في نهاية فيلم «لأجل سما» الفائز بجائزة البافتا كأفضل فيلم تسجيلي، تتنفس وعد الخطيب وزوجها الصعداء كونهما استطاعا اجتياز الحاجز الحكومي بسلام. يفحص الضابط أوراقهما ثم يعيدها إليهما ويسمح لهما بالعبور نحو الأمان في وقت كانت فيه مدينة حلب تتعرض لمزيد من القصف بغية دخولها واستعادتها من قوى المعارضة.
علت الفرحة وجهيهما وتبادلا التهنئة وانتقلا من مدينة تعرضت للقصف طويلاً إلى بر أمان خارج الجبهة الملتهبة. كانت وعد الخطيب عملت عن كثب مع المخرج التلفزيوني البريطاني إدوارد ووتس على «لأجل سما» منذ سنوات. الفيلم يحمل بصمات الوضع من 2012 إلى 2016، ويرصد مختلف النواحي الإنسانية والأمنية والمعيشية التي عانت منها المدينة خلال تلك الفترة القاسية.
الفيلم هو إنهاء رحلتها الخاصة في هذا المخاض الصعب. فلخمس سنوات تابعت المخرجة المعارك بعدما تحوّلت إلى مراسلة حربية للقناة الرابعة البريطانية. لا علم لنا بكم ما سبق وصوّرته لأن الفيلم الذي يبلغ طوله 96 دقيقة هو مزيج من مشاهد وفترات متلاحمة بين الماضي وبين الحاضر (حاضر ذلك الحين) ودور شريكها في الإخراج ووتس كان تسلم المادة وخلق الفيلم الذي جال مهرجانات عدّة (بدءاً بمهرجان South by Southwest الأميركي وصولاً إلى فوزه بالبافتا اليوم، وربما بالأوسكار بعد تسعة أيام).
يشرح الفيلم مصاعب الحياة التي واجهتها وعد الخطيب عندما انضمت إلى المعارضة، حين كانت سلمية في البداية، ثم عندما استمرت في الانضمام إليها والحديث باسمها عبر مراسلاتها الإخبارية من حلب إلى القناة البريطانية. خلال هذه الفترة انضمت إلى جهود العاملين في مستشفى حلب حيث تعرفت على الطبيب حمزة الخطيب. وقعا في الحب وتزوّجا وتحول نضال كل منهما الفردي إلى نضال يجمع بين شخصين مرتبطين بنية مستقبل أفضل. أنجب هذا المستقبل الطفلة سما التي تبثها الأم همومها ووجدانياتها (ببعض السذاجة من حين لآخر) ثم أنجب هذا الفيلم الذي حمل وجهة المرأة كاملاً. فهو - على رحاه الكبير من المشاهد والأحداث - إنما يدور عن وضع الأم أولاً في محنة لم تعرف ترتيب الضروريات بل انغمس فيها الجميع ما بين مشارك ومسالم، وما بين من يؤمن بسوريا أفضل، وبين من سلم زمام هذا الإيمان للأتراك ولمن يدفع أكثر.
مثل سواه من الأفلام التي خرجت من أتون تلك الحرب، كحال «عن الآباء والأبناء» و«الخوذات البيض»، هناك تغييب لأي نوع من التحليل السياسي لما يقع. المسألة المثارة هنا، وسط القصف والدمار وأصوات الحرب الأخرى، هو صوت الأم الملائكي في طبيعته وهي تشرح ظروف الحياة وتؤرخ لبعض ما حدث وكيف تداعت الأمور إلى ما وصلت إليها، لكن لا فسحة من الوقت مُتاحة لسد الثغرة التي عانت منها الأفلام التسجيلية السابقة التي دارت حول هذا الصراع الرهيب. ثغرة تقديم الوضع ببعض الحياد لكي يتم النظر من خلاله إلى جوانب الموضوع. صحيح أن كيان الفيلم واختياراته من المواد المصوّرة وترتيب سردها على النحو الذي وردت عليه يمضي في سبيل عكس آمال وآلام المخرجة (التي صوّرت الفيلم بأسرها تقريباً) لا يلج بالمشاهد صوب نوافذ من الحديث في جوانب الوضع لكن هذه اختياراته في نهاية الأمر.
رغم ذلك هو فيلم مؤثر كيفما تم النظر إليه. ينبش بعيداً في وضع المدينة معيشياً وإنسانياً ومن وجهة المرأة وليس من وجهة المقاتلين الرجال. المرأة هي أوفر حظاً في تأمين المعنى الكامل للضحية جنباً إلى جنب الوطن الذي تعيش فيه. تكابد وعد الخطيب المتاعب وتقول في أحد المشاهد: «لست واثقة من أنني أستطيع ضبط ما أمر به». لكن ذلك لا يثنيها عن المواصلة. قلب الفيلم وروحه وأسباب نجاحه عناصر مرتبطة كلها بكيف صاغ الفيلم هذا المشاق وجسده من خلال مخرجته في أوقاتها العصيبة. تحت القصف وهرباً منه. في المنزل غير المحصن وفي المستشفى المنكوب بدوره.
زلته هنا هي أن بعض الانتقالات بين الماضي والحاضر ليست نموذجية. توليفها ليس جيداً إما لأن المواد مفتقرة وغير كافية، وإما لأن المخرج البريطاني لم تتح له فهم أسباب هذا الانتقال بين الفترات على نحو يستطيع عبره توظيفه على نحو يتلاءم مع أسباب ورودها في نص وعد الخطيب لتجربتها.
«لأجل سما»... مصاعب حياة وعد الخطيب تفوز بـ«بافتا» التسجيلي
المخرجة السورية أودعت فيه رصد تجربة كاملة
«لأجل سما»... مصاعب حياة وعد الخطيب تفوز بـ«بافتا» التسجيلي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة