تحليل سياسي: أي سيناريوهات تنتظر الليبيين بعد «التوقف النهائي» عن إنتاج النفط؟

ارتفاع الأسعار وتردي خدمات الصحة والتعليم من بين الانعكاسات الكثيرة المباشرة

صورة جانبية لخزانات النفط في إحدى شركات الوقود بمدينة البريقة النفطية (أ.ف.ب)
صورة جانبية لخزانات النفط في إحدى شركات الوقود بمدينة البريقة النفطية (أ.ف.ب)
TT

تحليل سياسي: أي سيناريوهات تنتظر الليبيين بعد «التوقف النهائي» عن إنتاج النفط؟

صورة جانبية لخزانات النفط في إحدى شركات الوقود بمدينة البريقة النفطية (أ.ف.ب)
صورة جانبية لخزانات النفط في إحدى شركات الوقود بمدينة البريقة النفطية (أ.ف.ب)

بات على الليبيين من الآن الاستعداد لمرحلة توصف بأنها «الأصعب في تاريخ البلاد»، إذا ما تم وقف إنتاج النفط بشكل كامل، وفق ما يراه مختصون ومواطنون ونشطاء مدنيون، وذلك على خلفية الحرب الدائرة في ضواحي طرابلس بين «الجيش الوطني» وحكومة «الوفاق».
وقبل 3 أيام أطلق مصطفى صنع الله، رئيس مجلس إدارة مؤسسة النفط الليبية، تحذيرات عدة مما قد تصير إليه الأوضاع في البلد العضو في منظمة (أوبك)، حال توقف إنتاج النفط، الذي تدنى مستوى إنتاجه من نحو 1.2 مليون برميل يومياً قبل الإغلاق، إلى 262 ألف برميل نفط يومياً، مع تخوفات من أنه قد يصل عما قريب إلى حدود 72 ألف برميل فقط خلال أيام.
ومنذ اكتشافه عام 1985 ينظر للنفط في ليبيا على أنه «قوت المواطنين»، حيث توجه عائداته للإنفاق على قطاعات كثيرة، كما تسدد منها أجور الموظفين في الدولة. لكن في ظل الانقسام السياسي الحاد، الذي عمقته الحرب على طرابلس، تردت الحالة المعيشية للمواطنين بشكل كبير.
ولخص عطية الفيتوري، أستاذ الاقتصاد بجامعة بنغازي، التداعيات السلبية التي قد تعيشها ليبيا في حال عدم عودة عملية ضح النفط سريعاً، وفي مقدمة هذه التداعيات ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازية، وتوقف مرتبات موظفي الدولة، بالإضافة إلى عدم إتاحة الاعتمادات المصرفية للقطاع الخاص.
ونوّه الفيتوري في حديثه إلى «الشرق الأوسط» أنه حال توقف عملية الإنتاج فإن الأمور «ستتراجع أكثر مما يستتبعه ارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض عرض السلع، وانعدام السيولة بالمصارف. بالإضافة إلى نقص السلع الهامة، مثل البنزين والغاز»، لافتاً إلى أن «الليبيين سيعانون الأمرّين مثلما حدث عام 2017».
وفي تقرير سابق لمنظمة العمل الدولية «ILO»، قالت إن ليبيا تحتل المركز الثاني في سلم الدول العربية الأكثر في نسب البطالة، وأرجع مختصون أسباب ارتفاع هذه النسبة إلى الحروب والنزاعات، التي تؤثر بدورها في عملية نزوح المواطنين.
وسبق للمبعوث الأممي إلى ليبيا الدكتور غسان سلامة القول إن ليبيا «بلد غني، ومع ذلك أصبح هناك واحد من أصل سبعة ليبيين يحتاج مساعدة إنسانية، وهذا يعني أن هناك نهباً قائماً في هذا البلد».
ونقل مواطنون في مدن بجنوب البلاد، ومنها سبها، أن سعر أسطوانة الغاز قفز إلى 80 ديناراً، بالإضافة إلى ارتفاع سعر لتر البنزين المدعم إلى نحو دينارين، وأحياناً ثلاثة دنانير في تلك المناطق النائية، في حين يباع في وسط وشرق البلاد بـ15 قرشاً فقط.
من جهته، قال ميلود الأسود، عضو مجلس النواب والمدير السابق لحقلي المبروك النفطي، والجرف البحري، لـ«الشرق الأوسط» إن «إيقاف تصدير النفط عمل مؤسف، وزاد من تعقيدات المشهد المرتبك أصلاً... وآثاره ستكون سلبية جداً على الاقتصاد الوطني». لافتا في هذا السياق إلى وجود أضرار وانعكاسات سلبية كثيرة، منها ما هو فني يشمل المعدات والأنابيب والآبار نفسها بسبب عملية التوقف، بالإضافة إلى مشاكل مستقبلية في تسويق الخام مرة ثانية.
وكان موالون للمشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني»، قد قاموا بإغلاق بعض الموانئ النفطية، حيث تشرف قواته على تأمين الحقول والموانئ النفطية في المنطقة الوسطى (الهلال النفطي) والبريقة، ومدينة طبرق على الحدود المصرية، وأرجعوا ذلك إلى محاولة إجبار حكومة «الوفاق» على وقف الإنفاق على الميليشيات الموالية لفائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي.
