ظهور «يهود ليبيا» في المشهد السياسي يعيد إلى الواجهة «صراع الهوية»

الأمازيغ يشكون «الإقصاء المتعمد» ويطالبون بتمثيلهم في الشأن العام

السفير إبراهيم موسى قرادة -  ميلود الأسود
السفير إبراهيم موسى قرادة - ميلود الأسود
TT

ظهور «يهود ليبيا» في المشهد السياسي يعيد إلى الواجهة «صراع الهوية»

السفير إبراهيم موسى قرادة -  ميلود الأسود
السفير إبراهيم موسى قرادة - ميلود الأسود

جددت مقابلة المبعوث الأممي إلى ليبيا الدكتور غسان سلامة، مع رافائيل لوزون، رئيس اتحاد «يهود ليبيا» في العاصمة السويسرية جنيف، الصراع حول الحقوق السياسية للأقليات في هذا البلد، ومدى الاعتراف بهوياتهم العرقية واللغوية. كما أثارت جدلاً وطرحت مجموعة من الأسئلة عن مدى أهمية هذه المقابلة الآن، وإن كان ما سيسري على «يهود ليبيا» مستقبلاً سيشمل باقي أطياف المجتمع الليبي؟
ومنذ إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي قبل ثمانية أعوام، بدأت الأقليات غير العربية الممثلة في الأمازيغ والطوارق والتبو، والمنتشرة في عموم أنحاء البلاد، تسعى لدى كل الحكومات المتعاقبة لنيل حقوقهم الدستورية والاجتماعية، والمطالبة باعتماد لغتهم وأعيادهم بشكل رسمي.
وأثار إعلان لوزون، والذي كشف فيه أنه حصل على «اعتراف من البعثة الأممية بمشاركة (يهود ليبيا) في كل الاجتماعات المقبلة التي تخص وحدة وسلام البلاد»، موجة من الرفض والاستغراب معاً، ودفع ذلك الأطراف الممثلة لباقي الأعراق الأخرى في البلاد إلى طرح أسئلة عن سر تغافل البعثة الأممية منذ أن تولت مهامها بالبلاد عن «تفعيل حقوقهم المشروعة، كونهم أيضاً من النسيج الاجتماعي لليبيا».
وفي هذا السياق تحدث السفير إبراهيم موسى قرادة، كبير المستشارين سابقاً في الأمم المتحدة، إلى «الشرق الأوسط» عن أوضاع الأمازيغ في البلاد وأماكن وجودهم، وقال إن غالبيتهم يتمركزون في طرابلس وزوارة وغدامس، بالإضافة إلى مدن جبل نفوسه، ومنها يفرن، والقلعة، وجادو، والرحيبات، وكاباو، ونالوت، ووازن، والحرابة، ووطمزين. أما أمازيغ الصحراء المعروفون بالطوارق فيوجدون في الجنوب الغربي لليبيا من غدامس حتى غات، مروراً بأوباري، بالإضافة إلى الأمازيغ الذين يعيشون في المنطقة الشرقية (برقة)، وفي مدينة أوجلة.
ولفت قرادة، الذي ينتمي إلى مدينة بفرن، إلى أن «أصول العديد من المدن والمناطق والقبائل الليبية وعاداتها أمازيغية. وعند استخدام لفظ الأمازيغ فإن المقصود به المتحدثون باللغة الأمازيغية». موضحاً أنه «خلال فترة العقود الأربعة لحكم القذافي شكّل الأمازيغ كتلة أساسية في معارضة النظام داخل وخارج البلاد»، وأرجع ذلك إلى ما سماها «ممارساته الشوفينية ضدهم، ولذلك كانوا من أوائل المشاركين في ثورة 27 فبراير (شباط) 2011».
