الأمن السيبراني 2020... مشهد محفوف بالمخاطر

اختراقات بهجمات منسقة وتسريبات وأخطاء برمجية

الأمن السيبراني 2020... مشهد محفوف بالمخاطر
TT

الأمن السيبراني 2020... مشهد محفوف بالمخاطر

الأمن السيبراني 2020... مشهد محفوف بالمخاطر

يمثّل الأمن السيبراني مسألة شائكة خلال عام 2020 لا سيما أن التهديدات لن تقتصر على النمو المخيف الذي تشهده برامج الفدية. فإلى جانب المخاوف اليومية التي تثيرها البرامج الخبيثة، والبيانات المسروقة وتكلفة التعافي من اختراق الشبكات التجارية، يتصدّر المشهد خطر محدق وحقيقي للولايات المتحدة يتمثّل بوجود لاعبين خطرين يستخدمون القرصنة الإلكترونية للتأثير بشكل مباشر أو غير مباشر على نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة خلال العام الجاري.

مخاطر الاختراق
اليوم، بات واجبا على جميع الشركات التي تملك كومبيوترات أو أجهزة متّصلة بالإنترنت أو برامج رقمية أن تصنّف نفسها «شركة تقنية». كما أنّ كلّ فرد يملك تلفازاً ذكيّاً، أو مساعداً افتراضياً، أو أي جهاز من فئة إنترنت الأشياء أصبح معرّضاً لمخاطر عدّة أبرزها الانكشاف أمام المتلصّصين الرقميين أو سرقة البيانات الشخصية.
يرى مايكل سيكريست، تقني رئيسي في شركة «بوز آلن هاملتون» الأميركية أنّ العالم يشهد زيادة في أنواع المنصّات التي قد تستخدم للاعتداء الإلكتروني ومنها السيّارات، وطائرات الدرون، والأقمار الصناعية ومكوّنات الأجهزة الإلكترونية. وأضاف في مقابلة أجراها مع موقع «تيك نيوز وورلد» أنّنا أيضاً أمام «تشويش متزايد يعتمده لاعبون محنّكون من خلال إعادة استخدام رموز البرامج الخبيثة».
وحذّر سيكريست من أنّ «أحداث مهمّة محليّة وعالمية ستقدّم للقراصنة فرصاً للتشويش الرقمي في شركات كبرى وصغرى، وفي الأجهزة الحكومية على حدٍّ سواء».
صحيح أنّ كلّ شخص متصل بالإنترنت في هذا العالم الذي يزداد اعتماده على الاتصال يوماً بعد يوم تحوّل إلى هدفٍ محتملٍ للاعتداءات السيبرانية، ولكنّ فهم المخاطر القائمة من شأنه أن يساعد في تخفيف التهديد.
من جهتها، ترى إيلين بينايم، مسؤولة أمن المعلوماتية في شركة «تيمبلافي» أنّ «التهديد الرئيسي الذي تواجهه الشركات يتمثّل في تدنّي مستوى متابعة التطوّر المستمرّ الذي تشهده التهديدات الأمنية». وفي حديث صحافي لها، لفتت بينايم إلى أنّ «متابعة الأحداث المستجدة يجب أن يصبح معركة مستمرّة خاصة أن الأمور تتجه للأسوأ، إذ من المتوقّع أن يشهد عام 2020 زيادة في عدد وحرفية الاعتداءات السيبرانية التي ستشمل أهدافاً أكبر وأوسع وتترك آثاراً موجعة أكثر».

