فيروسات «العاثيات» نائمة... فلا توقظوها

أطعمة تتسبب في الإخلال بالمجتمع الميكروبي في الجسم

شكل توضيحي لعاثيات تهاجم بكتيريا
شكل توضيحي لعاثيات تهاجم بكتيريا
TT

فيروسات «العاثيات» نائمة... فلا توقظوها

شكل توضيحي لعاثيات تهاجم بكتيريا
شكل توضيحي لعاثيات تهاجم بكتيريا

ظهر مصطلح «الميكروبيوم» في 2007، وهو يشير إلى مجموعة الميكروبات المفيدة المتعايشة داخل أمعاء جسم الإنسان، والذي يؤدي غيابها أو أي خلل في تركيبها إلى الإضرار بالصحة، لذلك أصبح هناك اهتمام كبير من الباحثين بدراسة التأثير الدقيق لأطعمة معينة على هذا المجتمع الميكروبي.
والمعروف في الأبحاث التي أجريت على هذا المجتمع الميكروبي المعقد، أنه توجد ما تسمى «العاثيات»، وهي فيروسات تعيش على وجود البكتيريا فقط، ويرتبط كل نوع منها بنوع من البكتيريا، لذلك إذا كانت البكتيريا غائبة، فإن العاثيات لا يمكنها البقاء، وهذا يعني أن الأطعمة التي تؤثر على العاثيات يمكن أن تؤثر على بكتيريا الأمعاء والعكس بالعكس، فعلى سبيل المثال، إذا زاد «عدد السكان» من نوع واحد من العاثيات، فإن البكتيريا التي تستهلكها العاثيات سوف تتضاءل، مما قد يفسح مجالاً لأنواع أخرى من البكتيريا أن تتكاثر، وبهذه الطريقة، يحدث خلل في المجتمع الميكروبي.
ويوجد معظم العاثيات في شكل نائم، حيث يتم دمج الحمض النووي الخاص بها في جينوم البكتيريا، وهو ما يطلق عليه «طليعة العاثية»، وسبق وحدد العلماء بعض المركبات التي تؤدي إلى تحويل العاثيات لشكلها النشط، بما يؤدي لانفجار مئات من الخلايا الملتهمة الجديدة، ويتسبب ذلك في مقتل البكتيريا العائلة للعاثيات ومهاجمة البكتيريا الأخرى، وتشمل هذه المركبات صلصة الصويا والنيكوتين وبعض المضادات الحيوية، مثل سيبروفلوكساسين.
ويرى الباحثون أن قائمة المركبات التي تسبب هذه المشكلة تحتاج إلى مزيد من البحث لإضافة المزيد إليها، وهو ما عملت عليه دراسة جديدة، لعلماء من جامعة ولاية سان دييغو الأميركية، نشروا نتائجهم في العدد الأخير من مجلة Gut Microbes.
وخلال الدراسة اختار الباحثون مجموعة واسعة من المركبات التي قد تؤثر على نشاط العاثيات، واختاروا نوعين من البكتيريا الشائعة في الأمعاء، وهي عصوانيات (Bacteroidetes) ومتينات الجدار (Firmicutes).
ومن بين 117 مركباً غذائياً حدّدوها في البداية، قاموا لاحقاً بتضييق نطاق البحث إلى 28 فقط، ثم لاحظوا نمو البكتيريا عند وجود كل مركب محدد، واستخدموا التدفق الخلوي، وهي عملية حساسة بما يكفي للكشف عن جزيئات الفيروس الصغيرة التي لا يمكن تصورها (طليعة العاثية).
ومن الـ28 مركباً، وجدوا 11 مركباً أحدثت مستويات من جزيئات الفيروس بمعدل أعلى من المجموعات الضابطة، وكانت المستويات الأكثر تأثيراً في وجود مركبات موجودة في القرنفل، وصمغ النحل أو البروبوليس، وعنب الدب، وأسبرتام «مُحلِّي صناعي بديل للسكر».
وكان محفز «طليعة العاثية» الأكثر قوة هو ستيفيا، وهو بديل للسكر مشتق من النبات، حيث زاد سكر ستيفيا من عدد جزيئات الفيروس بأكثر من 400%، وعلى العكس، فإن بعض الأطعمة قللت من عدد جزيئات الفيروس؛ وأبرزها، القهوة والأوريغانو.
وعزز بعض المركبات نشاط «طليعة العاثية» المرتبطة ببعض البكتيريا، ولكنها قللت من نشاطها في الأخرى، وتشمل هذه المركبات معجون الأسنان، ومستخلص بذور الجريب فروت، والرمان.
ويقول د.لانس بولينغ الباحث الرئيسي بالدراسة، في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»: «في الواقع، هذه الدراسة يمكن الاستفادة منها في ضبط الأطعمة التي نستهلكها بحيث نحافظ على التنوع الميكروبي، بما لا يؤثر على الصحة».
ويضيف: «إذا عرفنا ما هو الغذاء المفيد في الإبقاء على وضع عدم النشاط بالنسبة لـ(طليعة العاثيات)، فإن الغذاء يمكن أن يعمل كمضادات حيوية طبيعية».
ورغم ما توصلوا إليه من نتائج فإن د.بولينغ يرى أنه ينبغي العمل دوماً على دعم قائمة المركبات بأنواع أخرى.



