بوركينا فاسو تنتفض ضد نظام كومباوري

عنف واسع في العاصمة والأرياف.. والسلطة تسعى لاحتواء الوضع بإلغاء التصويت على تعديل الدستور

متظاهرون يقفون أمام أعمدة الدخان وألسنة النيران المتصاعدة من مبنى البرلمان في العاصمة واغادوغو أمس (أ.ف.ب)
متظاهرون يقفون أمام أعمدة الدخان وألسنة النيران المتصاعدة من مبنى البرلمان في العاصمة واغادوغو أمس (أ.ف.ب)
TT

بوركينا فاسو تنتفض ضد نظام كومباوري

متظاهرون يقفون أمام أعمدة الدخان وألسنة النيران المتصاعدة من مبنى البرلمان في العاصمة واغادوغو أمس (أ.ف.ب)
متظاهرون يقفون أمام أعمدة الدخان وألسنة النيران المتصاعدة من مبنى البرلمان في العاصمة واغادوغو أمس (أ.ف.ب)

ارتفعت حدة التوتر في بوركينا فاسو، أمس، مع إحراق مبنى البرلمان والهجوم على التلفزيون العام وأعمال عنف في الأرياف، ضد نظام بليز كومباوري، أحد الرجال الأقوياء في غرب أفريقيا الذي يحكم البلاد منذ 27 سنة.
وفي أوج الأزمة، أعلنت الحكومة ظهر أمس «إلغاء التصويت» على مشروع تعديل الدستور الذي أشعل فتيل التوتر وكان متوقعا تمريره في الفترة الصباحية، ودعت إلى «الهدوء وضبط النفس». وبالنسبة إلى النظام القائم منذ انقلاب عام 1987، فإنها الأزمة الأكثر خطورة منذ موجة التمرد في 2011 التي هزت السلطة، علما أن مظاهرات بهذا الحجم ضد السلطات تعد نادرة في أفريقيا جنوب الصحراء.
وغرقت العاصمة واغادوغو في الفوضى صباح أمس تحت أنظار قوات الأمن التي لم تتحرك في غالب الأحيان. وأسفرت أعمال العنف عن سقوط قتيل على الأقل. وعلى بعد مئات الأمتار من منزل فرنسوا كامباوري الشقيق الأصغر لرئيس الدولة والشخصية النافذة في النظام، عثر على رجل في الثلاثين من العمر مقتولا برصاصة في صدغه. وفي وقت سابق، أعلن بينيوندي سانكارا أحد قادة المعارضة أن «على الرئيس أن يستخلص العبر» من المظاهرات، وكان دعا السكان مع آخرين إلى «مسيرة نحو البرلمان». وقد اجتاحت النيران جزءا من مبنى «الجمعية الوطنية». وارتفعت سحب كثيفة من الدخان الأسود من النوافذ المحطمة. وأكد مامادو كادري، أحد نواب المعارضة، أن زملاءه في الغالبية، الذين يفترض أنهم أمضوا الليل في فندق مجاور، تم إخراجهم قبل أعمال العنف. وحاولت قوات الأمن لفترة وجيزة وقف المظاهرات عبر إطلاق قنابل الغاز المسيلة للدموع ثم تراجعت. ونجح نحو ألف شاب في الدخول إلى المبنى وتخريبه وسط هتافات «حرروا كوسيام»، اسم القصر الرئاسي.
وفي محيط الرئاسة إلى جنوب المدينة، كان التوتر حادا، إذ واجه مئات المتظاهرين، جنود الحرس الجمهوري. وعمد بعض الجنود إلى إطلاق النار تحذيرا فوق رؤوس المحتجين. كما اقتحم المتظاهرون مبنى الإذاعة والتلفزيون المجاور لـ«الجمعية الوطنية» في واغادوغو وقاموا بعمليات تخريب، وهو رمز آخر للسلطة يتعرض للهجوم. واقتحم مئات الأشخاص مبنى التلفزيون الوطني المجاور الذي يضم البث الإذاعي والتلفزيوني وقاموا بنهب المعدات ومنها كاميرات، كما أحرقوا وحطموا سيارات، لكنهم لم يتعرضوا للموظفين. ثم خرج المتظاهرون من دون أن يتمكنوا من اقتحام استوديوهات الإذاعة والتلفزيون. وقد أحرق المتظاهرون 3 سيارات على الأقل متوقفة في الباحة وفي خارج مبنى «الجمعية الوطنية»، كما قاموا بنهب أجهزة معلوماتية وإحراق وثائق.