وفيما نوّه قرادة الذي ينتمي إلى أمازيغ ليبيا، إلى أن الفترة الممتدة من 2012 إلى 2014 كانت طيبة ومبشّرة للأمازيغ وعموم ليبيا، لكن مع نهاية العام حدثت «الانعطافة الأخطر في تاريخ ليبيا المعاصر والمستمرة إلى الآن... فقد قاطع كل الأمازيغ انتخابات الهيئة الدستورية ومجلس النواب، باستثناء بلدية نالوت، مما جعلهم غير ممثلين في البرلمان وهيئة صياغة الدستور، احتجاجاً على ممارسات إقصائهم سياسياً».
كان رئيس اتحاد يهود ليبيا قد كتب على صفحته عبر «فيسبوك»: «أخيراً... اعتراف أممي باتحاد (يهود ليبيا) ممثلاً رسمياً لمكوّن الليبيين اليهود في ليبيا، ووعود قاطعة بالمشاركة الرسمية في كل الاجتماعات القادمة، التي تخص وحدة وسلام ليبيا»، لتندلع على أثر ذلك تعاليق كثيرة حول ضرورة هذه الخطوة في هذا التوقيت في ظل الاضطراب السياسي الذي تشهده ليبيا.
ورغم أنه لم يصدر عن البعثة أي تعليق يكشف فحوى مقابلة لوزون، فإن الانتقادات الموجّهة إليها جاءت سريعة، إذ قال عضو مجلس النواب ميلود الأسود، أمس، إن «البعثة أنشئت وفق قرار مجلس الأمن بمهام حُددت في دعم الجهود الوطنية الليبية، الرامية إلى استعادة الأمن والاستقرار، وبالتالي فإنها للدعم وليست للوصاية».
وأضاف الأسود موجهاً حديثه إلى سلامة: «تذكر جيداً أن البعثة هي للدعم وليست للوصاية، ولا مبرر لتعمدك استفزاز الليبيين بفتح ملفات لا علاقة لكم بها، وليست من مهامكم... لماذا الآن ولم تفعل ذلك سابقاً؟».
واستكمالاً للأسئلة التي طرحها الأسود، النائب عن مدينة رقدالين بأقصى الغرب الليبي، كتب عضو مجلس النواب جاب الله الشيباني، قائلاً إن «البعثة الأممية تعترف بالاتحاد العالمي لليهود الليبيين كأحد المكونات التي يجب أن تشارك في الحوار من أجل حل النزاع الليبي، ومن هنا انتقلت البعثة من مهمة الدعم من أجل استقرار ليبيا إلى الوصاية الفعلية على ليبيا».
وأضاف الشيباني موضحاً: «لو سلّمنا جدلاً بحقهم بوصفهم ليبيين، لكنهم ليسوا طرفاً في النزاع. فالحوار يكون عادةً بين المتخاصمين والمتحاربين ولا يشمل المتفرجين... ونحن لا نتعامل مع هذا الأمر بروح عنصرية إقصائية، ولكن نتساءل: لماذا الآن وفي هذا التوقيت بالذات؟ ولمصلحة مَن؟ لماذا لا تُترك مناقشة أمر اليهود إلى ما بعد استعادة الدولة؟ ألا يعد هذا التوجه استفزازاً لكل الليبيين، وقد يؤدي إلى مقاطعة الحوار، لتتحاور البعثة مع اليهود دون غيرهم؟».
في سياق ذلك، عبّر أحد حكماء وأعيان التبو في حديثه إلى «الشرق الأوسط» عن انزعاجه مما سماه «تجاهل مطالب التبو ومعاقبتهم بشكل مستمر على أنهم مكون غير عربي، وإلصاق التهم بهم». وقال: «نحن نعيش في ليبيا من سنوات طويلة، لكن يتم التضييق علينا، ولا تلتفت الحكومات المتعاقبة إلى مطالبنا، فشبابنا بلا عمل، ومناطقنا فقيرة». مضيفاً: «كل فصيل سياسي يريد من التبو أن ينتموا إليه ويحاربوا معه ويتبنوا قضيته، وإلا يتم تصنيفنا وتمييزنا بأننا غير عرب»، وطالب البعثة الأممية بالالتفات إلى مطالبهم، وإدماجهم في الحياة السياسية.
