ترمب يعلن «صفقة القرن»... ودولة فلسطينية مقيدة عاصمتها {أجزاء من القدس الشرقية}

وقف بناء المستوطنات الإسرائيلية لأربع سنوات بشرط قبول الفلسطينيين الدخول في محادثات

الرئيس الأميركي يعلن امس تفاصيل خطته للسلام بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي (إ ب)
الرئيس الأميركي يعلن امس تفاصيل خطته للسلام بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي (إ ب)
TT

ترمب يعلن «صفقة القرن»... ودولة فلسطينية مقيدة عاصمتها {أجزاء من القدس الشرقية}

الرئيس الأميركي يعلن امس تفاصيل خطته للسلام بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي (إ ب)
الرئيس الأميركي يعلن امس تفاصيل خطته للسلام بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي (إ ب)

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب خطته للسلام في الشرق الأوسط، وقدم لإسرائيل في هذه الخطة معظم ما تريده من سيطرة أمنية على أجزاء كبيرة من الأراضي الفلسطينية من غور الأردن حتى البحر المتوسط، واعتراف بشرعية المستوطنات الإسرائيلية، وبسيطرة إسرائيل على مدينة القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، والتنازل بشكل مطلق عن مطالبة إسرائيل بهدم أي مستوطنات قامت ببنائها في الضفة الغربية. وطالب الرئيس الأميركي في المقابل بتنازلات من الجانب الفلسطيني مقابل إنشاء دولة فلسطينية «ذات سيادة محدودة» وتعهد إسرائيل بعدم بناء مستوطنات جديدة لمدة 4 سنوات إذا قبل الجانب الفلسطيني الخطة الأميركية والدخول في مفاوضات ومحادثات ونبذ العنف والإرهاب والتوقف عن تقديم المساعدات لأسر الإرهابيين. ولم يوضح المسؤولون الأميركيون ما إذا كان يمكن تمديد فترة السنوات الأربع إذا لم يتم إبرام صفقة نهاية تلك الفترة.

وتقدم الخطة أرضاً قابلة للمفاوضة من حيث الحجم إلى الضفة الغربية وغزة لإقامة دولة فلسطين. وهو ما أنهى التكهنات حول ما إذا كانت إدارة ترمب ستتخلى عن فكرة «حلّ الدولتين»، لكن الخطة منحت سيطرة إسرائيلية كاملة على الكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية، وهو أمر سيعارضه الفلسطينيون.
وقال ترمب، في خطابه ظهر الثلاثاء بالبيت الأبيض، إن الخطة الأميركية تعد خطوة كبيرة نحو تحقيق السلام، وإن رؤيته للسلام تقدم كثيراً من التفاصيل التكتيكية، وهي مختلفة عما طرح سابقاً من إدارات أميركية سابقة من عهد الرئيس الأميركي الأسبق ليندن جونسون إلى الآن، مشدداً أن رؤيته تمثل نصراً وفوزاً للجانبين، وأن الخطة هي أكثر خطة جدية وواقعية وتفصيلية قدمت على الإطلاق، ويمكن أن تجعل الإسرائيليين والفلسطينيين والمنطقة أكثر أماناً وازدهاراً. ووصف ترمب الخطة بأنها «صفقة مربحة لكلا الطرفين» وقال: «إسرائيل مستعدة لأخذ هذه الخطوة الكبيرة من أجل تحقيق السلام ومستعدة لتنفيذ الخطة مقابل البدء في مفاوضات». وأعلن ترمب تشكيل لجنة تتولى وضع الخرائط للخطة المفصلة وتنفيذها «فوراً»، وشدد الرئيس الأميركي أنه وفقاً لهذه الخطة ستكون القدس عاصمة غير مقسمة لإسرائيل، وتعترف فيها الولايات المتحدة بسيطرة إسرائيل على بعض المناطق، وتعترف فيها بحل الدولتين، شرط عدم وجود أي خطر أمنى على دولة إسرائيل.
