أبو ديس... «عاصمة وراء الجدار» يرفضها الفلسطينيون

أهلها يرون أنها «تفتقر لأي مقومات للحياة»

قبة الصخرة وجزء من الجدار الفاصل كما يظهرا من بلدة أبو ديس شرق القدس الشرقية (أ.ف.ب)
قبة الصخرة وجزء من الجدار الفاصل كما يظهرا من بلدة أبو ديس شرق القدس الشرقية (أ.ف.ب)
TT

أبو ديس... «عاصمة وراء الجدار» يرفضها الفلسطينيون

قبة الصخرة وجزء من الجدار الفاصل كما يظهرا من بلدة أبو ديس شرق القدس الشرقية (أ.ف.ب)
قبة الصخرة وجزء من الجدار الفاصل كما يظهرا من بلدة أبو ديس شرق القدس الشرقية (أ.ف.ب)

يرفض الفلسطينيون في بلدة «أبو ديس» شرق القدس الشرقية المحتلة إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب بلدتهم عاصمة للدولة الفلسطينية المنتظرة، وفي جعبتهم مجموعة من التساؤلات حول كيف تكون العاصمة على مشارف المدينة المتنازع عليها في الجانب الآخر من الجدار.
وكشف ترمب مساء أمس عن الخطوط العريضة لخطته للسلام في الشرق الأوسط، والتي يطلق عليها الفلسطينيون تسمية «صفقة القرن» ولطالما أعلنوا رفضهم لها.
وصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو عقب انتهاء مؤتمره مع ترمب للإعلان عن خطة السلام في الشرق الأوسط، أن العاصمة الفلسطينية المقترحة ستكون في ضاحية أبو ديس على أطراف القدس.
وتمنح خطة ترمب القدس المتنازع عليها لإسرائيل لتكون عاصمتها الموحدة والغير قابلة للتجزئة. أما عاصمة الدولة الفلسطينية فتبدو معالمها غير واضحة.
بحسب الوثائق الأميركية، ستكون عاصمة الدولة الفلسطينية في جزء من القدس، في إحدى الضواحي التي كانت تابعة لها قبل اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية وبناء الجدار الفاصل.

وبحسب الوثائق، فإن بلدة «أبو ديس» شرق القدس، هي عاصمة محتملة للدولة الفلسطينية، ويمكن أن يصبح اسمها لاحقا «القدس» أو ربما يطلق عليها الفلسطينيون أي اسم آخر يختارونه، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.
وللوصول إلى «العاصمة» المعلنة عبر القدس، لا بد من التوجه جنوباً نحو حي «رأس العمود» حيث تصطف عشرات الحافلات السياحية على جوانب الطريق المقابل لأسوار البلدة القديمة، تعمل على إنزال السياح الزائرين للمدينة.
وما هي إلا بضع دقائق في السيارة حتى تصل مفترق طرق بثلاثة اتجاهات، ويقابلك في الاتجاه الرابع مقطع الجدار الفاصل الذي بنته إسرائيل لأسباب أمنية، وفق الوكالة.
ويمكن رؤية المنازل الفلسطينية على الجانب الآخر من الجدار حيث «أبو ديس».

لكن الجدار يمنع الوصول إلى البلدة، ويتوجب على الذاهب إليها أن يسلك طريقا آخر بين الحارات السكنية المكتظة في قرية جبل الزيتون، التي تقودك في النهاية إلى طريق سريع على جانب أحد مقاطعه مكب للسيارات المستعملة وفي مقطع آخر مدخل مستوطنة «معاليه أدوميم».
احتلت إسرائيل القدس الشرقية عام 1967، بعدما كانت تخضع للسيادة الأردنية كسائر مدن الضفة الغربية قبل احتلالها، وضمّتها لاحقاً في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.
بعد نصف ساعة من القيادة تصل بلدة أبو ديس التي وضعتها اتفاقية أوسلو ضمن المناطق المصنفة (ب).
وتغيب في البلدة التي يعيش فيها اليوم نحو 14 ألف نسمة أي مقومات تؤهلها أن تكون مدينة أو عاصمة.
والمناطق المصنفة (ب) تخضع للسيطرة الأمنية الإسرائيلية الفلسطينية المشتركة في حين السيطرة المدنية فيها تخضع للفلسطينيين.
في أبو ديس، تمتلئ الشوارع بالحفر وقد انهار غطاؤها الأسفلتي وتجمعت فيها مياه الشتاء.
على طول الطريق من جنوب البلدة إلى شمالها تمشي بمحاذاة الجدار الذي رسم على أجزاء منه العلم الفلسطيني وعلقت عليه ملصقات «الأسرى والشهداء» الفلسطينيين.
وعند تقاطع للطرق شمال البلدة، رسمت لوحة غرافيتية ملونة جمعت مسجد قبة الصخرة والقيادي في حركة فتح الفلسطينية، الأسير لدى إسرائيل مروان البرغوثي.

