مهرجان صندانس يمنح هيلاري كلينتون كلمة أخيرة

يكشف عن أفلام تسجيلية وروائية مهمة

هيلاري كلينتون في «هيلاري»
هيلاري كلينتون في «هيلاري»
TT

مهرجان صندانس يمنح هيلاري كلينتون كلمة أخيرة

هيلاري كلينتون في «هيلاري»
هيلاري كلينتون في «هيلاري»

في العام 2016 حلت هيلاري كلينتون في المركز الثاني بعد دونالد ترمب في عدد الأصوات خلال انتخابات الرئاسة في ولاية يوتا. يوم السبت الماضي قامت هيلاري كلينتون بزيارة خاصة للولاية الأميركية وتوجهت مباشرة من مطار سولت ليك سيتي إلى جبال مدينة بارك سيتي، شمال المدينة، ومعها ثلاثة رجال من الأمن الخاص وسكرتيرتها ومعاون وفيلم شاركت فيه بعنوان «هيلاري».
الصالة التي عرضت الفيلم (نحو 500 مقعد) امتلأت بالكامل. من يملك المعرفة بحجم الصالات وأي من الأفلام أسخن من الأخرى لم تفوته الفرصة. لكن ملاحظة الصف الطويل الذي وقف عند مدخل الصالة على وتيرة «لعل وعسى» أن يحظى بالدخول تدل على أن عدد من لم يحسن لهذا الفيلم الرواج المحتمل كان كبيراً.
الفيلم بحد ذاته، وقد تم تقديمه في قسم «السينما التسجيلية الأميركية» (هناك أخرى عالمية)، من إنتاج شركة هولو التي هي شركة أصغر حجماً من أمازون ونتفلكس لكنها تقوم بالمهام نفسها كمحطة بث للمنازل، باستثناء أنها - هذه المرّة - ارتأت بيع الفيلم إلى محطة HBO التلفزيونية التي تستطيع بثه لعدد أكبر من المشتركين عندما تعرضه على شاشاتها في السادس من مارس (آذار) المقبل.
ساعة من هيلاري كلينتون تكفي، لكن أربع ساعات من حضورها على الشاشة هو تحد حتى للمعجبين بها. والفيلم التلفزيوني يلعب ألحاناً على وتر هؤلاء المعجبين فيقدم شخصيتها على أنها المرأة المقدامة التي خبرت السياسة طولاً وعرضاً وكان لها صولات وجولات داخل البيت الأبيض (عندما كان زوجها بل كلينتون رئيساً) وخارجه (عندما رشّحت نفسها لانتخابات الرئاسة قبل أربع سنوات). يحيط الفيلم بتاريخها الشخصي ثم بمرحلتها السياسية ووقوفها إلى جانب زوجها في ثقة مطلقة إلى أن وقعت الفضيحة الجنسية التي قلبت عليهما الأوجاع. يعترف الرئيس السابق بذلك في الفيلم ويصمت قليلاً مظهراً الألم لفعلته.
توفر المادة الكثير من المشاهد التي تقدّمها كامرأة شقت طريقها صوب البيت الأبيض وكادت أن تصل مانحة، حسب وصف الفيلم، أملاً للنساء في تحدي المصاعب التي تحول دون تحقيق آمالهن المحقة.
تتوقع من الفيلم، قبل عرضه، أن يكون تحية لهيلاري وترويجاً لها ولا يخيب الفيلم الظن للأسف. هو خال من النقد ومصنوع لغاية إعلامية. ما يخيب التوقعات أن يأتي الفيلم، الذي أخرجته نانيت بيرستين، حاملاً بعض الجديد غير المعروف عن الفترة السياسية التي خاضتها كلينتون لكن القليل من ذلك يتم بالفعل. هذا باستثناء بعض المحطات التي لا تفتقر فيها زوجة الرئيس للصراحة خصوصاً عندما يأتي الأمر لما مرّت به إثر فضيحة زوجها ورأيها في الرئيس دونالد ترمب والمرشح للرئاسة برني ساندرز واصفة الأخير بأنه «لا شيء».
أفضل منه في نواح فنية فيلم تسجيلي آخر عنوانه «همس أميركا» يدور حول المغنية تايلور سويفت حققته لانا ولسون ببراعة العارف لكيفية تحويل البورتريه إلى فيلم مثير. يلاحق الفيلم تاريخها صغيرة ولعها بالموسيقى لكن من دون التوغل كثيراً في ذلك التاريخ. مهمّته الأولى تقديم المغنية في وقفاتها السياسية لصالح المرأة. من ناحية تريد أن تقول أكثر ومن ناحية أخرى تخشى كيف ستغفر لنفسها إذا امتنعت عن قول ما هو أكثر من مجرد اتخاذ موقف ما تؤمن به.