وقال ترمب: «لن تكون هناك عودة للعنف وإطلاق الصواريخ وقصف للمحال، ولن أطلب من إسرائيل التفاوض أو التنازل عن الأمن، وقد قمت بالكثير من أجل إسرائيل، مثل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية، والاعتراف بسيطرة إسرائيل على الجولان، والخروج من صفقة إيران النووية الرهيبة».
وفي محاولة لاستمالة الجانب الفلسطيني، أشار ترمب أنه أرسل رسالة للرئيس الفلسطيني محمود عباس أشار فيها أنه سيتم وقف بناء المستوطنات الإسرائيلية لمدة 4 سنوات، لتتاح الفرصة للجانب الفلسطيني لدراسة الخطة والتفاوض ليكون لهم دولة مستقلة.
وقال ترمب، خلال الخطاب بالبيت الأبيض: «لقد قلت في رسالة للرئيس محمود عباس، إذا اخترت مسار السلام فإن الولايات المتحدة ودولاً أخرى ستساعدك في كل خطوة على الطريق، ولأول مرة أقول إنه هذه الخطة ستعمل إذا قام الفلسطينيون بقبولها وستظهر للعالم أي إلى مدى يمكن أن يتم العمل لتحقيق السلام».
وأضاف ترمب «أن الفلسطينيين يستحقون حياة أفضل ومستقبلاً أفضل، وظلوا عبر كثير من السنوات ضحية لدائرة من العنف والإرهاب، وأنه حان الوقت للفلسطينيين للحصول على مستقبل وحياة أفضل». وأضاف ترمب أن الفلسطينيين محبطون بعد سنوات من الحصول على وعود لم يتم تحقيقها، وهذه الخطة والخرائط ستوفر عاصمة فلسطينية في القدس الشرقية حيث سنقوم بافتتاح سفارة أميركية.
وشدد ترمب أنه سيكون للفلسطينيين (في حال قبلوا بتنفيذ الخطة الأميركية) مليون فرصة عمل، كما سيتم خفض نصف معدلات الفقر، ما سيؤدي إلى رفع الناتج القومي الإجمالي للاقتصاد الفلسطيني. وقال: «حان الوقت لإنهاء هذا الفصل من تاريخ سفك الدماء بمبررات لا معنى لها»، لافتاً أنه على المسلمين التراجع عن الخطأ الذي ارتكبوه عام 1948 وعليهم الاعتراف بدولة إسرائيل. كما شدد على أن الأمر متروك للقادة الإسرائيليين والفلسطينيين لاتخاذ إجراءات شجاعة وجريئة لإنهاء الجمود السياسي واستئناف المفاوضات على أساس هذه الرؤية والخطة الأميركية. وإذا كانت للفلسطينيين مخاوف بشأن هذه الرؤية فيجب عليهم طرحها في سياق مفاوضات بحسن نية مع الإسرائيليين والمساعدة في إحراز تقدم. ولوح ترمب بأن مجرد معارضة هذه الرؤية «يعني دعم الوضع الراهن البائس الذي هو نتاج عقود من التفكير القديم».
من جهته، قال السفير الأميركي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، خلال مؤتمر صحافي في أعقاب خطاب ترمب، إن الرؤية الأميركية تقدم لأول مرة رؤية حقيقية لحل الدولتين وحل نزاعات لم يتم حلها من قبل، وتوفر قدرة على الربط بين الضفة الغربية وغزة، وسبلاً لتوفير التمويل لتنفيذ مشروعات اقتصادية، وستكون لإسرائيل بموجب هذه الخطة السيطرة الأمنية من غور الأردن إلى البحر المتوسط.
وأضاف فريدمان: «تمنع الخطة إسرائيل من بناء المستوطنات لمدة 4 سنوات، وبذلك تعطي الفرصة للفلسطينيين لمناقشة الخطة، لأن الخيارات مفتوحة أمامهم ولا توجد ضغوط عليهم لقبولها على الفور، ونأمل أن يوافقوا على المجيء لطاولة المحادثات ومناقشة بقية تفاصيل القضايا العالقة».
