الإسكندرية تريد التخلص من مخالفات محت كوزموبوليتها

الإسكندرية من أجمل مدن مصر (تصوير: عبد الفتاح فرج)
الإسكندرية من أجمل مدن مصر (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

الإسكندرية تريد التخلص من مخالفات محت كوزموبوليتها

الإسكندرية من أجمل مدن مصر (تصوير: عبد الفتاح فرج)
الإسكندرية من أجمل مدن مصر (تصوير: عبد الفتاح فرج)

ارتبط اسم مدينة الإسكندرية المصرية، التي تُطل على ساحل البحر الأبيض المتوسط، بجمال الطرز المعمارية والحدائق والمباني الأثرية التي تضمها، وتنتمي إلى حقب تاريخية وحضارات وثقافات مختلفة، جعلت منها واحدة من أبرز وأجمل المدن المصرية، لكنها خلال العقدين الأخيرين عانت من التشوه العمراني، ومخالفات البناء، ولم تستطع الحكومات المتتالية وضع حد لانتشار البناء المخالف في المدينة المميزة، ورغم سَن قوانين تحظر البناء المخالف، وتمنع هدم المباني والفيلات التراثية، فإن كثيرين استغلوا ثغرات موجودة في هذه القوانين لتحقيق أهدافهم المادية، مما أدى إلى تشويه المدينة ومحو هويتها الكوزموبوليتانية، حسب الخبراء ومواطني المحافظة.
قبيل انتهاء القرن الماضي بشهور قليلة، حاول عدد من المهتمين بتراث الإسكندرية، إنقاذ ما يمكن إنقاذه عبر مبادرات فردية، كان من بينهم الدكتور محمد عوض، أستاذ العمارة في جامعة الإسكندرية ورئيس لجنة الحفاظ على تراث المدينة بالمحافظة سابقاً، والذي يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «جهود الحفاظ على تراث المدينة الساحلية عروس المتوسط بدأ بمبادرة شخصية منه لحصر المباني التراثية عام 1999 تم اعتمادها من مجلس الوزراء في حينها، وكانت أول محاولة من نوعها في محافظات مصر»، مشيراً إلى أنه «في عام 2007 أصدر مجلس الوزراء المصري في ذلك الوقت قراراً بتعميم التجربة وتشكيل لجان لحصر المباني التراثية في المحافظات المختلفة، وعلى ضوء القرار تم حصر المباني التراثية في الإسكندرية وتسجيل 1150 مبنى تراثياً، وتقسيم المدينة إلى مناطق تراثية وشوارع ذات طابع خاص، من بينها وسط البلد والحي التركي، ووابور المياه، والشاطبي، ومنطقة الرمل، وشُكلت لجنة لفحص طلبات التعديل والترميم الخاصة بهذه المباني».
لكن هذا الحصر لم يكن كافياً لحماية المباني التراثية، فوفقاً لعوض «استغل ملاك بعض المباني التضارب بين قانون حماية المباني التراثية ولائحته التنفيذية في الحصول على أحكام قضائية تقضي بخروج المبنى من قائمة المباني التراثية وتسمح بهدمه».
وعلى مدار السنوات الماضية أثير أكثر من قضية متعلقة بهدم مبانٍ تراثية في الإسكندرية كان أشهرها هدم فيلا جوستاف أجيون بمنطقة وابور المياه بالإسكندرية، عام 2016 والتي يعود تاريخها إلى عام 1922، ولم تنجح محاولات السكندريين والمهتمين بتراث المدينة في منع هدم مبنى راقودة مسقط رأس المخرج يوسف شاهين، والتي صدر قرار بهدمه عام 2017، وأصدرت محكمة القضاء الإداري نهاية الشهر الماضي قراراً بإخراج محكمة الإسكندرية الشرعية من قائمة المباني التراثية في الإسكندرية.
