإخراج والتصوير والتوليف.

* أفلام الصمت
* على صعيد الأفلام الطويلة، شهدت عروض المهرجان زخما من التنوّع الأسلوبي والمعالجات ذات المستويات المختلفة من النجاح. وفي حين أن الفيلم الأميركي «99 منزل» لا يزال الفيلم الجيد الذي قد يدفع فاتورة انصراف لجنة التحكيم صوب أعمال محلية، وفي الوقت الذي احتدم فيه الخلاف حول فيلم «القط»، إذ عاب عليه معظم النقاد المصريين، لكنه وجد إعجابا لدى العديدين من النقاد العرب الآخرين، فإن بضعة أفلام أخرى تدافعت للـظهور حاملة أساليب عمل ومعالجات مختلفة تثري الرغبة في المقارنة.
هناك الفيلم الروسي «تجربة» لألكسندر كوت، وهو سينمائي من جيل القرن الحالي، يقدم هنا على تحقيق فيلمه الروائي الثالث. العنوان الإنجليزي يعني كلمتين عربيتين «تجربة» و«اختبار»، وكلاهما صحيح في الفيلم؛ في منطقة آسيوية الشعب والثقافة (قد تكون داخل روسيا أو من جمهوريات النظام السابق) هناك رجل يرعى الغنم ويعيش في بيت بعيد عن البلدة ولديه ابنة شابة يحوم حولها شابان؛ أحدهما ذو ملامح غربية وآخر من أبناء المكان. يموت الأب بعدما أصيب بالبرد عندما أجرت السلطات العسكرية له فحصا فتوقفه عاريا تحت المطر ثم تتركه. تبقى الفتاة وحدها لتقود الحياة التي تنتظرها. لكن فجأة هناك ذلك الانفجار النووي الكبير الذي يقع في مقربة، والذي يطيح بها وبعاشقيها وبالبيت والمكان بأسره.
التجربة قد تكون تلك التجربة النووية المدمرة، لكن الفيلم هو أيضا عن «اختبار» الحياة بالنسبة لتلك الفتاة الشابة، أو قد تكون الكلمة المناسبة للاختبار الصحي الذي تعرض له الأب.
إنه فيلم جميل المشاهد بسبب مكانه وبيئته، لكنه أيضا فيلم صامت تماما (إلا من أصوات لا بشرية). يعيق الصمت بعض مشاهده الضرورية. هل يمكن مثلا أن يعود الأب إلى منزله في قلب الليل ويطرق الباب الموصد من دون أن يخبر ابنته بأنه والدها حتى تطمئن وتفتح له. لكن المخرج يغلّـب ضرورة إبقاء الفيلم صامتا على تلك المناسبات، وينجح في خلق حالة واحدة متراصة في قصة بسيطة.
الحال ذاته بالنسبة لفيلم Labour of Love القادم من الهند، والمشترك في مسابقة «آفاق» المخصصة للمواهب الجديدة؛ قصة بسيطة صامتة. مثل الفيلم الروسي، يمنع المخرج أديتيا فيكرام سينغوبتا شخصيتيه الرئيستين من الكلام. الأصوات المسموعة هي لباقي البشر، ولزحام الشارع، وأصوات الأغاني والحافلات، وباقي مؤثرات الحياة العامة.
الفيلم هو إنتاج هندي مستقل روحا وفنا ومعالجة حققه المخرج أديتا فيكرام باللجوء إلى الاختلاف عن السائد. ليس فقط من حيث الموضوع، ولا من حيث المعالجة الكلية له، بل أيضا من حيث لجوؤه إلى تغيير قواعد اللعبة (الهندية على الأقل) حين يأتي الأمر إلى التفاصيل.
هدف فيكرام هو النيل من الوضع المعيشي الصعب لحياة الناس في مدينة كالكوتا. منذ البداية، يستعين بتقرير مبثوث على شاشة تلفزيونية يتحدث عن انتشار البطالة في ربوع إقليم البنغال الغربي. لاحقا ما سنجد مظاهر من هذه البطالة متوزّعة على أكثر من مشهد. لكن اللافت أن السيناريو يختار شخصيتيه الرئيستين من الذين يعملون فعلا. كيف لا؟ إنهما الزوجان اللذان يعملان في مصنع واحد مختص بصنع الحقائب. المثير هنا هي أنهما لا يعملان معا: هو يعمل في الليل، وهي تعمل في النهار، وذلك لتدبير المعيشة. بتلك الفرادة البارعة يستطيع المخرج تصوير صنو حياة قاسية حوّلت الزوجين إلى شخصين غريبين قلما يلتقيان في حياتهما تلك. في الواقع، لا يلتقيان مطلقا على الشاشة إلا في مشهد واحد هو نتيجة فعل ذاكرة (فلاشباك) مختلطة بالفانتازيا. شيء أشبه بحلم تحقق في الماضي والآن لم يعد واردا له أن يتحقق من جديد.
المشاهد جميلة التشكيل والتصوير. موحية وذات إيقاع تأملي، وإن كان بمساحات محدودة. الكثير من مشاهده صامتة، لأن الصمت هو ما يؤازر الصورة في الإفصاح عن حزن الحياة ومتاعب اليوم (سبق لفيلم «فرش وغطا» للمصري أحمد عبد الله، الذي عرضه مهرجان أبوظبي في العام الماضي، أن سبر هذا الجانب بإجادة كبيرة).