النازحون من معارك النظام يبحثون عبثاً عن مأوى يقيهم البرد

ينامون في السيارات وتحت أشجار الزيتون مع اكتظاظ المخيمات شمال غربي سوريا

عائلة غصون التي اتخذت من السيارة مأوى بعد نزوحها (أ.ف.ب)
عائلة غصون التي اتخذت من السيارة مأوى بعد نزوحها (أ.ف.ب)
TT

النازحون من معارك النظام يبحثون عبثاً عن مأوى يقيهم البرد

عائلة غصون التي اتخذت من السيارة مأوى بعد نزوحها (أ.ف.ب)
عائلة غصون التي اتخذت من السيارة مأوى بعد نزوحها (أ.ف.ب)

عبثاً تحاول غصون العثور على خيمة أو منزل يقيها وعائلتها من الأمطار والبرد، بعد نزوحهم على وقع تقدم قوات النظام في شمال غربي سوريا. وبعدما باءت محاولاتها كافة بالفشل، لم تجد إلا السيارة لتتخذها مسكناً مؤقتاً لهم.
قرب قرية معرة مصرين شمال مدينة إدلب، تركن غصون (38 عاماً) سيارتها الرمادية، ذات المقاعد السبعة. وفي استراحة قبل أن تكمل العائلة طريقها بحثاً عن ملجأ ما، تضع غطاء شتوياً مزركشاً على الأرض، تجلس عليه مع ابنها الذي يأكل أقراص البسكويت، وإلى جانبها زوجها حاملاً طفلتهما في حضنه.
تقول غصون مرتدية عباءة سوداء وحجاباً طويلاً، لوكالة الصحافة الفرنسية، وهي التي نزحت قبل أيام: «الحمد لله، أكرمنا بهذه السيارة. ننام فيها رغم أن النوم ليس مريحاً»، مضيفة: «نتنقَّل في السيارة، نمنا فيها ليلتين وهذه الثالثة، وسنبقى فيها لأننا لا نجد ملجأ يأوينا». وتروي بينما تجلس قرب سيارتها المحملة بسجادات لُفت بعناية ومدفأة: «توجهنا إلى المخيمات لكن لا مكان فيها، بحثنا عن منازل لكن إيجاراتها مرتفعة». وتسأل بحرقة: «من أين سنأتي بالمال؟ لا نعرف ماذا نفعل وإلى أين نذهب».
على وقع التصعيد الذي بدأته قوات النظام بدعم روسي في ريف إدلب الجنوبي منذ مطلع ديسمبر (كانون الأول)، نزحت العائلة من بلدة معرشورين التي تتحدَّر منها باتجاه بلدة تفتناز شمالاً؛ حيث أمضت شهراً كاملاً. ومع اقتراب العمليات العسكرية منها، عاودت النزوح.
على المقاعد الخلفية للسيارة، وضعت العائلة حقائب عدَّة وأدوات تنظيف وعبوات مؤونة وفرشاً ووسائد. تطوي العائلة مقاعد السيارة ليلاً لتنام فيها، بينما تقضي يومها في البحث عن مسكن. وتخشى غصون التي تعاني من إعاقة في رجلها تمنعها من السير لمسافات طويلة، أن تصبح قريباً عاجزة عن دفع ثمن الوقود للسيارة، مع قرب نفاد الأموال التي جمعتها من أتعاب زوجها عامل النظافة.
وعلى غرار نازحين كثر يبحثون عن مأوى منذ أيام، تقول غصون إن المدنيين «تعبوا من الترحال»، وتتساءل: «إلى متى سنبقى على هذه الحال؟».
ودفع التصعيد العسكري 586 ألف شخص - وفق آخر حصيلة للأمم المتحدة - إلى النزوح من إدلب، نحو مناطق لا يشملها القصف قرب الحدود التركية. وحذَّرت ثمانٍ من كبرى منظمات الإغاثة الدولية في بيان، الأربعاء، من أن «مئات الآلاف من الناس، غالبيتهم من النساء والأطفال، الذين يفرُّون من أعمال عنف لا هوادة فيها، عالقون في كارثة إنسانية». وباتت المناطق الشمالية بعد حملة التصعيد الأخيرة مكتظة بالنازحين.
