إسرائيل تقرر إعادة فتح المسجد الأقصى بعد إغلاقه بشكل كامل

بعد أن وصف عباس قرار الغلق بأنه إعلان حرب

شبان فلسطينيون يرمون قوات الاحتلال الإسرائيلي بالحجارة بعد مقتل الشاب الفلسطيني معتز حجازي في القدس أمس (أ.ف.ب)
شبان فلسطينيون يرمون قوات الاحتلال الإسرائيلي بالحجارة بعد مقتل الشاب الفلسطيني معتز حجازي في القدس أمس (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تقرر إعادة فتح المسجد الأقصى بعد إغلاقه بشكل كامل

شبان فلسطينيون يرمون قوات الاحتلال الإسرائيلي بالحجارة بعد مقتل الشاب الفلسطيني معتز حجازي في القدس أمس (أ.ف.ب)
شبان فلسطينيون يرمون قوات الاحتلال الإسرائيلي بالحجارة بعد مقتل الشاب الفلسطيني معتز حجازي في القدس أمس (أ.ف.ب)

بعد ليلة صعبة في القدس، شهدت محاولة اغتيال الناشط اليميني المتطرف يهودا غليك، الذي يتزعم اقتحامات المسجد الأقصى، وإصابته بجراح خطيرة للغاية، وكذا اغتيال الجيش الإسرائيلي الشاب معتز حجازي المتهم بتنفيذ الهجوم ضد غليك، أغلقت إسرائيل المسجد الأقصى بشكل كامل لأول مرة منذ 14 عاما، وهو الأمر الذي وصفه الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) بأنه إعلان حرب على الشعب الفلسطيني، محملا الحكومة الإسرائيلية مسؤولية التصعيد الخطير في القدس، ورد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باتهام عباس بإشعال المدينة المقدسة.
وقال عباس في بيان رسمي إن «القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية فيها خط أحمر لن يقبل المساس بها.. ونحن نحمل الحكومة الإسرائيلية مسؤولية التصعيد الخطير في مدينة القدس المحتلة، الذي وصل ذروته بإغلاق المسجد الأقصى المبارك صباح الخميس (أمس)».
وعد عباس في البيان الذي تلاه الناطق الرئاسي نبيل أبو ردينة «أن هذا القرار يعتبر تحديا سافرا وتصرفا خطيرا، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى مزيد من التوتر وعدم الاستقرار وخلق أجواء سلبية وخطيرة». وجاء في البيان أن «دولة فلسطين ستتخذ كافة الإجراءات القانونية لمحاسبة إسرائيل، ولوقف هذه الاعتداءات المتكررة».
وطالب الناطق باسم الرئاسة المجتمع الدولي باتخاذ الإجراءات الفورية لوقف هذا العدوان، وقال إن استمرار الاعتداءات والتصعيد الإسرائيلي الخطير بمثابة إعلان حرب على الشعب الفلسطيني ومقدساته، وعلى الأمتين العربية والإسلامية.
وكان يتسحق أهارونوفتش، وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، قد قرر بتعليمات من نتنياهو إغلاق المسجد الأقصى المبارك فور محاولة قتل الناشط اليميني يهودا غليك. وقال نتنياهو أمس إن إسرائيل تواجه موجة تحريضية من جانب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ومن جهات إسلامية متطرفة، وأمر بتعزيز الأمن في القدس للحفاظ على الأمن وعلى الوضع القائم في الأماكن المقدسة.
وأغلقت الشرطة الإسرائيلية المسجد الأقصى أمام الجميع، بمن فيهم المسلمون، حتى إشعار آخر، وهو ما أثار سخط رجال الدين والأئمة الفلسطينيين وعدد من الدول العربية، حيث قال الشيخ يوسف جمعة، خطيب المسجد الأقصى المبارك النائب الأول لرئيس الهيئة الإسلامية العليا، إن «إغلاق سلطات الاحتلال الإسرائيلي للمسجد الأقصى المبارك منذ فجر الخميس جريمة كبرى، وعدوان خطير على أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، ومحاولة من سلطات الاحتلال الإسرائيلي لتنفيذ مخططاتها الإجرامية في حق المسجد الأقصى المبارك لتقسيمه زمانيا ومكانيا».
وقال الشيخ عزام الخطيب، مدير عام الأوقاف الإسلامية التابعة للحكومة الأردنية في القدس، إن إغلاق المسجد الأقصى بهذا الشكل خطوة خطيرة. وأكد أن السلطات الأردنية تجري حاليا اتصالات حثيثة من أجل إعادة فتحه أمام المصلين المسلمين والامتناع عن إحداث أي تغيير في وضعيته.