وسجلت اضطرابات أيضا في بوبو ديولاسو ثاني مدن البلاد (جنوب غرب)، إذ أُحرقت البلدية ومقر الحزب الرئاسي وكذلك منزل رئيس البلدية (الموالي للنظام) ومنزل المتحدث باسم الحكومة آلان إدوار تراوري.
يذكر أن بوركينا فاسو انزلقت إلى هذه الأزمة منذ إعلان السلطات يوم 21 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي مشروع تعديل دستوري يرفع من اثنين إلى ثلاثة العدد الأقصى للولايات الرئاسية المحددة بـ5 سنوات. والرئيس كومباروي الذي وصل إلى السلطة قبل 27 سنة، يفترض أن ينهي العام المقبل ولايته الأخيرة بعد ولايتين من 7 سنوات (1992 - 2005) وولايتين من 5 سنوات (2005 - 2015). وكومباوري الذي عدل مرتين المادة 37 من القانون التأسيسي، في 1997 ثم في 2000 للبقاء في السلطة، يدافع عن قانونية عمله هذا التعديل الثالث. وبقي أمس صامتا، لكن المعارضة تخشى أن يدفع هذا التعديل الجديد رئيس الدولة الذي انتخب 4 مرات بغالبية ساحقة كالنموذج السوفياتي، إلى إتمام 3 ولايات إضافية وليس ولاية واحدة، مما يضمن له 15 سنة إضافية في السلطة.
وحلم المعارضون في الأيام الأخيرة بالإطاحة بالنظام الذي يعد منذ وقت طويل بمثابة أحد أكثر الأنظمة استقرارا في المنطقة. وقال إميل بارغي باريه، المرشح السابق للمنصب الأعلى والقيادي البارز في حزب المعارضة، أول من أمس: «إنه الربيع الأسود في بوركينا فاسو في 30 أكتوبر، على صورة الربيع العربي».
وكان مئات الآلاف من الأشخاص خرجوا إلى الشارع في واغادوغو يوم الثلاثاء الماضي للتنديد بـ«انقلاب دستوري». والمظاهرة الحاشدة جدا انتهت بمواجهات بين شبان وقوات الأمن. وفي حال صوت ثلاثة أرباع النواب على التعديل الدستوري، فإن القانون سيمر مباشرة عن طريق البرلمان من دون اللجوء إلى استفتاء، على الرغم من حديث السلطة عنه وقتا طويلا.
وأمس، دعت فرنسا إلى «عودة الهدوء» إلى بوركينا فاسو، مطالبة «كل الأطراف بالتحلي بضبط النفس». وقالت الخارجية الفرنسية، إن فرنسا «تتابع باهتمام كبير سير امظاهرات». وقال المتحدث باسم الوزارة: «نأسف لأعمال العنف التي وقعت في (الجمعية الوطنية) ومحيطها. ندعو إلى عودة الهدوء ونطلب من كل الأطراف التحلي بضبط النفس». كما أعرب البيت الأبيض عن «قلقه الشديد» أمس حيال الوضع في بوركينا فاسو. وقالت مساعدة المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض برناديت ميهان، في بيان: «ندعو كل الأطراف، وبينها قوات الأمن، إلى وضع حد للعنف والعودة إلى عملية سلمية تسمح بتوفير مستقبل لبوركينا فاسو يستند إلى قواعد ديمقراطية اكتسبت بصعوبة».
يذكر أن نحو 60 في المائة من 17 مليون نسمة هم دون الخامسة والعشرين في بوركينا فاسو، ولم يعرفوا على الإطلاق رئيسا غير كومباوري. وفي القارة الأفريقية، تحظى التطورات في أزمة بوركينا فاسو بمتابعة دقيقة، إذ أعد 4 رؤساء دول أو فكروا في إجراء تعديلات دستورية مماثلة للبقاء في السلطة، في الكونغو برازافيل وبوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وبنين. وكان هذا الإجراء الكلاسيكي استخدم في 8 دول أفريقية في السنوات الأخيرة.



