مبارك المهدي لـ«الشرق الأوسط»: إسرائيل ستمنح السودان شهادة براءة من الإرهاب

نائب رئيس الوزراء الأسبق قال إن المقاطعة أصبحت بلا معنى في عالم تغيّرت موازينه

مبارك الفاضل المهدي
مبارك الفاضل المهدي
TT

مبارك المهدي لـ«الشرق الأوسط»: إسرائيل ستمنح السودان شهادة براءة من الإرهاب

مبارك الفاضل المهدي
مبارك الفاضل المهدي

لا حديث يعلو في الخرطوم، هذه الأيام، على موضوع «التطبيع مع إسرائيل»، فمنذ أن فجر رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، «قنبلة التطبيع» في الثالث من الشهر الحالي، انقسم الشارع السوداني بين مؤيد ومعارض للخطوة، وإن كان يبدو أن مناصري الخطوة أكثرية واضحة، من بينهم نائب رئيس مجلس الوزراء الأسبق مبارك الفاضل المهدي، الذي وصف الاعتراض على الخطوة بأنه «غير موضوعي»، مستنداً في ذلك إلى أن الفلسطينيين أنفسهم «طبعوا» علاقتهم مع الإسرائيليين منذ «اتفاقية أوسلو»، في الوقت الذي يحتاج فيه السودان إلى ما سماه «شهادة براءة» من تهمة الإرهاب؛ تستطيع إسرائيل أن تقدمها له على طبق من ذهب.
وقال المهدي، الذي يرأس حزب الأمة للإصلاح، في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، أمس، إن أصحاب القضية «طبعوا مع إسرائيل بتوقيع اتفاقية أوسلو»، وتعني القبول بإسرائيل والتعايش مع الإسرائيليين في دولة واحدة، بما فيهم السلطة الفلسطينية وحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، وقبلوا الحكم الذاتي ودخلوا في انتخابات رئاسية وبلدية، ويعيشون الآن «في الضفة الغربية وفي غزة». وتأكيداً لوجهة نظره بشأن تطبيع الفلسطينيين، يقول المهدي: «الفلسطينيون يتعاملون مع إسرائيل في الكهرباء والجمارك، فيما يعمل شعب فلسطين في إسرائيل، ولم يتبق لهم إلا الوضع الرسمي للدولة، فقد أصبح التطبيع كاملاً».
وأرجع المهدي تاريخ بداية عمليات التطبيع لاتفاقية «كامب ديفيد»، ووصفها بأنها كانت «نهاية للحل العسكري»، لأن مصر أدركت أنها لا تملك الموارد التي تجعلها تدخل في سباق تسلح وصراع مستمر، وتابع: «بعد أن استردت مصر كرامتها في حرب 1973، استعادت بتوقيع (كامب ديفيد) أراضيها، وطبعت العلاقات، ورفعت العلم الإسرائيلي في القاهرة، ثم تبعتها كثير من الدول العربية (الأردن، عمان، قطر)، وأصبحت لها ممثليات هناك». ويستدرك المهدي، الذي يجاهر منذ سنوات بالدعوة إلى التطبيع، بأن «المستوى العربي العام» لم يحدث فيه «تطبيع»، لأنه ما زال يخضع للدعاية الإعلامية التي تسير في الاتجاه القديم، ولم تتغير بتغير الواقع، ويتابع: «ثم جاءت اتفاقية أوسلو التي عززت القناعة بأن من لا يملك القوة اللازمة لن يستطيع مواصلة الصراع، وأدرك الجميع أن الحل أصبح سياسياً عبر الحوار».
وحسب المهدي، فإن الانتفاضة السلمية في الضفة الغربية (ثورة الحجارة) عضدت الحل السياسي، واضطرت إسرائيل إلى اللجوء إلى الحل السياسي. وقال: «كانت الانتفاضة السلمية أمضى من أي عمل مسلح؛ أثرت على اقتصاد إسرائيل، واستقرارها، وعجزت عن مقاومتها مقاومة سلمية، وخلقت تعاطفاً عالمياً مع القضية الفلسطينية، وغيرت النظر إليها، لذا اقترحت إسرائيل، (أوسلو)، وتم توقيعها، وبموجبها عاد الفلسطينيون، بما فيهم ياسر عرفات، إلى الضفة الغربية ورام الله وغزة، ونظموا انتخابات الحكم الذاتي التي شاركت فيها كل الفصائل، بما فيها حركة (حماس)».
ووصف المهدي أحاديث استمرار المقاطعة بأنها «أصبحت بلا معنى»، فالعالم يتغير، وموازين القوى تتغير، وصار في إسرائيل نواب عرب، عددهم 13 نائباً في الكنيست، وتحول الصراع إلى سياسي سلمي وصراع حضاري وثقافي، وليس صراع مواجهة ومقاطعات.
ويحمّل الرجل سياسة «الرفض العربي»، المسؤولية عن تراجع مكاسب العرب، قائلاً «سياسة الرفض العربي أتت بنتائج عكسية، فقد رفضوا تقسيم 1948، ثم رفضوا حدود 1967، والآن يطالبون بدول بحدود أقل بكثير»، ويتابع: «سياسة +الرفض العاطفية تجاهلت توازن القوى والأوضاع العالمية والإقليمية، ولم تنظر للممكن وغير الممكن».
ودعا المسؤول السابق في نظام البشير، إلى الاعتبار بتجربة الماضي، والاستناد إليها في التعامل مع الواقع الذي يقود إلى سياسة التطبيع وبناء الثقة، باعتبارها الخيار الوحيد الذي يمكن أن يفيد القضية، ويتابع: «اتفق الطرفان على العيش، والآن يعيشون مع بعضهم البعض، وأصبح الوجود العربي كبيراً في إسرائيل».

