معرّة النعمان مدينة مهجورة إلا من لوحات الفسيفساء

لوحة فسيفساء في متحف معرة النعمان في ريف إدلب (أ.ف.ب)
لوحة فسيفساء في متحف معرة النعمان في ريف إدلب (أ.ف.ب)
TT

معرّة النعمان مدينة مهجورة إلا من لوحات الفسيفساء

لوحة فسيفساء في متحف معرة النعمان في ريف إدلب (أ.ف.ب)
لوحة فسيفساء في متحف معرة النعمان في ريف إدلب (أ.ف.ب)

يخيّم صمت ثقيل على مدينة معرّة النعمان، في شمال غربي سوريا؛ حيث أقفرت الشوارع وهُجرت المنازل التي نجت من الدمار. وحدها لوحات الفسيفساء الذائعة الصيت بقيت بمعظمها صامدة في المتحف الذي لم يسلم من تداعيات الحرب، ذلك بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية من معرة النعمان.
بعد أسابيع من معارك عنيفة وغارات دفعت بعشرات الآلاف من السكان إلى الفرار، سيطر الجيش السوري الأربعاء على معرّة النعمان، ثاني أكبر مدن محافظة إدلب، الواقعة على طريق دولي استراتيجي، وذلك بعد أكثر من 7 سنوات من سيطرة الفصائل المعارضة عليها.
في المدينة، تقتصر الحركة على بضعة جنود سوريين. يتجوّل عدد منهم وسط الشوارع والأزقة، ويقف آخرون عند حاجز مستحدث، بينما يتبادل غيرهم أطراف الحديث على قارعة الطريق. وفي مكان قريب منهم، ترك فصيل معارض شعاره على جدار في المدينة التي شكلت لسنوات طويلة مركزاً لمظاهرات ضخمة مناوئة لدمشق.
في إحدى الساحات، بقيت أرجوحة أطفال ضخمة وملونة يتيمة. على يمينها بناء انهار سقفه، وعلى يسارها شرفة تصدّعت، فيما لا تزال أعمدة الدخان الأسود تتصاعد في سماء المدينة.
قبل 4 أشهر فقط، كان 150 ألف شخص يقطنون في معرّة النعمان التي باتت اليوم أشبه بمدينة أشباح بعد أن هجرها سكانها. ودفع التصعيد العسكري الأخير للقوات الحكومية وحلفائها على ريفي إدلب الجنوبي وحلب الغربي منذ ديسمبر (كانون الأول) 388 ألف شخص إلى النزوح، خصوصاً من معرة النعمان، وفق الأمم المتحدة.
وبعدما زارها تلميذاً عام 2007 خلال رحلة مدرسية، يعود الجندي مجد مرهش (27 عاماً) إلى المدينة، حاملاً بندقيته عوضاً عن حقيبته.
ويقول مجد لوكالة الصحافة الفرنسية على هامش جولة للصحافيين في المدينة نظمتها وزارة الإعلام السورية: «أتذكر تماماً جمالها وأناقة العمران فيها، وأتذكر لوحات الفسيفساء في متحفها».
ويضيف قبل دخوله إلى المتحف: «أعود إليها اليوم بعد 13 عاماً، لكنها ليست المدينة التي عرفتها».
وتُعرف منطقة جبل الزاوية في جنوب غربي إدلب؛ حيث تقع معرة النعمان، بمعالمها الأثرية. وتضم قرى مدرجة على لائحة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونيسكو).
وكانت لمعرة النعمان، كما مدن أثرية أخرى، حصتها من دمار طال معالمها. ففي فبراير (شباط) 2013، عمد مقاتلون معارضون إلى قطع رأس تمثال الشاعر أبي العلاء المعري (973 - 1057)، أحد أبرز شعراء العرب والمتحدر منها.
ولعلّ أكثر ما تُعرف به المدينة متحفها الضخم الذي يضم أكثر من 2000 متر مربع من لوحات الفسيفساء الأثرية العائدة للعصرين الروماني والبيزنطي، ولم يسلم بدوره من تداعيات الحرب.
في الساحة العامة المقابلة لباب المتحف، اختفى تمثال المعري، بينما يبدو المبنى وهو عبارة عن خان عثماني يعود للقرن السادس عشر، وكأنه فقد بعضاً من هيبته. تراكمت حجارة ضخمة في زواياه. ودُمر ناووس حجري ضخم على يمين مدخله، بينما لا يزال آخر على يساره صامداً.
وفي يونيو (حزيران) 2015، قالت جمعية حماية الآثار السورية المستقلة إن المتحف تعرض لقصف «ببرميلين متفجرين»، ما أسفر عن «أضرار بالغة». إلا أن المدير العام السابق للمديرية العامة للآثار والمتاحف في سوريا، مأمون عبد الكريم، رأى في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، أن لوحات المتحف بقيت بخير إلى حد كبير.
وخلال السنوات الماضية، حرص موظفون قدامى في مديرية الآثار وسكان على حماية لوحات المتحف، مكرسين جهودهم لهذا الهدف.
ويوضح عبد الكريم أنهم «غطوا اللوحات بأكياس الرمل لتجنيبها أي أضرار قد تطالها جراء الانفجارات أو تخفيف الأضرار بالحد الأدنى».
في قاعة يدخلها الضوء من شباك صغير، وضعت عشرات أكياس الرمل بعضها فوق بعض، كما لو أنها سواتر تحمي الجدران المكسوة بالفسيفساء. وأمام لوحات أخرى، علقت قطع قماش بيضاء اللون.
وحافظت لوحات عدة على نضارتها، ولم تشبها شائبة، بينها لوحة مستطيلة الشكل تظهر 4 حيوانات، يجري بعضها خلف بعض، وفوقها لوحة أخرى دائرية لرجل يحمل عنقود عنب.
في قاعة أخرى تشقّق سقفها، تصدّعت لوحة عليها حيوانات عدة، أسد وطيور ودب ونمر، فيما تبدو فجوات وسط لوحة أخرى، ناجمة على الأرجح عن شظايا.
ويقول عبد الكريم إن المعطيات المتوفرة عن وضع المتحف حتى نهاية العام 2019 تؤكد أن كل شيء «تحت السيطرة» قبل أن تنقطع المعلومات منذ مطلع العام الحالي.
ولطالما شكل متحف معرة النعمان مصدر فخر لسكانها الذين نزحوا منها على مراحل على وقع التصعيد العسكري.
ويقول عبد الكريم: «قضيت سنوات من عمري في معرة النعمان، وأعرف جيداً كيف يشعر سكانها بالفخر ويعتبرون أنفسهم بوابة سوريا في الفسيفساء».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.