غير أن الأسود، النائب عن مدينة رقدالين بأقصى الغرب الليبي، قال إن «عائدات النفط تذهب لحسابات الخزانة العامة للدولة، وليس لحساب أحد... ونتمنى من كل الأطراف الابتعاد عن استعمال موارد البلاد كأوراق تفاوضية». مشيرا إلى أن «شأن إيقاف النفط كشأن من يفاوض ويتعهد بمنح عقود وصفقات استثمارية في سبيل الحصول على دعم سياسي... وعلى الجميع الإدراك أن أموال الشعب ومقدراته ليست أوراقا سياسية لأحد».
ولم يتوقف صنع الله بدوره عند الآثار المجتمعية، التي سيسببها توقف إنتاج النفط على حياة المواطنين، لكنه تحدث عن تداعيات ومشاكل فنية وبيئية أخرى، حيث أوضح أنّ وقف الإنتاج بشكل مفاجئ «يعدّ كارثة لأنّ النفط الخام المتبقّي داخل خطوط الأنابيب سيسبب تآكلا شديدا لهذه الأنابيب المتآكلة أصلا وللمعدات السطحية، وللأسف، ستستمر الآثار المدمرة لسنوات كثيرة. ففي الأعوام الخمسة الماضية سجّلنا 817 تسرباً في خطوط الأنابيب، التي تضررت بسبب سنوات الإقفال التي حرّض عليها وقام بها إبراهيم جضران»، الآمر السابق لحرس المنشآت النفطية.
وزاد صنع الله من تحذيره باتجاه الاعتراف بوجود فساد وظلم في ليبيا قائلا: «إننا نشعر بالغضب والاشمئزاز من الحالة الاقتصادية. لكن ارتكاب عمل غير قانوني، كإقفال إنتاج النفط، لن يؤدي إلا إلى إفقار الدولة الليبية، واضمحلال سيادة القانون فيها. لقد علمنا أنّ المؤسسة الوطنية للنفط لن تتلقى الميزانية التي تحتاجها من أجل برنامجها الطموح لزيادة إنتاج النفط، وهذا يعني خسارة الشعب الليبي لمليارات الدولارات في السنوات المقبلة، كنا نتوقعها».
وأمام هذه المخاوف، يبدي كثير من الليبيين حيرتهم أمام ما ستسفر عنه الأيام القادمة، وفي هذا السياق، قال سالم الهيوني، أحد رواد التواصل الاجتماعي، إن الشعب الليبي «حائر بين إغلاق، أو عودة ضخ النفط كما في السابق، وفي الحالتين يستشعر أنه مسروق ومنهوب».
ومنذ توقف إنتاج النفط، قال الدكتور سليمان الشحومي، مؤسس سوق المال الليبية، إنه «إذا استمر توقف تصدير النفط فإن التأثير سيكون كارثيا على الاقتصاد، خاصة في ظل عدم وجود موارد أخرى للميزانية العامة للدولة الليبية المنقسمة».
وذهب الشحومي في توضيح عبر صفحته على «فيسبوك» أن الخوض في سيناريو استمرار توقف تصدير النفط والغاز الليبي، وانعدام الإيرادات التي تغذي الخزينة العامة لحكومة (الوفاق) بطرابلس «يتطلب البحث عن حلول وسبل لإدارة الأزمة إذا استمرت».
وفي ظل تزايد المخاوف المستمرة من توقف إنتاج النفط بشكل كامل، قال الناشط المدني يعرب البركي، إن ضخ النفط أو إيقافه في الحالتين «يمثل ضرراً على الشعب الليبي»، وبرر ذلك بأنه «رغم ارتفاع معدلات الإنتاج منذ 2017 فإن منظومة الفساد في العاصمة طرابلس لم تتوان عن الإثراء غير المشروع، وعن استخدام موارد النفط ضد الشعب الليبي، بدعم الميليشيات وتقوية شوكتها».
ومضى البركي، الذي ينتمي إلى غرب ليبيا، موضحا أنه بعد عملية «الجيش الوطني» لـ«تحرير» طرابلس، أنفقت حكومة «الوفاق» عشرات المليارات لحشد وجلب «المرتزقة»، مضيفاً أن «خيار إيقاف النفط مُر، لكنه لن يغير من حياة الليبيين شيئا، فهم بلا كهرباء ولا غاز ولا سيولة، ولكنه رسالة للمجتمع الدولي ليكون له موقف من التدخلات السلبية في ليبيا، وكبح جماع الغزو التركي باتجاه ليبيا، ومنع استيراد الإرهاب لليبيا بطريقة بشعة».
وانتهى البركي إلى أن «الليبيين متضررون من ضخ النفط، ومن إيقافه أيضاً، بالنظر لاستمرار سيطرة قادة الإرهاب والميليشيات على موارده، وهذا يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته للحد من إهدار الموارد الليبية».
ورأى الشحومي أنه «لا بد من خريطة طريق مالية يتفق عليها الطرفان بشكل مباشر، تقوم على توزيع الدخل النفطي بشكل غير مباشر، وآلية محددة بطريقة انتقالية تعالج مسألة عدم الثقة، وتقرب من توحيد مؤسسات الدولة الاقتصادية»



الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
TT

الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)

تبنت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران هجمات جديدة بالطائرات المسيّرة ضد أهداف إسرائيلية، الجمعة، إلى جانب تبنّى هجمات بالاشتراك مع فصائل عراقية موالية لطهران، دون أن يعلق الجيش الإسرائيلي على الفور بخصوص آثار هذه العمليات.

وتشن الجماعة المدعومة من إيران منذ أكثر من عام هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، فضلاً عن إطلاق الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

صاروخ أطلقه الحوثيون باتجاه إسرائيل من نوع «فلسطين 2» (إعلام حوثي)

وخلال حشد حوثي في ميدان السبعين بصنعاء، الجمعة، ادعى المتحدث العسكري باسم الجماعة يحيى سريع أن قوات جماعته نفذت عمليتين عسكريتين استهدفت الأولى هدفاً عسكرياً في عسقلان، فيما استهدفت الثانية هدفاً في تل أبيب.

وزعم المتحدث الحوثي أن العمليتين تم تنفيذهما بطائرتين مسيّرتين تمكنتا من تجاوز المنظومات الاعتراضية والوصول إلى هدفيهما.

إلى ذلك، قال سريع إن قوات جماعته نفذت بالاشتراك مع ما وصفها بـ«المقاومة الإسلامية في العراق» عمليةً عسكريةً ضد أهداف حيوية جنوب إسرائيل، وذلك بعدد من الطائرات المسيّرة، زاعماً أن العملية حققت أهدافها بنجاح.

وتوعد المتحدث الحوثي بالاستمرار في تنفيذ الهجمات ضد إسرائيل حتى توقف الحرب على غزة ورفع الحصار عنها.

