أكد الدكتور محمد همايون قيومي، وزير المالية الأفغاني، أن بلاده تمثل فرصة استثمارية مغرية، في ظل أن حجم المستغل من الثروات المهولة في البلاد لا يتجاوز واحداً في المائة، مؤكداً أن رؤية السياسة الاقتصادية المقرة في أفغانستان وضعت اعتبار أهمية التدفقات الاستثمارية للبلاد فوق الدعم التنموي، في إطار النهوض لتأسيس اقتصاد وطني أفغاني.
وقال قيومي في حوار مع «الشرق الأوسط»، إن السعودية ذات مواقف مشهودة على صعيد الدعم التنموي، في وقت يواصلون العمل فيه حالياً لترتيبات تتضمن تكثيف العلاقات مع القطاع الخاص السعودي، للاستفادة من الفرص المتاحة في أفغانستان، لا سيما مع توفير حكومة بلاده ممرات آمنة ومناطق مستقرة يمكن الاستثمار فيها، وسط معدل عائد عالٍ على الاستثمار، بواقع 25 في المائة.
ويشدد قيومي على أن أفغانستان تمتلك فرصاً ضخمة، لا سيما على الصعيد الزراعي والتعديني، بينما تستند على حقوق انتفاع ليست مرتفعة تصل إلى 8 في المائة، مشيراً إلى أن حجم الاستثمارات المنتظرة في قطاعات الزراعة والإسكان ومشروعات الطاقة نحو 8.3 مليار دولار.
> يبدو أن واقع الاقتصاد الأفغاني غامض وغير معروف، لقلة المصادر المعلوماتية عنه، فما هي أبرز ملامح هذا الاقتصاد؟
- يمكن اعتبار عام 2002 بداية الاقتصاد الأفغاني الحديث. أي اقتصاد يقوم على ما هو سائد ومتعارف عليه كمعايير ومواصفات تعتمدها المنظمات العالمية. ولا يخفى أن الاقتصاد الأفغاني عاش طوال الفترات الماضية في إطار الاقتصاد الاستهلاكي وليس التوليدي، ولكن بعد مجيء الرئيس الجديد الدكتور أشرف غني أحمدزي، وهو أكاديمي واقتصادي مختص في بناء الدولة والتحول الاجتماعي، ساهم في وضع منظور جديد لتحويل الاقتصاد في أفغانستان تجاه الاقتصاد الإنتاجي؛ حيث بدأنا منذ خمس سنوات في الخطوات الأولى عبر بناء بنية تحتية تدعم هذا التحول، من شوارع وسكك حديدية. ليس هذا فحسب؛ بل حتى علاقاتنا مع دول الجوار - خصوصاً بلدان آسيا المركزية، كأوزبكستان وقرغيزستان وكازاخستان، وحتى دول مجلس التعاون كبعد عربي وإسلامي؛ حيث تمتد إلى أكثر من 80 عاماً، ولم ننسَ كذلك دولاً كالهند والصين - حيث عملنا كثيراً من الاتفاقيات ذات العلاقة الاقتصادية، وأخيراً جارتنا الشقيقة باكستان، التي نوطد العلاقة معها.
> كم يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الأفغاني؟
- قبل الإجابة على تساؤلك أود أن أشير - فيما يخص الاستهلاك والتحول الذي نبحث عنه - إلى أن اقتصاد أفغانستان كان يستورد 21 مرة مقابل ما يصدره للخارج، وهذا مؤشر خطير جداً؛ حيث يعني ذلك أن اقتصادنا هو اقتصاد استهلاكي بشكل شبه كامل. وبدأنا مؤخراً نستفيق من واقع خطير كهذا على صعيد التبادل التجاري، لذا كانت خطتنا الخمسية هي تقليل معدلات ما نستورده مقابل رفع معدل ما نصدره للخارج، بنسب ملموسة خلال الخمس سنوات الحالية، وذلك من خلال تفعيل الجانب الصناعي في القطاع الزراعي تحديداً. أما ما يتعلق بالإحصائيات حول الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الأفغاني، فيبلغ في الوقت الراهن نحو 25 مليار دولار.