الفنان فاروق حسني، وزير الثقافة الأسبق، يقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «الإسكندرية أكثر مدينة تعرضت للتشويه، الذي قضى على ملامحها الكوزموبوليتانية الجميلة، والتي كانت تضاهي في جمالها العاصمة الفرنسية باريس»، مشيراً إلى أن «المدينة كانت مليئة بالفيلات والحدائق الجميلة، والتي تعرضت للهدم وبُنيت مكانها أبراج سكنية ومبانٍ قبيحة».
وقال عوض إن «الإسكندرية لا تنفرد بظاهرة هدم المباني التراثية، فهذه الظاهرة موجودة في كل مصر، وهي نتاج للزيادة الكبيرة في السكان»، مشيراً إلى أن «المشكلة زادت في الإسكندرية بسبب عدم وجود امتداد عمراني للمدينة، على عكس مدينة القاهرة التي كان لها امتداد في مدن جديدة مثل الشيخ زايد والقاهرة الجديدة»، موضحاً أن «الإسكندرية شهدت موجة من التوسع الرأسي ببناء أبراج بالمخالفة للقانون، لتتحول منطقة الرمل التي كانت مليئة بالفيلات والحدائق، إلى منطقة أبراج سكنية مشوهة».
ومع حالة الانفلات الأمني التي شهدتها مصر عقب ثورة 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011، تزايدت موجة البناء المخالف في الضواحي الشرقية والجنوبية والغربية للمدينة، وتم بناء مئات العقارات المكونة من 12 طابقاً في شوارع لا تزيد مساحتها على 6 أمتار، ولأن أصحابها كانوا يبنونها بسرعة لافتة بمواد كيميائية تسهم في سرعة جفاف المواد الإسمنتية، تعرض عدد كبير من هذه العقارات للانهيار.
وتعود الطرز المعمارية بالمدينة إلى أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، حيث دُمرت المدينة في 11 يوليو (تموز) عام 1882 بعد القصف البريطاني، وأُعيد بناؤها بطرز أوروبية مستحدثة منتقاة، تمزج بين عمارة الباروك وعمارك عصر النهضة، وفي أوائل القرن العشرين ظهرت طرز زخرفية تعرف باسم الأورنوفو، ثم الأرديكو بين الحربين العالمية الأولى والثانية، ومعها ظهرت الطرز الحديثة Early modern style، وكان أول مبنى بهذا الطراز هو المدارس الإيطالية عام 1931، وفق عوض الذي أشار إلى أنه «في عام 1958 تم وضع أول مخطط مصري للمدينة بعيداً عن الأجانب».
وحسب عوض، فإن المدينة بدأت في فقد هويتها وملامحها تدريجياً عقب حرب عام 1967، خصوصاً مع دخول الآيديولوجية الاشتراكية إلى عمارة الدولة عبر مباني الإسكان الشعبي، وظهور العشوائيات. وأضاف: «ثلثا المدينة يغلب عليها الطابع العشوائي المخالف للقوانين».
محمد علي، الخبير والمثمن العقاري السكندري، يؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن «المحافظة تسعى بكل الطرق لوقف البناء المخالف، وتنفيذ قرارات الإزالة لهذه الأبنية، لكن المشكلة تكمن في أن عدد العقارات المخالفة كبير جداً، فهناك نحو 40 ألف وحدة سكنية مخالفة، ولو صدرت قرارات إزالة لها من الصعب إيجاد مقاول لتنفيذها جميعاً في وقت واحد، وبالتالي يستمر البناء ويسكن العقار قبل أن يصيبه الدور في تنفيذ قرار الإزالة».
بدوره، توّعد اللواء محمد الشريف، محافظ الإسكندرية، أصحاب العقارات المخالفة مجدداً، وقال إنه «لن يسمح بوجود تلك المخالفات ما بقي في منصبه»، وأشار إلى أن «هذه المخالفات تمثل خطورة وضغطاً كبيراً على البنية التحتية وشبكة المرافق بالمحافظة، ما يهدد بكارثة حقيقية».
وطلب الشريف من رؤساء الأحياء محاربة مخالفات البناء كافة في المهد، وعدم السماح بأي مخالفات جديدة، وتكثيف الحملات اليومية بنطاق المحافظة، وإزالة المخالفة في الحال، ومصادرة معدات البناء.