تونس: إحالة 40 متهماً بينهم 20 أمنياً إلى «دائرة الإرهاب»

الفارون الخمسة من أكبر سجون البلاد قبل 14 أحيلوا مع 40 متهماً بينهم 20 أمنياً على دائرة الإرهاب (صور متداولة في وسائل الإعلام التونسية)
الفارون الخمسة من أكبر سجون البلاد قبل 14 أحيلوا مع 40 متهماً بينهم 20 أمنياً على دائرة الإرهاب (صور متداولة في وسائل الإعلام التونسية)
TT

تونس: إحالة 40 متهماً بينهم 20 أمنياً إلى «دائرة الإرهاب»

الفارون الخمسة من أكبر سجون البلاد قبل 14 أحيلوا مع 40 متهماً بينهم 20 أمنياً على دائرة الإرهاب (صور متداولة في وسائل الإعلام التونسية)
الفارون الخمسة من أكبر سجون البلاد قبل 14 أحيلوا مع 40 متهماً بينهم 20 أمنياً على دائرة الإرهاب (صور متداولة في وسائل الإعلام التونسية)

أعلنت مصادر حقوقية أن دائرة الاتهام المختصة بالنظر في قضايا الإرهاب لدى محكمة الاستئناف في تونس قررت إحالة نحو 40 متهماً، بينهم 20 أمنياً وضابطاً، إلى «الدائرة الجنائية لقضايا الإرهاب».

وحدة من قوات النخبة قرب محكمة تونسية (صور متداولة في وسائل الإعلام التونسية)

أعلنت مصادر حقوقية أن دائرة الاتهام المختصة بالنظر في قضايا الإرهاب لدى محكمة الاستئناف في تونس قررت إحالة نحو 40 متهماً، بينهم 20 أمنياً وضابطاً، على «الدائرة الجنائية لقضايا الإرهاب»، في علاقة بملف فرار 5 مساجين مصنَّفين «إرهابيين خطيرين» يوم 30 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 من أكبر سجون البلاد، سجن المرناقية، الذي يعتقل فيه عادة أبرز المتهمين في قضايا جنائية بينها ملفات «المجموعات المسلحة والإرهاب والتآمر على أمن الدولة» .

وحسب لسان الدفاع عن المتهمين فإن «دائرة الاتهام» دعمت قرار ختم البحث الذي أعده قاضي التحقيق قبل أسابيع، وتمسكت بإحالة كل المتهمين إلى المحاكمة بعد أن وجهت إليهم اتهامات كثيرة بينها «تكوين وفاق إرهابي والمساعدة على ارتكاب جرائم إرهابية واستعمال تراب الجمهورية لارتكاب جرائم إرهابية ضد بلد آخر ومواطنيه، والتحضير لذلك، وتوفير بأي وسيلة كانت المعدات والأزياء ووسائل النقل والمواد والتجهيزات والمؤونة والمواقع الإلكترونية والوثائق والصور لفائدة تنظيم إرهابي للمساعدة على ارتكاب جرائم إرهابية».

فريق الدفاع عن المحامية عبير موسي: مندوبتنا مهددة بالإعدام (متداولة في وسائل الإعلام التونسية)

نقاط استفهام ؟

ومنذ إعادة إيقاف السجناء الفارين الخمسة المتهمين في قضايا ذات صبغة إرهابية خطيرة فتحت السلطات الأمنية والقضائية أبحاثاً حول ملابسات الفرار من «أكبر سجون البلاد تحصيناً وحراسة»، وأُوقِفَ عدد من كبار المسؤولين في قطاعات المخابرات والسجون والأمن العمومي في وزارتي الداخلية والعدل عن العمل، وأحيل عشرات السجناء والأمنيين والضباط على التحقيق.

وأسفرت الأبحاث المطولة عن إيقاف عدد من المسؤولين الأمنيين وحراس السجون وضباط الأمن، وتوجيه الاتهام كذلك إلى عدد من السجناء الآخرين وعائلات موقوفين.