> أشرت إلى الزراعة، إذن تؤمنون بأن الزراعة ستكون قاطرة التنمية الاقتصادية، من خلال تفعيل الجوانب الصناعية والاستثمارية فيها، ماذا قدمت في هذا الصدد؟
- نحن لا نخفي أننا قائمون على الترويج للصناعة في مجال الزراعة؛ بل ندعو المستثمرين العالميين - خصوصاً في السعودية - للاستفادة من هذه الفرصة، لا سيما بعد توفير الحكومة البنى التحتية التي تضمن نجاح الاستثمارات. لدينا في غرب البلاد مساحات شاسعة وقابلة للاستزراع، وفيها مكونات طبيعية عالية للاستثمار، 1.5 مليون هكتار مهيأة تماماً للاستثمار، بعد تجهيز دام ثلاث سنوات. وتحديداً بعض الزراعات النوعية ستكون ذات جدوى مغرية للمستثمر، كزراعة الزعفران الأفغاني، وهو نوعية ذات جودة رفيعة وعائد مرتفع، ويصنف على أنه الأفضل على مستوى العالم.
وللعلم فإن أفغانستان هي البلد الثالث عالمياً من حيث التصدير، والاستثمار المؤسسي لم يبدأ فيها بعد، فكيف حين انطلاقة الاستثمار! هناك عدد من الأطنان سنوياً، ولكن تسبقنا حالياً إيران وإسبانيا.
> لكن عامل الاستقرار هو عنصر رئيس عند الحديث عن الاستثمار في الخارج، فالمستثمر ينظر إلى جانب الأمن وسيطرة الدولة، وهذا الأمر غير متوفر في حالة الاقتصاد الأفغاني.
- الحكومة الحالية والسابقة عملت كثيراً من الجهود في هذا الصدد؛ خصوصاً على الجوانب السياسية، وتحديداً الصلح مع «طالبان»، فالعمل جارٍ لتلاقي الرؤى والصلح والتناغم، وهو الأمر الذي يُنتظر أن يتحقق قريباً. أما ما يخص الوضع الاقتصادي فهو مرتبط بالسياسي كما هو معروف، ولكن هناك برامج عديدة للصلح بين الطرفين، لا سيما أن الطرفين مؤمنان بأهمية تقديم مصلحة الأفغاني، وعليه تكون قاعدة الدولة الأفغانية هي دخول «طالبان» في العمل السياسي، ومنظومة الدولة، كمشارك ومؤسس ومساهم في القرار، ودخول الانتخابات، إذ هي جزء لا يتجزأ من الشعب الأفغاني.
لا بد من إنهاء ما يخص أمن واستقرار البلاد؛ لا سيما ملفات الجماعات الإرهابية، وأن يكون لهم دور بارز في إنهاء ذلك وما يتعلق به. ولعلمنا بهكذا تحدٍّ رغم الجهود لإصلاح الظرف السياسي وفرض الأمان في كافة أفغانستان، فإن متوسط العائد على الاستثمار في كافة القطاعات المستهدفة لن يقل عن 25 في المائة.
> ولكن في الوقت الراهن، على ماذا تستند مالية الاقتصاد في أفغانستان؟
- مستوى الاقتصاد بمؤشراته ليس بذلك السوء حالياً؛ بل التحسن ملموس، والدولة تسير معيشتها بنمو ضئيل، والمرتبات - بالنسبة لوضع الاقتصاد - ليست سيئة وغير متوقفة. أما استراتيجياً فنحن غير قلقين، فالأرض الأفغانية مليئة بالثروات والمعادن، كالحديد والنحاس والألمنيوم والنفط والغاز. وكان بين التجديدات والتحسينات على تطوير الأنظمة الاستثمارية والاقتصادية في البلاد، تحديد نسبة العائد على الدولة من حقوق الانتفاع من الأرض الأفغانية. ولك أن تتصور أن العائد للدولة حالياً من نسبة الحقوق على بعض الاستثمارات، لا يتخطى 30 مليون دولار، وهي نسبة ضعيفة جداً؛ بل لا تذكر كرقم اقتصادي. لدينا فرص الغاز الطبيعي والنفط، وأهم منهما الحديد والنحاس، وحتى الليثيوم – العناصر النادرة - بل وحتى أنواع حجر المرمر الفاخر؛ حيث لدى أفغانستان 42 لوناً مختلفاً منه، فجميع هذه الفرص الاستثمارية مغرية جداً. ونصنف بين الثاني والثالث على مستوى المخزون تحت الأرض من الحديد والنحاس.
> كم هو مقدار النسب المعتمدة لديكم في حقوق الانتفاع من الاستثمارات في أفغانستان؟
- حقوق الاستنفاع من الاستثمار للحكومة الأفغانية على المعادن تبلغ بين 6 و8 في المائة، بينما نقدر حجم الاستثمار في مشروعات الطاقة بنحو 1.3 مليار دولار، أما على صعيد استثمارات الإسكان، فتبلغ نحو 1.7 مليار دولار.
القطاع الزراعي نعول عليه كثيراً، ولذا يقدر حجم الفرص المتاحة بما لا يقل عن 5.3 مليار دولار.