وفي مقاطع أخرى، يكاد اللون الرصاصي للجدار الخرساني يختفي بعد أن غطاه سخام إطارات السيارات التي يشعلها الشبان أسبوعيا خلال المواجهات مع الجنود الإسرائيليين.
عند هذه النقطة، لا يمكن رؤية الجانب الآخر حيث القدس الشرقية إلا بعد اعتلاء سطح إحدى البنايات وما أن تفعل ذلك حتى ترى قبة الصخرة بلونها الذهبي في الأفق.
يقف محمد هرماس (43 عاما) أمام مقلى الفلافل عند عتبة المطعم الشعبي الذي يمتلكه.
يبدو محمد غير مكترث بإعلان ترامب والأمور السياسية عموما، فالمهم عنده أن لا يضطر إلى إتلاف اللحوم والفلافل الذي يعده في مطعمه بسبب تلوثها بالغاز المنبعث من القنابل التي يلقيها الجنود عند اندلاع المواجهات.
ويشير محمد إلى مواجهات اندلعت في الموقع عشية إعلان ترمب.
يقول محمد لوكالة الصحافة الفرنسية: «ليست المرة الأولى، الأمور ذاهبة باتجاه الأسوأ، مستحيل أن يكون هناك مستقبل جيد».
أما سامي نصار الذي كان يحتسي القهوة مع صديقه خارج مقهى، فالمهم بالنسبة له أن يبقى قادرا على الوصول إلى المسجد الأقصى والصلاة فيه.
يقول سامي (33 عاما) «يجب فصل الدين عن الدولة... لكن أنا أفضل أن تكون القدس هي العاصمة».
وينصب اهتمام سامي وهو أب لثلاثة أطفال على تأمين حياة كريمة له ولأطفاله. ويشتكي الشاب الثلاثيني من تفاوت الأجور ما بين الأراضي الفلسطينية وإسرائيل.
يقول سامي «هنا نعمل ليوم كامل مقابل 80 شيكلا (حوالي 22 دولاراً)، لكن نفس العمل في إسرائيل يدر علينا 400 شيكل (حوالي 115 دولاراً) في اليوم».
بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية واستكمال بناء مقطع الجدار قرب بلدة أبو ديس، لم يعد بإمكان أهل البلدة الوصول إلى القدس.
تقول طالبة الحقوق الجامعية يارا التي تدرس في سنتها الأولى في «جامعة القدس» الواقعة على أطراف "أبو ديس"، «لا يمكن أن تكون أبو ديس العاصمة».
وتشير يارا التي تقطن في القدس وتضطر إلى قطع الحواجز عدة مرات أسبوعيا للوصول إلى جامعتها أن «القدس يجب أن تكون مدينة يستطيع الجميع الوصول إليها».
قرب الجدار في البلدة، بدأت السلطة الفلسطينية في العام 1998 ببناء مبنى البرلمان، لكن ما لبث أن بني مبنى آخر في رام الله.

وبالقرب من المبنى الحجري المهجور، تقع المكتبة المحلية التي يقول العاملون فيها إنها تحوي ما يزيد عن 2 مليون وثيقة من فترة الإمبراطورية العثمانية والانتداب البريطاني.
يقول مدير مكتبة حفظ التراث في بلدة أبو ديس خالد عليان «كان الأهالي يعتمدون على القدس في عملهم وتعليمهم، جميع المؤسسات هناك». لكن بالنسبة له فإن الجدار عمل على «عزل البلدة عن القدس» وهي التي كانت «جزءا من القدس وأحد الأحياء الرئيسية فيها».
ويرى خالد الذي «لم يفاجأ» بالإعلان الأميركي أن «أبو ديس غير مؤهلة لتكون عاصمة فهي تفتقر لكل مقومات الحياة».
ويقول وهو ينفث دخان سيجارته أن الإعلان ما هو إلا «بيع للأوهام ومضيعة للوقت».
قرب الجدار، سأل مراسلو وكالة الصحافة الفرنسية صاحب مسلخ للدجاج عن رأيه في إعلان ترامب، فقال «هذا الجدار يقول لكم كل شيء».



كيف تتوزع خريطة السيطرة العسكرية في سوريا؟

اندلاع النيران في أحد شوارع إدلب نتيجة قصف جوي يوم 2 ديسمبر (أ.ف.ب)
اندلاع النيران في أحد شوارع إدلب نتيجة قصف جوي يوم 2 ديسمبر (أ.ف.ب)
TT

كيف تتوزع خريطة السيطرة العسكرية في سوريا؟

اندلاع النيران في أحد شوارع إدلب نتيجة قصف جوي يوم 2 ديسمبر (أ.ف.ب)
اندلاع النيران في أحد شوارع إدلب نتيجة قصف جوي يوم 2 ديسمبر (أ.ف.ب)

تقدمت «هيئة تحرير الشام» مع فصائل متحالفة معها بسرعة داخل حلب، إثر هجوم مباغت، لتصبح المدينة بأكملها خارج سيطرة القوات الحكومية لأول مرة منذ اندلاع النزاع السوري عام 2011.

 

وجاء التصعيد العسكري بعد سنوات من الهدوء النسبي، ليعيد تشكيل خريطة السيطرة العسكرية بعدما كانت القوات الحكومية تمكنت وبدعم رئيسي من حلفائها، من ترجيح الكفة لصالحها في الميدان على جبهات عدة.

فكيف تتوزّع القوى العسكرية التي يحظى معظمها بدعم دولي أو إقليمي، في سوريا؟ «وكالة الصحافة الفرنسية» ترصد ما يلي:

«هيئة تحرير الشام»

قبل شن الهجوم بدءاً من 27 نوفمبر (تشرين الثاني)، كانت «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً قبل فك ارتباطها عن تنظيم القاعدة) تسيطر وفصائل متحالفة معها على نحو نصف محافظة إدلب (شمالي غرب) وأجزاء محدودة من محافظات حلب وحماة واللاذقية المحاذية، تقدر مساحتها بثلاثة آلاف كيلومتر مربع.

وتوجد في المنطقة أيضاً فصائل معارضة أقل نفوذاً فضلاً عن مجموعات جهادية متشددة تراجعت قوتها تدريجياً مثل «الحزب الإسلامي التركستاني» الذي يضم مقاتلين من الأويغور.

ويعيش في مناطق سيطرة الفصائل قرابة 5 ملايين شخص، الجزء الأكبر منهم نازحون من محافظات أخرى، بحسب الأمم المتحدة.

إثر الهجوم المباغت الذي يعد الأعنف منذ سنوات، ضاعفت الفصائل مساحة سيطرتها تقريباً، وفق ما يقول الخبير في الشأن السوري فابريس بالانش، مع سيطرتها على مدينة حلب وعشرات البلدات والمدن في ريفها وفي محافظتي حماة (وسط) وإدلب.

القوات الحكومية

خلال السنوات الأولى من النزاع، خسرت القوات الحكومية غالبية مساحة البلاد لصالح فصائل مسلحة ومقاتلين أكراد ثم تنظيم داعش.

لكن التدخل الروسي في سبتمبر (أيلول) 2015 أسهم تدريجياً في قلب ميزان القوى على الأرض لصالحها.

وبغطاء جوي روسي ودعم عسكري إيراني ومن «حزب الله» اللبناني، كانت قوات النظام قبل بدء هجوم الفصائل، الأربعاء، تسيطر على ثلثي مساحة البلاد، حيث يقيم 12 مليون شخص، وفق بالانش.

وتسيطر قوات النظام اليوم على محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة جنوباً، وحمص وحماة (وسط)، وطرطوس والجزء الأكبر من اللاذقية (غرب)، فضلاً عن دمشق وريفها.

كما تسيطر على جزء من محافظة حلب، وأجزاء من ريف الرقة الجنوبي (شمال)، ونصف محافظة دير الزور (شرق).

وتدعم قوات النظام مجموعات محلية مثل قوات الدفاع الوطني الموالية لها، فضلاً عن أخرى موالية لإيران تضم مقاتلين أفغاناً وباكستانيين وعراقيين و«حزب الله» اللبناني.

وتسيطر قوات النظام بشكل رئيسي على حقول الورد والتيم والشولة والنيشان النفطية في دير الزور وحقل الثورة في الرقة وحقل جزل في حمص (وسط). كما تُمسك بحقل الشاعر، أكبر حقول الغاز، وحقول صدد وآراك في حمص.

وتوجد نقاط تمركز عدة لجنود روس في مناطق سيطرة النظام.

