الممثل الخاص للاتحاد الأفريقي في الخرطوم: السودان بحاجة إلى مشروع مارشال لإنقاذ اقتصاده

قال لـ «الشرق الأوسط» إن السودانيين يشعرون بأن المجتمع الدولي يكتفي بالتفرج عليهم

السفير محمد بلعيش الممثل الخاص للاتحاد الأفريقي لدى السودان
السفير محمد بلعيش الممثل الخاص للاتحاد الأفريقي لدى السودان
TT

الممثل الخاص للاتحاد الأفريقي في الخرطوم: السودان بحاجة إلى مشروع مارشال لإنقاذ اقتصاده

السفير محمد بلعيش الممثل الخاص للاتحاد الأفريقي لدى السودان
السفير محمد بلعيش الممثل الخاص للاتحاد الأفريقي لدى السودان

قال السفير محمد بلعيش، الممثل الخاص للاتحاد الأفريقي لدى السودان، إن هذا الأخير يحتاج اليوم إلى مشروع مارشال لإنقاذ اقتصاده بالتعاون بين الولايات المتحدة (بعد رفع العقوبات) والاتحاد الأوروبي ودول الخليج، وذلك لإنقاذ الجنيه السوداني، ودعم ميزان المدفوعات، وإعادة تأهيل المشاريع المتعثرة كمشروع الجزيرة، والخطوط الجوية، وتوطين النازحين في دارفور، وإعادة اللاجئين إلى موطنهم، ودعم شريحة الفقراء.
وأوضح السفير بلعيش، في تصريحات أدلى بها لـ«الشرق الأوسط»، أنه من دون ذلك «سيعمّ الطوفان»، وسيجعل ذلك من السودان منطقة عبور للنازحين إلى أوروبا، وبوابة عبور للمخدرات، ومجالاً لانتشار الصراع الإثني والعرقي. وزاد: «لقد رأينا نموذجاً لذلك في العلاقة بين دارفور وأفريقيا الوسطى حينما أسقطت المجموعات المسلحة بدارفور حكومة جمهورية أفريقيا الوسطى التي دخلت في احتراب داخلي إلى يومنا هذا».
وذكر السفير بلعيش أنه إذا اشتعل السودان سيؤثر ذلك على كل القارة الأفريقية، وبالتالي لا بد للمجتمع الدولي أن يساند الحكومة الانتقالية من خلال الإسراع في إلغاء العقوبات الاقتصادية والمالية المفروضة على الخرطوم، لا سيما رفع اسم البلد من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وفق ما نص عليه القرار الرقم 875 الصادر عن مجلس السلم والأمن الأفريقي بتاريخ 6 سبتمبر (أيلول) 2019.
تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الانتقالية تواجه أوضاعاً اقتصادية صعبة، تتمثل في تدني قيمة الجنيه السوداني، وزيادة التضخم بنسبة 53%، وارتفاع الأسعار بنسبة 15%، وانخفاض مرتبات المستخدمين، وارتفاع معدل البطالة، وغياب المستثمرين. كما أن ملف الديون يراوح مكانه واستحقاقات الفوائد تأكل معظم عائدات الموازنة.
في سياق ذلك، يرى مراقبون أن وصفة البنك الدولي القاضية برفع الدعم عن سلع في السودان (المحروقات والدقيق والدواء)، قد تكون بمثابة «كتابة شهادة وفاة لحكومة فتية».
وقال السفير بلعيش، في هذا الإطار، إن السودانيين يشعرون بأن المجتمع الدولي يكتفي بالتفرج عليهم، نظراً إلى أن بلدهم ما زال في القائمة السوداء، وكأنه لم تحدث فيه ثورة، ولم يحدث فيه تغيير في الحكم، في حين كان ينبغي على المجتمع الدولي مساعدة السودان على الاستقرار السياسي والاقتصادي. وعبّر عن أسفه إزاء عدم حدوث شيء من ذلك باستثناء المساعدات التي تأتي من السعودية والإمارات والكويت، بينما تبقى مساعدات بعض الدول الأفريقية رمزية.