> كم حجم المستغل حالياً من تلك الثروات؟
- رقم لا يمكن تصديقه، حقيقة الحال لدينا أن نسبة المستغل من الثروات الأفغانية دون الواحد في المائة، وهو الأمر الذي في حال ما تغير واستغل فسينقل أفغانستان نقلة اقتصادية ضخمة؛ بل ستكون مختلفة عن جميع بلدان الجوار. ليس هذا فحسب، فالموقع الجغرافي يعد شريطاً رابطاً بين دول آسيا الوسطى إلى دول الخليج العربي؛ لا سيما ما يخص الأمن الغذائي، كالأغنام واللحوم، فنحن يمكن أن نعتبر اقتصاد الممر للمنتجات والسلع الحيوية بين آسيا الوسطى والمنطقة العربية والخليج خاصة، مع ازدياد العلاقات في العقد الأخير مع بلدان مجلس التعاون. إذن نحن نقطة محورية بين هذه الدول، وفي الربط مع آسيا الجنوبية كالهند وباكستان. كما نمثل حالياً ممراً جوياً للهند والإمارات، ونتطلع إلى أن نصبح الممر الجوي لسلع الفواكه والخضراوات الطازجة والمجففة مع السعودية؛ خصوصاً من غرب أفغانستان إلى المملكة؛ حيث إن المدة لن تتجاوز ساعتين ونصفاً لتصل الشحنة إلى الرياض من مدينة قندهار أو هلمند، وثلاث ساعات إلى مدينة جدة غرب المملكة، أي أن الإنتاج الزراعي يمكن أن يصل إلى السعودية في اليوم ذاته.
> هل لديكم خطة لنمو الاقتصاد الوطني الأفغاني؟ وهل حددتم نسبة مستهدفة؟
- خطتنا بدأت سابقاً، ونحن استهدفنا أن يكون نمو الاقتصاد الأفغاني بين 3 و5 في المائة في عام 2020، وسط اعتبار أن الجانب السياسي عامل مؤثر؛ أي نتائج الانتخابات الأولية، واستقرار الدولة لمواصلة البرامج الاقتصادية التي نعمل عليها حالياً. لدينا حزمة برامج جاهزة لتفعيلها، بعد الحصول على تمويلات من البنك الدولي، وصناديق حكومية، منها السعودية والكويت؛ حيث حصلنا على وعود للاستثمار، وهو الأمر المهم لدينا أكثر من الدعم التنموي. وهذه فرصة لشكر حكومة المملكة على جميع الدعم المالي السابق والحالي. ولكننا نهتم في هذه المرحلة بموضوع الاستثمار في أفغانستان.
> إذن تبحثون عن صناديق دولية وخليجية، ومنها السعودية، لإقناعها بالاستثمار في أفغانستان، مقابل الفرص الضخمة التي سردت جزءاً منها سالفاً، أليس كذلك؟
- قطعاً، ذكرت سابقاً أننا نعمل تسويقاً وترويجاً لإمكانات أفغانستان وثرواتها الطبيعية والبشرية. ولأكون أكثر دقة، نسعى حالياً لاستهداف جمع 5 مليارات دولار كباكورة استثمارات أجنبية، تنطلق في أفغانستان للسنة المقبلة، لتطبيق برامجنا الاستثمارية التي نستهدفها.
> وما تفاصيل برامج تنمية الاقتصاد المقرة؟
- هناك كثير، ولكن الأبرز هو الملف الزراعي؛ حيث نعمل على تنمية هذا القطاع عبر إدخال التصنيع فيه؛ لا سيما على منتجات الفواكه الطازجة والمجففة، وحددنا 15 نوعاً منها، كما لدينا الفستق واللوز، وحتى الزراعات الطبيعية المفيدة في المستحضرات الطبية.
مشروعات المساكن كذلك هي إحدى الفرص العملاقة جداً في أفغانستان، ونستهدف نحو 300 ألف وحدة سكنية في أنحاء البلاد. أيضاً قطاع الكهرباء مهم، وفرصة مغرية. في غربي أفغانستان مناطق تعد الأفضل على مستوى العالم من حيث حركة الرياح، وبالتالي فرصة توليد الطاقة متاحة، وذات عائد عالي، وفيها 70 ألف ميغاواط يمكن أن يستفاد منها كطاقة متجددة؛ بل يمكن تصديرها إلى بلدان خليجية كالإمارات والسعودية، وحتى إلى باكستان والهند. هل تعلم أن معدل سرعة الرياح في أفغانستان أعلى من المنطقة العربية وكافة القارة الأفريقية، وتقارع دولاً كغرين لاند والدول الاسكندنافية؟
كما يمكن أن تكون أفغانستان ممراً للطاقة المتجددة من آسيا الوسطى إلى بلدان الخليج؛ بل وحتى للهند. كما أن الداخل الأفغاني يحتاج إلى طاقة كهربائية كبيرة، فالمستثمر لديه سوق مفتوحة بالكامل في هذا القطاع. كما لدينا خطة متكاملة تستهدف تفعيل التجارة وممراتها بين بلدان آسيا المركزية ودول آسيا الجنوبية، وحتى الدول القوقازية كأذربيجان وجورجيا، وصولاً إلى تركيا. وكل الطرق التي نعتمدها محمية حماية عالية من قبل الدولة، وبالتالي نضمن سير السلع والمنتجات عبرها بكل أمان.
