هل بلغ التصعيد العسكري بين القوات التركية، وقوات النظام السوري، في إدلب، حداً يوحي بأن الجسور التي أقامها كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره التركي رجب طيب إردوغان، احترقت دفعة واحدة؟
سؤال طرح في واشنطن، مع تصاعد القتال وسقوط المزيد من القتلى في صفوف القوات التركية التي ردت بعمليات قصف مكثف طاول مواقع القوات السورية، التي يبدو أنها لا تزال تنفذ قراراً روسياً حازماً، حسب المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري. واشنطن التي كررت إعلان تأييدها لتركيا على لسان العديد من مسؤولي إدارة الرئيس دونالد ترمب، قررت على ما يبدو «الإفادة من فرصة الشقاق» الذي ظهر في جدار العلاقات التركية - الروسية، لإعادة أنقرة إلى كنف سياساتها الإقليمية، خصوصاً في سوريا. ومع إعلان الخارجية الأميركية عن توجه جيفري إلى المنطقة، في زيارة عاجلة، أبلغت متحدثة باسم الخارجية الأميركية، «الشرق الأوسط»، أنه سيؤكد لتركيا «وقوف الولايات المتحدة إلى جانب حليفتنا في (الناتو)، وإدانتها الشديدة للاعتداء المتواصل وغير المبرر الذي لا يرحم من قبل نظام الأسد وروسيا وإيران و(حزب الله) على شعب إدلب».
كان جيفري كشف في مؤتمر صحافي، الأسبوع الماضي، «أنه سيتوجه إلى تركيا للبحث مع المسؤولين الأتراك ما تحتاجه أنقرة في مواجهة الهجمة التي تتعرض لها»، مؤكداً على أن الأتراك لديهم جيش قادر وكفء، ولا نرى مبرراً للاعتقاد بانسحابهم من نقاط المراقبة. جيفري كان أشار أيضاً إلى «الاحتكاكات على الأرض بين الجنود الروس والأميركيين في شمال شرقي سوريا، وعدم مساعدة روسيا في إحياء اجتماعات اللجنة الدستورية المجمدة منذ جلستها الافتتاحية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي»، في إشارة إلى الخلافات المتصاعدة معها، قائلاً إن «هذا النزاع خطير، ويجب أن يتوقف، وعلى روسيا تغيير سياستها». وقال جيفري، إن الروس يواجهون مصاعب كبيرة في دفع النظام السوري إلى الأمام «إما بسبب خلافات داخل الحكومة الروسية، حيث إن الجيش الروسي منخرط بشكل أكبر في الهجوم على إدلب الذي يستهدف المدنيين، أو بسبب وجود مشكلات بين طهران وموسكو ودمشق، حيث للأسد راعيان»، على حد تعبيره.
غير أن مسؤول برنامج تركيا في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات أيكان أرديمير، قال إن إردوغان مستعد لتصعيد القتال ضد القوات السورية الموالية للنظام في إدلب، ولكن ليس ضد القوات الروسية.
من ناحيته، يقول باراك بارفي كبير الباحثين في معهد واشنطن، إن «إردوغان يدرك بشكل متزايد أن اتفاقاته مع روسيا بشأن سوريا محكوم عليها بالفشل. ومع ذلك، فهو يحتاج إلى دعم روسي لضمان عدم قيام الحكومة السورية بشن هجمات انتقامية، عندما تستعيد سيطرتها على حدودها مع تركيا. لكنه سيستمر في التنسيق عن كثب مع بوتين لأنه حليفه الوحيد في الصراع».
ويعتقد البعض أن انقلاب العلاقة الروسية - التركية يعود إلى التغييرات التي أحدثها القرار الأميركي بتصفية قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» الإيراني، في رسالة إلى محور آستانة، بأن إيران وروسيا وتركيا مطالبة بتغيير سياساتهم في المنطقة، خصوصاً تركيا التي تطالبها واشنطن بحسم خياراتها في علاقاتها مع حلف «الناتو» وموقعها فيه. ومع انشغال تركيا بملف الحرب في إدلب، مقابل تراجع قتالها مع الأكراد، اندفعت نحو جبهة جديدة في حوض البحر المتوسط عبر توقيع اتفاقات مثيرة للإشكاليات مع حكومة السراج. ويرى البعض أن تلك الاندفاعة لم تكن لتقدم عليها تركيا من دون ضوء أخضر أميركي، للرد على التدخل الروسي، رغم الإشكاليات التي يثيرها هذا الدعم لتركيا، سواء مع حلفائها العرب أو الأوروبيين..
وإذ تؤكد المتحدثة باسم الخارجية الأميركية بأن واشنطن ستواصل مشاركتها المستمرة في هذا الشأن، والعمل على الحفاظ على وقف إطلاق النار الذي تحقق بين تركيا و«قوات سوريا الديمقراطية»، لأن «داعش» تظل هي التهديد الرئيسي في شمال شرقي سوريا، يعتقد الباحثان بارفي وارديمير، أن إردوغان سرعان ما سيعود إلى الملف الكردي، لأن تركيا تعتبر الأكراد أكبر خطر على الأمة.
هل تستثمر واشنطن في خلاف موسكو وأنقرة؟
هل تستثمر واشنطن في خلاف موسكو وأنقرة؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة