«بريكست» يطوي صفحة نصف قرن ويُدخل بريطانيا مرحلة غير محددة المعالم

بروكسل تتحدث عن قارة «على أعتاب عصر جديد»... ولندن عن «لحظة تجديد وطني»

رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون
رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون
TT

«بريكست» يطوي صفحة نصف قرن ويُدخل بريطانيا مرحلة غير محددة المعالم

رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون
رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون

دخل «بريكست» حيز التنفيذ عند الساعة 23:00 بتوقيت غرينتش (24:00 بتوقيت بروكسل) من أمس، الجمعة، بعد نحو نصف قرن من انضمام المملكة المتحدة إلى المشروع الأوروبي.
تفيق المملكة المتحدة اليوم السبت على مرحلة غير محددة المعالم، تمثل أكبر تغيير في مكانتها العالمية، بعد أن تكون قد خرجت قبل ساعة واحدة من منتصف الليل من النادي الأوروبي الذي انضمت إليه عام 1973، لتدخل فترة انتقالية تتمتع فيها بكل مزايا العضوية، باستثناء الاسم، حتى نهاية هذا العام، وهي الفترة المحددة لتحديد معالم علاقتها بالقارة الأوروبية على الجانب الآخر من بحر المانش.
ويعتزم آلاف من المتشككين في جدوى الاتحاد الأوروبي تنظيم احتفالات في لندن ومدن أخرى بالمناسبة.
ويشكل تحويل «بريكست» إلى خطوة ملموسة انتصاراً لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الذي نجح حيث فشلت سلفه تيريزا ماي التي خاضت مفاوضات طويلة وصعبة مع الاتحاد الأوروبي، ولم تتمكن من إقناع البرلمان بتمرير الاتفاق. وبعدما أعاد التفاوض على النص في الخريف مع بروكسل، تمكن رئيس بلدية لندن السابق من تمريره في البرلمان، نهاية يناير (كانون الثاني)، بسبب حصوله على غالبية قوية في البرلمان، قبل أن يصادق عليه البرلمان الأوروبي في جلسة كانت مؤثرة جداً للنواب البريطانيين والأوروبيين عند رحيلهم.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، الأربعاء: «سنحبكم دائماً، وسنكون دائماً قريبين منكم وسنفتقدكم».
من جهته، أعلن كبير المفاوضين الأوروبيين حول «بريكست» ميشال بارنييه، الذي بات مكلفاً المباحثات حول العلاقة المستقبلية مع لندن: «أشعر بالأسف لكون بريطانيا اختارت الانعزال بدل التضامن. إنه بالطبع يوم حزين ودراماتيكي. يساهم ذلك في إضعاف الجانبين».
ورغم هذا الغموض، فإن هناك تفاؤلاً من الطرفين، الأوروبي والبريطاني. بالنسبة لرئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، الذي نجح في قيادة حملة «بريكست» في استفتاء عام 2016، وبعد ذلك في انتخابه رئيساً للوزراء بأغلبية مطلقة؛ حيث قال: «إنها اللحظة التي يبزغ فيها الفجر، ويرتفع فيها الستار عن مشهد جديد... لحظة تجديد وطني حقيقي وتغيير». وكذلك الحال بالنسبة لقادة الاتحاد الذين قالوا إن «أوروبا على عتبة عصر جديد»، رغم أنه سيتم حرمان التكتل من 15 في المائة من حجم اقتصاده، ومن أكثر الدول الأعضاء إنفاقاً على التسلح، ومن العاصمة المالية الدولية لندن. وسيشكل الانفصال مصير المملكة المتحدة، ويحدد مقدار ثروتها للأجيال القادمة.
وأعرب وزير الاقتصاد الألماني بيتر ألتماير عن أسفه إزاء حدوث هذا الأمر. وقال ألتماير في تصريحات للقناة الثانية بالتلفزيون الألماني (زد دي إف) أمس، الجمعة، إنه ينظر بحنين إلى الوقت المشترك في التكتل الأوروبي، وأضاف: «كنت أحب دائماً التحدث مع البريطانيين في إطار أنشطتي الأوروبية، وعثرنا في كثير من الأحيان على حلول. لذلك فإن هذا أمر مؤسف؛ لكن يتعين علينا أن ننظر إلى الأمام، وأن نهتم بأن يصبح الاتحاد الأوروبي أقوى وليس أضعف».
وترأس جونسون اجتماعاً خاصاً لمجلس الوزراء، أمس، الجمعة، في مدينة سندرلاند شمال شرقي إنجلترا، وهو أول مكان شهد تصويت الأغلبية لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في استفتاء عام 2016. وأشارت الحكومة البريطانية إلى أن اجتماع مجلس الوزراء ناقش «خطة جونسون للارتقاء بالبلاد بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكيف تخطط هذه الحكومة لنشر الرخاء والفرص عبر اتحادنا العظيم في إنجلترا واسكوتلندا وويلز وآيرلندا الشمالية».
وقد صوت 52 في المائة من الناخبين في جميع أنحاء المملكة المتحدة لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء، ولكن كانت هناك أغلبية في اسكوتلندا وآيرلندا الشمالية تطالب بالبقاء داخل التكتل.
وقال جونسون في خطاب تلفزيوني بالمناسبة: «هذه هي اللحظة التي ينبلج فيها الفجر، ويرتفع الستار عن فصل جديد»، على الرغم من أنه لم يقدم تفاصيل تذكر بشأن خططه بعد الخروج، باستثناء الكلمات الـحماسية.
وبخلاف المعنى الرمزي الكامن في أن تدير بريطانيا ظهرها إلى 47 عاماً من العضوية، لن يتغير الكثير فعلياً حتى نهاية 2020، وهو التوقيت الذي وعد فيه جونسون بإبرام اتفاقية تجارة حرة واسعة مع الاتحاد الأوروبي، أكبر تكتل تجاري في العالم.
وبالنسبة للمؤيدين، يمثل خروج بريطانيا من الاتحاد حلم «يوم استقلال» بعيداً عما اعتبروه مشروعاً محكوماً عليه بالفشل يهيمن عليه الألمان، وأخفق في تحقيق أحلام سكانه البالغ عددهم 500 مليون نسمة. لكن المعارضين يعتقدون أن الـ«بريكست» حماقة من شأنها أن تضعف الغرب، وتنسف ما تبقى من النفوذ العالمي لبريطانيا، وتقوض اقتصادها، وتؤدي في نهاية المطاف إلى تحويلها لمجموعة من الجزر المنعزلة في شمال المحيط الأطلسي.
رؤساء مؤسسات الاتحاد الأوروبي أثنوا على دور لندن، مذكرين المملكة المتحدة بأنّها ستخسر «مكتسبات» الدولة العضو.
وفي رسالة نشرت في المناسبة، وفي اليوم الأخير للطلاق التاريخي، أعرب شارل ميشال (المجلس الأوروبي) وأورسولا فون دير لاين (المفوضية) وديفيد ساسولي (البرلمان)، عن «الاستعداد للانخراط في شراكة جديدة مع جيران الضفة الأخرى من بحر المانش». وقالوا: «بالنسبة إلينا (...) كما لأشخاص كثر، سيكون هذا اليوم حتماً مدعاة تأمل، وسيتسم بمشاعر مختلطة».
وبينما ستبدأ مرحلة مفاوضات مع لندن حول طبيعة العلاقات المستقبلية، حذَّر المسؤولون الثلاثة من أنه «في غياب شروط عادلة في مجالات البيئة والعمل والنظام الضريبي ومنح الدولة، لا يمكن أن تكون ثمة فرص واسعة للوصول إلى السوق الموحدة». وذكَّروا بأنه «لا يمكننا الحفاظ على المكتسبات المنشودة من مكانة العضوية حين نفتقد هذه الصفة».
وينبغي على المفوضية الأوروبية التفاوض مع لندن بشأن علاقة ما بعد «بريكست»، بدءاً من بداية مارس (آذار)، أي خلال الفترة الانتقالية التي ستمتد حتى نهاية 2020. ويحذر مسؤولون في بروكسل من أن الجدول الزمني طموح للغاية، ولكن جونسون استبعد إجراء تمديد للمرحلة الانتقالية. وقال جونسون في مقتطفات سابقة من خطابه الذي تم تسجيله مسبقاً: «مهمتنا كحكومة، وهي وظيفتي، هي جمع هذا البلد ودفعنا إلى الأمام». وأضاف جونسون: «إن الشيء الأكثر أهمية الذي أود أن أوضحه الليلة هو أن هذه ليست نهاية؛ بل بداية». وأضاف المسؤولون الثلاثة، كما نقلت عنهم الصحافة الفرنسية: «رغم انتفاء العضوية ضمن الاتحاد الأوروبي، فإن المملكة المتحدة ستبقى جزءاً من أوروبا. الجغرافيا والتاريخ المشتركان، كما الروابط القائمة في عدد من المجالات، تجمعنا بشكل راسخ، وتجعل منا حلفاء طبيعيين». واعتبروا أن في أعقاب «بريكست»: «ستستمر الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في توحيد الجهود وبناء مستقبل مشترك (...) لا يمكن لأي بلد بمفرده احتواء تطور التغير المناخي، وإيجاد حلول على صعيد المستقبل الرقمي، أو إسماع صوته في خضم انعدام التناغم المتنامي الذي يحكم العالم». وختموا بأن الاتحاد الأوروبي سيستمر في «النهوض بأعبائه (...) مع بزوغ شمس الغد».
وأكد ألتماير أنه من الضروري أن يكون الاتفاق التجاري بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا «حراً ومكثفاً بقدر الإمكان»، مضيفاً أنه يتعين الاستمرار في المفاوضات حتى خلال أشهر العطلات، إذا كانت هناك ضرورة ملحة لذلك؛ لكن هذه النهاية ليست سوى بداية فصل ثانٍ من مسلسل «بريكست» الطويل. كما ستدخل بريطانيا في مفاوضات موازية مع الحليف الأميركي التاريخي، بعدما أبدى الرئيس الأميركي دونالد ترمب حماسه لهذا الانفصال، معتبراً أنه يشكل آفاقاً اقتصادية جديدة. وقال جونسون: «إنها ليست نهاية؛ بل بداية. حان الوقت لتجديدٍ حقيقي ولتغيير وطني».
وعلى الرغم من أن الجمعة اعتبر يوماً تاريخياً؛ لكنه لن يؤدي مباشرة إلى تغييرات كبرى ملموسة، باستثناء العودة إلى جواز السفر الأزرق، وليس جواز السفر الأوروبي الخمري اللون، وإغلاق وزارة «بريكست» التي لم يعد لها داعٍ.
ولكي يمر الانفصال بهدوء، ستواصل بريطانيا تطبيق القواعد الأوروبية خلال الفترة الانتقالية. وقال جيل راتر من مركز الأبحاث «معهد الحوكمة» لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «بريطانيا تغادر كل المؤسسات السياسية الأوروبية»، مضيفاً: «لكن بالنسبة للناس العاديين والشركات، لا شيء سيتغير». لكن هذا لا يمنع أشد أنصار الخروج من الاتحاد - وفي مقدمهم نايجل فاراج - الشخصية الأساسية في «بريكست»، من الاحتفال بتحقق حلمهم أخيراً.
في المقابل، رفع النائب الأوروبي السابق الليبرالي الديمقراطي، أنطوني هوك، لافتة في دوفر، بطول 150 متراً، تعبر عن محبته لأوروبا، وكتب عليها: «نحن نحب دائماً الاتحاد الأوروبي». وفي اسكوتلندا المؤيدة لأوروبا، وحيث أثار موضوع «بريكست» النزعات القديمة للاستقلال عن المملكة المتحدة، سيبقى العلم الأوروبي يرفرف فوق البرلمان.



اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وجهت الشرطة الفيدرالية الأسترالية اتهاماً لرجل يبلغ من العمر 36 عاماً بعرض رمز منظمة مصنفة «إرهابية» علناً، وذلك خلال مظاهرة في منطقة الأعمال المركزية بمدينة ملبورن في سبتمبر (أيلول) الماضي.

الرجل، المقيم في منطقة فيرنتري غولي، سيمثل أمام محكمة ملبورن الابتدائية في 6 مارس (آذار) المقبل؛ حيث يواجه عقوبة قد تصل إلى 12 شهراً من السجن إذا ثبتت إدانته، وفقاً لصحيفة «الغارديان».

جاءت المظاهرة ضمن فعاليات يوم وطني للعمل من أجل قطاع غزة، الذي نظمته شبكة الدعوة الفلسطينية الأسترالية في 29 سبتمبر الماضي، وشهد تنظيم مسيرات مماثلة في مختلف أنحاء البلاد احتجاجاً على التصعيد المتزايد للعنف في الشرق الأوسط.

وأطلقت الشرطة الفيدرالية الأسترالية بولاية فيكتوريا عملية تحقيق تحت اسم «أردفارنا»، عقب احتجاج ملبورن؛ حيث تلقت 9 شكاوى تتعلق بعرض رموز محظورة خلال المظاهرة.

ووفقاً للشرطة، تم التحقيق مع 13 شخصاً آخرين، مع توقع توجيه اتهامات إضافية قريباً. وصرح نيك ريد، قائد مكافحة الإرهاب، بأن أكثر من 1100 ساعة قُضيت في التحقيق، شملت مراجعة أدلة من كاميرات المراقبة وكاميرات الشرطة المحمولة، إضافة إلى مصادرة هواتف محمولة وقطعة ملابس تحتوي على رمز المنظمة المحظورة.

تأتي هذه الإجراءات بعد قرار الحكومة الفيدرالية الأسترالية في ديسمبر (كانون الأول) 2021 بتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية، ومع التشريعات الفيدرالية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في يناير (كانون الثاني) 2024، التي تحظر عرض رموز النازيين وبعض المنظمات.

وقالت نائبة مفوض الأمن القومي، كريسي باريت، إن الادعاء يحتاج إلى إثبات أن الرمز المعروض مرتبط بمنظمة إرهابية وأنه قد يحرض على العنف أو الترهيب.

المظاهرة، التي استمرت في معظمها سلمية، جاءت بعد إعلان مقتل قائد «حزب الله» حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية، وهو ما اعتبره العديد تصعيداً كبيراً في الصراع المستمر في الشرق الأوسط.

وفي وقت لاحق، نُظمت مظاهرات أخرى في سيدني وملبورن وبريزبين، وسط تحذيرات للمتظاهرين بعدم عرض رموز محظورة.