ماكرون يشيد بمؤرخ تركي يدحض أكاذيب أنقرة بشأن «مجزرة» الأرمن

ماكرون يشيد بمؤرخ تركي يدحض أكاذيب أنقرة بشأن «مجزرة» الأرمن
TT

ماكرون يشيد بمؤرخ تركي يدحض أكاذيب أنقرة بشأن «مجزرة» الأرمن

ماكرون يشيد بمؤرخ تركي يدحض أكاذيب أنقرة بشأن «مجزرة» الأرمن

للمرة الثالثة منذ انتخابه ربيع عام 2017، شارك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في العشاء الرسمي لـ«المجلس التنسيقي للمنظمات الأرمنية» في فرنسا الذي يمثل الجالية الأرمنية. وفي العام الماضي، استغل ماكرون المناسبة للإعلان عن تخصيص يوم 24 أبريل (نيسان) من كل عام ليكون «اليوم الوطني لإحياء ذكرى مجزرة الأرمن»، الأمر الذي أغاظ أنقرة كما أغاظها قبل ذلك «اعتراف» فرنسا قبل 19 عاماً وإبان رئاسة جاك شيراك، بموجب قانون صوّتت عليه الجمعية الوطنية، بأن ما حصل للأرمن، إبان السلطنة العثمانية، في عامي 1915 و1916 كان «مجزرة» وكانت «أولى مجازر» القرن العشرين، الأمر الذي دأبت الحكومات التركية المتعاقبة على نفيه نفياً قاطعاً. واختيار يوم 24 أبريل لم يأتِ صدفة، بل لأنه يؤرّخ لليوم في 1915 الذي عمدت السلطات العثمانية وقتها إلى القبض على المئات من المثقفين والشخصيات الأرمنية المعروفة والإجهاز عليهم.
وحسب المصادر الأرمنية، فإن ما لا يقل عن 1.5 مليون أرمني قضوا في المذابح التي استمرت لعامين، فضلاً عن مئات الآلاف الذين هُجِّروا من مواطنهم إلى سوريا ولبنان وأوروبا وخصوصاً إلى فرنسا.
وما قام به ماكرون جاء تنفيذاً لوعد انتخابي قدمه لأرمن فرنسا وحرص على الوفاء به. وبعد الاعتراف الرسمي بالمجزرة، سعت الحكومات الفرنسية خصوصاً عامي 2012 و2016 إلى تشريع قانون جديد يجعل من نفيها «جريمة» يعاقب عليها القانون على غرار ما شُرع بخصوص «المحرقة» اليهودية. إلا أن المجلس الدستوري ألغى، لمرتين، الفقرة الخاصة بالعقوبات معتبراً أنها تعد «افتئاتاً» على حرية التعبير. مساء أول من أمس، كان ماكرون على موعد جديد مع الجالية الأرمنية. وبحضور ثلة من الوزراء والمسؤولين والشخصيات السياسية والفكرية والأدبية والفنية وممثلي الجالية الأرمنية، حرص ماكرون في خطابه المطوّل، الذي نُشر على موقع قصر الإليزيه أمس، على تكريم مؤرخ تركي يتسم بالشجاعة والجرأة في نفي المقولات التركية الرسمية التي ترفض قطعاً قبول الحديث عن «مجزرة». ذلك أن هذا المؤرخ واسمه تانر أكجم، الذي أصدر مؤخراً كتاباً باللغة الفرنسية بعنوان «أوامر بالقتل» يدحض الرواية الرسمية، استناداً إلى بحث أكاديمي مطوّل وبفضل الاطلاع على وثائق رسمية عائدة إلى زمن «المجزرة» وبالتالي فقد جاء بالبراهين القاطعة التي تبيّن أن السطات العثمانية هي مَن خطط للمجزرة وأعطى الأوامر بذلك. وأهمية عمل المؤرخ التركي أنه أثبت صحة البرقيات العثمانية التي تأمر بارتكاب المجزرة فيما دأبت أنقرة منذ عشرات السنين على اعتبارها «مزيفة».
إذاً، كانت الفرصة ملائمة للرئيس ماكرون للإشادة بكتاب تانر أكجم الذي أظهر «بشكل علمي النية والتصميم لارتكاب هذه الجرائم المنظمة، وبذلك فإنه قد قام بعمل تاريخي يخدم الذاكرة والعدالة». وبالمناسبة، فقد منح المجلسُ الأرمني المؤرخَ التركي «ميدالية الشجاعة». وحسب الرئيس الفرنسي الذي جاء خطابه مطولاً، فإن المؤرخ التركي قدّم خدمة جليلة عندما «أخرج إلى العلن ما كان البعض يريد طمره في النسيان والإنكار»، معتبراً أن ما قدمه يعد «لبنة أساسية في السجال السياسي العميق مع القادة الأتراك». وفي السياق عينه، اعتبر ماكرون أنه «من الصعب بناء تاريخ مجيد على الكذب، ولا يمكن السير بسياسة عنوانها الإنكار أو النفي». وانتقل من التاريخ إلى الحاضر ليهاجم سياسة تركيا وليندد بـ«استراتيجية توسعية جديدة في شرق المتوسط، تنفي الجرائم (السابقة) وتسعى لاستعادة مجد غابر وماضٍ متوهَّم إلى حد كبير».
لا يتردد ماكرون في تبني قضية الأرمن. فقد أكد وبقوة أن قضية الأرمن هي «قضية الجمهورية» وهي معركة ضد النفي والنسيان ومن أجل العدالة والكرامة في قلب الجمهورية الفرنسية. وعاد ماكرون ليشدد على أهمية أن تكرم الجالية الأرمنية مؤرخاً تركياً كبيراً «تحلى بشجاعة لا مثيل لها» فيما نشر وتوصل إليه. إلا أن ماكرون رأى في خلاصات المؤرخ خدمة يسديها إلى الشعب التركي «من أجل أنم يكون قادراً على اتخاذ قراراته كشعب حر وقادر أن ينظر إلى ماضيه، إذ من الصعب كتابة التاريخ استناداً إلى أكاذيب». من الواضح أن ما قاله ماكرون لن يسهم في تبريد الأجواء بينه وبين الرئيس إردوغان. فبعد اتهاماته للرئيس التركي بالحنث بوعده في ليبيا وبنقل «مرتزقة» سوريين إلى ليبيا للقتال هناك، ما «يهدد أمن الأوروبيين وبلدان الساحل»، فإن كلامه عن «مجزرة» الأرمن سيزيد علاقته بإردوغان تأزماً. ويأتي هذا الملف ليضاف إلى ملفات خلافية سابقة مثل الملف الكردي في سوريا وملف المهاجرين واللاجئين الذين يهدد إردوغان بفتح الحدود أمامهم لإغراق أوروبا بهم. وليس سراً أن علاقات ماكرون الشخصية مع إردوغان شديدة التوتر وظهرت على حقيقتها قبيل قمة الأطلسي في لندن بداية ديسمبر (كانون الأول) الماضي. فبعد أن عد الرئيس الفرنسي أن الأطلسي في «حالة موت سريري» رد عليه إردوغان بأنه هو نفسه «يعاني من موت سريري».



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».