ولمواجهة مخالفات البناء أصدرت الحكومة المصرية قانون التصالح مع مخالفات البناء رقم 17 لسنة 2019، وتواصل أحياء الإسكندرية تلقي طلبات التصالح في مخالفات البناء بموجب القانون، لكن تنفيذ القانون يواجه مجموعة من التحديات، ووفقاً لتقديرات محافظة الإسكندرية فإن هناك 112 ألف مخالفة بناء خلال السنوات الماضية لم تتعدّ نسب الإزالة فيها 5%. ويرى علي أن «اشتراط التصالح عن العقار كاملاً، دفعة واحدة، من أبرز مشكلات قانون التصالح في مخالفات البناء».
وفي محاولة لإحياء المدينة الساحلية وضعت هيئة الحكومة المصرية مخططاً لتطوير بعض المناطق في المدينة على رأسها منطقة المنتزه، وترعة المحمودية، وأصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي، القرار الجمهوري رقم 157 لسنة 2019 بتشكيل لجنة لتطوير منطقة المنتزه برئاسة المهندس شريف إسماعيل، مساعد الرئيس للمشروعات القومية والاستراتيجية، تضم وزير السياحة، ومستشار رئاسة الجمهورية للتخطيط العمراني، ورئيسي الجهاز التنفيذي للهيئة العامة للتنمية السياحية، ومجلس إدارة شركة المنتزه للسياحة والاستثمار، ووفقاً لمخطط التطوير الذي نشرته وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري على صفحتها على «فيسبوك» فإنه «سيتم إنشاء مرسى لليخوت، وكورنيش مفتوح، مع الاهتمام بالحدائق، وتحويل المنطقة إلى مزار سياحي عالمي».
وأكد علي «زيادة الإقبال على المناطق التي أعلنت الحكومة عن تطويرها، وعلى رأسها المنطقة المحيطة بقصر المنتزه، والمزمع تحويلها إلى منطقة سياحية عالمية»، وقال: «هناك إقبال كبير على شراء الوحدات السكنية في هذه المنطقة، أدى إلى رفع أسعارها بنسبة 30% إلى 40% سنوياً بدلاً من 15% قبل بدء مشروع التطوير»، موضحاً أن «الوحدة التي كان ثمنها 700 ألف جنيه أصبحت تباع اليوم بمليون و100 ألف جنيه، والوحدات ذات الواجهة الأمامية أصبحت تباع بمبلغ يتراوح ما بين مليونين و300 ألف و3 ملايين جنيه، بدلاً من مليون ونصف قبل بدء مشروع التطوير».
منطقة أخرى تشهد إقبالاً وارتفاعاً في الأسعار هي منطقة ترعة المحمودية التي تنفذ فيها الحكومة الآن مشروعاً للتطوير، تم خلاله ردم الترعة، والتخطيط لإنشاء تجمعات سكنية وصناعية وطريق جديد.
وقال علي إن «منطقة ترعة المحمودية التي كان الناس يخشون السكن فيها، لاقترابها من العشوائيات، تشهد اليوم إقبالاً متزايداً وزيادة في أسعار الوحدات السكنية لتصل إلى مليون و900 ألف جنيه (الدولار الأميركي يعادل 15.7 جنيه مصري)».
وتضم منطقة المنتزه مجموعة من الحدائق التي تحيط بقصر المنتزه (الحرملك)، وقصر السلاملك، وهما من القصور الملكية التي أقامها الخديو عباس حلمي الثاني، قبل أكثر من 100 عام، وتقع على مساحة 375 فداناً، تطل على شاطئ البحر المتوسط، وبها مجموعة من المعالم الأثرية مثل كشط الشاي وبرج الساعة، وكانت تضم مجموعة من الكبائن والشاليهات المملوكة لمجموعة من رموز النظام السابق وعدد من رجال الأعمال، تم نزع ملكيتها وهدمها لصالح مشروع التطوير، كما تم هدم المطاعم والكافيتريات المطلة على البحر في المنطقة.