تهديدات قديمة جديدة
في 2020، سنرى أنّ الكثير من التهديدات التي عانينا منها في السنوات الماضية لا تزال قائمة ومستمرّة في إثارة مشاكل حقيقية، وأبرزها اعتداءات التصيّد الإلكتروني.
> التصيد الإلكتروني. يقول توم توماس، عضو الهيئة التعليمية في برنامج ماجستير الدراسات المهنية في إدارة الأمن السيبراني التابع لجامعة تولين في نيو أورليانز، إنّ «التصيّد الإلكتروني هو خداع الآخرين للقيام بفعل يحقّق مكاسب للمعتدي»، محذّراً من أنّ «التعليم الخاص لمواجهة هذا النوع من الاعتداءات بات شائعاً، ولكنّ عمليات التصيّد تتطوّر بدورها، إلى درجة أنّ بعض الرسائل الإلكترونية الاحتيالية باتت عصيّة على الرصد إلّا في حالات التدقيق الشديد، وهذا ما لا يفعله معظم الناس».
> أخطاء برمجية. يواجهنا اليوم أيضاً تهديد سيبراني آخر لا يأخذ شكل الاعتداء، بل هو عبارة عن مشكلة يسببها مصممو البرامج الرقمية المنهكون: إنّها الأخطاء البرمجية التي قد تترك خلفها فجوات يستغلّها القراصنة ومجرمون آخرون.
يرى توماس أنّ «هذه المخاوف حقيقية، ومع تعاظم دور البرامج الرقمية وسيطرتها على فضاء تكنولوجيا المعلومات، سيتوجب على المطوّرين تصحيح المشاكل الأمنية الموجودة في رموزهم القديمة والجديدة».

تهديدات من الداخل
> تسريب أو تماهل. يغفل الكثيرون عن نقطة مهمّة في الاعتداءات السيبرانية تتمثّل في هوية الأشخاص المسموح لهم الوصول إلى البيانات، وما إذا كان هؤلاء الأفراد يتمتّعون بالموثوقية المطلوبة. يعتبر إدوارد سنودن مثالاً على هؤلاء الأفراد، إلّا أنّ هذه المشكلة مستمرّة بضرب الشركات التقنية منذ سنوات. ففي ربيع 2018، اضطرّت أبل مثلاً إلى طرد موظّف سرّب تفاصيل خريطة الطريق التي تشرح تفاصيل برنامج الشركة التشغيلي.
تتجلّى التهديدات الداخلية بأشكال كثيرة، ويمكن أن تكون بسيطة، كموظف متعب أرسل بيانات سرية للمتلقّي الخاطئ.

اعتداءات موجّهة
الموظّفون الموثوقون يرتكبون الأخطاء أيضاً. يستخدم القراصنة تقنيات الهندسة الاجتماعية لاختراق شبكة معيّنة وجمع البيانات الحسّاسة، إلى جانب أدوات لتشفير البيانات وخرق الأنظمة الأمنية.
> هجمات منسقة. حذّر لورنس بيت، مدير الاستراتيجية الأمنية العالميّة في شركة «جونيبر نتووركس» من أنّنا «قد نرى في عام 2020 المزيد من حالات التصيّد الموجّهة والمتعدّدة المستويات، والتي يتمّ خلالها استخدام أهداف كثيرة في شركة ما، بهدف جمع المعلومات وتحقيق الاختراق». وتوقّع أنّنا أيضاً سنشهد اعتداءات أكثر تستخدم أدوات شائعة كالتصيّد والتحميل عبر روابط الإعلانات الخبيثة، أو اعتداءات تستخدم وسائل قديمة بأدوات جديدة.
وخلال حديثه، ذكّر بيت بقضية اعتداء «ماساد ستيلر» التي أثارتها مختبرات «جونيبر ثريت لابز» في أواخر 2019 واعتبرها مثالاً وافياً على ترجيحاته، والتي تمّ خلالها سرقة أموالٍ وبيانات بواسطة برنامج خبيث مزروع في برنامج رقمي مستخدم ومرخّص.

مخاطر الأجهزة المحمولة
> البرامج الخبيثة على الأجهزة المحمولة أيضاً. لن تكون شبكات الحاسوب الهدف الأوحد للاعتداءات الإلكترونية في 2020 ولكن لا بدّ من الاعتراف أن الجهود التي بُذلت في السنوات الأخيرة لحماية الأجهزة المحمولة من هذا النوع من الاعتداءات كانت متواضعة. في حالة الهواتف الذكية، يمكن للضرر أن يقع نتيجة تحميل تطبيق ما، أو حتّى عبر منصّات يُفترض أنّها موثوقة. يقول بيت إنّ برنامج «ستراند هوغ» StrandHogg الخبيث يستخدم تطبيقات شعبية ولكن ماكرة موجودة في «بلاي ستور» كآلية للاختراق، ويستمرّ في استغلالها حتّى تعمد غوغل إلى إقفال مكامن الضعف فيها والتي تضع أي جهاز ومستخدم في موقع الانكشاف.
ويلفت بيت إلى أنّه وعلى الرغم من تحوّل الهواتف المحمولة إلى مخزن لأكثر معلوماتنا شخصية وحساسيّة، ما زال الناس يهرعون بالملايين لتحميل التطبيقات المجّانية دون تفكير بمدى أمنها. وأخيراً، يرى بيت أنّ على المستخدمين الكفّ عن قبول طلبات أجهزتهم لاختراق المصادر، والإقلاع عن تنزيل التطبيقات المجّانية التي قد لا يحتاجون إليها حتّى، ورفض قبول طلب أي تطبيق بالوصول إلى ما يبدو لهم غريباً وغير ضروري، كرغبة قارئ ملفات PDF بالوصول إلى الرسائل النصية. ويؤكّد الخبير أنّ هذا التمنّع سيساهم في تعزيز أمن وسلامة الأجهزة والبيانات.