«إعادة التحريج»... عوائد إيجابية للمجتمعات الأفريقية

دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)
دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)
TT

«إعادة التحريج»... عوائد إيجابية للمجتمعات الأفريقية

دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)
دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)

شهدت السنوات الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في الاهتمام بمبادرات «إعادة التحريج» بصفتها استراتيجية فعّالة لمواجهة آثار تغيّر المناخ وتحسين سبل معيشة السكان المحليين.

«إعادة التحريج»

تعني «إعادة التحريج»، وفق الأمم المتحدة، استعادة الأراضي التي كانت مغطاة بالغابات من خلال زراعة أشجار جديدة لتعويض الغطاء الحرجي المفقود، بخلاف التشجير الذي يركّز على زراعة أشجار في مناطق لم تكن غابات أصلاً.

وتهدف هذه العملية إلى معالجة تحديات بيئية كبيرة، مثل: التغير المناخي وتآكل التربة، كما تعزّز التنوع البيولوجي، فضلاً عن فوائدها البيئية، مثل تحسين جودة الهواء. وتُسهم «إعادة التحريج» في خلق فرص عمل وتحسين الأمن الغذائي.

ومن أبرز هذه المبادرات «تحدي بون» (Bonn Challenge)، الذي أُطلق عام 2011 بوصفه حملة عالمية، تهدف إلى إعادة تأهيل 350 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة والغابات بحلول عام 2030.

وتشمل هذه المبادرة أساليب متعددة؛ مثل: الزراعة المكثفة لتكوين غابات جديدة لأغراض بيئية أو إنتاجية، والزراعة المختلطة التي تدمج الأشجار مع المحاصيل، أو تربية الحيوانات لزيادة الإنتاجية، بالإضافة إلى التجدد الطبيعي حيث تترك الطبيعة لاستعادة الغابات ذاتياً دون تدخل بشري.

وفي دراسة أُجريت من قِبل فريق بحث دولي من الدنمارك وكندا والولايات المتحدة، تم تحليل تأثير «إعادة التحريج» في تحسين مستويات المعيشة لدى 18 دولة أفريقية، ونُشرت النتائج في عدد 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، من دورية «Communications Earth & Environment».

واعتمدت الدراسة على بيانات أكثر من 200 ألف أسرة بين عامي 2000 و2015. واستخدم الباحثون أساليب إحصائية دقيقة لتحديد العلاقة الإيجابية بين إعادة التحريج وتحسّن مستويات المعيشة.

واستندوا إلى مؤشرات متنوعة لقياس الفقر تشمل التعليم والصحة ومستويات المعيشة؛ حيث أظهرت النتائج أن زراعة الأشجار أسهمت بشكل مباشر في تحسين الدخل وتوفير فرص عمل، بالإضافة إلى آثار اقتصادية غير مباشرة. كما أظهرت أن مناطق زراعة الأشجار كان لها تأثير أكبر من مناطق استعادة الغابات الطبيعية في تخفيف حدة الفقر.

يقول الباحث الرئيس للدراسة في قسم علوم الأرض وإدارة الموارد الطبيعية بجامعة كوبنهاغن، الدكتور باوي دن برابر، إن الدراسة تطرح ثلاث آليات رئيسة قد تُسهم في تقليص الفقر، نتيجة لتوسع مزارع الأشجار أو استعادة الغابات.

وأضاف، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن الآليات تتمثّل في توفير الدخل من خلال بيع منتجات الغابات، مثل: المطاط أو زيت النخيل، ما يسمح للأسرة بزيادة مواردها المادية. كما أن زراعة الأشجار قد تؤدي إلى خلق فرص عمل للسكان المحليين، في حين يمكن أن تُسهم مناطق التجديد البيئي في تحسين الظروف البيئية، ما يفيد الأسر المحلية من خلال النباتات والحيوانات التي يمكن بيعها وتوفير دخل إضافي للسكان.

ووفقاً لنتائج الدراسة، هناك مؤشرات من بعض البلدان؛ مثل: أوغندا، وبنين، أظهرت زيادة في النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار مقارنة بتلك التي لا تحتوي عليها.

تأثيرات الاستدامة

كما أشارت الدراسة إلى أن برامج التشجير في أفريقيا التي تهدف إلى استعادة أكثر من 120 مليون هكتار من الأراضي عبر مبادرات، مثل: «السور الأخضر العظيم»، و«الأجندة الأفريقية لاستعادة النظم البيئية»، تمثّل جهداً كبيراً لمكافحة الفقر وتدهور البيئة.

وتُسهم نتائج الدراسة، وفق برابر، في النقاش المستمر حول استدامة تأثيرات زراعة الأشجار في التنوع البيولوجي والمجتمعات المحلية، من خلال تسليط الضوء على الفوائد المحتملة لهذه المبادرات عندما يتمّ تنفيذها بشكل مدروس ومتوازن. كما أظهرت أن مبادرات زراعة الأشجار، مثل «تحدي بون»، يمكن أن تؤدي إلى نتائج إيجابية للمجتمعات المحلية، سواء من حيث تحسين مستوى المعيشة أو تعزيز التنوع البيولوجي.

وتوصي الدراسة بأهمية مشاركة المجتمعات المحلية في هذه المبادرات بصفتها شرطاً أساسياً لضمان استدامتها ونجاحها، فالتفاعل المباشر للمجتمعات مع المشروعات البيئية يزيد من تقبلها وفاعليتها، مما يعزّز فرص نجاحها على المدى الطويل.