قبرص... جزيرة كل الفصول

تقدم أطباقاً سياحية متنوعة دسمة ليلاً ونهاراً

TT

قبرص... جزيرة كل الفصول

قد يلوم السائح نفسه في زيارته الأولى لجزيرة قبرص، ويشعر بالندم لأنه تأخر كثيراً قبل أن يمتع عينيه بمنظر الشواطئ الزرقاء والرمال الذهبية والشمس الدافئة التي تشرق على الجزيرة في كل فصول السنة، فتضيئ بأشعتها المتوهجة معبد أفروديت (إلهة الجمال والحب في الأساطير اليونانية). هذا المكان الذي يجذب عشاق الرومانسية، ومن يريدون قضاء شهر عسل بطعم خاص. وبعيداً عن الشواطئ وسحرها، تلتقط عينا السائح المروج البرية وعيون المياه والوديان العميقة وبساتين الزيتون والعنب وأشجار الصنوبر، التي ترسم للشوارع مساراتها، وتوفر للسائح فرصة المشي أو ركوب الدراجات في الهواء النقي. ليل الجزيرة لا يقل إثارة، فهو متعة للسهر، إذ لا يعرف النوم طريقه إليه. فساحاتها وشوارعها تكتظ بالفرق الفنية التي تقدم عروض الرقص والغناء حتى خيوط الفجر الأولى. أما مدنها وموانئها وآثارها ومعابدها وكنائسها وجوامعها، فهي شواهد تسرد للزائر حكاية جزيرة تمتزج فيها الحضارات اليونانية والإغريقية والعثمانية والإسلامية والأوروبية، التي تنصهر كلها في بوتقة واحدة، اسمها «قبرص».
وقبرص هي ثالث أكبر جزيرة في البحر المتوسط، بعد صقلية وسردينيا، وتقع في الجزء الشرقي من البحر، ليس بعيداً عن شواطئ سوريا ولبنان وفلسطين ومصر. وقد اشتهرت منذ القدم بصناعة النحاس، ومن هنا جاء اسمها الذي يشير إلى اسم هذا المعدن باللغة اللاتينية. وقد نالت استقلالها عن بريطانيا في عام 1960، وأعلنت قيامها كدولة مستقلة عن تركيا في عام 1983. ومن أهم مدنها «نيقوسيا» العاصمة وميناءا «ليماسول» و«لارنكا»، ومنطقة «جبال ترودوس». وسياحياً، تعد الجزيرة واحدة من أفضل الوجهات التي يمكن التفكير فيها. فرغم صغر مساحتها، فإنها تستقبل أكثر من مليوني سائح كل عام، يستقبلهم السكان بالترحاب والود، وعادة ما يسمع السائح عبارة «Kalosorisate!» (أي: أهلا وسهلا!). وليس مستغربا أن يدعوه أحد كبار السن إلى شرب القهوة، أو مشاركته في لعب الطاولة، من دون معرفة مسبقة، فهم يعدون الضيافة جزءاً من ثقافتهم، ونادراً ما يخرج الضيف من بيت قبرصي دون أن يقدموا له وجبة طعام أو حلوى أو فنجان قهوة. وخلال فترة مكوث السائح في هذه الجزيرة، يجد المساعدة من كل من يصادفهم، ويشعر براحة كبيرة وهو يتنقل من مكان إلى آخر لاكتشاف خبايا هذه الجزيرة الغارقة في الأساطير والغموض، ولسان حاله يقول: «لا يمكن للمرء ألا يحب قبرص، إلا إذا كان بلا قلب».

7 أسباب تجذب السائح إلى جزيرة قبرص

- (1) الأنشطة المائية
تمتلك قبرص عدداً كبيراً من الشواطئ الرملية، إضافة إلى شواطئ مهجورة داكنة الزرقة، يمكن اكتشافها بالسير لمسافات بعيدة خارج المدن. ويُعد شاطئ «كورال باي» (Coral Bay)، شمال مدينة بافوس، مثالياً للعائلات التي تبحث عن مناطق آمنة للسباحة، وممارسة كثير من الرياضات المائية والأنشطة العائلية، بدءاً من الغوص والتزلج على الماء وركوب الطائرة الشراعية، وصولاً إلى صيد الأسماك. أما الباحثين عن شاطئ أكثر عزلة لقضاء عطلة رومانسية، فيمكنهم التوجه إلى شاطئ «لارال بيتش» (Lara Beach)، كونه غير مكتظ بالسياح، مع فرصة لمتابعة الحياة البرية للسلاحف، من خلال نزهات تنظمها جمعيات الحفاظ على البيئة، فضلاً عن إمكانية ممارسة كل الرياضات المائية التي يمكن تصورها. وعموماً، لا يكون الطقس حاراً بدرجة كافية للسباحة بين شهري يناير (كانون الثاني) ومارس (آذار).