فيديوهات مزيفة
>تزييف الفيديو. عند الحديث عن المخاوف الكبرى لعام 2020 والتي قد لا تطال البيانات بشكل مباشر، لا يمكننا تجاهل تصاعد موجة «الديب فيكس»، أي الفيديوهات المُتلاعب بها، والتي يتمّ استخدامها للإساءة للأفراد، ونشر المعلومات المغلوطة التي قد تسبب الضرر بأشكال لا تعدّ ولا تحصى.
شهدت فيديوهات ديب فيكس تطوّراً وحرفية ملحوظين، حيث إن الكومبيوترات العادية والأجهزة المحمولة باتت قادرة على صناعتها بسهولة تامّة ونتائج مقنعة. ويكمن الخوف الأكبر من هذه الفيديوهات في كيفية استخدامها بالتزامن مع الأخبار الكاذبة التي تجتاح المنصّات.
> تأمين السحابة. تسود عالم الأمن السيبراني مغالطات شائعة كثيرة أبرزها أنّ التخزين الخارجي أو المضاف يحمل مخاطر كبيرة. ولكنّ الحقيقة هي أنّ التخزين السحابي قد يقدّم لمستخدميه بعض المكاسب المهمّة.
من جهته، أكّد أندرو شوارتز، أستاذ محاضر في برنامج «أنظمة المعلومات وعلوم القرار» المعتمد في جامعة ولاية لويزيانا على خطأ فكرة أنّ السحابة أقلّ أماناً من الحلول التقليدية المتوفّرة في الأجهزة.
ورأى في حديث له مع الموقع أنّ «المشكلة الكبرى تحصل عند اختراق السحابة، كما حصل الصيف الفائت مع خدمات أمازون الإلكترونية، لأنّها تتصدّر العناوين العريضة، وتؤدّي إلى نشر أمثلة تدفع بالشركات إلى الامتناع عن نقل أنظمتها إلى تقنية السحابة».
من جهته، شدّد توماس من جامعة تولين «على أنّ أمن التقنية السحابية سيواصل تقدّمه بالتزامن مع تطوّر التقنية نفسها».

- «ذا مركوري نيوز»
خدمات «تريبيون ميديا»



كيف ستؤثر الانتخابات الرئاسية الأميركية على مستقبل التكنولوجيا؟

ستحدد انتخابات 2024 كيفية تطوير التكنولوجيا وحماية خصوصية المستخدمين ومستوى التدخل الحكومي في ذلك القطاع (أدوبي)
ستحدد انتخابات 2024 كيفية تطوير التكنولوجيا وحماية خصوصية المستخدمين ومستوى التدخل الحكومي في ذلك القطاع (أدوبي)
TT

كيف ستؤثر الانتخابات الرئاسية الأميركية على مستقبل التكنولوجيا؟

ستحدد انتخابات 2024 كيفية تطوير التكنولوجيا وحماية خصوصية المستخدمين ومستوى التدخل الحكومي في ذلك القطاع (أدوبي)
ستحدد انتخابات 2024 كيفية تطوير التكنولوجيا وحماية خصوصية المستخدمين ومستوى التدخل الحكومي في ذلك القطاع (أدوبي)

بينما يبدأ الناخبون الأميركيون الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، تولي صناعة التكنولوجيا في أميركا اهتماماً كبيراً للنتائج المحتملة التي ستكون لها تأثيرات كبيرة على الذكاء الاصطناعي، وخصوصية البيانات، وتنظيمات مكافحة الاحتكار، والابتكار التقني بشكل عام. هذه القضايا أصبحت أكثر إلحاحاً مع استمرار نمو الاقتصاد الرقمي، ما يجعل من الضروري تقييم كيفية تأثير سياسات كل مرشح على مستقبل التكنولوجيا.

