بمناسبة الذكرى الـ150 لتدشينه.. «كبسولة الزمن» تؤرخ لمترو لندن

تعطي سكان العاصمة البريطانية عام 2063 لمحة عن الحياة في قطارات الأنفاق اليوم

محطة توتنهام كورت رود التي يجري تحديثها حاليا، خريطة تظهر خدمات القطارات تحت الأرض وفوق الأرض، كبسولة الزمن والتي تحتوي على سلسلة من المظاهر التاريخية، لمحة عن الحياة في قطارات الأنفاق.
محطة توتنهام كورت رود التي يجري تحديثها حاليا، خريطة تظهر خدمات القطارات تحت الأرض وفوق الأرض، كبسولة الزمن والتي تحتوي على سلسلة من المظاهر التاريخية، لمحة عن الحياة في قطارات الأنفاق.
TT

بمناسبة الذكرى الـ150 لتدشينه.. «كبسولة الزمن» تؤرخ لمترو لندن

محطة توتنهام كورت رود التي يجري تحديثها حاليا، خريطة تظهر خدمات القطارات تحت الأرض وفوق الأرض، كبسولة الزمن والتي تحتوي على سلسلة من المظاهر التاريخية، لمحة عن الحياة في قطارات الأنفاق.
محطة توتنهام كورت رود التي يجري تحديثها حاليا، خريطة تظهر خدمات القطارات تحت الأرض وفوق الأرض، كبسولة الزمن والتي تحتوي على سلسلة من المظاهر التاريخية، لمحة عن الحياة في قطارات الأنفاق.

