مدنيو طرابلس... ضحايا محتملون تحت رحمة «القصف العشوائي»

البعثة الأممية تطالب طرفي الحرب بتحقيق مستقل في مقتل مهاجرين

بائع في سوق للأسماك بمدينة بنغازي أمس (أ.ف.ب)
بائع في سوق للأسماك بمدينة بنغازي أمس (أ.ف.ب)
TT

مدنيو طرابلس... ضحايا محتملون تحت رحمة «القصف العشوائي»

بائع في سوق للأسماك بمدينة بنغازي أمس (أ.ف.ب)
بائع في سوق للأسماك بمدينة بنغازي أمس (أ.ف.ب)

انهمك المواطن الليبي أيوب إمساعد مع 3 من أشقائه في نقل بعض ما أمكنهم حمله من أثاث منزلهم على ظهر شاحنة كبيرة للفرار من القصف الصاروخي الذي استهدف منطقة أبوقرين (جنوب شرقي مدينة مصراتة)، بحثاً عن مأوى جديد يقي أسرتهم من الموت، بعدما شهدت بلدتهم معركة مستعرة بين الجيش الوطني وقوات «الوفاق» المدعومة بالميليشيات الأحد الماضي، قضي فيها 14 شخصاً من الجانبين.
وضعية إمساعد، الذي قال في اتصال بـ«الشرق الأوسط» أمس إنه لا يعلم إلى أين سيذهب هو وأشقاؤه ووالدته قبل أن يشير إلى احتمالية انتقالهم إلى مدينة جنزور (12 كيلومتراً غرب طرابلس)، تعكس إلى حد كبير مأساة آلاف المواطنين في العاصمة، ممن تقع منازلهم في مناطق الاشتباكات بين القوتين.
وأضاف إمساعد (26 عاماً): «لا نستطيع المغادرة بكل أمتعتنا، سنضطر إلى تركها في المنزل المكون من 3 طوابق... أبي سبقنا إلى جنزور لتدبير منزل، وأخبرنا أن الأوضاع هناك أكثر أمناً... الحرب لم تصلها بعد».
وقضي عشرات المواطنين في طرابلس منذ اندلاع الحرب قبل قرابة 10 أشهر، وتهدمت منازل ودمرت مزارع بغارات جوية وبالقصف الصاروخي العشوائي. ودعت الأمم المتحدة، في تقرير أصدرته أمس، إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية المدنيين، مشيرة إلى سقوط ما لا يقل عن 287 مدنياً، وإصابة 369 مثلهم، خلال العام الماضي.
وعملية «بركان الغضب»، التابعة لقوات حكومة «الوفاق»، اكتفت بالتنبيه على المدنيين في المنطقة الممتدة من أبوقرين حتى سرت شرقاً، والجفرة جنوباً، بضرورة الابتعاد عن تمركزات «القوات المعتدية»، وعدم السماح لهم باتخاذهم دروعاً بشرية، في إشارة إلى الجيش الوطني.
ونقل أحد أعضاء جمعية «الهلال الأحمر الليبي» في طرابلس (هو من أوصلنا إلى المواطن إمساعد) أن آلاف المدنيين في العاصمة يعانون وضعاً معيشياً صعباً، وقال لـ«الشرق الأوسط» أمس: «فور الإعلان عن هدنة لوقف إطلاق النار، بدأنا في إجلاء العالقين بمنازلهم، خارج نطاق العمليات العسكرية، لكن للأسف بعض هؤلاء وجدناهم قد فارقوا الحياة، لأسباب منها الرعب أو انتهاء طعامهم».
وأضاف القيادي بالجمعية، الذي تحفظ على ذكر اسمه لدواعٍ أمنية: «أسرة أيوب إمساعد تعد حالة من بين آلاف الحالات المشابهة؛ يوجد هناك عائلات كثيرة تريد المغادرة ولا تستطيع بسبب الخوف وقلة المال، أو أنهم ينتظرون وقف الحرب، وللأسف هؤلاء أو غيرهم ربما يسقطون في أي لحظة إن لم يتم إسعافهم فوراً»، منوهاً إلى أنهم «يتلقون مئات الاستغاثات، ولا يتمكنون من إنقاذهم بسبب تواصل القتال».
وبلغت حصيلة القتلى منذ بداية المعارك بين الطرفين 3538 شخصاً، بينهم 287 مدنياً، منهم 29 عنصراً طبياً، و49 سيدة، و56 طفلاً، بالإضافة إلى 10123 جريحاً، وفقاً لإحصائيات مستشفيات غريان العام والميداني قصر بن غشير والخضراء والميداني تاجوراء ابن سينا سرت والسبيعة ومصراتة العام والزهراء وترهونة العام وشارع الزاوية وطريق المطار وأبو سليم.
وتسببت الحرب في نزوح أكثر من 140 ألف مواطن، بحسب الأمم المتحدة، عن منازلهم، بعضهم يقيم في مساكن مستأجرة أو في مصانع ومدارس معطلة، وبعضهم الآخر ينام في الشوارع وفي محيط البنايات.