الذكاء الاصطناعي بين الابتكار والسلامة

يعدّ الذكاء الاصطناعي أحد القضايا التقنية الأكثر أهمية في هذه الانتخابات، حيث تتسارع وتيرة تطوير وتطبيق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وكذلك النقاشات حول تنظيمها، والمعايير الأخلاقية، والتنافسية العالمية.

وقد أعربت المرشحة عن الحزب الديمقراطي كامالا هاريس عن التزام قوي بتطوير الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول، مركزةً على أهمية الالتزام بمعايير أخلاقية لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. وقد أطلقت إدارة بايدن - هاريس تنظيمات جديدة للذكاء الاصطناعي في عام 2023، تهدف إلى معالجة قضايا مثل الشفافية الخوارزمية، والتحيزات المحتملة، ومعايير الأمان. وتهدف هذه التدابير إلى حماية المستهلكين ومنع الاستخدامات الضارة للذكاء الاصطناعي، ولكن بعض خبراء الصناعة يخشون أن تعيق هذه التدابير الابتكار. وترى هاريس أنه من دون الضوابط المناسبة، يمكن أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى تفاقم عدم المساواة القائمة، وعواقب غير مقصودة، ما يعكس نهجاً حذراً لتكامل الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول مع مراعاة المخاوف الأخلاقية.

من المتوقع أن يمنح المرشح الجمهوري دونالد ترمب شركات التكنولوجيا الكبرى حرية أكبر بالأسواق الأميركية (أدوبي)

على النقيض من ذلك، يدعو مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترمب إلى اتباع نهج أكثر حرية فيما يتعلق بتنظيم الذكاء الاصطناعي. ترمب يرى أن التنظيم الزائد يمكن أن يعرقل بقاء الولايات المتحدة في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي، خاصة أمام دول مثل الصين التي تستثمر بشكل كبير في هذه التكنولوجيا مع قيود تنظيمية أقل. ومن المتوقع أن يركز ترمب، بالتعاون مع قادة التكنولوجيا مثل إيلون ماسك مالك شركة «إكس» على تخفيف الضوابط حول تطوير الذكاء الاصطناعي لدفع الابتكار بوتيرة أسرع. وقد يساهم هذا النهج في تحقيق تقدم تكنولوجي أسرع، لكن البعض يخشى أن يؤدي ذلك إلى تأثيرات اجتماعية غير متوقعة ويخلق تحديات فيما يتعلق بالشفافية والمساءلة في استخدام الذكاء الاصطناعي.

الاختلاف بين هاريس وترمب حول الذكاء الاصطناعي يعكس النقاشات الأوسع حول تحقيق توازن بين الابتكار والتنظيم، حيث تركز هاريس على ضرورة ضمان الأمان والاعتبارات الأخلاقية، بينما يركز ترمب على الميزة التنافسية مع حواجز تنظيمية أقل أمام قطاع التكنولوجيا.

يرى مراقبون أن الانتخابات ستحدد مسار التكنولوجيا بين تنظيم حذر أو حرية أكبر (أدوبي)

خصوصية البيانات

بلا أدنى شك، أضحت خصوصية البيانات واحدة من أهم القضايا الملحة في مشهد التكنولوجيا، حيث ازداد الوعي بالطرق التي تتبعها الشركات لجمع وتخزين واستخدام البيانات الشخصية، ما يخلق طلباً متزايداً على قوانين شاملة لحماية خصوصية البيانات التي تضمن حقوق الأفراد وتدعم النمو الرقمي.