على مرّ السنوات الماضية، شارك أكثر من 63 ألف جندي روسي في العمليات العسكرية في سوريا، وفق موسكو. وليس معروفاً عديد القوات الروسية الموجودة حالياً في سوريا، لكن أبرز قاعدتين عسكريتين روسيتين في سوريا، هما قاعدة جوية رئيسية في مطار حميميم قرب مدينة اللاذقية الساحلية، وأخرى في ميناء طرطوس الذي تستثمره أساساً شركة روسية.

المقاتلون الأكراد

بعد عام 2012، أعلن الأكراد إقامة «إدارة ذاتية» في مناطق نفوذهم (في الشمال والشرق) بعد انسحاب قوات النظام من جزء كبير منها من دون مواجهات، وتوسعت هذه المناطق تدريجياً بعدما خاض المقاتلون الأكراد بدعم أميركي معارك عنيفة لطرد تنظيم «داعش».

وفي عام 2015، تأسست قوات سوريا الديمقراطية، وعمودها الفقري وحدات حماية الشعب الكردية، وضمنها فصائل عربية وسريانية مسيحية، وباتت تعد اليوم بمثابة الجناح العسكري للإدارة الذاتية.

وتعد «قوات سوريا الديمقراطية» التي شكّلت رأس حربة في القتال ضد تنظيم «داعش»، ثاني قوة عسكرية تمسك بالأرض بعد الجيش السوري. وتسيطر اليوم على نحو ربع مساحة البلاد، حيث يقيم نحو 3 ملايين شخص، أكثر من ثلثهم من الأكراد.

وتشمل مناطق سيطرة تلك القوات اليوم محافظة الحسكة (شمالي شرق) حيث توجد قوات النظام في بضعة أحياء عبر مؤسسات في مدينتي القامشلي والحسكة. كما تسيطر على غالبية محافظة الرقة بما فيها المدينة التي شكلت لسنوات معقلاً لتنظيم «داعش».

كما تسيطر على نصف محافظة دير الزور وعلى أحياء في شمال مدينة حلب ومناطق محدودة في المحافظة.

وتقع تحت سيطرتها أبرز حقول النفط السورية وبينها العمر، وهو الأكبر في البلاد، والتنك وجفرا في دير الزور، فضلاً عن حقول أصغر في الحسكة والرقة. وكذلك حقلا كونيكو للغاز في دير الزور والسويدية في الحسكة.

وتنتشر قوات أميركية ضمن التحالف الدولي ضد الجهاديين في قواعد عدة في مناطق سيطرة الأكراد. كما توجد في جنوب سوريا في قاعدة التنف التي أنشئت عام 2016، وتقع بالقرب من الحدود الأردنية العراقية، وتتمتع بأهمية استراتيجية كونها تقع على طريق بغداد دمشق.

تركيا والفصائل

منذ عام 2016، شنّت تركيا مع فصائل سورية موالية لها عمليات عسكرية عدة في شمال سوريا، مستهدفة خصوصاً المقاتلين الأكراد لإبعادهم عن حدودها.

وتسيطر القوات التركية والفصائل الموالية لها على شريط حدودي يمتد من جرابلس في ريف حلب الشمالي الشرقي إلى عفرين في ريفها الغربي، مروراً بمدن رئيسية مثل الباب وأعزاز.

كما يسيطرون على منطقة حدودية منفصلة بطول 120 كيلومترا بين مدينتي رأس العين وتل أبيض الحدوديتين.

وتضم الفصائل الموالية لأنقرة والمنضوية فيما يعرف بـ«الجيش الوطني السوري»، مقاتلين سابقين في مجموعات معارضة، مثل جيش الإسلام الذي كان يعد الفصيل المعارض الأبرز قرب دمشق.

ومن بين الفصائل، مجموعات تنشط أساساً في الشمال مثل فصيل السلطان مراد، وأخرى برزت مع العمليات العسكرية التركية وبينها فصيلا الحمزة وسليمان شاه.

تنظيم «داعش»

بعدما سيطر عام 2014 على مساحات واسعة في سوريا والعراق، مُنِيَ التنظيم المتطرف بهزائم متتالية في البلدين وصولاً إلى تجريده من كل مناطق سيطرته عام 2019. ومنذ ذلك الحين قتل 4 زعماء للتنظيم، لكن عناصره المتوارين لا يزالون قادرين على شنّ هجمات، وإن محدودة، ضد جهات عدّة.

وغالباً ما يتبنى هجمات ضد قوات النظام في منطقة البادية السورية الشاسعة المساحة وغير المأهولة بمعظمها والتي انكفأ إليها مقاتلوه.

ولا يزال مقاتلوه ينشطون أيضاً في محافظة دير الزور، ويشنون هجمات تطول المدنيين، ويستهدفون قوات النظام وقوات سوريا الديمقراطية.