- مصالح اقتصادية
يرى المهدي أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وإعادة بناء الثقة معها، خلق مصالح اقتصادية كبيرة لإسرائيل مع العالم العربي، لكونه سوقاً كبيرة، تحتاجها التقانة الإسرائيلية المتطورة. وقال «السودان والعالم العربي بحاجة للتقانة الإسرائيلية المتطورة، وحال وجدت إسرائيل مصالحها مع العرب، سيقوى دافعها لتقديم تنازلات إضافية للفلسطينيين، ليصبحوا جزءاً من الدولة، وستقوم بمعالجة مشكلة اللاجئين و(مشكلة القدس)، التي هي ليست فلسطينية بقدر ما هي قضية إسلامية كانت تحت الإدارة الأردنية».
وبشأن تطبيع السودان لعلاقاته مع إسرائيل، يوضح المهدي أن وضع البلاد الاقتصادي، خصوصاً قطاعه الزراعي، يعيش حالة تخلف شديدة جداً، ويتابع: «رغم امتلاك السودان 200 مليون فدان صالحة للزراعة، لكنه يزرع منها حوالي 45 مليون فدان، بإنتاجية ضعيفة وتكلفة عالية بسبب التخلف التكنولوجي»، ويستطرد: «عائد فدان محصول السمسم مثلاً لا يتعدى 100 كيلو غرام، بينما ينتج الفدان في دول ذات تقانة زراعية متطورة، مثل تركيا، 1700 كيلو غرام».
ويوضح أن دراسة وضع الصادرات السودانية، وعجز الميزان التجاري، يكشف حاجة السودان لحوالي 3 - 4 مليارات دولار للتقانة الزراعية على مدى 3 سنوات، لسد الفجوة وتحقيق عائد صادر قدره 10 مليارات؛ «واردات السودان الآن في حدود 11 مليار دولار، وبالتعاون مع إسرائيل في التقانة الزراعية، التي ساعدت مصر، وطورت إنتاجها من الفاكهة والخضر، يمكن أن يحقق السودان هذا الهدف». ويشير مبارك المهدي إلى حاجة السودان للطاقة والبنى التحتية والتقانة الزراعية، ويقول: «معظم الأراضي لا توجد بها ماء، ولا كهرباء، ولا طرق، ما يجعلنا في أمس الحاجة للتقانة الإسرائيلية».
ويوضح نائب رئيس الوزراء الأسبق، أن وحدة السودان القومية لم تكتمل بسبب نظام البشير و«الإخوان»، الذي أعاد البلاد إلى «القبيلة والإثنية»، ويقول: «حكومة (الإخوان) أعادت السودان من الحزب إلى مستوى القبيلة والإثنية، لأنهم بلا قاعدة شعبية، فاشتغلوا بسياسة فرق تسد، وأعادونا للقبلية والإثنية». ويرى أن شن النظام المعزول للحرب في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، وقبل ذلك جنوب السودان، وحولها من حرب سياسية إلى حرب دينية، بتحالفه مع إيران ودعمه لحركات الإرهاب، وحركات النضال المسلح الفلسطيني، ورفض «أوسلو»، ودخل مع «الجهاد» و«حماس» ومختلف الفصائل في تهريب السلاح إلى فلسطين من إيران وسوريا.

