ولاية أيوا تستعد لجولة انتخابية حاسمة بين المرشحين الديمقراطيين للبيت الأبيض

اللقاء الانتخابي لدونالد ترمب في أيوا (أ.ف.ب)
اللقاء الانتخابي لدونالد ترمب في أيوا (أ.ف.ب)
TT

ولاية أيوا تستعد لجولة انتخابية حاسمة بين المرشحين الديمقراطيين للبيت الأبيض

اللقاء الانتخابي لدونالد ترمب في أيوا (أ.ف.ب)
اللقاء الانتخابي لدونالد ترمب في أيوا (أ.ف.ب)

قبل ثلاثة أيام من التصويت الأول في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في ولاية أيوا، حصل أمر غير مسبوق إذ لم يحضر ثلاثة من بين المرشحين البارزين لاضطرارهم للبقاء في واشنطن، فيما يسعى مرشحان آخران لكسب أكبر مقدار ممكن من الدعم في سباق متقارب.
وقد غاب عن الحملة الانتخابية في أيوا بيرني ساندرز وإليزابيث وارن والمرشحة الوسطية آيمي كلوبيشار. والمفارقة أن الغياب لم يكن إراديا، إذ بقي الثلاثة الذين يرغب كل منهم في أن يكون مرشح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية في واشنطن للمشاركة في المحاكمة البرلمانية للرئيس دونالد ترمب باعتبارهم أعضاء في مجلس الشيوخ.
في هذه الأثناء، ضاعف نائب الرئيس السابق جو بايدن ورئيس البلدية السابق بيت بوتيدجادج، وكلاهما من الجناح الوسطي للحزب، لقاءاتهما مع الناخبين في أيوا، الولاية الريفية ذات الكثافة السكانية المتدنية والتي تغطيها الثلوج في هذا الوقت من العام.
ويخيّم غموض كبير على نهاية هذه الحملة الانتخابية، اذ تبقى نتائج المرشحين الأربعة الأوائل متقاربة في استطلاعات الرأي: ساندرز الأول، يليه بايدن، ثم بوتيدجادج وأخيرا وارن.
وما يزيد الشكوك هو أن واحدا من كل ناخبَين ديمقراطيين في أيوا لم يحسم بعد قراره قبل التجمع الانتخابي الذي يمثل طريقة انتخاب غير تقليدية يفخر بها سكان الولاية.
ودعي أكثر من 600 ألف منتسب للحزب الديمقراطي للحضور مساء الاثنين عند السابعة مساء بالتوقيت المحلي (الثلاثاء الساعة الأولى فجراً ت.غ) إلى نحو 1700 قاعة في مدارس ومسارح قديمة أو كنائس ليعبروا علنا عن خيارهم عبر التجمع تحت راية أحد المرشحين.
ويرى رئيس الحزب الديمقراطي في أيوا تروي برايس إن ما يوحد الناخبين هو أن «كثراً منهم يريدون التأكد أننا سنهزم ترمب». لكن مع وجود 12 مرشحا في السباق، بقول برايس لوكالة الصحافة الفرنسية إن «هناك الكثير من الخيارات الجيدة»، وهو ما يفسر تردد الناخبين الذي «سيحسم بعد الساعة السابعة يوم الاثنين».
ولا بد من القول إن السياسة في أيوا تُعتبر أمرا جديا، فباعتبارها الولاية التي تشهد أول عملية تصويت، تحتل مكانة محدِّدة في الروزنامة الانتخابية حتى وإن كان عدد سكانها لا يتجاوز ثلاثة ملايين نسمة، أي أقل من 1 في المائة من سكان البلاد.
ومن المشاهد المألوفة في الولاية أن يمضي مرشح بارز ساعة في مناقشة أربعين شخصاً في مقهى، وهذا ما يقلص حظوظ أعضاء مجلس الشيوخ العالقين في واشنطن.
ومع اقتراب موعد التصويت، راح المرشحون يشنون هجمات مباشرة بعضهم ضد بعض. لكن ذلك يتم بحذر في ولاية تعرف بكياستها، كما يحاذر المرشحون إغضاب ناخبين يمكن أن يدعموهم إذ وصلوا إلى جولة انتخابية ثانية.
من جهته، يحاول بيت بوتيدجادج، العسكري السابق، أن يقدم نفسه كشاب طموح في مواجهة جو بايدن، فيما يرى أن بيرني ساندرز شخصية مثيرة للانقسام، بينما «يجب علينا التعبئة لا التقسيم».
ويركز بايدن على مهاجمة ترمب، ولا يزال رغم قضية أوكرانيا التي أدت إلى اجراءات عزل ترمب، متصدرا لاستطلاعات الرأي بين المرشحين الديمقراطيين على المستوى الوطني، متقدما على بيرني ساندرز وإليزابيث وارن.
أما الملياردير مايكل بلومبيرغ الذي حل رابعاً في الاستطلاعات فلا يشارك في انتخابات أيوا.
في المقابل، وعد ترمب بتحقيق نصر ساحق. وهو توجه إلى أيوا مساء الأربعاء ليعلن أمام حشد متحمس من أنصاره: «في نوفمبر (تشرين الثاني) سننتصر على الديمقراطيين الاشتراكيين!».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