مقالات ذات صلة

«أنكس للتطوير» تكشف عن مشروع «إيفورا ريزيدنسز» في دبي

عالم الاعمال «أنكس للتطوير» تكشف عن مشروع «إيفورا ريزيدنسز» في دبي

«أنكس للتطوير» تكشف عن مشروع «إيفورا ريزيدنسز» في دبي

أعلنت شركة «أنكس للتطوير»، التابعة لمجموعة «أنكس القابضة»، إطلاق مشروعها الجديد «إيفورا ريزيدنسز» الذي يقع في منطقة الفرجان.

الاقتصاد العاصمة السعودية الرياض (واس)

بفضل النمو السكاني... توقعات باستمرار ارتفاع الطلب على العقارات السعودية

تتوقع وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال» للتصنيف الائتماني، أن يظل الطلب على العقارات السكنية في السعودية مرتفعاً، لا سيما في الرياض وجدة، وذلك بفضل النمو السكاني.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جناح سلطنة عمان في معرض «سيتي سكيب العالمي 2024» بالرياض (وزارة الإسكان العمانية)

سلطنة عمان تعرض مشروعات استثمارية في معرض «سيتي سكيب» بالرياض

عرضت سلطنة عمان خلال مشاركتها في أكبر معرض عقاري عالمي، «سيتي سكيب 2024» الذي يختتم أعماله الخميس في الرياض، مشروعاتها وفرصها الاستثمارية الحالية والمستقبلية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد ارتفعت الإيجارات السكنية بنسبة 11 % في أكتوبر (واس)

التضخم في السعودية يسجل 1.9 % في أكتوبر على أساس سنوي

ارتفع معدل التضخم السنوي في السعودية إلى 1.9 في المائة خلال شهر أكتوبر على أساس سنوي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد زوار يطلعون على أحد مشاريع الشركة الوطنية للإسكان في معرض «سيتي سكيب العالمي» (الشرق الأوسط)

«سيتي سكيب»... تحالفات محلية ودولية لرفع كفاءة العقار بالسعودية

شهد معرض «سيتي سكيب العالمي»، المقام حالياً في الرياض، عدداً من التحالفات المحلية والدولية ضمن الشركات المجتازة لبرنامج «الدعم والتمكين للتطوير العقاري».

بندر مسلم (الرياض)

«المنازل الذكية»... طريق الحياة الجديدة باستخدام التقنية

المنازل الذكية تستعد للانضمام إلى القطاعات التي يمكن التحكم بها عن طريق الأجهزة الذكية (الشرق الأوسط)
المنازل الذكية تستعد للانضمام إلى القطاعات التي يمكن التحكم بها عن طريق الأجهزة الذكية (الشرق الأوسط)
TT

«المنازل الذكية»... طريق الحياة الجديدة باستخدام التقنية

المنازل الذكية تستعد للانضمام إلى القطاعات التي يمكن التحكم بها عن طريق الأجهزة الذكية (الشرق الأوسط)
المنازل الذكية تستعد للانضمام إلى القطاعات التي يمكن التحكم بها عن طريق الأجهزة الذكية (الشرق الأوسط)