19 صاروخاً ومسيّرة

في أحدث خطبة لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الخميس، قال إن جماعته أطلقت باتجاه إسرائيل خلال أسبوع 19 صاروخاً باليستياً ومجنحاً وطائرة مسيّرة، زاعماً أنها استهدفت تل أبيب وأسدود وعسقلان.

كما ادعى الحوثي استهداف خمس سفن أميركية في خليج عدن، منها: بارجتان حربيتان، وهدد بالاستمرار في الهجمات، وقال إن جماعته نجحت في تدريب وتعبئة أكثر من 600 ألف شخص للقتال خلال أكثر من عام.

من آثار مسيّرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في جنوب تل أبيب الاثنين الماضي (أ.ف.ب)

وتبنّى الحوثيون على امتداد أكثر من عام إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل، لكن لم يكن لها أي تأثير هجومي، باستثناء مسيّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

واستدعت هذه الهجمات من إسرائيل الرد في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، وهو ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وتكرّرت الضربات الإسرائيلية في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، ضد مستودعات للوقود في كل من الحديدة ورأس عيسى. كما استهدفت محطتي توليد كهرباء في الحديدة، بالإضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات. وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً، وفق ما أقر به الحوثيون.

أحدث الهجمات

أعلن الجيش الإسرائيلي، الاثنين الماضي، أن طائرة مسيّرة، يعتقد أنها انطلقت من اليمن، أصابت مبنى في جنوب تل أبيب، وفق ما نقلته وسائل إعلام غربية.

وقالت القناة «13» الإسرائيلية: «ضربت طائرة مسيّرة الطابق الـ15 من مبنى سكني في يفنه، ولحق دمار كبير بشقتين»، مشيرة إلى وصول قوات كبيرة إلى المكان.

وأفاد الجيش الإسرائيلي بورود «تقارير عن سقوط هدف جوي مشبوه في منطقة مدينة يفنه. ولم يتم تفعيل أي تحذير». وقالت نجمة داود الحمراء إنه لم تقع إصابات.

وأشارت قوات الإطفاء والإنقاذ، التي وصلت إلى مكان الحادث، إلى وقوع أضرار جسيمة في شقتين. كما نقل موقع «0404» الإسرائيلي اليوم عن متحدث باسم الجيش الإسرائيلي قوله: «يبدو أن الطائرة المسيّرة التي أصابت مبنى في يفنه قد انطلقت من اليمن»، مشيراً إلى أنه يجري التحقيق في الحادث.

مدمرة أميركية في البحر الأحمر تطلق صاروخاً ضد أهداف حوثية (رويترز)

وعلى صعيد الهجمات البحرية، كانت القيادة المركزية الأميركية أعلنت في بيان، الثلاثاء، الماضي، أنّ سفينتين عسكريّتين أميركيّتين صدّتا هجوماً شنّه الحوثيون بواسطة طائرات من دون طيّار وصاروخ كروز، وذلك في أثناء حراستهما ثلاث سفن تجارية في خليج عدن.

وقال البيان إن «المدمّرتين أحبطتا هجمات شُنّت بطائرات من دون طيار وبصاروخ كروز مضاد للسفن، لتضمنا بذلك سلامتهما وأفرادهما، وكذلك سلامة السفن المدنية وأطقمها».

وأوضح البيان أنّ «المدمرتين كانتا ترافقان ثلاث سفن تجارية تابعة للولايات المتحدة»، مشيراً إلى عدم وقوع إصابات أو إلحاق أضرار بأيّ سفن.

يشار إلى أن الهجمات الحوثية في البحر الأحمر أدت منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 إلى غرق سفينتين وقرصنة ثالثة، كما أدت إلى مقتل 3 بحارة وإصابة آخرين في هجوم ضد سفينة ليبيرية.

وفي حين تبنى زعيم الحوثيين مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ بدء التصعيد، كانت الولايات المتحدة ومعها بريطانيا في أربع مرات على الأقل، نفذت منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي أكثر من 800 غارة على أهداف للجماعة أملاً في الحد من قدرتها على تنفيذ الهجمات البحرية.