- (2) دفء على مدار العام
تتمتع قبرص بمناخ البحر المتوسط، أي أنه الأكثر استقراراً في أوروبا، ويبلغ متوسط درجة الحرارة السنوية 24 درجة مئوية، وهنالك 3 آلاف ساعة مشمسة في السنة، مع فصل شتاء دافئ، تتخلله زخات مطر قليلة جداً، فيما يكون صيفها معتدلاً جافاً، مما يجعل شواطئها مناسبة للسباحة والغوص والتمتع بزرقة البحر. أما الربيع، فإنه الفصل الذي يحول الجزيرة إلى واحة من الخضرة والزهور الملونة والجمال المختبئ في الغابات والوديان والقرى الصغيرة، وهو أيضاً الفصل الأكثر هدوءاً وأقل ازدحاماً بالسياح، والأنسب للباحثين عن عطلة هادئة بعيداً عن الضجيج.

- (3) أطباق متعددة الثقافات
تأثر المطبخ القبرصي بالثقافات الإسلامية واليونانية والشرق أوسطية والأوروبية والآسيوية، إذ يعتمد بشكل كبير على الأسماك والفواكه البحرية الطازجة، وخاصة الكالاماري (الحبار)، التي يأتي بها الصيادون إلى المطاعم كل يوم. وهنالك أيضاً الأطباق الشعبية المكونة من الجبن الحلومي المشوي والكباب ونقانق «Loukaniko» الحارة المنكهة بالتوابل والخبز الساخن. كما يتميز المطبخ القبرصي بـ«mezedes»، وهي مقبلات تتكون من 20 طبقاً تقريباً. أما الحلويات، فإنها تحمل إرثاً قديماً، وتتوزع بين حلوى الأرز مع السكر ونكهة اللوز وماء الورد والفستق والمعجنات المحلية والحلقوم والبقلاوة. وبالتأكيد لا يمكن مغادرة المطعم دون احتساء القهوة القبرصية التي لا تشبه غيرها.

- (4) التجول في عمق التاريخ
تضم الجزيرة بين جنباتها تاريخاً ثرياً، كونها جزءاً من الإمبراطوريتين البيزنطية والعثمانية، إضافة إلى اليونانية والإغريقية. فقد تركت هذه الحضارات كثيراً من الآثار واللقى المتوزعة على جميع أنحاء البلاد، ومنها كهوف العصر الحجري الحديث والعصر البرونزي، والمقابر الفينيقية، والفسيفساء الرومانية، إضافة إلى القلاع القديمة على قمم الجبال، والكنائس البيزنطية، والجوامع العثمانية، مع كثير من اللوحات الجدارية الشهيرة التي يمكن اكتشافها في أثناء التجول في المدن، جنباً إلى جنب مع الإرث المعماري المحفوظ الذي يعود إلى فترة لوزينيان والبندقية والعصور الإسلامية. وتجدر الإشارة إلى أن الجزيرة كانت موطناً لكثير من الكتاب والشعراء والفلاسفة. فتحت شجرة تبلغ من العمر أكثر من مائتي عام، ما تزال شاخصة حتى اليوم، كتب الروائي البريطاني لورانس دوريل روايته «Bitter Lemons» التي يصف فيها السنوات الثلاث التي قضاها في جزيرة قبرص.

- (5) حفلات الهواء الطلق
تعد قبرص وجهة مناسبة للشباب ومحبي السهر، حيث تتوهج فيها الحياة الليلية في فصل الصيف، وفي مدينة «Ayia Napa» على وجه الخصوص. فهي عاصمة للحفلات غير الرسمية، إذ تضم عدداً لا يستهان به من النوادي والمسارح التي يحيي فيها مطربون من كل أنحاء العالم حفلات تقام أفضلها من شهر يونيو (حزيران) إلى أغسطس (آب). ففي هذا الوقت، تتحول الساحة الرئيسية في «أيا نابا» إلى ما يشبه السيرك متعدد الفنون، علماً بأن السهر حتى الصباح آمن في هذه الجزيرة، إذ تنخفض فيها معدلات الجريمة بنسب غير مسبوقة، مقارنة بغيرها.

- (6) سهولة الانتقال بين المدن
تتميز قبرص بتوفرها على شبكة طرق حكومية سريعة منتظمة اقتصادية، تربط المدن والقرى بعضها ببعض. ويمكن مثلاً التنقل من نيقوسيا العاصمة إلى ميناء ليماسول خلال ساعة واحدة فقط عبر طريق الخط السريع. كما يمكن الوصول إلى جميع المدن الكبرى في الجزيرة خلال ساعتين أو أقل. وتتوفر لمن يحب قيادة السيارة الفرصة لاستئجار سيارة ليوم أو أيام بسعر معقول، والقيام بهذه الرحلات باستخدام الطرق السريعة التي توفر فرصة للتمتع بالمناظر الطبيعية على جانبي الطرق.