وبالحديث عن «يهود ليبيا» قال السفير قرادة، الذي أسس وترأس المؤتمر الليبي للأمازيغية عام 2001: «يهود ليبيا كانون يتوزعون على مدن مثل طرابلس وبنغازي والزاوية وغريان ويفرن، لكنهم نزحوا منها في فترات سابقة... وباستثناء ما يُتداول من مطالبات اليهود بالتعويض ورد الاعتبار، لم تبرز رسمياً أي مطالب بعودتهم إلى البلاد أو مشاركتهم السياسية إلا مؤخراً، وذلك بطلب (السيد) رافائيل لوزون، بالمشاركة في العملية السياسية، وملاحظة درجة التفاعل والاستجابة السريعة من رئيس البعثة ونائبته السياسية بالالتقاء معه فقط بعد أيام قليلة من طلبه، وتلويحه بالإضراب عن الطعام حال إهمال طلبه».
ووصف قرادة حالة الأقليات في ليبيا بأنها أقرب إلى «الاختلال في المفهوم الوطني التوافقي للهوية الجامعة المتنوعة في ظل الوحدة، بالنظر إلى الثقافة السائدة والممارسات العُلوية الفارضة لهوية متخيَّلة». وقال إن الأعوام الأربعة الماضية «شهدت ابتعاد جزء كبير من الأمازيغ عن الحياة العامة، خصوصاً عندما وجدوا أنفسهم ومعهم آخرين يدفعون ثمن عدم تأييدهم التام لمخرجات اتفاق (الصخيرات)، الموقع في المغرب نهاية عام 2015. حيث تم تجاوزهم مع غيرهم بمباركة أطراف محلية، وصمت من البعثة الدولية، (...) وهذا أحد أسباب انخراطهم في حرب طرابلس الراهنة».
وحول موقف الأمازيغ من عملية (الكرامة) والقيادة العامة، قال قرادة: «أعتقد أنهما اقترفا خطأً جوهرياً منذ البداية عندما تم تبني تسمية القوات المسلحة العربية الليبية، وهي إشارة إقصائية جعلت من الأمازيغ والتبو لا يؤيدونها... لكن عند اندلاع الحرب على طرابلس انضم محاربو وقوات أمازيغية ضمن قوات (بركان الغضب)، المعبّرة عن حكومة «الوفاق» في الدفاع عن طرابلس».
ولا توجد إحصائية رسمية تقدِّر أعداد يهود ليبيا. إلا أن هناك من يشير إلى أنهم مجرد عشرات، هاجروا من البلاد في حقب سياسية سابقة.
وبخصوص تفاعل لقاء المبعوث الأممي مع رئيس اتحاد يهود ليبيا، قال قرادة: «المستغرَب الآن هو التوقيت الإقليمي وسرعة الاستجابة له، مع تواصل إغفال البعثة لهم ولمؤثرين مهمين آخرين في الساحة الليبية، كأنه تعمد تكرار مسار (الصخيرات)». موضحاً أنه «يصعب التكهن بتطورات الأحداث. غير أنه من الممكن توقع تدخل مغاربي وفرنسي أكبر حال تعقد الملف الأمازيغي بحكم الوجود الكبير لديهم». ورد رئيس مجلس أعيان ليبيا للمصالحة محمد المبشر، على منتقدي ممثل الجالية اليهودية، بقوله إن مَن ينشد دولة العدل «يجب أن يكون عادلاً مع الجميع، وأولهم عدوّه، والمسلم لا يهضم حق أي أحد يخالفه الديانة، ولنا قواعد دينية وقانونية تلزمنا بذلك، وضوابط شرعية»، مضيفاً: «إن كان لليهود الليبيين حق مثبت فما المانع من أن يأخذوه، وإذا كان غير ذلك فإن فُرقتكم هي التي أتاحت لكل صاحب مأرب ومطمع أن ينتهز هذه الفرصة».



