التدخل التركي يهدد الدعم الأوروبي لـ«الوفاق»

بريطانيا أعدت قانوناً لسحب «المرتزقة»... وإيطاليا رفضت اتفاقية السراج ـ إردوغان

TT

التدخل التركي يهدد الدعم الأوروبي لـ«الوفاق»

لا يختلف كثيرون على أن التدخل التركي في الساحة الليبية أربك وخلط الكثير من الأوراق والحسابات، في مقدمة ذلك حسابات دول أوروبية داعمة لحكومة «الوفاق» برئاسة فائز السراج، أبرزها إيطاليا وبريطانيا.
وفي حين سارعت روما نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إلى إعلان رفضها تفعيل الحكومة الليبية الاتفاقية الأمنية التي وقعها مع أنقرة، تقدمت بريطانيا قبل أيام بمشروع قرار لمجلس الأمن يطالب بسحب «المرتزقة» من ليبيا، بالتزامن مع تصاعد الجدل والانتقادات الموجهة من قبل المجتمع الدولي لأنقرة، ودورها في نقل مرتزقة سوريين إلى طرابلس لمساندة حكومة «الوفاق». واختلفت تقديرات الخبراء حول مدى جدية الدوافع التي أدت إلى تباعد المواقف ما بين «الوفاق» وحلفائها الأوربيين، بعد التدخل التركي، وما إذا كان ذلك توجهاً جديداً يمكن التعويل عليه في المستقبل، أم إنه خلاف عابر جراء تصارع المصالح يمكن تسويته.
عضو مجلس النواب الليبي الدكتور زياد دغيم، يربط هذا «التباعد» بـ«تصاعد التدخل التركي الراهن»، إلا أنه رأى أن «بدايته الحقيقة جاءت مع الانتصارات التي حققها الجيش الوطني مؤخراً في معركته لتحرير العاصمة». وأوضح دغيم لـ«الشرق الأوسط»، أن «الدول لديها مصالح، وحكومة السراج فشلت في تقديم استقرار للوضع في ليبيا، وبالتالي في تقديم حلول للأزمات والمشاكل الراهنة التي تعني الأوروبيين كتهريب النفط أو منع تدفق موجات المهاجرين لسواحلهم وكذلك المتطرفين، ومع انتهاء الفرصة وراء الفرصة لتلك الحكومة، وازدياد تقدم الجيش بخطى ثابتة على أرض المعركة أعادت تلك الدول حساباتها، ورأت أن المخرج يكمن في التوصل إلى حل سياسي مع الجيش والحكومة المؤقتة في الشرق بعدما قدما نموذجاً آمناً ومستقراً».
وشدد النائب على أن «المحاولات المبذولة للآن من جانب دول أوروبية، وبعض دول الجوار أيضاً، بهدف ضمان عدم سقوط حكومة (الوفاق) بالحديث عن ضرورة تثبيت وتفعيل وقف إطلاق النار بالعاصمة، لا تعبر عن رغبتهم بالتمسك بتلك الحكومة، بقدر ما تعبر عن تخوفهم من أن يؤدي سقوطها إلى تفاقم الوضع، وانتهاء الأزمة بوجود عسكري تركي على الأراضي الليبية يهدد مصالحهم بقوة».
كان السراج أدان في أبريل (نيسان) الماضي ما وصفه بـ«صمت» حلفائه الدوليين أمام الزحف على العاصمة. وأضاف أن «شعبنا يشعر أن العالم تخلى عنه».
أما النائب على السعيدي، فأكد جدية الانزعاج الأوروبي من حكومة «الوفاق» جراء التدخل التركي، مشدداً على أن «(الوفاق) بتماهيها مع الأتراك تسببت في وجود شرطي جديد يتحكم بشرق المتوسط الملامس لمصالح الأوروبيين ونفوذهم». إلا أن السعيدي عاد وأبرز «وجود اختلافات بين مؤسسات الحكم في كل دولة فيما يتعلق بالموقف من الأزمة الليبية. ومع الأسف بعض الدول الأوروبية تتعاون مخابراتها بشكل وثيق مع الجماعات والميليشيات الإرهابية الموجودة في العاصمة، وهناك دول أخرى تندد بالهجرة غير الشرعية ومعاناتها منها، بينما تعد مخابراتها الراعي الأول لهذه التجارة، وكذلك تجارة المحروقات المهربة من بلادنا، وبالتالي يهم تلك الأجهزة استمرار الفوضى».