ومعاناة المواطنين في طرابلس لا تختلف كثيراً عن مأساة المستشفيات والأطقم الطبية هناك، فمن قبل استهدفت القذائف العشوائية مستشفى الصفوة بمنطقة الهضبة القاسي السبت الماضي، ما أسفر عن جرح حسام نوري المبروك وياسين على عسكر اللذين تصادف وجودهما بالمصحة في أثناء تأديتهما عملهما بها، ونقلا إلى مستشفى الحوادث أبو سليم لتلقي العلاج.
وعلى خلفية استهداف الأحياء السكنية ومقار المهاجرين غير النظاميين في طرابلس، جددت الأمم المتحدة دعوتها أمس لأطراف النزاع في ليبيا لإجراء تحقيقات مستقلة نزيهة، لضمان المساءلة عن انتهاكات القانون الدولي، فيما يتعلق بالغارتين الجويتين اللتين استهدفتا مجمع مباني الضمان في تاجوراء، في 2 يوليو (تموز) الماضي، وأسفرتا عن مقتل ما لا يقل عن 53 مهاجراً ولاجئاً في مركز احتجاز تاجوراء.
ودعت الأمم المتحدة، في تقريرها، إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمنع وقوع مأساة مماثلة في النزاع الحالي، لافتة إلى أن 60 في المائة من هذه الخسائر سببها يعود إلى الغارات الجوية.
وأشار التقرير إلى أن غارة أصابت ورشة مركبات في المجمع تستخدمها القوات الأمنية التابعة لحكومة الوفاق، وهي تبعد 105 أمتار عن مركز إيواء المهاجرين الذي تعرض لغارة ثانية بعد 10 دقائق من الأولى، متابعاً: «أصيب المركز بقنبلة ألقيت من الجو، وقد عثر على جزء كبير منها في الفتحة التي أحدثتها، وقيّم الخبراء العسكريون في فريق البعثة أن صافي المحتوى المتفجر للقنبلة يتراوح بين 50 و100 كيلوغرام تقريباً، بما يعادل قنبلة (TNT)، وأن الوزن الإجمالي للقنبلة أعلى بكثير، أي تزن 250 كيلوغراماً على الأقل».
واستكملت البعثة في تقريرها: «يبدو أن الضربات الجوية نفذتها طائرات تابعة لدولة أجنبية، إلا أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كان هذا العتاد الجوي خاضع لقيادة الجيش الليبي أم نفذه طيران دولة داعمة له».
وقال غسان سلامة، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا: «إن هجوم يوليو (تموز) 2019 في تاجوراء مثال مأساوي على الكيفية التي أصبح بها استخدام القوة الجوية سمة مهيمنة في الصراع المدني الليبي، وعلى المخاطر والعواقب المباشرة للتدخل الأجنبي على المدنيين»، مضيفاً أنه «لهذا السبب يتعين ترسيخ الالتزامات التي تم التعهد بها في برلين، في 19 يناير (كانون الثاني)، لإنهاء هذا التدخل، والالتزام بحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة».
ويدعو التقرير جميع الأطراف، لا سيما حكومة الوفاق والجيش الليبي، فضلاً عن أي من الدول التي تدعم أي من الطرفين، إلى إجراء تحقيقات في الغارات الجوية بهدف ضمان الملاحقة السريعة للمسؤولين عن تلك الهجمات. وأوصت البعثة حكومة «الوفاق» و«الجيش الوطني» بإجراء تحقيقات مستقلة نزيهة وافية حول الغارات الجوية، ومنح تعويضات ملائمة للضحايا وأسرهم، واتخاذ تدابير تمنع تكرار الحادث، ودعتهم إلى الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، لا سيما الالتزامات المتعلقة بحماية المدنيين.
ودعت البعثة إلى إغلاق جميع مراكز احتجاز المهاجرين، مع ضمان حصولهم على الحماية والمساعدة فوراً، وإعطاء أولوية للمراكز داخل المجمعات الخاضعة لسيطرة أطراف النزاع، واتخاذ خطوات فورية لضمان عدم احتجاز المهاجرين قرب الأهداف العسكرية المحتملة.



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».