مسلمو الهند يتطلعون لمنابر سياسية خاصة بهم

تشهد الهند ظاهرة ابتعاد الناخبين المسلمين، شيئا فشيئا، عن الأحزاب السياسية التقليدية الكبرى في البلاد، والبحث عن منابر سياسية تحمل الهوية الدينية الإسلامية، فمثلا تمكّن حزب «مجلس اتحاد المسلمين بالهند»، وهو حزب إسلامي، من الفوز بمقعدين في انتخابات جزئية جرت في الآونة الأخيرة في ولاية ماهارشترا، التي تعد أغنى وأكبر ولايات غرب البلاد من حيث تعداد السكان. وجرت هذه الانتخابات الجزئية في ولايتين أخريين أيضا في 19 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، بينما نُشرت النتائج خلال الأيام القليلة الماضية. وقال إمتياز جليل، وهو صحافي تلفزيوني سابق وفاز بمقعد بمنطقة أورانغ آباد بعد ترشحه على قائمة «مجلس اتحاد المسلمين بالهند» إن «جميع الطوائف بالهند لديها حزب سياسي يمثلها، ما عدا المسلمين. هذا الوضع بدأ يتغير الآن. يبدو أن الشبان المسلمين قرروا اختيار حزب مسلم يعبر عنهم بدل الاعتماد على وكلاء داخل أحزاب علمانية».
ويأتي صعود «مجلس اتحاد المسلمين بالهند» في إطار تداعيات السياسات انتهجها حزب «المؤتمر» والأحزاب العلمانية الأخرى منذ استقلال البلاد. ويرى محللون أن نجاح «مجلس اتحاد المسلمين بالهند»، يعود إلى حالة الاستقطاب الديني في الدوائر الانتخابية، حيث نجح الحزب في استغلال غضب الناخبين المسلمين إزاء الأحزاب العلمانية، بينما خاض المنافسة الانتخابية خارج معقله بمدينة حيدر آباد للمرة الأولى. وقد خاض الحزب الانتخابات في ماهارشترا للمرة الأولى في تاريخه معتمدا على 24 مرشحا نجحوا في جذب أكثر من نصف مليون صوت، وفازوا بمقعدين.
وطُرحت تساؤلات كثيرة عن سبب صعود «اتحاد المسلمين» والأحزاب المسلمة عموما في الهند. وقال نائب مدير معهد تاتا للعلوم الاجتماعية الدكتور أبدول شعبان في هذا الصدد إن «تصويت المسلمين لمجلس اتحاد المسلمين بالهند ناتج عن شعورهم بالإحباط». جرت العادة أن غالبية المسلمين يصوتون لصالح حزب «المؤتمر» والأحزاب السياسية الأخرى المشابهة له في التوجه السياسي، لكن المسلمين الآن أصبحوا يشعرون بالإحباط تجاه هذه الأحزاب بسبب عدم إنجازها أي شيء خلال السنوات الماضية».
يُذكر أنه خلال السنوات القليلة الماضية، شهدت الهند بروز أحزاب مسلمة تنشط في أقاليم صغيرة، مثل «الاتحاد الهندي للرابطة الإسلامية»، الذي يقتصر نشاطه في معظمه على ولاية كيرالا الجنوبية، و«جبهة عموم الهند الديمقراطية»، في ولاية أسام الشرقية، إلى جانب الأحزاب التقليدية في إقليم كشمير مثل «المؤتمر الوطني» و«الحزب الشعبي الديمقراطي».
وتكشف مؤشرات حديثة على أن الأحزاب المسلمة بدأت تلقى دعما واضحا عبر مختلف أرجاء الهند في أوساط المسلمين، حتى بالولايات البعيدة مثل أتار براديش وتاميل نادو وغرب البنغال، بل وماهارشترا. ففي أتار براديش، حقق «حزب السلام الهندي»، وهو حزب إسلامي أيضا، بعض النجاحات القليلة، لكنه قد يحرز المزيد في المستقبل. أما في تاميل نادو، فبها أصلا حزب مسلم، هو «مونيترا كازهاغام». ويرى محللون أيضا أن تخلي المسلمين عن التصويت لحزب «المؤتمر»، مثلما جرت العادة، أسهم في النجاح الكبير الذي حققه الحزب القومي الهندوسي «بهاراتيا جاناتا» في الانتخابات الوطنية العامة في مايو (أيار) الماضي. والملاحظ أن مسلمي الهند البالغ عددهم 170 مليون نسمة يفتقرون إلى تمثيل مناسب داخل البرلمان الوطني. وتكشف الأرقام أنه بعد الانتخابات الوطنية التي جرت في مايو، فاز المسلمون بـ22 مقعدا فقط من إجمالي 543 مقعدا في الغرفة السفلى من البرلمان، وهو ما يعادل 4.2 في المائة فقط من الإجمالي، وتعد هذه أدنى نسبة منذ نيل استقلال البلاد. وكانت لجنة تحمل اسم «لجنة محمود الرحمن»، وتأسست عام 2008 بهدف دراسة أوضاع المسلمين في الهند، قد خلصت في الآونة الأخيرة، إلى أن 59 في المائة من مسلمي الهند يعيشون تحت خط الفقر وداخل «غيتوهات»، ويعانون من تردي أوضاع التعليم والتوظيف بينهم مقارنة بالطوائف الأخرى في البلاد. وأوضح ظهير الدين علي خان، رئيس تحرير صحيفة «السياسة» البارزة الصادرة باللغة الأردية أن «ظهور مجلس اتحاد المسلمين بالهند درس للأحزاب الأخرى التي يتعين عليها الآن تقدير الطائفة المسلمة».
وبعد الانتخابات الجزئية الأخيرة، طفت إلى السطح مخاوف من خوض «اتحاد المسلمين»، الذي يعده البعض حزبا متشددا دينيا، في أمور أخرى، غير تنمية الولاية التي فاز بها. وأعربت د. زينات شوكت، بروفسور الدراسات الإسلامية بكلية سانت زافيير في مدينة مومباي عن اعتقادها أنه إذا التزم مجلس اتحاد المسلمين بأجندة التنمية من دون الخوض في أمور أخرى، فإنه قد يكسب أهمية كبيرة.
وقالت: «المسلمون في ولاية ماهارشترا سيسعدون بالتنمية لأن التنمية والتعليم عاملان مهمان للغاية بالنسبة لهم لتحقيق نمو». كما قال عبد القادر مقدم، وهو مفكر مسلم مناهض للأحزاب المتشددة: «إن صعود مجلس اتحاد المسلمين بالهند يحمل نذير شؤم بالتأكيد للمسلمين في ماهارشترا. الرد على تنامي الطائفية الهندوسية لا يمكن أن يكون بتنامي الأصولية المسلمة المتشددة».