البحث عن بلد بعيد
عدد كبير من الأفلام التسجيلية تمر على شاشة مهرجان صندانس في دورته السادسة والثلاثين (بدأ في الثالث والعشرين من الشهر الحالي وينتهي في الثاني من الشهر المقبل). هذه ليست المرّة الأولى بالطبع إذ تحتل السينما غير الروائية مكانة عالية في مهرجان يقوم على توفير الأعمال التي تبحث عمن يتبناها توزيعياً والكثير منها يجد ما يبحث عنه.
تدخل السياسة صندانس من حيث يرغب أو لا يرغب. في أساسه هو مهرجان من تأسيس وإشراف روبرت ردفورد (أعلن استقالته من إدارته في العام الماضي) المحسوب على يسار السياسة ولو أنه لا يتدخل فيها بعيداً عن مهنته. بعض أفلامه، كما ذكرنا غير مرّة، ليبرالية تتحدث عن نظام غير عادل أو يستحق المواجهة، والبعض الآخر يمر بلا حمولة سياسية من أي نوع بارز. لكنه منح السينما المستقلة في الولايات المتحدة وحول العالم الحضور الذي تعتز به. فتح شاشات هذه المدينة الجبلية التي كانت تعيش على السياحة ورياضة التزلج لمخرجين جدد وقدامى ومؤسسات حديثة وقديمة على حد سواء. المستبعد أفلام الصالات التجارية السريعة. المقبول هو كل شيء آخر وهو كثير.
«أهلاً في شيشينيا» لديفيد فرانس (ومن إنتاج HBO أيضاً) ينتقل بنا إلى روسيا لفتح ما يعتبره صفحات سوداء حول ما يواجهه المثليون في روسيا من عنف وانتزاع حقوق. المخرج فرانس لديه من المشاهد الوثائقية ما يثير الفزع لكن الفيلم يحصر نفسه في قائمة تلك الأفلام التي لا ترى في العالم وشؤونه إلا القضية التي يطرحها بمنأى عن كل شيء آخر.
من لا يلتفت إلى ما تعرضه السينما الروائية من أفلام تمر على شاشة هذا المهرجان لن يحظى بالكثير من الترفيه. ليس الترفيه السائد عبر ما توفره هوليوود وبوليوود والأفلام المصرية، بل عبر تلك التي تسجل حضور مؤلفيها الذاتي في الوقت الذي تريد فيها سرد المواضيع التي قد تجد تجاوباً بين المشاهدين.
أحد هذه الأفلام «وندي» المأخوذ بطلاقة عن رواية ج. م باري «بيتر بان». هنا الفتاة وندي تصبح المحور وهي من تشجع شقيقها على ترك تلك المزرعة التي يعيشون فيها في الجنوب الأميركي والبحث عن مستقر جديد. يقفز الثلاثة إلى ذلك القطار الذي يمر بالمنزل ويجدون أنفسهم في موقع يعتبرونه أقرب إلى مملكة خاصة لا يدخلها سوى الفتيان والفتيات الصغار. عالم خاص بهم وبأحلامهم يقررون فيه ألا يكبروا. لا يتعرض المخرج بنه زيتلن لاستحالة ذلك (إلا في مرحلة لاحقة) بل يمشي مع التيار كما لو كان حقيقة ويمنح المشاهد حيوية وطزاجة في الحركة داخل الفيلم وفي رحابه الفكري.
«وندي» هو أحد الأفلام الأفضل التي عُرضت في هذه الدورة كذلك الحال بالنسبة لفيلم جولي تايمور الجديد «ذا غلورياز». وهي من المخرجات غير المشهورات حتى في الولايات المتحدة، لكن خبرتها في المسرح وفي السينما لا تضاهى بين بنات جنسها. تغوص جيداً في مواضيعها لتمنح المشاهد رؤية ذاتية لما اعتاد مشاهدته من زوايا مختلفة وغير محددة.
هو أيضاً عن المرأة وحقوقها وفيه مشاهد وثائقية تدعم منهجها الذي يعتمد السيرة الذاتية لأحد نماذج النساء المكافحات في مجال حقوق المرأة وهي غلوريا ستاينمن. تبني المخرجة فيلمها هذا على تداول مراحل الحياة بالنسبة لتلك الشخصية من حين كانت شابة (تؤديها هنا أليسيا فيكاندر) إلى أن أصبحت امرأة في الأربعين وما بعد (كما تؤديها في هذه المرحلة جوليان مور). طموح تايمور الفني لا يتحقق بالكامل لكن رسالتها تفعل.
تم عرض بضعة أفلام عن الهجرة والمهاجرين شاهد هذا الناقد، ومن بينها فيلمان عاديان. واحد بعنوان «ميناري» عن عائلة كورية تنزح إلى ولاية أركنساس الأميركية في الثمانينات (وهو من إخراج لي تشنغ الذي استمد المادة من حياته صغيراً).
الآخر «بلاست بيت» عن عائلة كولومبية تلجأ إلى الولايات المتحدة طالبة اللجوء السياسي. أكبر أبناء العائلة يطمح لما هو أكثر من مجرد اللجوء، إذ ينوي أن يكون من بين رجال ناسا المعتمدين. الفيلم من إخراج ستيفان أرانغو الآتي بدوره من كولومبيا.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.