تابلوهات سينمائية مُتخيلة تُزين جدران القاهرة

أم كلثوم والشريف ورشدي أباظة ضمن أعمال المعرض

الفنان العالمي الراحل عمر الشريف
الفنان العالمي الراحل عمر الشريف
TT

تابلوهات سينمائية مُتخيلة تُزين جدران القاهرة

الفنان العالمي الراحل عمر الشريف
الفنان العالمي الراحل عمر الشريف

قبل 20 عاماً قرر الفنان الإيطالي كارمينيه كارتولانو، الشهير بـ«كارم كارت»، أن يُقيم في مصر، وتحديداً في العاصمة القاهرة، ومنذ ذلك الوقت ولم تخبُ لديه طاقة الاستكشاف لهوية تلك المدينة المُزدحمة وثقافتها، مستخدماً في ذلك أدواته الإبداعية المُتعددة، سواء الكتابة والترجمة أو التصوير والفن التشكيلي، التي لا تخلو جميعها من ذائقة إيطالية.
وأخيراً يطرح كارمينيه في معرض يستضيفه «غاليري المشربية للفنون المعاصرة» بالقاهرة، نحو 20 لوحة تجمع بين التصوير الفوتوغرافي والنوستالجيا السينمائية، لتشييد غرافيتيات مُتخيلة تطرح سيناريو بديلاً لجدران القاهرة، وهو المعرض الذي يواصل أعماله حتى 23 فبراير (شباط) الجاري. يتذكر كارمينيه (47 عاماً) كيف قام برسم أول غرافيتي له في حياته عندما كان طالباً جامعياً في إيطاليا، وأنه كان عبارة عن غرافيتي مُحلى بحروف عربية، وظل الحنين لفن الغرافيتي مُرافقاً لكارمينيه إلى أن أطلّ في معرضه الحالي بالقاهرة، وإن كان هذه المرة غرافيتياً مُتخيلاً بمسحة سينمائية جمالية تُعانق مباني القاهرة المغمورة منها والشهيرة.
يقول كارمينيه في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن مشروعه الأخير يأتي في سياق شغفه الموصول بمدينة القاهرة، «لا أنظر للمدينة بعين المستشرق، فأنا أعيش بها منذ عشرين عاماً، أعمل وأستقل مواصلات عامة، وأسكن في وسط المدينة، وأتنفس هواءها، أعيش كمصري، وأواظب في كل هذا الوقت على تصوير الشوارع، وأخيراً امتلأت ذاكرة هاتفي بصور للمباني، خاصة تلك الشاهقة التي تخلو أحياناً من أي نوافذ، وتخيلت لو أنها تحولت لجداريات فنية، وهنا بدأت قصة مشروعي». اشترى الفنان الإيطالي مجلتين فنيتين قديمتين من «سور الأزبكية»، (سوق كتب مُخصص لبيع الإصدارات القديمة والنادرة) بوسط القاهرة، لفت نظره الصور القديمة لفنانين من هوليوود ومصر بها، وبدأ في تجربة توظيف تلك الصور عبر تقنية الفوتوشوب وكأنها غرافيتي حي يكسو واجهة تلك المباني المُسمطة. يتابع كارمينيه: «كانت أولى تجاربي لصورة للنجم الهوليوودي كاري غرانت، ثم لنجوم آخرين من هوليوود، ووجدت استحساناً كبيراً بعد نشري تلك الصور على صفحتي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتلقيت تعليقات تطلب مني وضع صور فنانين مصريين، وكانت أول مرة أقوم بذلك بعد وفاة الفنان عزت أبو عوف، وهو فنان أحبه كثيراً ويحمل من الفن والذوق والأناقة الكثير، فقمت فعلاً باستخدام صورته كغرافيتي على سطح مبنى قديم، وفوجئت بأن الصورة حصدت إعجابات هائلة في وقت قياسي، ومن هنا قررت أن أجعل مشروعي يتضمن 10 فنانين مصريين و10 فنانين من هوليوود».
من أبرز لوحات المعرض لوحة تضم الراحلين فاتن حمامة وعمر الشريف وكأنهما «غرافيتي» على سطح مبنى مجمع التحرير الشهير وسط القاهرة، وفي المعرض كذلك ظهور للفنانة سعاد حسني، وكوكب الشرق أم كلثوم، والراحل رشدي أباظة، والفنانين حسين فهمي وميرفت أمين، وغيرهم من فناني مصر والعالم، في لقطات تظهر بها حركة حُرة للشوارع، ومحيط البيوت المُتجاورة، والأحياء الضيقة، دون تدخل يُبدد طبيعية اللقطة.
يقول صاحب المعرض: «من أجمل الانطباعات التي صادفتها عن المعرض، هي تصور البعض أن هذه الجداريات حقيقية، وسألوني عن مكانها لزيارتها، رغم أن جميعها مُتخيلة، وأرجو فعلاً أن يُترجم الفنانون هذه الأعمال المُتخيلة إلى أعمال واقعية على الجدران».
كارمينيه كارتولانو هو فنان ومترجم إيطالي، درس اللغة العربية في معهد الدراسات الشرقية بنابولي، وانتقل إلى مصر لممارسة اللغة العربية التي درسها أكاديمياً، ويقوم حالياً بتدريس اللغة الإيطالية في كلية الآداب بجامعة حلوان والمعهد الثقافي الإيطالي بمصر، وله كتابان من تأليفه هما «مصريانو»، و«مومو»، بالإضافة لعدد من الأعمال العربية التي ترجمها للإيطالية، وله عدة مشروعات فنية لعل أبرزها مشروع «كربوش» الذي صمم فيه طرابيش تتضمن اقتباسات من روايات الثلاثية الشهيرة للأديب الراحل نجيب محفوظ.



حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
TT

حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

يُشكّل «مهرجان ضي للشباب العربي» الذي يُطلقه «أتيليه العرب للثقافة والفنون» في مصر كل عامين، تظاهرة ثقافية تحتفي بالمواهب العربية الشابة في الفنون التشكيلية، وتعكس عمق التعبير وتنوعه بين الفنانين المشاركين عن القضايا الجماعية والتجارب الذاتية.

وتشهد نسخته الخامسة التي انطلقت تحت شعار «بلا قيود»، وتستمر لشهر كامل في قاعات غاليري «ضي» بالقاهرة، مشاركة 320 فناناً من الشباب، يمثلون 11 دولة عربية هي مصر، والسعودية، والسودان، وسوريا، وفلسطين، والعراق، والأردن، واليمن، ولبنان، والعراق، وتونس.

تُقدم سلمى طلعت محروس لوحة بعنوان «روح» (الشرق الأوسط)

وبين أرجاء الغاليري وجدرانه تبرز مختلف أنواع الفنون البصرية، من الرسم والتصوير والحفر والطباعة والخزف والنحت. ومن خلال 500 عملٍ فني تتنوع موضوعاتها وتقنياتها وأساليبها واتجاهاتها.

ويحفل المهرجان في دورته الحالية بأعمال متنوعة ومميزة للشباب السعودي، تعكس إبداعهم في جميع ألوان الفن التشكيلي؛ ومنها عمل نحتي للفنان السعودي أنس حسن علوي عنوانه «السقوط».

«السقوط» عمل نحتي للتشكيلي السعودي أنس علوي (الشرق الأوسط)

يقول علوي لـ«الشرق الأوسط»: «استلهمت العمل من فكرة أن كلمَتي (حرام) و(حلال)، تبدآن بحرف الحاء، وهما كلمتان متضادتان، وبينهما مساحات شاسعة من الاختلاف».

ويتابع: «يُبرز العمل ما يقوم به الإنسان في وقتنا الراهن، فقد يُحرّم الحلال، ويُحلّل الحرام، من دون أن يكون مُدركاً أن ما يقوم به هو أمر خطير، وضد الدين».

ويضيف الفنان الشاب: «لكنه بعد الانتهاء من فعله هذا، قد يقع في دائرة الشكّ تجاه تصرّفه. وفي هذه المرحلة أردت أن أُجسّد تلك اللحظة التي يدخل إليها الإنسان في مرحلة التفكير والتشكيك في نفسه وفي أعماله، فيكون في مرحلة السقوط، أو مراجعة حكمه على الأمور».

وتأتي مشاركة الفنانة السعودية سمية سمير عشماوي في المهرجان من خلال لوحة تعبيرية من الأكريلك بعنوان «اجتماع العائلة»، لتعكس عبرها دفء المشاعر والروابط الأسرية في المجتمع السعودي.

عمل للتشكيلية السعودية سمية عشماوي (الشرق الأوسط)

وتقول سمية لـ«الشرق الأوسط»: «تُعدّ اللوحة تجسيداً لتجربة شخصية عزيزة على قلبي، وهي لقاء أسبوعي يجمع كل أفراد أسرتي، يلفّه الحب والمودة، ونحرص جميعاً على حضوره مهما كانت ظروف الدراسة والعمل، لنتبادل الأحاديث، ونتشاور في أمورنا، ونطمئن على بعضنا رغم انشغالنا».