مصر تؤكد تمسكها باحترام سيادة الصومال ووحدة وسلامة أراضيه

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
TT

مصر تؤكد تمسكها باحترام سيادة الصومال ووحدة وسلامة أراضيه

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

قالت وزارة الخارجية المصرية، في بيان اليوم (الأحد)، إن الوزير بدر عبد العاطي تلقّى اتصالاً هاتفياً من نظيره الصومالي أحمد معلم فقي؛ لإطلاعه على نتائج القمة الثلاثية التي عُقدت مؤخراً في العاصمة التركية، أنقرة، بين الصومال وإثيوبيا وتركيا؛ لحل نزاع بين مقديشو وأديس أبابا.

ووفقاً لـ«رويترز»، جاء الاتصال، الذي جرى مساء أمس (السبت)، بعد أيام من إعلان مقديشو وإثيوبيا أنهما ستعملان معاً لحل نزاع حول خطة أديس أبابا لبناء ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية، التي استقطبت قوى إقليمية وهدَّدت بزيادة زعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي.

وجاء في بيان وزارة الخارجية المصرية: «أكد السيد وزير خارجية الصومال على تمسُّك بلاده باحترام السيادة الصومالية ووحدة وسلامة أراضيها، وهو ما أمَّن عليه الوزير عبد العاطي مؤكداً على دعم مصر الكامل للحكومة الفيدرالية (الاتحادية) في الصومال الشقيق، وفي مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار».

وقال زعيما الصومال وإثيوبيا إنهما اتفقا على إيجاد ترتيبات تجارية للسماح لإثيوبيا، التي لا تطل على أي مسطح مائي، «بالوصول الموثوق والآمن والمستدام من وإلى البحر» بعد محادثات عُقدت يوم الأربعاء، بوساطة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

وهذا الاجتماع هو الأول منذ يناير (كانون الثاني) عندما قالت إثيوبيا إنها ستؤجر ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية بشمال الصومال مقابل الاعتراف باستقلال المنطقة.

ورفضت مقديشو الاتفاق، وهدَّدت بطرد القوات الإثيوبية المتمركزة في الصومال لمحاربة المتشددين الإسلاميين.

ويعارض الصومال الاعتراف الدولي بأرض الصومال ذاتية الحكم، والتي تتمتع بسلام واستقرار نسبيَّين منذ إعلانها الاستقلال في عام 1991.

وأدى الخلاف إلى تقارب بين الصومال ومصر، التي يوجد خلافٌ بينها وبين إثيوبيا منذ سنوات حول بناء أديس أبابا سداً مائيّاً ضخماً على نهر النيل، وإريتريا، وهي دولة أخرى من خصوم إثيوبيا القدامى.

وتتمتع تركيا بعلاقات وثيقة مع كل من إثيوبيا والصومال، حيث تُدرِّب قوات الأمن الصومالية، وتُقدِّم مساعدةً إنمائيةً مقابل موطئ قدم على طريق شحن عالمي رئيسي.

وأعلنت مصر وإريتريا والصومال، في بيان مشترك، في أكتوبر (تشرين الأول) أن رؤساء البلاد الثلاثة اتفقوا على تعزيز التعاون من أجل «تمكين الجيش الفيدرالي الصومالي الوطني من التصدي للإرهاب بصوره كافة، وحماية حدوده البرية والبحرية»، وذلك في خطوة من شأنها فيما يبدو زيادة عزلة إثيوبيا في المنطقة.

وذكر بيان وزارة الخارجية المصرية، اليوم (الأحد)، أن الاتصال بين الوزيرين تطرَّق أيضاً إلى متابعة نتائج القمة الثلاثية التي عُقدت في أسمرة في العاشر من أكتوبر.

وأضاف: «اتفق الوزيران على مواصلة التنسيق المشترك، والتحضير لعقد الاجتماع الوزاري الثلاثي بين وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا؛ تنفيذاً لتوجيهات القيادات السياسية في الدول الثلاث؛ لدعم التنسيق والتشاور بشأن القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك».

وفي سبتمبر (أيلول)، قال مسؤولون عسكريون واثنان من عمال المواني في الصومال إن سفينةً حربيةً مصريةً سلَّمت شحنةً كبيرةً ثانيةً من الأسلحة إلى مقديشو، تضمَّنت مدافع مضادة للطائرات، وأسلحة مدفعية، في خطوة من المرجح أن تفاقم التوتر بين البلدين من جانب، وإثيوبيا من جانب آخر.

وأرسلت القاهرة طائرات عدة محملة بالأسلحة إلى مقديشو بعد أن وقَّع البلدان اتفاقيةً أمنيةً مشتركةً في أغسطس (آب).

وقد يمثل الاتفاق الأمني مصدر إزعاج لأديس أبابا التي لديها آلاف الجنود في الصومال، يشاركون في مواجهة متشددين على صلة بتنظيم «القاعدة».