«أيتها الأرض»... معرض فني ورسالة حب للكوكب الأزرق

يجمع مشاركات أكثر من 60 فناناً محلياً وعالمياً لخدمة قضايا البيئة

TT

«أيتها الأرض»... معرض فني ورسالة حب للكوكب الأزرق

دشن المجلس الفني السعودي، أمس (الثلاثاء)، النسخة السابعة من معرض «21.39 فن جدة» تحت عنوان «أيتها الأرض» الذي يحوي أعمالاً تتناول مواضيع الاستدامة البيئية واستكشاف طرق بديلة للتعايش والحياة على كوكبنا من خلال برنامج فني وثقافي وتعليمي يشمل معارض وورش عمل وحوارات ونقاشات وبرنامجاً تعليمياً عاماً واسع النطاق.
وضم معرض «أيتها الأرض» الذي يقام حتى 18 أبريل (نيسان)، في كل من مقر المجلس الفني السعودي والمنطقة التاريخية بجدة القديمة، أعمالاً لأكثر من 60 فناناً ومهندساً معمارياً ومصمماً ومفكراً محلياً ودولياً تبحث عن التحديات الناجمة عن تدمير البيئة الطبيعية، وتعدّ مبادرة هذا العام استمراراً لرسالة المجلس الفني السعودي التي تهدف إلى تنمية مشهد الفن المحلي وبناء الجسور مع عالم الفن الدولي.
وقال عبد الكريم الحميد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الثقافة: «إن النسخة السابعة من معرض (21.39 فن جدة)، منصة مخصصة لعرض الأعمال الاستثنائية للفنانين المحليين (...) وتتمتع المملكة بثروة من المواهب المحلية التي تمثل العمود الفقري للتحول الثقافي الذي تشهده المملكة، ونحرص في الوزارة على دعم وخلق بيئة تسمح للفنانين والمبدعين وأصحاب المشاريع الثقافية بالنمو. أحد أهدافنا الرئيسية مواصلة تطوير الصناعات الثقافية في المملكة وإدماج الثقافة في الحياة اليومية».
مايا الخليل، المنسقة العامة للنسخة السابعة من معرض «21.39 فن جدة»، قالت إن «الفنانين والمهندسين المعماريين والمصممين المبدعين في وضع فريد لاستكشاف الأفكار والقيام بدور نشط لإيجاد حلول للأزمة البيئية التي نواجهها وإثارة النقاش والحوار، لقد انفصلنا عن الطبيعة، ببناء علاقة متزايدة من الهيمنة والاستغلال». وأضافت: «نحن بحاجة إلى إعادة النظر في قيمة تربطنا؛ ليس فقط مع الطبيعة، ولكن بعضنا مع بعض».
وقال حمزة صيرفي، أحد مؤسسي مجلس الفن السعودي، لـ«الشرق الأوسط»: «الرسالة هي محاولة لفت النظر إلى أهمية الانتباه إلى القضايا البيئية مع التغيرات المناخية، والفكرة من المعرض هي طرح مباحث عدة في كيفية الاهتمام بالبيئة، قد يوحي الفن إلى الإنسان بضرورة اتخاذ القرار تجاه ما يحدث من ضرر بيئي في العالم، وهذه هي رسالة الفن التي يجب تحملها على العاتق».
ومن ضمن المشاركين الأمير فهد بن سلطان بعمل بعنوان «الحداء»، وبيّن لـ«الشرق الأوسط» أنه «يقتفي معجماً من العلامات الغامضة ومشهداً صوتياً للنداء الحلقي القوي إثر الطقوس الحميمية لرعي الجمال، بالتناثر بين مجموعة من المصنوعات البلاستيكية المبعثرة، وهذا يكشف عمق العلاقة بين الإنسان وبيئته، وكيف تحولت هذه العلاقة إلى ما نحن فيه بعد التطور».
بينما أسهمت الفنانة نجود السديري بعمل «تكوينات التقلب» الذي وضحت فيه طبيعة وادي حنيفة بعمل سجاد يمثل شكل مدينة الرياض، ويشرح العمل تاريخ وادي حنيفة الأخضر، الذي تحول مع الزمن إلى كتلة بنية متحولة.
وعلى هامش النسخة السابعة من معرض «21.39 فن جدة» يقام معرض تحت عنوان «مساحات النحت» - عمارة مساكن الصحراء، وهي مبادرة من الهيئة الملكية لتطوير العلا، كجزء من مهمتها للعمل مع الفنانين لتحويل هذه المنطقة الصحراوية الرائعة إلى وجهة ثقافية على مستوى عالمي. وطرحت قائمة مختصرة تضم 10 فرق دولية من المهندسين المعماريين الناشئين، مقترحات لبناء مساكن صحراوية فريدة من نوعها مستخدمة تقنيات مبتكرة وموفرة للطاقة، وسيتم بناء كل واحد من المقترحات العشرة في مساحات خاصة تتيح للزوار الاطلاع عليها.
وانطلاقاً من دور المجلس الفني السعودي كمنصة فنية تعليمية، يطلق المجلس بالتزامن مع معرض «أيتها الأرض» برنامجاً تعليمياً مكثفاً مفتوحاً للجمهور لمدة 3 أشهر. ويحرص المجلس على إشراك شرائح المجتمع كافة، خصوصاً الشباب من مختلف الفئات العمرية من خلال برامج صباحية تستهدف طلاب المدارس من مختلف المراحل.
وتقدم النسخة السابعة من منتدى «21.39 فن جدة» الذي يشارك فيه 100 فنان وفنانة، محليون وعالميون، نخبة من فناني «أيتها الأرض»، وغيرهم من المبدعين والمفكرين.