مرت مع بداية هذا العام الذكرى الـ150 لتدشين مترو لندن، الذي يعد وسيلة المواصلات الأسرع، والأكثر انتشارا، داخل عاصمة الضباب. وشمل احتفال هذا العام بإكمال شبكة مترو أنفاق لندن تركيب كبسولة الزمن والتي تحتوي على سلسلة من المظاهر التي تعطي سكان لندن عام 2063 لمحة عن الحياة في قطارات الأنفاق اليوم.
وكان قد افتتح أول جزء من خط مترو أنفاق لندن في 9 يناير (كانون الثاني) 1863 برحلة بين محطتي بادينجتون وفارينغدون وحمل القطار أول الركاب في اليوم التالي. ويجري حاليا تنفيذ برنامج تحديث هائل للشبكة يعتبر من أكبر المشاريع الهندسية المعقدة في العالم. وتم إدخال كثير من التحسينات على الشبكة مؤخرا فأدخلت القطارات مكيفة الهواء وزاد عدد المحطات التي لا يحتاج الركاب فيها لاستعمال الدرج.
وبمناسبة الذكرى الـ150 تم عرض «كبسولة الزمن» في محطة توتنهام كورت رود، التي يجري تحديثها. ويتواصل تحديث شبكة مترو الأنفاق جنبا إلى جنب نظام الإشارات الجديد لخط الشمال الذي سيشغل بالكامل هذا العام مع إدخال القطارات مكيفة الهواء على خطي هامرسميث أند سيتي وسيركل لاين.
يحمل مترو أنفاق لندن اليوم ركابا أكثر بصورة أكثر أمانا ودقة عما كان من قبل.
ستعرض كبسولة الزمن والمصنوعة من صندوق إشارات قديمة لخط الشمال في مكان بارز في محطة توتنهام كورت رود، التي يجري تحديثها حاليا مع صالة تذاكر أكبر بست مرات من الصالة الحالية والمقرر افتتاحها عام 2016. وصادف تركيبها عشية إكمال مترو أنفاق لندن - أقدم شبكة مترو أنفاق في العالم - لعامها الـ150 ودخولها العام الـ151.
جمعت المحتويات بواسطة لجنة من شباب لندن العاملين مع برنامج شباب متحف مواصلات لندن، والذين كانوا حاضرين، عندما أغلقت الكبسولة. وتشتمل على المحتويات التالية: خطاب من مايك براون المدير التنفيذي لشبكة مترو أنفاق لندن إلى خليفته المستقبلي. وفيلم قصير أنتج خصيصا يوضح «الحياة في مترو أنفاق لندن في 2013». ونسخ من صحيفة «إيفننغ ستاندرد» وصحيفة المترو، وإصدار خاص من كارت الأويستر بمناسبة الذكرى الـ150 للمترو، وشارة «وليد في المترو» مشابهة لتلك التي أهديت إلى دوقة كمبردج عشية ذكرى المترو وكتاب يوضح الـ150 عاما الأولى لتاريخ مترو أنفاق لندن، ومعدات نظام الإشارات الحالي.
وكانت مظاهر احتفال الذكرى الـ150 قد شملت، إعادة تسيير أول رحلة ركاب على مترو الأنفاق في يوم الأحد 13 يناير 2013 بالقاطرة البخارية رقم (1) من خط المتروبوليتان التي أعيدت صيانتها العربة المقطورة رقم 353 من خط الجوبيلي، وهي أقدم عربة مقطورة موجودة. عرض للأعمال الفنية التي زينت محطات مترو أنفاق لندن (التيه) للفنان مارك وولنغر.
لوحة «ليغو» بمناسبة الذكرى الـ150 لخمسة خرائط لمترو الأنفاق نفذت بالكامل من مكعبات «ليغو» توضح تطور التصميم المشهور للخطوط عبر السنين تعرض في المحطات الرئيسة طوال فترة الصيف.
وأصدرت هيئة البريد إصدارا خاصا لعشرة طوابع بالمناسبة. كما أصدر كتاب عن تاريخ المترو وكيف أسهم في تشكيل مدينة لندن من تأليف سام مولينز مدير متحف مواصلات لندن.
كما أصدرت عملة معدنية من فئة الجنيهين بالمناسبة. و جرى إصدار 12 قصة قصيرة لمؤلفين معروفين من نشر «بنغوين» تتحدث كل واحدة عن خط معين من خطوط مترو الأنفاق ومعنه والمكانة التي تحتلها في مخيلة من يسكنون ويزورون المدينة. معرض ملصقات في متحف لندن للمواصلات يستعرض تاريخ مترو الأنفاق.
كما كشف النقاب هذا العام عن لوحة تذكارية تخليدا لذكرى مصمم خريطة مترو أنفاق لندن، هاري بيك، بمناسبة مرور 80 عاما على ظهور الخريطة التي ابتكرها لأول مرة. وتعرف هذه اللوحة الرمزية في بريطانيا باللوحة الزرقاء، وهي لوحة معدنية دائرية تعلق خارج منزل أصحابها تخليدا لذكراهم، وتحمل أسماءهم وصورهم وتاريخ مولدهم، والإنجاز الذي اشتهروا به في حياتهم. وقد كشف عن اللوحة الخاصة بمصمم خريطة مترو أنفاق لندن في مسقط رأسه بطريق ويسلي، بحي ليتون شرقي لندن.
وقد استخدم التصميم الذي وضعه بيك، ونال إعجاب الكثيرين، نظاما شبكيا يسهل على الركاب اتباعه، وهو نفس النظام الذي بنيت عليه جميع الخرائط اللاحقة في شبكة مترو أنفاق لندن، التي كانت تشهد توسعات كبيرة. وكانت خرائط سابقة لمترو أنفاق لندن قد أخفقت نسبيا، مع خشية مصمميها من أمور تتعلق بالجغرافيا والمسافات بين المحطات المختلفة، مما أدى إلى ظهور خرائط يصعب فهمها. وكان بيك - الذي توفي عام 1974 عن عمر يناهز 72 عاما - يعتقد أن الناس لا تهتم كثيرا بمعرفة المسافة الحقيقية بين المحطات، فساعده ذلك على تصميم خريطة ذات خطوط متشابكة، لكنها سهلة الاستخدام.
وكشف سام مولينز، مدير متحف لندن للنقل، عن لوحة بيك، وقال مولينز في هذا الصدد: «كانت خريطة بيك ثورية في بساطتها، فقد أصبحت رمزا للندن، وقد تأثرت بها كثير من تصميمات خرائط المترو حول العالم، بالإضافة إلى أنها مصدر إلهام لكثير من الفنانين والمصممين المعاصرين». وكان بيك مصمما هندسيا في شركة لندن للنقل قبل أن يصمم خريطة مترو الأنفاق، واستمر بيك في تحديث خريطته، كلما أضيفت محطات أو خطوط جديدة إلى شبكة المترو، كما استمر في العمل في تحديث هذه الخريطة حتى بعد تركه العمل.
ونشرت آخر نسخة من خريطته في عام 1960، وحدث بعدها نزاع بشأن إعادة تصميمها من خلال مصممين آخرين، وهو مما أدى إلى خلاف بينه وبين رؤسائه في العمل. كما صمم بيك خريطة لشبكة مترو أنفاق باريس، لكنها لم تستخدم.
وكان بيك متفوقا بشكل ملحوظ في إنتاج نسخة مبكرة من خريطته الخاصة بمترو أنفاق لندن التي تظهر جميع خدمات القطارات تحت الأرض وفوق الأرض، وذلك في عام 1938. وفي ذلك الوقت، كانت تعد تلك الخريطة معقدة بعض الشيء فيما يتعلق بطباعتها، لكن أصبحت هذه الخريطة المتكاملة تظهر اليوم في جميع محطات لندن.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)