- غارت إسرائيلية على السودان
وحسب المهدي، فإن ما قام به نظام البشير تسبب في تأليب «اللوبيات المسيحية واليهودية»، ونتج عن ذلك توجيه إسرائيل لثلاث «غارات جوية» على السودان، لأنه كان في حالة مواجهة مع إسرائيل، وائتلف اللوبي المسيحي واليهودي ضده في أميركا، وطُبق عليه طيف من العقوبات، لأنه اختار طريق المواجهة، يقول: «قادة التمرد الجنوبي مثل جوزيف لاقو تدربوا في إسرائيل، وكانوا يتلقون المعونات العسكرية منها، لأنها قصدت اللعب على تناقضات واقع السودان بالدخول عليه من الباب الخلفي، للحيلولة دون استقراره واستقرار مصر»، وتابع: «لقد دفعنا ثمناً كبيراً من أجل المواقف الرافضة، وهي أغلبها كانت مواقف عاطفية، ولم نراع مصالحنا». ويشير المهدي إلى أن التطبيع بين السودان وإسرائيل في مرحلته الأولى يمكن أن يقدم للسودان «شهادة براءة من الإرهاب»، ويقول: «إسرائيل دولة مهمة في إصدار هذه الشهادة، اشتغلنا ضدها مع إيران، وقمنا بعمل محسوس ضد الأمن الإسرائيلي بتهريب الأسلحة وتدريب، وبالتعاون مع إيران وسوريا وغيرهما بصورة كبيرة جداً».
ويوضح أن اللوبي اليهودي هو الجهة الأكبر التي تعمل ضد السودان، ويعمل معه اللوبي المسيحي الذي ألبته قضية الحرب الدينية في جنوب السودان، ويتابع: «ائتلف اللوبيان ضدنا في قضية دعم الإرهاب واضطهاد المسيحيين والحرب الدينية، لذلك نحن بحاجة لشهادة البراءة هذه من إسرائيل، ولتشهد لنا في أميركا بأننا تجاوزنا هذه المرحلة، ودليلها أننا قبلنا الخروج من حالة الحرب معها وطبعنا العلاقات معها، وجلسنا معهم وقررنا تطبيع العلاقة والخروج من حالة المواجهة، لأن التركيبة الأميركية يؤثر فيها اليهود، بما ذلك صناع القرار في الكونغرس والرئاسة والإدارة».
ويوضح المهدي أن السودان قدم في هذه المرحلة «السبت بانتظار الأحد»، يقول: «سننتظر ماذا سيفعلون لنا فيما يتعلق برفع العقوبات، لأن أميركا هي التي رتبت اللقاء، وبالتالي هي شاهد على أننا سوينا هذه القضية»، ويستطرد: «هذه الخطوة الأولى، فإذا تجاوزنا هذه الخطوة، ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ستتاح لنا كل الفرص في عملية التطبيع بما يتعلق بالتعاون التقني والاقتصادي».