قال مسؤول بالبيت الأبيض لـ«الشرق الأوسط»، إن الخطة بالفعل تلبي كثيراً من المتطلبات الأمنية لإسرائيل، وتنص على قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل، مع احتفاظ إسرائيل بالمسؤوليات الأمنية غرب نهر الأردن، والغرض من ذلك هو تمكين إسرائيل من الدفاع عن نفسها بنفسها ضد أي تهديدات. وأضاف المسؤول: «مع مرور الوقت وعمل الفلسطينيين معنا، ومع إسرائيل، سيتم نقل مزيد من المسؤوليات الأمنية من الجانب الإسرائيلي إلى السلطة الفلسطينية، وتدريجياً تقلل إسرائيل من بصمتها الأمنية على المنطقة». ولم يستبعد المسؤول الأميركي أن يكون رد الفعل العربي والفلسطيني سلبياً ورافضاً للرؤية الأميركية، لكنه أشار إلى أن دولاً عربية كثيرة لم ترفض «صراحة» الخطة، وأن الإدارة الأميركية تتوقع أن ترحب دول كثيرة بها، لكن بشكل حذر. وأوضح أن جاريد كوشنر كان يتواصل مع القادة العرب خلال الفترة الماضية، وأن رد فعل كل من مصر والأردن ستكون له أهمية خاصة، لأنهما الدولتان العربيتان الوحيدتان اللتان لديهما معاهدة سلام مع إسرائيل.
ويحتفظ الأردن بموجب الخطة الأميركية بمسؤولياته على المسجد الأقصى في القدس. وتنص الخطة المؤلفة من 181 صفحة نشرها البيت الأبيض على موقعه، على إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل حيث تكون أجزاء من القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية الجديدة، مع توفير 50 مليار دولار للإنفاق في مشروعات للبنية التحتية والاستثمار على مدى 10 سنوات لكل من الدولة الفلسطينية وجيرانها الأردن ومصر ولبنان.
وتقدم 30 صفحة من الخطة الرؤية الاقتصادية للمشروعات التي يمكن إقامتها في الضفة العربية وقطاع غزة. وتشير الخرائط التي نشرتها الإدارة الأميركية وتحدد الحدود الإسرائيلية الجديدة المقترحة إلى سيطرة إسرائيل على جزء كبير من وادي غور الأردن، وهي المنطقة الواقعة على الحدود الشرقية للضفة الغربية المتاخمة للأردن، وتستهدف هذه الخرائط إضفاء الطابع الرسمي للسيطرة الإسرائيلية على المستوطنات الكبيرة، وتمنح إسرائيل السيطرة الأمنية على الأراضي.
وتمنح الخطة الحكم الذاتي للفلسطينيين، لكنه حكم ذاتي محدود في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وحكم يتدرج في الصلاحيات والسلطات خلال فترة زمنية مدتها 3 سنوات، وهذا بشرط قيام القيادة الفلسطينية بإجراءات وسياسات جديدة تتعهد فيها وتلتزم بنبذ العنف والمضي قدماً في محادثات ومفاوضات مع إسرائيل وفقاً للخطة، وإذا رفض الفلسطينيون التفاوض مع إسرائيل لإقامة دولتهم «المشروطة» فسوف تكون لإسرائيل الحرية في ضم الأراضي لسيطرتها.
وتفرض الخطة على الطرف الفلسطيني الحكم الذاتي مقابل التخلي عن السلاح، وبعض صلاحيات الدولة في الدفاع والحماية وفرض الأمن، وتصبح سلطة استتباب الأمن مسؤولية الجانب الإسرائيلي. وتساءل كثير من المحللين حول شكل هذه الدولة الفلسطينية التي تطرحها الخطة الأميركية، وهي دولة تبدو منزوعة القدرة على السيادة.