وقالت بهية زريكم، من منظمة الإنسانية والدمج، وفق البيان، إن استئجار النازحين لمساكن بات «أكثر صعوبة؛ لأنه ببساطة بات عدد الناس يفوق عدد المنازل المتوفرة، وباتت الظروف أكثر بؤساً». لذلك، فإن «العديد من الذين فروا ينامون في سياراتهم أو يخيمون على جانب الطريق؛ لأن لا مكان آخر يذهبون إليه»، على حد قولها. ويحتاج هؤلاء إلى الطعام والمأوى والوقود للتدفئة والرعاية الصحية.
وتستضيف مخيمات شمال غربي سوريا عدداً من النازحين يفوق خمس مرات قدرتها الاستيعابية، وفق المجلس النرويجي للاجئين.
وفي باحة مخيم تم إنشاؤه حديثاً على أطراف بلدة معرة مصرين، يتوافد إليه النازحون تباعاً، شاهد مراسل وكالة الصحافة الفرنسية، عائلات بأكملها تفترش الأرض الطينية لعدم تمكنها من الحصول على خيمة. وبدت خلف أفرادها أكوام من الحاجيات التي أحضروها معهم، من سجاد وفرش وأغطية وأوانٍ منزلية وألواح الطاقة الشمسية والخزانات البلاستيكية والحقائب. وبات المخيم المخصص لـ350 عائلة يأوي نحو 800 عائلة، بينما ترتفع أعداد القادمين إليه.
في شاحنتين صغيرتين، وصل مصطفى حاج أحمد (40 عاماً) قبل أيام، مع ثلاثين من أفراد عائلته، بينهم زوجته وأولاده السبعة، وشقيقه وعائلته، إلى المخيم، من دون أن يعثروا على خيمة. ويقول مصطفى، النازح من بلدة سرمين التي تدور معارك قربها: «ننام منذ يومين تحت الشجر ولا بيت يأوينا. جئنا إلى المخيم ولم نجد مكاناً». يضيف: «لم أجلب شيئاً من أغراضي. حتى السجادات والأغطية لم نحضرها»، مضيفاً: «لبسنا ثيابنا ونجونا بأرواحنا». يعتزم مصطفى مواصلة البحث عن مأوى عبر التوجُّه شمالاً نحو الحدود التركية الآمنة. وفي حال لم يعثر على منزل أو خيمة، يقول: «سننام تحت الزيتون. لا أعرف ماذا سنفعل. أنا محتار بحالي».
ويتوجه النازحون خصوصاً إلى المدن أو مخيمات النازحين قرب الحدود التركية، بينما انتقل عشرات الآلاف منهم إلى منطقتي عفرين وأعزاز في شمال محافظة حلب، اللتين تسيطر عليهما فصائل سورية موالية لأنقرة.
اختار علاء عبود (38 عاماً) النازح من جنوب إدلب، إيواء عائلته المؤلفة من زوجته وخمسة أطفال، إضافة إلى والده الضرير ووالدته وشقيقه، في منزل قيد الإنشاء في مدينة إدلب. ووصل علاء مؤخراً إلى المدينة بعد انتقاله من الريف الشمالي؛ حيث أمضى شهرين، ولم يعد يقوى على دفع تكاليف الإيجار. داخل المنزل وهو غرف مسقوفة غير مجهزة تفتقد للنوافذ والأبواب والبلاط والطلاء، وضعت العائلة مقتنياتها، وفرشت غرفة بالسجاد والفرش، يجلس عليها الجد الضرير مع أحفاده. ويقول علاء: «هنا أفضل من أي مكان آخر، على الأقل فوقك سقف؛ لكن إذا كان سيُدمَّر فوقك، فمن الأفضل أن تقيم وسط الوحل وتتحمل البرد». يضيف بحرقة: «ليرحمنا الله. لقد تعبنا».



واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.