تبرز المنازل الذكية خياراً جديداً في أسلوب الحياة مع التسارع الذي تشهده التقنيات المنزلية؛ مما يعتقد أنها تجعل الحياة أسهل من خلال التحكم في مرافق المنازل عبر الهاتف المحمول، الأمر الذي يضم هذا الاستخدام ضمن استخدامات كثيرة عبر تلك الأجهزة المحمولة.
ويمكن الآن التحكم بكل شيء في المنزل وفق طرق سهلة، سواء كان ذلك تشغيل الإضاءة أو فتح الستائر، أو تشغيل الواي فاي، أو تعديل درجة الحرارة، وفتح وإغلاق قفل الباب الأمامي، وحتى إشعال وإطفاء الموقد، حيث يقضي معظم الأفراد أغلب أوقاته في المنزل أكثر من أي مكان آخر، ومع ذلك التفكير بالتكنولوجيا عندما التواجد في المنزل يكون أقل مقارنة بالخارج فيما عدا تقنية الواي فاي.
غدت الصورة عن المنزل التي تتمثل بأنه مكان خالٍ من التكنولوجيا على وشك التغيير، فحان وقت النظر إلى الأجهزة الكثيرة المتناثرة في أنحاء المنزل، سواء كان التلفزيون في غرفة المعيشة، أو الثلاجة في المطبخ، أو المكيّف في غرف النوم، أو حتى جهاز تسخين المياه في الحمامات. وأصبح الأفراد محاطين بالإلكترونيات التي يتم وصفها بالأجهزة الذكية بشكل متزايد كل يوم، فهي تملك أجهزة استشعار تمكّنها من تسجيل البيانات ومشاركتها عبر الإنترنت. ويوجد اليوم نحو 31 مليار جهاز متصل بالإنترنت، ومن المفترض أن يرتفع هذا العدد إلى 75.4 مليار بحلول عام 2025، وفقاً لتقديرات وكالة الأبحاث «ستسيتا».
ولا شك بأن السؤال الذي يسيطر في الوقت الحالي هو، متى ستصبح المنازل أكثر ذكاءً عبر وصل جميع هذه الأجهزة بمركز واحد، ليتم التمكن من القياس والتحكم بكل شيء داخل المنازل. وتتجاوز رؤية المنزل الذكي مفهوم الراحة، حيث ستكون التقنيات الجديدة ذات تأثير عميق وإيجابي على الصحة من خلال مراقبة النظام الغذائي وظروف البيئة المحيطة في الأشخاص ورفاهيتهم بشكل عام. وسيتمكن الأطباء بفضل التكنولوجيا من معرفة حالة الأشخاص بالوقت الفعلي كما سيكون تاريخهم الطبي في متناول اليد قبل حتى إخبار الأطباء به. وعلاوة على ذلك، ستمكن المنازل الذكية العاملين في الرعاية الصحية من علاج الأمراض بشكل استباقي.
وسيمتد تأثير التكنولوجيا أيضاً إلى طريقة التعليم والتعلُّم عند وصل أجهزة التعلم الخاصة بالأطفال بأجهزة معلميهم، لتعزيز التفاعل والتعليم المخصص، وسيزداد التركيز على التدريس عبر الوسائط المتعددة، حيث سنتمكن من تحقيق فكرة غرف الدراسة الافتراضية على أرض الواقع، وسيتمكن البالغون أيضاً من إكمال دراستهم من النقطة التي توقفوا عندها، وذلك عبر الدورات التي تم تطويرها للتعلّم المنزلي والتي يمكن بثها على شاشات الأجهزة.
وتعد البيئة المحرك الأهم لتقنيات المنزل الذكي، وخاصة بما يتعلق بتأثير الأشخاص عليها، حيث تستطيع الأتمتة المنزلية الذكية أن تخفّض استهلاك الطاقة والمياه في المباني إلى حد كبير. وصحيح بأن المستهلك سيستخدم المزيد من الأجهزة التي تعمل بالطاقة الكهربائية، إلا أن حلول المنزل الذكي المدعمة بالذكاء الصناعي تستطيع أن تتعرف على سلوك من يعيشون في المنزل وتشغيل الأجهزة أو إيقافها استناداً إلى الروتين اليومي للمستخدم. وسنتمكن مع هذه الحلول الذكية عبر نظرة واحدة على الهواتف المحمولة من معرفة مقدار الطاقة والمياه المستهلكة وتكلفتها. وبالنظر إلى ارتفاع تكلفتهما بشكل مستمر، سيضطر أصحاب المنازل والمرافق والحكومات إلى البحث عن طرق أفضل وأكثر فاعلية للحد من التلوث البيئي، وجعل الحياة أكثر استدامة.
وقد تبدو هذه الأفكار التقنية بعيدة التحقيق، إلا أنها حالياً في مراحل التصميم في مشاريع مثل «نيوم»، المبادرة التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار، والتي تعد حجر الأساس في «رؤية السعودية 2030»، كما أنها وصفت كأضخم مشروع حضري في العالم اليوم. وستعيد هذه المبادرة تعريف طريقة العيش وستركز في جزء كبير منها على المنازل.
وقال نجيب النعيم، رئيس مجلس إدارة العمليات في «شنايدر إلكتريك» السعودية: «سيكون لمبادرة (نيوم) تأثير غير مباشر على المنطقة بشكل عام، وينبغي أن تصبح المنازل الذكية القاعدة السائدة في الشرق الأوسط بحلول عام 2030. ويبدو لنا أن المنازل الذكية ستستمر في النمو مستقبلاً؛ مما يعني أن طريقة عيشنا اليومية ستتغير بشكل كبير». وبدأت الشركة الاستثمار في أتمتة المنزل الذكي منذ عقود من الزمن، ويعتقد النعيم بأن طريقة عيشنا «ستكون مختلفة بشكل جذري في المستقبل».