> كم حجم الإعانات السنوية التي تتلقاها الحكومة الأفغانية سنوياً؟
- المساعدات ذات الهدف المدني تقدر بنحو 15.3 مليار دولار (200 مليار أفغاني)، بينما هناك نحو 7.7 مليار دولار (100 مليار أفغاني) مقدمة لدعم مشروعات التنمية، وكل تلك المبالغ تنصب في تغطية الحاجات التي وضعت لها.
> هل لكم نيات لزيارات مستقبلية للمملكة؟
- سنأتي للسعودية لبحث ومناقشة قطاع الأعمال، من أجل عمل بعض اللقاءات والمباحثات مع القطاع الخاص، والنظر في فرص الأعمال والعلاقة التجارية بين البلدين. ستكون الزيارة في إطار رسمي حكومي.
> تعلمون أن في السعودية مشروعاً كبيراً للتحول الاقتصادي، في ضوء «رؤية 2030»، فكيف يمكن لأفغانستان أن تستفيد وأن تسهم في هذه الرؤية؟
- هناك مجالات كثيرة للمساهمة في برامج «رؤية 2030» التي رسمها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي؛ لا سيما المشروعات العملاقة؛ حيث يوجد لدينا على سبيل المثال أيادٍ عاملة نشيطة؛ لا سيما أن أفغانستان يوجد بها 65 في المائة من سكانها البالغ عددهم 35 مليون نسمة، من الشباب، وهؤلاء قادرون على المشاركة في العمل بكافة الأنشطة وأعمال الإنشاءات بمجالاتها المختلفة.
لا أنسى أن المهارات زادت، ومستوى التدريب ارتفع للعامل الأفغاني. وأود أن أضيف حول موضوع تصريح دخول العامل الأفغاني للعمل مباشرة، أن المناقشات النهائية تجري فيه مع الجهات السعودية، والوعود حتى اللحظة مبشرة، بالسماح لأبنائنا بالحضور والعمل هنا في المملكة بشكل مباشر.
-- ملف تجارة المخدرات... تحدٍّ يواجه الحكومة الأفغانية
> يلفت الوزير الأفغاني قيومي النظر إلى ملف تجارة المخدرات، بما يحتويه من عملية متكاملة في الزراعة والاستحصال والترويج، مبيناً أن الحكومة تبذل قصارى الجهود لمحاربتها في كافة مناطق وجودها، نظراً لخطورتها، وما توفره من عائد على الجماعات المسلحة التي تعتمد عليها كمصادر تمويل، ولذا تواصل الحكومة جهودها للحد منها.
الحل لأزمة المخدرات هو سياسي بالدرجة الأولى، كما يصفه قيومي، الذي يلفت إلى أن كثيراً من التمويل الإرهابي يأتي عن طريق المخدرات، وحكومة بلاده تسعى لمحاربتها داخلياً بكافة طرق المكافحة.
وبحسب قيومي: «الحل السياسي هو المهم، والذي يبدأ بالاتفاقيات والمعاهدات مع دول الجوار، لضمان عدم تسرب تلك المواد والأنواع الزراعية عبر الحدود من جماعات الإرهاب، لنرفع مستوى الضبط، وبالتالي المحاصرة، وإحباط تلك العمليات، للوصول إلى مستوى المنع الكامل لسلسلة عملية الإنتاج».
ويرى قيومي حلاً لهذه الظاهرة الاقتصادية السلبية، من خلال تعاون دولي، مشيراً بالقول: «نحتاج إلى اتفاقية تعاون مع كل الدول المحيطة بأفغانستان، لإكمال منظومة مكافحة المخدرات بين الجميع».
وزير المالية الأفغاني: المستغل من الثروات أقل من 1 %
قيومي قال لـ«الشرق الأوسط» إن التدفقات الاستثمارية أهم من الدعم التنموي في رؤيتنا الاقتصادية
وزير المالية الأفغاني: المستغل من الثروات أقل من 1 %
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة