حضور أكثرية خجولة... وتبريرات بالجملة

جنبلاط: نحترم الأصول ولا نزايد لكسب أصوات شعبية

رئيس الحكومة حسان دياب يلقي كلمته في الجلسة النيابية أمس (أ.ف.ب)
رئيس الحكومة حسان دياب يلقي كلمته في الجلسة النيابية أمس (أ.ف.ب)
TT

حضور أكثرية خجولة... وتبريرات بالجملة

رئيس الحكومة حسان دياب يلقي كلمته في الجلسة النيابية أمس (أ.ف.ب)
رئيس الحكومة حسان دياب يلقي كلمته في الجلسة النيابية أمس (أ.ف.ب)

عقدت جلسة البرلمان المخصصة لمناقشة البيان الوزاري لحكومة الرئيسحسان دياب، والتصويت على الثقة، بأكثرية خجولة تمثلت بحضور 68 نائباً، قبل أن ينضم إليهم نواب كتلتي «تيار المستقبل» و«حزب القوات»، فيما النصاب المطلوب دستورياً هو نصف عدد النواب، زائداً واحداً، أي 65 نائباً.
وقبيل موعد الجلسة، الذي كان محدداً عند الساعة الحادية عشرة صباحاً، ظهر ارتباك في صفوف الكتل النيابية، لا سيما منها تلك التي كانت قد أعلنت مسبقاً أنها ستحضر الجلسة، إنما لن تمنح الحكومة الثقة، وهي «المستقبل» و«الجمهورية القوية» و«اللقاء الديمقراطي»، حيث كان واضحاً أن نوابها ينتظرون اكتمال النصاب قبل الدخول إلى قاعة الهيئة العامة، كي لا يكون وجودهم هو الذي ساهم في تأمين النصاب.
وبعد نصف ساعة على موعد الجلسة المفترض، كانت مصادر عدّة قد أكدت أن عدد النواب لم يكن قد تجاوز الـ58 نائباً، ليعود بعدها رئيس البرلمان نبيه بري، ويعلن انطلاقها من دون تحديد عدد الحاضرين، وعند انتهاء رئيس الحكومة حسان دياب، من كلمته، عارضاً خلالها البيان الوزاري، أعلن بري أن «جلسة الثقة افتتحت بحضور 67 نائباً، والآن العدد هو 68»، ومعظم هؤلاء من كتل «حزب الله» و«حركة أمل» و«التيار الوطني الحر» و«المردة»، وحلفائهم.
وتأكد لاحقاً أن دخول نواب «اللقاء الديمقراطي» إلى الجلسة أدى إلى تأمين النصاب، وهو ما لم ينفه رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط، ليدخل بعد ذلك نواب «تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية» الذين كانوا قد أعلنوا أنهم لن يدخلوا القاعة قبل اكتمال النصاب.
وانطلاقاً من هذا الجدل الذي أدى بالبعض إلى التشكيك في دستورية الجلسة، أكد وزير العدل السابق إبراهيم نجار، أنه لا يمكن القول بعدم دستوريتها. وأوضح لـ«الشرق الأوسط»: «عند اكتمال النصاب تأمنت شرعية الجلسة انطلاقاً من أن الوكالة اللاحقة كالوكالة السابقة، أي أن النصاب اللاحق كالنصاب السابق». وحول عدم ذكر بري عدد النواب الحاضرين عند انطلاق الجلسة، وإرجاء ذلك إلى حين انتهاء رئيس الحكومة من كلمته، قال نجار: «هناك مخالفات كبيرة، وأخرى ثانوية، لا تؤدي إلى إبطال الجلسة، وما قام به بري هو مخالفة ثانوية».
من جهته، قال النائب في حزب «الكتائب اللبنانية» إلياس حنكش، الذي أعلن مقاطعته الجلسة، لـ«الشرق الأوسط»، «من الواضح، وباعتراف النائب وائل أبو فاعور (كتلة جنبلاط)، أنه لم يكن هناك نصاب عند بدء الجلسة»، منتقداً الكتل النيابية التي شاركت في الجلسة، معلنة معارضتها للحكومة، وقال «كان يفترض بالنواب عدم الحضور احتراماً لصرخة الشارع. هذه الحكومة وإن حصلت على الثقة هي فاقدة لشرعية الشعب، وهي التي ينتمي وزراؤها للأحزاب بعدما كانت الوعود بتعيين وزراء مستقلين، ثم تبنت موازنة لحكومة سقطت في الشارع، وها هي اليوم تواجه الناس في الشارع». ويلفت حنكش إلى أن «الكتائب» اتخذ قرار المقاطعة انسجاماً مع قناعاته، التي تلتقي مع مطالب الناس، وسأل: «كيف يمكن للقوى الأمنية أن تحمي النائب من الناس، وهو الذي يفترض أنه يمثلهم»، معتبراً أن السلطة تراهن على تعب الناس الذين حققوا الكثير منذ 17 أكتوبر (تشرين الأول) لغاية الآن، مؤكداً: «التغيير بدأ ولن يتوقف».