كما أضيفت إلى لائحة الاتهامات الموجهة إلى الموقوفين والمتهمين المساجين والأمنيين وعائلات المتهمين بـ«المشاركة» في تهريب المساجين المتشددين الخمسة تهم «إفشاء وتوفير ونشر معلومات بأي وسيلة كانت لفائدة تنظيم إرهابي، أو شخص له علاقة بالإرهاب بقصد المساعدة على ارتكاب جرائم إرهابية، وعدم إشعار السلط ذات النظر حالاً بما أمكن له الاطلاع عليه من أفعال، وما بلغ إليه من معلومات أو إرشادات حول ارتكاب جرائم إرهابية، والفرار من السجن، والمشاركة في الاعتداء على الأملاك والأشخاص، وجمع أموال لفائدة وفاق وتنظيم إرهابي وأشخاص لهم علاقة بالإرهاب».

لكن محامين وحقوقيين ممن يتابعون هذا الملف منذ أكثر من عام طرحوا نقاط استفهام حول بعض ملابساته من بينها حول مبررات إيقاف زوجة سجين فر من السجن، وإصدار بطاقة إيداع ضدها بسبب عدم إعلام السلطات القضائية بفرار زوجها.

أحكام بالمؤبد والإعدام

يُذْكر أن بعض المتهمين المدنيين والعسكريين في هذه القضية يواجهون أحكاماً ثقيلة تصل إلى المؤبد والإعدام، علماً أن الفارين الخمسة الذين وقعت إعادة إيقافهم أحيلوا إلى المحاكمة بتهم المشاركة في جرائم إرهابية بينها قتل أمنيين وعسكريين ومدنيين في جرائم إرهابية ارتُكبت ما بين عاميْ 2013 و2015، بينها جريمتا اغتيال المعارضين السابقين محمد الإبراهيمي وشكري بالعيد.

من جهة أخرى، نظَّم محامون ونشطاء سياسيون من فريق الدفاع عن المحامية عبير موسي، رئيسة «الحزب الدستوري الحر» الموقوفة منذ أكتوبر 2013 أمام قصر الرئاسة في قرطاج، تحركات انتقدت توجيه تهم خطيرة جداً إليها تصل عقوبتها للإعدام، وفق الفصل 72 من القانون الجزائي، بينها «تبديل هيئة الدولة». وطالب هؤلاء النشطاء والمحامون بالإفراج عنها، لكن المحكمة رفضت طلبات الإفراج، وأحالت موسي في قضايا كثيرة بعضها رفعتها ضدها الهيئة العليا للانتخابات.

في الوقت نفسه، أكد قياديون من «جبهة الخلاص الوطني»، التي تضم نحو 10 أحزاب سياسية وشخصيات حقوقية معارضة، أن المحاكم ستبدأ قريباً النظر في ملفات عشرات المتهمين في قضايا «التآمر على أمن الدولة والفساد وتبييض الأموال، وبينهم رجال أعمال وبرلمانيون ومسؤولون سابقون في الحكومة وإعلاميون ونشطاء».

وكانت الإيقافات في هذه القضايا قد بدأت أواخر 2022 باعتقال رئيس الحكومة الأسبق علي العريض ومقرَّبين منه، ثم توسعت منذ شهري فبراير (شباط) ومارس (آذار) 2023 لتشمل رجل الأعمال والسياسي المثير للجدل منذ عقود كمال اللطيف وسياسيين معارضين مستقلين وقياديين في أحزاب عدة، بينهم عصام الشابي الأمين العام لـ«الحزب الجمهوري»، وغازي الشواشي الأمين العام السابق لحزب «التيار الديمقراطي»، ورضا بلحاج الأمين العام لحزب «أمل» والوزير السابق، والحقوقيان جوهر بن مبارك وخيام التركي، وعشرات من قيادات حركة «النهضة»، بينها رئيسها راشد الغنوشي ونائباه العجمي الوريمي ومنذر الونيسي ووزير العدل الأسبق نور الدين البحيري.

وقد وجَّهت دائرة الاتهام مؤخراً إلى عدد من هؤلاء الموقوفين اتهامات تصل عقوبتها للسجن المؤبد والإعدام، بينها التآمر على أمن الدولة و«الإرهاب».