من الخطابات الرئاسية إلى قراءة الوثائقيات... «محيطاتنا» بصوت باراك أوباما

وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)
وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)
TT

من الخطابات الرئاسية إلى قراءة الوثائقيات... «محيطاتنا» بصوت باراك أوباما

وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)
وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)

ليست الوثائقيات المخصصة لاستكشاف أعماق البحار مادّةً تلفزيونية جديدة، فأول هذه الأعمال يعود إلى عام 1954. ومع مرور السنوات، توالت تلك الأفلام الوثائقية إلى أن باتت تُعَدّ بالآلاف وتملأ شاشات التلفزيون ومنصات البث. صحيح أنّها مادّة عابرة للأزمنة ولا يُملّ منها، غير أنه صار من الصعب إنتاج وثائقي آخر عن عالم ما تحت الماء، وتقديم محتوى جديد ومختلف عمّا سبق.

لعلّ التميّز والاختلاف هما أكثر ما سعى إليه فريق عمل «Our Oceans (محيطاتنا)»، السلسلة الوثائقية الجديدة التي تُعرض على «نتفليكس». وقد اجتمعت عناصر كثيرة لتحقّق هذا الهدف؛ بدءاً باللقطات الحصريّة للمخلوقات البحريّة التي جرى تصويرها بتكنولوجيا تُستَخدم للمرة الأولى ومن مسافاتٍ قريبة جداً، وليس انتهاءً بصوت الراوي... باراك أوباما شخصياً.

وما بين هاتين الميزتَين، عناصر أخرى كثيرة تجعل من مشاهَدة «Our Oceans» تجربة استثنائية، لا تختلف كثيراً عن متابعة مسلسل مشوّق وزاخرٍ بالمؤثّرات البصريّة.

تُخصَصُ كلٌ من الحلقات الـ5 لأحد محيطات هذا العالم، بدءاً بالمحيط الهادئ، وصولاً إلى الجنوبي، مروراً بالهندي والأطلسي والمتجمّد. يقول الراوي إنّ تيّاراً يسافر بين تلك المحيطات ويجعل منها عالماً واحداً. لكن بين الحلقة والحلقة، تختلف السرديّات وتتنوّع المَشاهد، لتبقى نبرة الراوي ثابتةً ومُريحة للسمع.

ليس من المنصف مقارنة موهبة أوباما الصوتيّة بأيقونة وثائقيات الطبيعة، المذيع والعالِم البريطاني ديفيد أتينبورو. فالأخير رائدٌ في مجاله وأحد مؤسسي هذا النوع من الأعمال التوثيقية، بينما أوباما حديث العهد في هذا المجال. قد يغرق الرئيس الأميركي الأسبق في السرد الرتيب أحياناً، إلا أنه يحاول جاهداً أن يجعل من صوته مرآةً للصورة المذهلة، لاجئاً إلى التلوين في النبرة، وإلى خفّة الظلّ المثيرة للابتسام، وإلى التفاعل الصوتيّ البارز مع المَشاهد المُدهشة. فأوباما، إلى جانب كونه موهبة تلفزيونية صاعدة، مدافعٌ شرس عن البيئة البَحريّة، هو الذي ترعرع في جزيرة هاواي الأميركية.

صُوّر الوثائقي بتكنولوجيا متطوّرة أتاحت الاقتراب من الكائنات البحريّة بشكل غير مسبوق (نتفليكس)

يتلاقى صوت أوباما مع نصٍّ كُتبَ بحنكةٍ وإحساسٍ عاليَين، مع لمسةٍ لافتة من الفكاهة. تتميّز السلسلة الوثائقية بسرديّتها التي لا تُشبه النصوص المرافقة عادةً لهذا النوع من المحتوى، وهي ترتكز إلى تقنية الكتابة على الصورة، أي استلهاماً ممّا تقدّمه المحيطات وكائناتها من مَشاهد مذهلة. في «Our Oceans»، تتحوّل الكائنات البَحريّة إلى شخصيات، لكلٍّ منها قصة بما فيها من كفاح وتحديات ومشاعر وعلاقات صداقة وعداوة. وأمام هكذا نص على قدرٍ عالٍ من الإنسانية، لا بدّ للمُتفرّج من أن يتماهى مع المواقف التي تواجه المخلوقات المائية والطيور البَحريّة.