وقد امتلأت الغرفة بكثير من المسؤولين من الجانبين الأميركي والإسرائيلي، إضافة إلى جاريد كوشنر وإيفانا ترمب وجيسون غرينبلات مبعوث الشرق الأوسط السابق، وآفي بيركوفيتش المبعوث الحالي، وديفيد فريدمان سفير الولايات المتحدة في إسرائيل, إضافة إلى سفراء سلطنة عمان والبحرين والإمارات العربية المتحدة. وقال مسؤولون إن رئيس الوزراء الإسرائيلي سيتوجه اليوم (الأربعاء) إلى موسكو لمناقشة تفاصيل الخطة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
يأتي إعلان الصفقة في توقيت أثار كثيراً من التساؤلات، فالرئيس ترمب يواجه معركة حامية في الكونغرس مع إجراءات محاكمته في مجلس الشيوخ، التي بدأت منذ الثلاثاء الماضي بتهمتين، هما إساءة استغلال سلطاته وعرقلة عمل الكونغرس. فيما يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي اتهامات في 3 قضايا فساد، وقد طلب الكنيست رفع الحصانة عنه قبل ساعات قليلة من لقائه الرئيس ترمب.
ويبدو أن التوقيت رغبة من الرئيس ترمب في تشتيت الانتباه عن النتائج التي قد تسفر عن محاكمته أو إدانته، كما يستفيد نتنياهو من هذا الدعم الأميركي المفتوح كورقة ضغط تساعده على الفوز في الانتخابات المقبلة، وتمنع محاكمته عن تهم الفساد والرشوة والاحتيال وانتهاك الثقة. ويتزامن الإعلان أيضاً مع الاحتفال بذكري محرقة الهولوكوست وفي ظل ضعف فلسطيني وإدراك عربي للعلاقة الوثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وفي ظل الرغبة الأميركية والعربية بمحاصرة الطموحات الإيرانية في المنطقة.
وقال روبورت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن للشرق الأدنى، إنه لا يمكن تجاهل العراقيل السياسية الداخلية التي يواجهها كل من الرئيس ترمب ورئيس الوزراء نتنياهو، وهذا الاتفاق يحقق مكاسب للطرفين، لكنه بالتأكيد لن يؤدي إلى تحقيق السلام.
وكانت الإدارات الأميركية المتعاقبة على مدى الثلاثين عاماً الماضية قد أولت اهتماماً كبيراً بتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ودفعت لإجراء عدد من المحادثات، كانت أبرزها محادثات النرويج السرية التي أفضت إلى اتفاقية أوسلو، ووقّع عليها إسحاق رابين، ورئيس الوزراء آنذاك شيمون بيريز، والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، برعاية الرئيس الأميركي بيل كلينتون، واعترف فيها الفلسطينيون بدولة إسرائيل مقابل اعتراف الإسرائيليين بمنظمة التحرير الفلسطينية كياناً يمثل الشعب الفلسطيني.
كانت مهمة جاريد كوشنر مستشار وصهر الرئيس ترمب هي العمل على تصميم وهندسة خطة سلام أميركية تقوم على شقين اقتصادي وسياسي، يطرح الشق الاقتصادي من الخطة حوافز ومشروعات اقتصادية للفلسطينيين والدول العربية المجاورة بما قيمته 50 مليار دولار. وتأخر الإعلان عن الجوانب السياسية في الخطة ما يقرب من 3 سنوات بسبب المقاطعة الفلسطينية تارة وبسبب الأزمات السياسية داخل إسرائيل تارة أخرى. وخلال تلك السنوات، اجتهد كوشنر – الذي كان يعمل مطوراً عقارياً في نيويورك في السابق - على وضع طابعه الخاص على واحدة من أكثر النزاعات صعوبة في العالم، وسافر إلى عدد كبير من الدول العربية والخليجية للترويج لخطته وأفكاره، آخرها كانت لقاءاته على هامش منتدى دافوس في سويسرا الأسبوع الماضي مع بعض المسؤولين العرب والخليجيين. وساندت إدارة ترمب الحكومة الإسرائيلية الأكثر يمينية في التاريخ، واعترفت إدارته بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبسلطة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية. وقال ترمب إن إدارته لم تعد تعتبر مستوطنات الضفة الغربية غير قانونية. وهو ما يتعارض مع القانون الدولي.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.