ويُمثّل العمل النحتي «حزن» أول مشاركة للتشكيلية السعودية رويدا علي عبيد في معرض فني، والتمثال مصنوع من خامة البوليستر، ويستند على رخام. وعن العمل تقول لـ«الشرق الأوسط»: «يُعبّر التمثال عن لحظة حزن دفينة داخل الإنسان».

عمل نحتي للفنانة السعودية رويدا علي عبيد في الملتقى (الشرق الأوسط)

وتتابع رويدا: «لا أحد يفهم معنى أن تقابل الصدمات بصمت تام، وأن تستدرجك المواقف إلى البكاء، فتُخفي دموعك، وتبقى في حالة ثبات، هكذا يُعبّر عملي عن هذه الأحاسيس، وتلك اللحظات التي يعيشها المرء وحده، حتى يُشفى من ألمه وأوجاعه النفسية».

من جهته قال الناقد هشام قنديل، رئيس مجلس إدارة «أتيليه العرب للثقافة والفنون»، لـ«الشرق الأوسط»، إن «مهرجان الشباب العربي يمثّل خطوة مهمة في تشجيع الفنانين الشباب ودفعهم إلى الابتكار، وتقديم أفكارهم بلا قيود؛ وانطلاقاً من هذا الفكر قرّرت اللجنة المنظمة أن يكون موضوع المهرجان 2025 مفتوحاً من دون تحديد ثيمة معينة».

وأضاف قنديل: «اختارت لجنتا الفرز والتحكيم أكثر من ثلاثمائة عملٍ فني من بين ألفي عمل تقدّمت للمشاركة؛ لذا جاءت الأعمال حافلة بالتنوع والتميز، ووقع الاختيار على الإبداع الفني الأصيل والموهبة العالية».

ولفت قنديل إلى أن الجوائز ستُوزّع على فروع الفن التشكيلي من تصوير، ونحت، وغرافيك، وخزف، وتصوير فوتوغرافي وغيرها، وستُعلن خلال حفل خاص في موعد لاحق يحدده الأتيليه. مشيراً إلى أن هذه النسخة تتميّز بزخم كبير في المشاركة، وتطوّر مهم في المستوى الفني للشباب. ومن اللافت أيضاً في هذه النسخة، تناول الفنانين للقضية الفلسطينية ومعاناة سكان غزة من خلال أعمالهم، من دون اتفاق مسبق.

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

وبرؤية رومانسية قدّمت الفنانة المصرية الشابة نورهان إبراهيم علاجاً لصراعات العالم وأزماته الطاحنة، وهي التمسك بالحب وتوفير الطفولة السعيدة للأبناء، وذلك من خلال لوحتها الزيتية المشاركة بها في المهرجان، التي تغلب عليها أجواء السحر والدهشة وعالم الطفولة.

وتقول نورهان، لـ«الشرق الأوسط»، إن «براءة الأطفال هي بذرة الإبداع التي ستعالج العالم كله»، وتتابع: «أحب الأطفال، وأتعلم كثيراً منهم. وأدركت أن معظم المشكلات التي تواجه العالم اليوم من الجرائم الصغيرة إلى الحروب الكبيرة والإرهاب والسجون الممتلئة لدينا، إنما هي نتيجة أن صانعي هذه الأحداث كانوا ذات يومٍ أطفالاً سُرقت منهم طفولتهم».

«بين أنياب الأحزان» هو عنوان لوحة التشكيلي الشاب أدهم محمد السيد، الذي يبرز تأثر الإنسان بالأجواء المحيطة به، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «حين يشعر المرء بالحزن، يبدأ في الاندماج مع الطبيعة الصامتة، ويتحوّلان إلى كيان واحد حزين. وحين يسيطر الاكتئاب على الإنسان ينجح في إخفائه تدريجياً».

لوحة للتشكيلية المصرية مروة جمال (الشرق الأوسط)

وتقدم مروة جمال 4 لوحات من الوسائط المتعددة، من أبرزها لوحة لبناية قديمة في حي شعبي بالقاهرة، كما تشارك مارلين ميشيل فخري المُعيدة في المعهد العالي للفنون التطبيقية بعملٍ خزفي، وتشارك عنان حسني كمال بعمل نحت خزفي ملون، في حين تقدّم سلمى طلعت محروس لوحة عنوانها «روح» تناقش فلسفة الحياة والرحيل وفق رؤيتها.