ولطالما كانت كامالا هاريس مناصرة قوية لحماية خصوصية البيانات، مستلهمةً من خلفيتها كمدعية عامة سابقة لولاية كاليفورنيا، حيث أشرفت على تنفيذ قانون خصوصية المستهلك في كاليفورنيا (CCPA) الذي يمكن لجميع سكان كاليفورنيا بموجبه ممارسة الحق في طلب جميع البيانات الخاصة بهم التي قامت الشركات بتخزينها. وتؤمن هاريس بأهمية وضع معايير فيدرالية لحماية البيانات، تدعم من خلالها تمكين الأفراد من السيطرة على بياناتهم، وتنظم كيفية جمع ومشاركة الشركات للمعلومات، وتعزز الشفافية. ويمكن أن توفر هذه التدابير ثقة أكبر للمستهلكين في الخدمات الرقمية، لكنها قد تفرض أيضاً أعباء امتثال إضافية على شركات التكنولوجيا، خاصة الشركات الصغيرة التي تملك موارد محدودة.

في مقابل ذلك، لم يحدد دونالد ترمب موقفاً واضحاً بشأن خصوصية البيانات. خلال فترة رئاسته السابقة، كانت إدارته تفضل تقليل الأعباء التنظيمية على الشركات، وامتد هذا النهج إلى تشريعات الخصوصية. ويركز ترمب بشكل عام على تعزيز النمو الاقتصادي، مشيراً إلى أن تقليل القوانين التنظيمية يسمح للشركات بالازدهار دون تدخل بيروقراطي. في حين أن هذا النهج قد يوفر مرونة لشركات التكنولوجيا، فإن النقاد يرون أنه يمكن أن يأتي على حساب حقوق خصوصية المستهلك وأمن البيانات.

وجهات النظر المتباينة بين المرشحَين حول خصوصية البيانات تؤكد على أهمية الانتخابات المقبلة في تحديد المستقبل الرقمي، حيث يمكن أن يؤدي موقف هاريس إلى مشهد أكثر تنظيماً يهدف إلى حماية بيانات المستهلك، بينما قد يركز نهج ترمب على مرونة الشركات، ما يترك حماية الخصوصية بشكل أكبر للشركات نفسها.

كامالا هاريس أظهرت دعمها تنظيم الذكاء الاصطناعي لضمان السلامة ومعالجة التحيزات الخوارزمية (أ.ف.ب)

تنظيمات مكافحة الاحتكار

دور الشركات التكنولوجية الكبيرة في الاقتصاد هو موضوع آخر مثير للجدل في انتخابات 2024. هيمنة شركات مثل «أبل» و«غوغل» و«ميتا» و«أمازون» أدت إلى دعوات من كلا الحزبين لتشديد الرقابة المتعلقة بمكافحة الاحتكار واتخاذ إجراءات تهدف إلى تعزيز المنافسة العادلة. ويدرك كلا المرشحين التحديات التي تطرحها هذه الشركات القوية، لكنهما يقترحان حلولاً مختلفة.

أبدت كامالا هاريس دعماً مستمراً لنهج إدارة جو بايدن الصارم تجاه تطبيق قوانين مكافحة الاحتكار. وقد قامت الإدارة بملاحقة عدد من القضايا البارزة ضد شركات التكنولوجيا الكبرى، بهدف كبح الممارسات الاحتكارية، وزيادة المنافسة، وخلق ظروف سوق أكثر عدالة. كما يشمل برنامج هاريس التزاماً بتفكيك الاحتكارات التكنولوجية إذا لزم الأمر، مع التركيز على الحالات التي تتحكم فيها الشركات التكنولوجية الكبرى بشكل مفرط في الأسواق أو تعرقل الابتكار. ويشير نهج هاريس إلى استعدادها لاستخدام السلطة الفيدرالية لمساءلة الشركات الكبرى ومنع الممارسات غير التنافسية، بهدف تحقيق توازن بين مصالح المستهلكين والشركات الصغيرة.

دونالد ترمب كان أيضاً ناقداً للتكنولوجيا الكبيرة، لكن نهجه في تنفيذ قوانين مكافحة الاحتكار كان أقل تنظيماً. بينما عبّر ترمب عن استيائه من شركات التكنولوجيا الكبيرة، غالباً ما كانت دوافعه مدفوعة بخلافات شخصية، ولم تتبع إدارة ترمب نهجاً ثابتاً تجاه تنظيم الاحتكار. إذا فاز ترمب في الانتخابات، فمن المتوقع أن تتبنى إدارته نهجاً أقل تنظيماً بشكل عام، مع التركيز على تقليل التدخل الحكومي في الاقتصاد. قد يوفر هذا مزيداً من الحرية للشركات التكنولوجية الكبرى، لكنه قد يثير المخاوف بشأن قوة السوق غير المقيدة وقلة المنافسة.