بدوره، أعرب مدير إدارة التوجيه في الجيش الوطني العميد خالد المحجوب، عن تشككه العميق في أن يؤدي التباعد الراهن بين «الوفاق» وحلفائها الأوروبيين إلى مواقف مستقبلية يمكن التعويل عليها. وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «الخلاف جاء بسبب تخوف الأوروبيين على مصالحهم من غاز ونفط جراء التدخل التركي ورغبته بالاستفراد بها، لا رفضاً منهم لهذا التدخل ولآثاره السلبية على ليبيا، ملثما لم يروا من قبل أي ضرر في حكم جماعة (الإخوان) لليبيا عبر حليفتهم (الوفاق)».
ولم يبتعد المحلل الليبي عز الدين عقيل، عن الموقف ذاته في التشكيك بجدية هذا التباعد الراهن، ملمحاً لاحتمالية أن يكون هذا الانزعاج الأوروبي من حكومة «الوفاق»، «مجرد تمثيلية متفق على أدوارها بهدف عرقلة الجيش الوطني عن إتمام فتح العاصمة». وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «دولاً كبريطانيا وإيطاليا وأيضاً ألمانيا استخدمت التدخل التركي ذريعة للحديث عن الحل السياسي، ولإرهاب الجيش الوطني وإجباره على التخلي عن قطع الميل الأخير بتحرير البلاد... أما قيادات حكومة (الوفاق)، فلا تبالي بالأساس في هذا التوقيت بكل هذا، ومن يخسرون من الحلفاء والداعمين. هم يتطلعون فقط لمن سيحقق لهم الهدنة، وبالتالي يحمي وجودهم على الأرض للاستمرار في الاستيلاء على المال العام عبر ما باتوا يسمونه بميزانيات الطوارئ ودعم المجهود الحربي والاستفادة من عقود صفقات السلاح، إلى غير ذلك».
وأشار الباحث المصري في الشأن التركي كرم سعيد، إلى وجود أسباب عدة تدفع للتأكد من جدية هذا التباعد بين «الوفاق» والحلفاء الأوروبيين، في مقدمتها «تقدم الجيش بأرض المعركة وانحياز القبائل الليبية له، بل وقيامها بإغلاق حقول النفط والغاز للتأكيد على مساندته، فضلاً عن ثبات المواقف الإقليمية والدولية الداعمة له طيلة السنوات الماضية، والأهم عدم قدرة حكومة الوفاق على اختراق أي مواقع للجيش خلال الشهرين الماضيين على وجه التحديد، على الرغم من الدعم التركي الضخم لها بالأسلحة والذخائر والمرتزقة أيضاً».
ويرى مراقبون أن روما ربما تكون اختارت في الفترة الأخيرة التقارب مع الجيش الوطني وقياداته، لافتين في هذا الصدد إلى عدم تنديد الحكومة الإيطالية بقيام الجيش في الشهور الماضية بغارات جوية على مطار مصراتة، حيث يوجد مستشفى عسكري إيطالي. ويرجع هؤلاء هذا التقارب الواضح إلى دور دول صديقة للجيش الوطني نجحت في تطوير العلاقة بين الطرفين.
كانت وزيرة الدفاع الإيطالية إليزابيتا ترينتا، علقت على قيام قوات الجيش الوطني باستهداف مطار مصراتة في أغسطس (آب) الماضي بالقول، إنها «هجمات دقيقة للغاية لم تطل الإيطاليين ومستشفانا بأي شكل من الأشكال، وهذه الدقة تشير إلى أننا بالتأكيد لسنا هدفاً للهجمات».
وأوضح سعيد لـ«الشرق الأوسط»، أن «تركيا أيضاً ساهمت في قلق الأوروبيين عبر محاولة استنساخ النموذج السوري، وحصر الصفقة الليبية بينها وبين روسيا فقط، وهو الأمر الذي لم ينجح لتباعد المسافات بينهما... إيطاليا على سبيل المثال أزعجها الإصرار التركي على المشاركة بمصادر الطاقة في شرق المتوسط، الذي كانت له ردود فعل غاضبة من دول أخرى أوروبية كاليونان وقبرص، وبالتالي لن تغامر بشق الصف الأوروبي من أجل تركيا و(الوفاق)، خصوصاً أن الأخيرة والميليشيات الموالية لها لم تعد متحكمة بمساحة كبيرة من الأراضي الليبية».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.