- (7) التزلج شتاءً
يحظى جبل أوليمبوس، الواقع في أعلى قمة جبال ترودوس، بشعبية كبيرة خلال فصل الشتاء، لما يوفره من فرصة للتزلج على الثلوج المتراكمة على سفوحه، ومن خلال 4 أماكن يُستقبل في كل منها نوع محدد من المتزلجين، من المبتدئين إلى المحترفين. وما يميز هذه الأماكن أسعار الدخول المعقولة المتاحة للجميع، حيث تبلغ تكلفة تذكرة التزلج اليومية 18 يورو. وإذا لم يكن التزلج من الأولويات، فيمكن أن يقوم السائح بجولات في سفوح جبال ترودوس، ومشاهدة المنازل نصف الحجرية ونصف الخشبية، والمشي بين أشجار غابات الصنوبر والسرو والسنديان التي تطل من بينها البنايات البيزنطية القديمة التي وضعتها منظمة «اليونيسكو» في قائمة التراث العالمي.


مقالات ذات صلة

السعودية الـ12 عالمياً في إنفاق السياح الدوليين

الاقتصاد السعودية تصدرت قائمة دول «العشرين» في أعداد الزوار الدوليين بـ 73 % (واس)

السعودية الـ12 عالمياً في إنفاق السياح الدوليين

واصلت السعودية ريادتها العالمية بقطاع السياحة؛ إذ صعدت 15 مركزاً ضمن ترتيب الدول في إنفاق السيّاح الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد نائب الرئيس للتسويق في «طيران الرياض» أسامة النويصر (الشرق الأوسط)

«طيران الرياض»: 132 طائرة إجمالي طلبياتنا من «بوينغ» و«إيرباص»

قال نائب الرئيس للتسويق في «طيران الرياض» أسامة النويصر لـ«الشرق الأوسط» إن إجمالي عدد طلبيات الطائرات وصل إلى 132 طائرة.

عبير حمدي (الرياض)
خاص واجهة جدة البحرية

خاص الخطيب: السعودية تؤدي دوراً محورياً في تطوير السياحة العالمية المسؤولة والمستدامة

شدَّد وزير السياحة السعودي أحمد الخطيب في حديث مع «الشرق الأوسط» على أن المملكة تلعب دوراً محورياً في قيادة تطوير السياحة العالمية المسؤولة والمستدامة وتقديمها.

مساعد الزياني (الرياض)
يوميات الشرق «شيبارة» يضم 73 فيللا عائمة فوق الماء وشاطئية (واس)

«شيبارة»... طبيعة بحرية خلابة في السعودية تستقبل زوارها نوفمبر المقبل

يبدأ منتجع «شيبارة» الفاخر (شمال غربي السعودية)، رابع منتجعات وجهة «البحر الأحمر»، استقبال الزوار ابتداءً من شهر نوفمبر المقبل لينغمسوا في تجربة سياحية فاخرة.

«الشرق الأوسط» (تبوك)
يوميات الشرق حمل الأمتعة اليدوية يوفر الوقت والمال (غيتي)

الأمتعة اليدوية لن تمثل مشكلة بعد اليوم

قد يوفر حمل الأمتعة اليدوية على متن الرحلة الوقت والمال، لكنه إجراء لا يخلو من التوتر. إذا كنت آخر من يستقل الطائرة، فقد تكون خزائن الأمتعة العلوية ممتلئة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«القاصوف»... صفحات من تاريخ لبنان الذهبي

فيروز حاضرة في ثنايا فندق القاصوف (الشرق الاوسط)
فيروز حاضرة في ثنايا فندق القاصوف (الشرق الاوسط)
TT

«القاصوف»... صفحات من تاريخ لبنان الذهبي

فيروز حاضرة في ثنايا فندق القاصوف (الشرق الاوسط)
فيروز حاضرة في ثنايا فندق القاصوف (الشرق الاوسط)

يُعدُّ فندق «القاصوف» في بلدة ضهور الشوير، من الأقدم في لبنان والشرق الأوسط، شهرته ملأت الدنيا، وشغلت الناس على مدى سنوات طويلة، قبل أن تدمّره الحرب.

يُشرف الفندق على منظر طبيعي خلّاب، يقع بين شجر الصنوبر، تم بناؤه في عام 1923 من قِبل جان القاصوف؛ أحد أبناء البلدة. شهد مناسبات ونشاطات سعيدة ازدحمت بها قاعته الكبرى وجدرانها المقصّبة، غنّت في رحابه كوكب الشرق أم كلثوم، وكذلك محمد عبد الوهاب، ونزلت في رُبوعه أهم الشخصيات السياسية والفنية من لبنان والعالم العربي، وفي مُقدّمتهم الملك فاروق.