تحظى خصوصية البيانات بأهمية قصوى مع تزايد الوعي بحماية المستخدمين (أدوبي)

الاستثمار في الاقتصاد المستقبلي

يعتمد مستقبل قطاع التكنولوجيا في الولايات المتحدة أيضاً على آراء كل مرشح حول تعزيز الابتكار. ويدرك كل من هاريس وترمب أهمية الاستثمار في التكنولوجيا من أجل النمو الاقتصادي، لكن لديهما رؤى مختلفة حول أفضل السبل لدعم الابتكار في عالم رقمي سريع التغير.

كامالا هاريس قدّمت نفسها كداعم لسياسات داعمة للتكنولوجيا، بما في ذلك المبادرات للاستثمار في وصول الإنترنت عريض النطاق، وصناعة أشباه الموصلات، والبنية التحتية الرقمية. ويعكس تركيزها على خلق بيئة تقنية تنافسية ومنظمة إيمانها بدور الحكومة في توجيه الابتكار المسؤول. وتدعو هاريس أيضاً إلى سياسات تشجع على تكوين قوة عمل تقنية متنوعة وشاملة، بهدف جعل الاقتصاد الرقمي متاحاً لجميع الأميركيين. ومع ذلك، فإن التزامها بالإجراءات التنظيمية، خاصة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي وخصوصية البيانات، دفع بعض قادة الصناعة إلى التساؤل عما إذا كانت سياساتها قد تؤدي إلى تباطؤ وتيرة التقدم التكنولوجي.

أما دونالد ترمب فيظهر دعماً لبيئة غير منظمة لتشجيع الابتكار، مع التركيز على الحوافز الاقتصادية وتقليل تدخل الحكومة. اختياره جيه دي فانس شريكاً مرشحاً له يدعم موقفه الذي يحظى بدعم شخصيات بارزة في وادي السيليكون الذين يفضلون الحد الأدنى من التنظيم، خاصة فيما يتعلق بالشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا واستثمارات رأس المال الجريء. ومن المتوقع أن تركز سياسات ترمب على تقليل الحواجز أمام شركات التكنولوجيا الناشئة وخلق بيئة صديقة للأعمال مع قيود تنظيمية أقل. في حين أن هذا النهج قد يحفز النمو الاقتصادي، فإن النقاد يرون أنه يمكن أن يؤدي إلى نقص الرقابة، ما قد يضرّ بالمستهلكين أو يؤدي إلى ممارسات تجارية غير أخلاقية.

ومن خلال التركيز على التنظيم والاعتبارات الأخلاقية أو على إلغاء التنظيم والنمو الاقتصادي، يعكس كل مرشح نهجه في الابتكار الفجوة الآيديولوجية الأوسع حول كيفية تطوير قطاع التكنولوجيا في الولايات المتحدة.

محورية لمستقبل التكنولوجيا

يقدم المرشحان في الانتخابات الرئاسية الأميركية للناخبين رؤيتين متمايزتين لمستقبل سياسة التكنولوجيا. يتمحور نهج كامالا هاريس حول التنظيم المسؤول، وحماية المستهلك، والمعايير الأخلاقية، بهدف خلق قطاع تكنولوجي يركز على العدالة والمساءلة. على النقيض من ذلك، يركز نهج دونالد ترمب على إلغاء التنظيم والابتكار السريع، مع أولوية للنمو الاقتصادي والتنافسية الوطنية.

وكما يبدو، يمثل كل مسار فوائده ومساوئه المحتملة، حيث يمكن أن يؤدي نهج هاريس إلى صناعة تقنية أكثر أماناً وعدالة، لكنه قد يبطئ بعض أشكال الابتكار، بينما قد تسهم سياسات ترمب في تسريع التقدم التقني والنمو الاقتصادي، لكنها قد تثير المخاوف بشأن الخصوصية واحتكار السوق والممارسات الأخلاقية.