زياد سحاب: آن الأوان لقيام حراك ثقافي يخرجنا من عنق الزجاجة

أكد أنه يجب الاعتناء بمسرح الثورة وأغانيها

زياد سحاب
زياد سحاب
TT

زياد سحاب: آن الأوان لقيام حراك ثقافي يخرجنا من عنق الزجاجة

زياد سحاب
زياد سحاب

قال الموسيقي اللبناني زياد سحاب، إنه في ظل الحراك المدني القائم في لبنان لم يتناه إلى مسمعه أغنية لافتة تتناول هذا الموضوع. ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أغنيات الثورة التي سمعتها هي كناية عن (فشات خلق) ليس أكثر بحيث لا تتمتع ببعد موسيقي وفكري».
ويشير زياد سحاب المعروف بتأثره بالطرب الأصيل الذي ترعرع على أنغامه: «إنني متأكد من تقدم وتطور سيحصل في هذا المجال، تخلص منه إنتاجات فنية مهمة على المستوى المطلوب. ومن الضروري أن نعتني أكثر بمسرح الثورة وأغانيها، لنواكب هذه الانتفاضة بكل ما للكلمة من معنى».
ويرى سحاب بمسرحية شاهدها أخيراً لمحمد دايخ وحسن قاووق بعنوان «عم بقولو إسماعيل انتحر»، أنها تترجم ما يتحدث عنه من تطور في هذا الإطار وقد أحدثه الحراك المدني. ويقول في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «إنها ترتبط ارتباطاً مباشراً بما نعيشه اليوم وتضيء على مشكلات كثيرة نواجهها في حياتنا اليومية. فلقد آن الأوان لقيام حراك ثقافي يخرجنا من عنق الزجاجة، ولا سيما أن المجال الفني بشكل عام في حاجة إلى انتفاضة تغير المعايير التي يتبعها».
ويربط سحاب ما يحصل في الإذاعات والتلفزيونات بمنظومة الفساد السائدة في البلاد. ويعلّق: «إن الإذاعة مثلاً يجب أن تدفع لي المال لقاء إعطائي لها حق بث أغنية. فهي معادلة عالمية متفق عليها وجمعية (ساسيم) (جمعية المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى) التي يعود تاريخ تأسيسها إلى عام 1851 تكمن مهمتها الرئيسية في تحصيل حقوق المؤلف في فرنسا وإعادة توزيعها على المبدعين الفرنسيين والأجانب. وتُعتبر هذه المهمة أساسية لتخليد الإبداع وعمل قطاع الموسيقى. وهذه الجمعية تمارس مهامها في دول العالم أجمع وبينها لبنان. فكيف يحق لأصحاب تلك المحطات أن يطالبوني بمبالغ خيالية كي أمرر أغنية لي ضمن ما يسمونه في عالم الإذاعة والتلفزيون (ماتراكاج)، أي تكرارها لأكثر من مرة في اليوم الواحد؟ فغياب الديمقراطية برأيي حتى على الساحة الفنية ولّد منظومة فساد يستفيد منها بعضهم، معللين ذلك بأنه واحد من إنجازاتهم البارزة، رغم أنها عملية خاطئة تخالف القوانين المرعية في حقل الفن عالمياً». وعما إذا هو يحضر شخصياً لأغانٍ تتناول الثورة، يقول: «أحضّر حالياً لعدد من النصوص المتعلقة بأجواء الحراك الذي نعيشه وستتناول ما نشهده اليوم وما نحلم به من أجل غد أفضل».
وعما إذا الحراك المدني أفرز حالة ثقافية لافتة في لبنان من شأنها أن تبدّل وتغير في الواقع، يرد: «برأيي لا يزال الوقت باكراً لنعرف ما هي الحالة الثقافية التي ولدتها الثورة. لكنها من دون شك ألقت الضوء على مواهب فنية كثيرة تفاعلت مع ما يحدث على الأرض. وأتوقع أن نقطف نتائج هذا الحراك قريباً من خلال نهضة سياسية نتمناها ستنعكس إيجاباً على الحقل الفني. فصحيح أن هناك فنانين يشبهون السياسيين في اغتنام الفرص من أجل مصلحتهم الخاصة، رأيناهم يركبون موجة الحراك بشكل سطحي لحصد شعبية أكبر، لكن الأيام المقبلة كافية لغربلة الأرض. ولا بد أن نشهد فرزاً يبين الفرق بين الناس الصالحين والطالحين بعد أن تنكشف حقيقتهم على الملأ».
وحالياً، يواكب زياد سحاب الحراك المدني على طريقته فينظم يومياً حفلات غنائية في محله في منطقة بدارو، تستقطب شرائح المجتمع اللبناني من جميع الفئات، ولا سيما المتحمسون للثورة والمشاركون فيها». هي سهرات ليلية نقيمها من أجل تقديم فسحة استراحة للبنانيين تعبوا من الفساد وثقله عليهم. فنقدم برامج غنائية يومية بينها ما يحمل طابع الطرب الأصيل، وأخرى تعيدنا إلى أغاني الثمانينات التي تذكرهم بمراحل من حياتهم يحبونها. حتى أن بعض الشباب المشارك في الحراك المدني يقصدون المحل في بدارو وهم يعبقون برائحة القنابل المسيلة للدموع والبصل الذي يستخدمونه للتخلص من تأثيرها عليهم».
ويروي سحاب في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «في إحدى المرات اتصل بي أحد السياسيين المعروفين طالباً مني برنامج الحفل الذي نقدمه. لكني نصحته بعدم المجيء كي لا يلاقي نفس مصير نواب ورجال سياسة تم إخراجهم بالقوة من قبل الحراك المدني من مطاعم ومقاهي كانوا يرتادونها».
ويرى سحاب أن هذا النمط المتبع من قبل شباب الثورة في منع أهل السياسة من ارتياد الأماكن العامة وبخاصة المطاعم، هو رد فعل طبيعي تجاه من شارك في سرقة ونهب أموالهم.
ومن الأمسيات الغنائية التي ينظمها زياد سحاب ويشارك فيها من خلال عزفه على العود، تلك التي تحييها آلين لحود ابنة الفنانة الراحلة سلوى القطريب تحت عنوان «من كل شي» والتي تؤدي فيها أغاني بلغات مختلفة وبعضاً من ريبيرتوار والدتها («خدني معك» و«وعدوني») وغيرها.
ويختم زياد سحاب: «إننا بدورنا كموسيقيين وفنانين نجاهد بشكل عام من أجل بلد أفضل على جميع الصعد. ونتفاءل خيراً بمستقبل واعد يعيد الثقة إلينا ببلدنا بعدما افتقدناها على مر حقبة طويلة».