وأشار السفير بلعيش إلى أن الحكومة الأميركية أقرّت بالتغيير الإيجابي الذي أحدثته الثورة، بيد أنها ترى أن إزالة اسم السودان من القائمة السوداء يرتبط بشروط إجرائية، لافتاً إلى أنها فرضت على الخرطوم دفع تعويضات مالية لصالح أسر ضحايا الهجمات الإرهابية على سفارتي أميركا في كل من نيروبي ودار السلام.
ودعا السفير بلعيش، وهو دبلوماسي مغربي سبق له العمل سفيراً لبلاده لدى السودان والكويت وليبيا، إلى تفعيل آلية أصدقاء السودان لبذل كل الجهد لتمويل برنامج الحكومة الخاص بالانتعاش الاقتصادي، والعمل على التحضير المحكم لمؤتمر المانحين المزمع انعقاده في الكويت في أبريل (نيسان) المقبل. وأشار إلى ضرورة استمرار أجهزة الاتحاد الأفريقي في مواكبة السلطات السودانية الانتقالية بالدعم السياسي والفني والمشورة لترسيخ السلام والاستقرار والنماء، نظراً إلى أن الحاجة ما زالت ماسّة في مجالات عدة، منها نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، وإصلاح قطاع الأمن، وإرساء ثقافة منهجية الحكامة.
ودعا السفير الحكومة الانتقالية في السودان إلى تدبير المرحلة بروح الانفتاح والوفاق مع كل مكونات المجتمع، تفادياً لإحداث أي شرخ قد تكون عواقبه وخيمة، والحرص على الاستعانة بكل الكفاءات التي تتمتع بالنزاهة الفكرية، وتعبئة الطاقات لبناء السودان الجديد القائم على الوحدة والمواطنة بلا تميز، من دون إغفال تأمين المشاركة العادلة للنساء «لأنهن يشكّلن أفضل ضمان لاستدامة السلام».
يُذكر أنه مرت حتى الآن ستة أشهر منذ توقيع اتفاق حول اعتماد مرحلة انتقالية بوساطة أفريقية، تنتهي بإقامة الانتخابات المحلية والعامة والرئاسية قبل نهاية 2022، وتتميز المرحلة الحالية في السودان بروح التوافق التي تتحلى بها السلطات الانتقالية، بمكونها المدني والعسكري، في اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية، بدءاً بإلغاء القوانين السالبة للحريات ومحاربة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة.
وحول مآل الوثيقة الدستورية الخاصة بهياكل ونظم الحكم، قال السفير بلعيش إن الحكومة السودانية ماضية في إنفاذ مضامينها، وفي إجراء الإصلاحات وفق الأولويات العشر التي حددتها، وفي مقدمها عملية السلام الشامل التي تشهد مساراتها المختلفة في جوبا بوساطة من جنوب السودان، ودعم فني ولوجيستي من الاتحاد الأفريقي، «تطوراً إيجابياً يوماً بعد يوم». وأضاف أن مؤشرات التفاؤل تبقى كبيرة لطي صفحة النزاع بين الحركات المسلحة والحكومة المركزية.
وذكر الدبلوماسي الأفريقي أن تشكيل المجلس التشريعي، وتعيين ولاة مدنيين على رأس الأقاليم الستة عشر، بات وشيكاً، مشيراً إلى أن الحكومة الانتقالية اعتذرت عن التأخير الحاصل في ذلك، وعزت سبب ذلك إلى الرغبة في إشراك الحركات المسلحة في هذه العملية. وبخصوص نتائج لجنة التحقيق المستقلة الخاصة بأحداث فض الاعتصام ليوم 3 يونيو (حزيران) 2019، قال الممثل الخاص للاتحاد الأفريقي لدى السودان، إن اللجنة ماضية في إنجاز عملها بكل نزاهة وحيادية، رغم بعض الصعوبات التي تعترض سبيلها والمتمثلة في الوسائل المالية واللوجيستية والخبرات المتخصصة في الأدلة الجنائية لكشف بيانات وأدلة تحتاج إلى إخضاعها لفحص دقيق، حسبما قال رئيس اللجنة في وقت سابق.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.