التطورات في تقنيات المنزل الذكي
تتطور التكنولوجيا اليوم بوتيرة متسارعة وتقنيات المنزل الذكي ليست استثناءً، والتساؤل يتمحور في معنى هذا التطور من حيث الأداء العملي، وكيف يمكن أن تؤثر البيوت الذكية على الحياة.
الذكاء الصناعي: سيكون الذكاء الصناعي في صميم التقنيات في المنازل المستقبلية، وستتمكن المنازل الذكية من تتبع موقع الأشخاص داخل المنزل، إما عن طريق جهاز استشعار إلكتروني يتم تركيبه على الملابس أو أجهزة استشعار إلكترونية داخل المنزل. وسيمتلك المنزل القدرة على تحديد هوية الأشخاص وأماكنهم، وسيستخدم هذه المعلومات لتلبية الاحتياجات وتوقعها أيضاً. وسيكون المنزل قادراً على ضبط كل شيء بدءاً من التدفئة والتبريد إلى الموسيقى والإضاءة، وكل ذلك حسب احتياجات الشخص الذي سيدخل من باب المنزل.
الإضاءة الذكية: ستُحدث الإضاءة الذكية ثورة في طريقة إضاءة المنازل، فهي تعمل على ضبط نفسها تلقائياً من خلال الكشف عن وجود الأشخاص في الغرفة، وحال خروجهم من هناك، تصبح الأنوار خافتة أو يتم إطفاؤها تماماً. كما يمكن أن تطبق الإضاءة الذكية على نشاطات الأشخاص؛ فعلى سبيل المثال، يمكن لأجهزة استشعار الضغط إطفاء الأنوار عند الاستلقاء في السرير بعد وقت معين، وستكتشف المستشعرات استيقاظ الأفراد لاستخدام الحمام وتقوم بتشغيل الإنارة. وتضبط الإضاءة درجة سطوعها تلقائياً وفقاً لفترات اليوم، وسيتذكر المنزل الذكي الروتين الخاص بالمستخدم ليتمكن من تخصيص كل جهاز في منزلك حسب الرغبة.
الأقفال الذكية: يمكن أيضاً برمجة الأقفال الذكية وفقاً لاحتياجات الأفراد، فيمكن السماح للزوار بالدخول أو منعهم بناءً على سمات تعريفية محددة. كما يمكنك السماح بالدخول لشخص ما، مثل حامل البريد عن بُعد. ويمكن إرسال رموز فتح الأقفال الافتراضية عبر تطبيق إلكتروني وفتح الباب عبر استخدام الهاتف المحمول.
مراقبة المنزل: تستطيع الأنظمة الأمنية الذكية مراقبة المنزل بشكل مستقل، والإبلاغ عن أي حوادث غير مسبوقة لمالك المنزل، وإبلاغ خدمات الطوارئ إذا لزم الأمر. وتستطيع المنازل الذكية أيضاً مراقبة كبار السن الذين يعيشون بمفردهم، فتقدم لهم يد المساعدة كتذكيرهم بتناول أدويتهم وضمان إتمامهم للمهام اليومية بنجاح وأمان. وفي حالات الطوارئ كالسقوط أو الحوادث، سيتمكن نظام المنزل الذكي من إخطار خدمات الطوارئ والسماح لهم بالدخول تلقائياً.