ميشال رميح: أغنية «عم يوجعني بلدي» ترجمت فيها أحاسيسي الحقيقية

يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
TT

ميشال رميح: أغنية «عم يوجعني بلدي» ترجمت فيها أحاسيسي الحقيقية

يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)

قبل أسابيع قليلة، شارك المغني ميشال رميح في المهرجان الفني اللبناني في ولاية أريزونا في أميركا. تردد رميح قبل الموافقة على هذه المشاركة. وجد نفسه محرجاً في الغناء على مسرح عالمي فيما لبنان كان يتألّم، ولكنه حزم أمره وقرر المضي بالأمر كونه سيمثّل وجه لبنان المضيء. كما أن جزءاً من ريع الحفل يعود إلى مساعدة النازحين. ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «كانت الحفلة الأولى لي التي أقيمها خلال هذه الحرب. وترددي جاء على خلفية مشاعري بالحزن على وطني».

خلال الحرب أصدر ميشال رميح أغنيته الوطنية «عم يوجعني بلدي». وقدّمها بصورة بسيطة مع عزف على البيانو، فلامست قلوب سامعيها بدفء كلماتها ولحنها النابع من حبّ الوطن. فهو كما ذكر لـ«الشرق الأوسط» كتبها ولحنها وسجّلها وصوّرها في ظرف يوم واحد. ويروي قصة ولادتها: «كنا نتناول طعام الغداء مع عائلتي وأهلي، ولم أتنبه لانفصالي التام عن الواقع. شردت في ألم لبنان ومعاناة شعبه. كنت أشعر بالتعب من الحرب كما كثيرين غيري في بلادي. والأسوأ هو أننا نتفرّج ولا قدرة لنا على فعل شيء».

ألّف رميح أغنيته "عم يوجعني بلدي" ولحّنها بلحظات قليلة (ميشال رميح)

وجعه هذا حضّه على الإمساك بقلمه، فكتب أحاسيسه في تلك اللحظة. «كل ما كتبته كان حقيقياً، وينبع من صميم قلبي. عشت هذا الوجع بحذافيره فخرجت الكلمات تحمل الحزن والأمل معاً».

يقول إنه لا يحب التخلّي عن مشاعر التفاؤل، ولذلك آثر تمرير ومضات رجاء تلونها. وجعه الحقيقي الذي كان يعيشه لم يمنعه من التحلي بالصبر والأمل. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «في النهاية سنقوم من جديد؛ كوننا شعباً صلباً لا تشّلنا الأزمات. والفنان صاحب الأحاسيس المرهفة لا يمكنه أن يفرّق بين وجهة سياسية وأخرى، ولا بين طائفة وأخرى ينتمي إليها هذا الشخص أو ذاك. فما أعرفه جيداً هو أننا جميعنا لبنانيون، ولذلك علينا التوحّد ومساعدة بعضنا البعض. رؤية أبناء بلدي يهجرون منازلهم وقراهم المدمّرة، لامستني عن قرب، فولدت أغنيتي (عم يوجعني بلدي)؛ لأني بالفعل عشت ألماً حقيقياً مع نفسي».

حفرت في ذاكرة ميشال رميح مشاهد عدة مؤثّرة عن لبنان المهجّر والمدمّر، كما يقول. «لن أنسى ذلك المسنّ الذي بكى خسارته لزوجته وبيته معاً. اليوم لا يجد مكاناً يؤويه، كما يفتقد شريكة حياته. وكذلك تعاطفت مع الأطفال والأولاد الذين لا ذنب لهم بحروب الكبار. فهؤلاء جميعاً أعتبرهم أهلي وإخوتي وأبنائي. كان لا بد أن تخرج مني كلمات أغنية، أصف فيها حالتي الحقيقية».