وفي مصر استنكرت المؤسسة الدينية أمس قيام سلطات إسرائيل بإغلاق المسجد الأقصى المبارك بشكل كامل، حيث أكد الأزهر أن «إغلاقه يعد خطوة عدائية تكرس للصراع الديني»، وقال مفتي مصر الدكتور شوقي علام إن «ما حدث ينذر بصراع حاد ومواجهات خطيرة تهدد السلم الدولي». في حين طالبت الخارجية المصرية أمس إسرائيل باحترام حقوق الفلسطينيين وإعادة فتح «الأقصى». وقال الأزهر في بيان له أمس إن «هذه الخطوة التصعيدية من قبل إسرائيل هي انتهاك صريح لمشاعر المسلمين في مختلف أنحاء العالم، وتحد للمواثيق الدولية والقيم والمبادئ الدينية». وطالب العالم الإسلامي والدولي بضرورة التدخل الفوري لوقف هذا العمل الهمجي الذي يكرس للصراع الديني، ويؤدي إلى عدم الاستقرار في المنطقة.
من جانبه، دعا شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والمجتمع الدولي، إلى تحمل تبعات ما يحدث، ووضع حد لهذه الانتهاكات الخطيرة والمتكررة، وإلزام إسرائيل باحترام الأماكن المقدسة، وأن تعمل الجهات الدولية والإقليمية على حماية القدس باعتبارها تراثا إنسانيا حضاريا، إسلاميا، مسيحيا على السواء، مؤكدا أن هذا القرار العنصري يجب ألا يواجه ببيانات الاستنكار والشجب والإدانة، بل يتطلب تطوير الموقف الرسمي في الأمتين العربية والإسلامية لمواجهة هذا القرار.
في السياق ذاته، استنكرت دار الإفتاء المصرية بشدة أمس قيام قوات إسرائيل بغلق المسجد الأقصى بشكل كامل في سابقة، حيث قال مفتي البلاد إن «هذه الخطوة التصعيدية الخطيرة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي تعتبر انتهاكا لمشاعر المسلمين في مختلف أنحاء العالم، وخرقا واضحا وفاضحا لكل قرارات الشرعية الدولية، والقيم والمبادئ الدينية والشرائع السماوية».
وعلى المستوى الرسمي، قال السفير بدر عبد العاطي، المتحدث باسم وزارة الخارجية، إن «مصر تتابع بقلق تطورات الأوضاع في القدس الشرقية وخاصة الانتهاكات من جانب إسرائيل»، مضيفا في تصريحات صحافية أمس أن «مصر تطالب باحترام حقوق الفلسطينيين وإعادة فتح المسجد الأقصى أمام المصلين».
وأعلنت الشرطة الإسرائيلية، أمس، عن رفع درجة استعدادها في جميع مدن إسرائيل، وقالت: «إن وحدات من حرس الحدود ستُنقل من مناطق الضفة إلى القدس حفاظا على الأمن والنظام». وقد جاءت هذه التطورات بعد أن حاول فلسطيني قتل غليك، حيث أطلق عليه النار من مسافة قصيرة قرب مركز «تراث مناحيم بيغين» وسط القدس. وقال شهود عيان إن الفلسطيني تحدث إلى غليك بلغة عبرية، وسأله عن هويته، ثم أخبره أنه يشكل مصدر إزعاج وغضب له قبل أن يطلق عليه النار ويلوذ بالفرار.
إثر ردود الفعل الغاضبة من الجانب الفلسطيني والدولي، وخوفا من حدوث أعمال عنف غير متوقعة، قررت إسرائيل، مساء أمس، إعادة فتح المسجد الأقصى في القدس الشرقية المحتلة، مع منع الرجال الذين تقل أعمارهم عن 50 عاما من دخوله، حسبما أعلنت الشرطة. وقالت المتحدثة باسم الشرطة الإسرائيلية لوبا السمري إن القرار سيُنفذ فورا.
وقال عزام الخطيب مدير الأوقاف الإسلامية في القدس، إن «إغلاق المسجد الأقصى بهذه الطريقة يتم لأول مرة منذ احتلال الشق الشرقي من المدينة عام 1967»، وأضاف الخطيب لـ«الشرق الأوسط»: «لم يُغلق بهذه الطريقة منذ 1967. أُغلق جزئيا في عام 2000 بسبب زيارة شارون. ولكن هذا الإغلاق الكامل لم يحدث من قبل»، وتابع: «اليوم صليت وحدي مع الموظفين فقط».
وأكد الخطيب أن «هذه الخطوة الخطرة كان يمكن أن تجر المنطقة إلى ما لا يُحمد عقباه، لولا تدخل المملكة الأردنية، التي توصلت إلى اتفاق بأن يفتح المسجد اليوم الجمعة أمام المصلين». لكنه أوضح أنه سيُسمح بدخول أعمار محددة فوق الـ50 عاما.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.