نظام التكييف: يعد التكييف من الضروريات الأساسية في دول الخليج، وعلى الرغم من ذلك لن يتغير قريباً، فإن الحلول المنزلية الذكية يمكن أن تقلل استهلاك الطاقة التي نستخدمها لتشغيل أنظمة التبريد لدينا في الصيف وأنظمة التدفئة في الشتاء بشكل كبير. فمن خلال التعلم الذاتي لسلوك واحتياجات الأسرة بالنسبة لتدفئة وتبريد المنزل مع مرور الوقت وإقران تلك المعلومات مع درجة الحرارة داخل المنزل وخارجه، يستطيع منظم الحرارة الذكي تقليص قيمة فواتير استهلاك الطاقة بنسبة 15 في المائة أو أكثر؛ مما سيختصر على الوالدين تأنيب الأطفال للتوقف عن العبث بمفتاح الطاقة.
طريقة دمج الأجهزة الذكية بنظام المنزل الذكي: يملك كل واحد منا الكثير من الأجهزة الذكية في المنزل والتي يمكن وصلها بشبكة الإنترنت. وما يحتاج إليه معظم الأشخاص هو وسيلة بسيطة بأسعار معقولة لإيصال جميع هذه الأجهزة بنظام واحد. ويؤمن نجيب النعيم من شركة «شنايدر إلكتريك» بأن تطبيق ويزر الذي أطلقته الشركة ومفهوم المنزل المتصل المتطور (سكوير دي) ربما يكون الحل المثالي لمن يبحثون عن تقنية المنزل الذكي الرائدة اليوم.
وقال النعيم «سيتطلب تحقيق ذلك شركة ذات خبرة بالطاقة والكهرباء والخدمات الرقمية والأجهزة والبرامج لتنشئ جهاز تحكم المنزل الذكي الذي نحتاج إليه جميعاً. ويعمل تطبيق (ويزر) من جهاز واحد نحمله بيدنا دائماً هو الهاتف المتحرك. ومن خلال وصل كل جهاز لدينا في المنزل بالإنترنت والتحكم به عبر (ويزر) سنتمكن من مراقبة كافة أجهزتنا والتحكم بها بطريقة آمنة ومن جهاز واحد».
وتهدف «شنايدر» على المدى الطويل إلى إضافة مستشعرات في جميع المعدات الكهربائية في المنزل لتتيح قياس استهلاك الطاقة والتحكم بالأجهزة، إما مباشرة أو من خلال الذكاء الصناعي، ومساعدة أصحاب المنازل والمباني على إنشاء «شبكات كهربائية صغيرة» من خلال دمج البطاريات وأجهزة الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية. وبهذا قد تصبح الأسلاك الكهربائية والمقابس والقواطع الخاصة بك العمود الفقري الذكي لمنزلك المستقبلي.
«شنايدر» هي من المشاركين في مبادرة «موطن الابتكار» التابعة لشركة «سابك»، وهي مشروع يهدف إلى إنشاء منزل تجريبي متكامل بأثاثه لتوفير تجربة عيش حديثة ومريحة ومستدامة، وإلى رفد السعودية بالمشاريع المستدامة. ويعرض مشروع «موطن الابتكار» ما يمكن تحقيقه عندما تتعاون الشركات العالمية مع رواد الأبحاث مثل «سابك» لابتكار أفكار جديدة من شأنها أن تثير اهتمام السعوديين وتُطلعهم على ما ستبدو عليه منازلهم في المستقبل.
وقال النعيم: «لم تتغير منازلنا كثيراً على الرغم من كمية التقنيات المحيطة بنا. وأصبح ذلك على وشك التغيير، فسنستذكر مستقبلاً الماضي بعد عقد من الزمن، ونتساءل لماذا لم نختر مفهوم المنزل الذكي في وقت أبكر. وسيحدث ذلك ثورة في طريقة راحتنا وعملنا ولعبنا. وأعتقد أن السعودية ستقود مسيرة التطور التقني في المنازل الذكية بفضل مشاريعها الرائدة مثل (نيوم)».