وتعليقاً منه على مشاركة نواب «اللقاء الديمقراطي» في الجلسة، قال جنبلاط في حديث لقناة «العربية»، «نحن نحترم الأصول البرلمانية، ونزلنا إلى المجلس النيابي، وربما اكتمل النصاب بوجودنا، لكننا لسنا كغيرنا من الكتل المعارضة نزايد حول اكتمال النصاب، كي نكسب أصواتاً شعبية، بل نحن نحترم الأصول، وخارج المزيدات لبعض المعارضين».
وكتب جنبلاط عبر «تويتر»: «‏لقد تأمن النصاب وفق الأصول الدستورية، بغض النظر عن المزايدات من قبل بعض الأطراف، و(اللقاء الديمقراطي) له سياسته الواضحة، وليس أسير تحالفات ثلاثية أو ثنائية»، مضيفاً: «أما حضور الجلسة فهو وفق الأصول البرلمانية، ولن نعطي الثقة لبيان وزاري فارغ».
من جهته، أوضح النائب وائل أبو فاعور: «عندما دخل أربعة نواب من (اللقاء الديمقراطي) إلى الجلسة، هم بلال عبد الله، وهادي أبو الحسن، وفيصل الصايغ، وأكرم شهيب، كانت الجلسة قد بدأت، ومن ثم أنا انضممت إليهم». ولفت في تصريح إلى «أن ليس من واجبنا أن نقول إن كان النصاب قد تأمّن، وليس من مسؤوليتنا عدّ النواب. نحن شاركنا انطلاقاً مما كنا قد أعلناه سابقاً بالمشاركة وحجب الثقة». وأضاف: «نواب (القوات) و(المستقبل) أعلنوا في الأمس أنهم سيشاركون، ويصوتون ضد الحكومة. لم نكن نعلم بالقرار الذي اتخذوه اليوم، ولم يتم التنسيق معنا بهذا الموضوع. لو حصل التنسيق، لكان من الممكن أن يتم النقاش حول جدوى هذا الأمر». وأضاف: «أقول لهم: من دون ادعاء بطولات فارغة، ها هم موجودون في الجلسة. نحن لم نرتكب معصية كبرى، نحن لم نؤمن النصاب، نحن دخلنا وكانت الجلسة قد بدأت».
وحول مشاركة «المستقبل» في الجلسة، قالت النائبة في «المستقبل» ديما جمالي، في حديث تلفزيوني، «لم نكن مقتنعين بالجلسة قبل اكتمال النصاب، ولكن بعدما تأمّن النصاب أصبح حضورنا الجلسة ضرورياً لكي نستطيع أن نعبر عن صوتنا من داخل المجلس وفق المعايير الدستورية».
كذلك، أكد نواب «حزب القوات»، قبيل الجلسة، أنهم لن يساهموا في تأمين النصاب، وهم حضروا إلى البرلمان، وانتظروا في مكاتبهم حتى انطلاق الجلسة. وقال النائب في «القوات» فادي سعد، «توجهنا اليوم إلى مجلس النواب بهدف إيصال الصوت، وتسجيل موقفنا من الحكومة، وحجب الثقة عنها. نحن بانتظار اكتمال النصاب للدخول والقيام بدورنا كممثلين للشعب، وإلا لن نكون أداة تأمين النصاب».
من جهتها، قالت النائبة ستريدا جعجع، عبر «تويتر»، «مجتمعون في إحدى قاعات المجلس، ولن ندخل الجلسة قبل تأمين النصاب، لأننا لسنا نحن من نؤمن النصاب، وهذا انسجاماً مع قناعاتنا»، كذلك قال النائب جورج عدوان: «كتلة (الجمهورية القوية) مجتمعة في مكاتب مجلس النواب ولن يدخلوا إلى القاعة إلا إذا تأمّن النصاب».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.