- مفاوضات مع غندور
ويحصر المهدي أهداف إسرائيل من التطبيع مع السودان، بأنها تريد توسيع دائرة التطبيع مع العالم العربي، لأن السودان دولة مهمة في أفريقيا، ويربط الشرق الأوسط مع أفريقيا، ويملك موارد كثيرة، وحال استقراره وعودته للأسرة الدولية، يمكن لإسرائيل أن توظف ميزاتها التكنولوجية بالاستثمار في السودان، ويقول: «فقط عبور الطيران الإسرائيلي عبر أجواء السودان يوفر 3 - 4 ساعات طيران إلى غرب أفريقيا وأميركا اللاتينية»، ويتابع: «فوائد إسرائيل من السودان كثيرة جداً، لأن أفريقيا هي السوق الوحيدة المتبقية، والعالم يتصارع عليها والسودان مدخلها».
ويتابع: «كانت صادرات السودان لإسرائيل في خمسينات القرن الماضي تقدر بالملايين، كانت كثير من الشركات السودانية تصدر لإسرائيل، مع وجود جالية يهودية كبيرة تعمل في التصدير مع إسرائيل».
وتعليقاً على ما أوردته صحف إسرائيلية، بأن المهدي ووزير الخارجية الأسبق إبراهيم غندور التقيا سراً، مسؤولين إسرائيليين، قال المهدي: «هذا كلام غير صحيح لم أقابل أي إسرائيلي، ولم أكن جزءاً من هذه الملفات»، ويتابع: «عادة مثل هذه الملفات لم تكن توكل لنا نحن، لأننا نعتبر منافسين، بل توكل للمقربين من البشير»، ويضيف: «حين قابل مدير جهاز الأمن الأسبق محمد العطا، مسؤولين إسرائيليين في مسقط عام 2018، تلقيت معلومات من جهة غربية، وحين حاولت التأكد منها وجدت أن النائب الأول في ذلك الوقت بكري حسن صالح، لا يعلم بالموضوع»، ويستطرد: «تتم مثل هذه الأمور بين الرئيس البشير وجهاز الأمن فقط، وحتى وزير الخارجية إبراهيم غندور لم يُشرك في الأمر إلا بعد اشتداد طوق عزلة النظام، فقاد مفاوضات مع الإسرائيليين»، ويضيف: «حسبما علمتُ، البشير نفسه كان يريد أن يقابل المسؤولين الإسرائيليين، لكن هناك من نصح رئيس الوزراء نتنياهو بعدم مقابلته لأنه متهم بجرائم حرب وإبادة».
وقال المهدي إن مفاوضات غندور مع الإسرائيليين كانت تدور حول وقف دعمهم للحركات المسلحة في غزة، ووقف تسليحها، فأبدى النظام عدم ممانعتهم في وقف دعم الحركات مقابل رفع العقوبات.
ويوضح المسؤول السابق أن التطبيع لا يواجه معارضة تذكر في السودان، يقول: «عدا بعض المتطرفين، الذين يرددون شعارات جوفاء بشأن القدس، والذين لو قلت لهم اذهبوا وحاربوا لما ذهبوا»، ويضيف: «هم يرددون شعارات لا تفيد، السودانيون الآن أصبحوا مع التطبيع لأنهم يريدون التأسيس لمستقبلهم، وما عادت الآيديولوجيات تثير اهتمامهم، كما كانت في الماضي»، ويستطرد: «الرئيس جمال عبد الناصر لعب على وتر القضية الفلسطينية، وفي عهده خسر العرب كثيراً، إلى أن جاء السادات فأدرك فداحة الخطأ، وقام بالتطبيع مع إسرائيل ودفع الثمن».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».