فندق القاصوف من الخارج (الشرق الاوسط)

اليوم يقف الفندق مهجوراً بعد أن دمَّرته الحرب في السبعينات، صار يملكه الوزير السابق إلياس بوصعب، فحِصَّته منه تبلغ 1200 سهم تماماً، كما حصة المالك الآخر للفندق إيلي صوايا، حُكي كثيراً عن إعادة ترميمه، لينتصب من جديد مَعلَماً سياحياً في بلدة ضهور الشوير، ولكن بسبب أزمات اقتصادية وأوضاع غير مستقرة في لبنان بقي على حاله.

يشير نائب رئيس بلدية ضهور الشوير، جو شوقي صوايا، لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هذا الفندق الذي كان يُعرف بـ«لوكندة القاصوف»، شهد أيام العِزّ للبنان، وأقامت فيه شخصيات معروفة كالملك فاروق وشارل ديغول وغيرهما. ويتابع: «اليوم يشهد نشاطات فنية وثقافية، ففي أيام عطلة الأسبوع تُقام فيه حفلات موسيقية».

وبعض الأحيان يستضيف الفندق حفلات أعراس إذا ما سمح المالكون بها، فبعض أبناء البلدة أقاموا حفلات زفافهم فيه؛ لأنه كان يمثّل لهم حلم الطفولة.

نزلت في الفندق شخصيات مهمة وملكات جمال (الشرق الاوسط)

شُيِّد «القاصوف» من الحجر الصخري المكعَّب، على مساحة تبلغ نحو 11 ألف متر مربع، ويتألف من نحو 70 غرفة، وقاعة حفلات تتّسع لـ300 مدعوّ، وهو يعود لآل القاصوف الذين بنوه في العشرينات من القرن الماضي، وقبل شرائه من قِبل مالكيه الجُدد جرى بيعه للبناني من آل الخوري، وآخر من الجنسية الأردنية.

ولم تقتصر الحفلات الترفيهية في الفندق على الغناء فقط، فاتُّخِذ منه مسرح لفنانين لبنانيين وعرب، وشكَّل ساحة لتصوير الأفلام والمسلسلات، كان من زُوّاره أيضاً أسمهان، التي صوّرت داخله لقطات من آخر فيلم لها «غرام وانتقام»، وحضن أيضاً حفلات لفريد الأطرش، ونجاح سلّام، ونور الهدى، وشادية، وغيرهم.

ويشير أحد مخاتير البلدة مخايل صوايا، إلى أن هذا الفندق، وبحسب ما كان يُخبره والداه، شهد أول مؤتمر طبي في الشرق العربي، وكذلك انتخاب أول ملكة جمال في لبنان عام 1935، وانتُخِبت يومها جميلة الخليل التي غنَّى لها الراحل محمد عبد الوهاب «الصبا والجمال بين يديك»، من كلمات الشاعر الأخطل الصغير.

واحدة من صالات القاصوف (الشرق الاوسط)

لا يزال فندق «القاصوف» قِبلة السيّاح العرب، ووجهةً مُحبَّبة للبنانيين، ولو لرؤيته من بعيد؛ كي يتعرّفوا إلى مكان يتذكّره أهاليهم بفرح، فيلتقطون صوراً تذكارية في باحته، وأمام مدخله الرئيسي. وتبلغ مساحته نحو 11 ألف متر مربع، وتحيط به أشجار الصنوبر، ويشرف على منظر طبيعي جميل.

ومن سكانه الدائمين صورتان لفيروز والراحل زكي ناصيف على مدخل قاعته الكبرى، وكانت قد شهدت في السنوات الأخيرة نشاطات فنية، كحفل انتخاب ملكة جمال المغتربين، وكذلك استضافت حفلات موسيقية بينها «تعا ما ننسى»، في تحية للموسيقار الراحل ملحم بركات، والأغنية اللبنانية، وعُزفت يومها مقطوعات لعمالقة الفن اللبناني، أمثال الراحلين: وديع الصافي، ونصري شمس الدين، وزكي ناصيف، وصباح، وفيلمون وهبي، وغيرهم.

ويتحدث أهالي بلدة ضهور الشوير اليوم بحسرة عن مَعلَم سياحي عريق ينتظرون ترميمه كي يُعِيد الحياة السياحية إلى بلدتهم، وتقول ابنة البلدة جيسي صوايا: «إنه موقع سياحي يعني لنا الكثير؛ لما شهد من مناسبات هامة في الستينات والسبعينات، ونتمنّى أن يستعيد بريقه، فنَنعَم من جديد بأيام شبيهة بالحقبة الذهبية اللبنانية».