في المحيط الهنديّ، يتعرّف المُشاهد إلى أنثى الحوت التي تسعى جاهدةً لأكل ما تستطيع، من أجل إرضاع صغيرها المولود حديثاً الذي يستهلك الكثير من الحليب. أمّا في المحيط الأطلسي، فيجهّز ذكور سمكة الفرّيدي الأرض لاستقبال إناثها من أجل أن تضع بيضها. تتنافس الأسماك فيما بينها لترتيب المكان وتنظيفه من كل ما قد يزعج الإناث، كالأعشاب والأصداف وحتى نجمات البحر.

يُدرك فريق «Our Oceans» أنّ المعلومات العلميّة وحدَها لا تُقنع الجمهور ولا تكفي لتُعلّقه في شرك العمل. لذلك فقد ارتأى أن يستند إلى المشاعر، من خلال ملاحقة الأسماك وسائر الحيوانات، وتصويرها ضمن مواقف يسهل التماهي البشري معها؛ كما أنثى الدب تلك في حلقة المحيط المتجمّد الشمالي، والتي تبحث بشراسة عن طريدةٍ ما من أجل إطعام صغيرها المتضوّر جوعاً.

ومن بين المَشاهد التي تذهل العين والفكر على حدٍّ سواء، ذاك الأخطبوط الصغير في المحيط الهندي، الذي يصرّ على العثور على طبقتين متجانستَين من إحدى الأصداف، كي يختبئ بينهما من عيون الأسماك المفترسة وأفواهها.

لا يعتمد الوثائقي بث المعلومات العلمية بقدر ما يرتكز إلى نص وتصوير زاخرَين بالمشاعر (نتفليكس)

ما يميّز السلسلة الوثائقية كذلك، مواكبتُها لسلوكيّات المجتمعات البَحريّة. تساعد في التقاط تلك المشاهد عن قُرب، تكنولوجيا متطوّرة جداً تُستخدم للمرة الأولى على هذا العمق. ولم تنتج عن ذلك التصوير الفريد متعة بصريّة فحسب، بل انهماكُ علماء البحار في تحضير 20 دراسة جديدة حول سلوكيّات الكائنات البحريّة، بناءً على ما شاهدوه ضمن السلسلة. مع العلم بأنّ 700 عالِم وباحث شاركوا في تحضير «Our Oceans».

من المواضيع المهمّة التي يلقي الوثائقي الضوء عليها، التلوّث البحري والآثار السلبية للتغيّر المناخي على المحيطات. يأتي ذلك انطلاقاً من الاهتمام الذي يوليه المنتجان المنفّذان، باراك وميشيل أوباما، للتوعية البيئية. وإذا كانت الحلقة الأولى مكرّسة لتصوير السِّحر البحري، فإنّ الحلقة الثانية والخاصة بالمحيط الهندي تُظهر كيف يمكن أن تتحوّل جنّة ما تحت الماء إلى حاوية نفايات ضخمة. وفي هذه الحاوية، كائناتٌ صغيرة وكبيرة تآلفت مع المواد البلاستيكية وسائر أشكال القمامة وباتت تقتات منها.

لا يغفل الوثائقي موضوع التلوّث البحري المتسببة به أيادي البشر (نتفليكس)

ليس الهدف من الوثائقي تجارياً بقَدر ما هو توعويّ إلى خطورة اليد البشريّة على جمال المحيطات. يجتاز فريق العمل 75 ألف ميل انطلاقاً من حب كبير للبحار والمياه التي تغطّي 71 في المائة من مساحة كوكب الأرض. على رأس الفريق، الثنائي الرئاسي الأميركي الأسبَق المنشغل منذ عام 2018 بمشروعٍ ترفيهيّ كبير، هو عبارة عن شركة إنتاج تُدعى Higher Ground.

اجتاز فريق العمل 75 ألف ميل واستعان بـ700 باحث وعالِم بحار (نتفليكس)

أنتجت شركة آل أوباما حتى اللحظة، أكثر من 20 مشروعاً تتنوّع ما بين أفلام روائية، ووثائقيات، ومسلسلات، وبرامج للأطفال، وبودكاست. وتُعتبر معظم تلك الإنتاجات هادفة، بما أنها تتضمّن رسائل توعويّة إنسانياً، وبيئياً، ومجتمعياً.

أمّا الموهبة الصاعدة التي يلوّن صوتُها بعض تلك الأعمال، أي باراك أوباما، فيبدو صاحبَ مستقبلٍ واعد في المجال. تُوّج مجهوده الصوتيّ بجائزة «إيمي» عام 2022 عن فئة أفضل راوٍ. وكان قد حاز سابقاً جائزتَي «غرامي» في الإطار ذاته.