ميشال ابن زحلة، يقيم اليوم في أميركا. يقول: «هاجرت إلى هناك منذ زمن طويل. وفي كل مرة أعود بها إلى لبنان أشعر بعدم قدرتي على مغادرته. ولكن بسبب أطفالي اضطررت للسفر. وعندما أغادر مطار بيروت تمتلكني مشاعر الأسى والحزن. لم أرغب في ترك بلدي وهو يمرّ في محنة صعبة جداً. ولكن الظروف مرات تدفعنا للقيام بعكس رغباتنا، وهو ما حصل معي أخيراً».

يقول بأنه لا يحب التخلّي عن مشاعر التفاؤل (ميشال رميح)

صوّر ميشال أغنيته، وسجلها في الاستوديو، في الوقت نفسه. لم يرغب في أن تكون مصطنعة بمشهديتها بل أن تمثّل واقعاً يعيشه. «الأغنية ليست تجارية، كتبت كلماتها على قصاصة ورق صغيرة. وأنا أتوجّه إلى استوديو التسجيل قمت بتلحينها».

سبق وتعاون رميح في عدة أغنيات مع مجموعة شعراء وملحنين، ومن بينهم هيثم زيات وسليم عساف. ولكن في أغنية «عم يوجعني بلدي» ترك العنان لأحاسيسه، فلحّن وكتب وغنّى من هذا المنطلق. صديقه ريكاردو عازار تسلّم مهمة عزف اللحن على آلة البيانو. «لم أشأ أن ترافقها آلات وإيقاعات كثيرة لأنها أغنية دافئة ووطنية».

يعدّ رميح الأغنية الوطنية وجهة يجب أن يتحوّل إليها كل فنان تتملّكه أحاسيس حقيقية تجاه وطنه. ويستطرد: «هكذا أنا مغنٍ أستطيع أن أقاوم عندما بلدي يشهد مرحلة صعبة. لا أستطيع أن ألتزم الصمت تجاه ما يجري من اعتداءات على أرضه. ولأن كلمات الأغنية تنبع من رحم الواقع والمشاعر، لاقت انتشاراً كبيراً».

حتى أثناء مرور لبنان بأزمات سابقة لم يوفّر ميشال رميح الفرصة ليغني له. «أثناء ثورة أكتوبر (تشرين الأول) وانفجار المرفأ غنيّت لبنان بأسلوبي وعلى طريقتي. وتركت مساحة مضيئة بأمل في الغد تبرز في أعمالي. غنيت (شعب لبنان) يومها من ألحان هيثم زيات».

تركت مساحة مضيئة بأمل في الغد تبرز في أعمالي (ميشال رميح)

ينقل ميشال رميح حقيقة أحاسيس كل لبناني اضطر إلى هجرة وطنه. «قد يعتقد البعض أن من يعيش خارج لبنان وهو في أزمة، يتمتع بالراحة. هذا أمر خاطئ تماماً. فقد عصرني الألم وأنا أغادر وطني، وكلما حلّقت الطائرة وصغرت صورة لبنان من الأعلى، شعرت بحزن أكبر. جميع أبناء لبنان ممن أعرفهم هنا في أميركا يحزّ في قلبهم ابتعادهم عن وطنهم المجروح. ولكنهم جميعهم يأملون مثلي بالعودة القريبة إليه. وهو ما يزيد من صبرهم، لا سيما وأن أعمالهم وعائلاتهم تعيش في أميركا».

أغانٍ وطنية عديدة لفتت ميشال رميح أخيراً: «أرفع القبعة لكل فنان يغني لبنان المتألم. استمعت إلى أغانٍ عدة بينها لجوزف عطية (صلّوا لبيروت)، ولماجد موصللي (بيروت ست الدنيا)، وأخرى لهشام الحاج بعنوان (بيروت ما بتموت)، وكذلك واحدة أداها الوليد الحلاني (بعين السما محروس يا لبنان)». ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «أعتبر هذه الأغاني بمثابة غذاء الروح لوطني لبنان. لا شك أن ما أعنيه يأتي مجازياً؛ لأن لا شيء يعوّض خسارات بلدي. ولكن من ناحيتي أجد صوتي وأغنيتي هما سلاحي الذي أدافع فيه عن بلدي».

عندما غادر رميح لبنان منذ نحو الشهر كان في زيارته الثانية له بعد غياب. فحب الوطن زرعه في قلبه، ونما بداخله لا شعورياً. «لن أستسلم أبداً، وسأثابر على زيارة لبنان باستمرار، على أمل الإقامة فيه نهائياً وقريباً. فوالداي علّماني حب الوطن، وكانا دائماً يرويان لي أجمل الذكريات عنه. وأتمنى أن أشهد مثل هذه الذكريات كي أرويها بدوري لأولادي».