تقنيات التعرّف على الوجه: نظم تستخدمها الشرطة تهدد بخرق الخصوصية الشخصية

50 % من البالغين الأميركيين يوجدون في قواعد بياناتها

تقنيات التعرّف على الوجه: نظم تستخدمها الشرطة تهدد بخرق الخصوصية الشخصية
TT
20

تقنيات التعرّف على الوجه: نظم تستخدمها الشرطة تهدد بخرق الخصوصية الشخصية

تقنيات التعرّف على الوجه: نظم تستخدمها الشرطة تهدد بخرق الخصوصية الشخصية

بعد مطاردة سريعة في مدينة أورلاندو، بولاية فلوريدا الأميركية، نجح مساعدو نقيب في الشرطة بثقب عجلات سيّارة «دودج ماغنوم» مسروقة وإيقافها، واعتقلوا سائقها. ولكنّهم لم يتمكّنوا من تحديد هويّته لأنّهم لم يعثروا على أوراق ثبوتية بحوزته، كما أنه فقد وعيه بعد تناوله مادّة ما. أمّا بصماته، فتبيّن أنّها متآكلة.
التعرف على الوجه
هذا الأمر دفع بالمحقّقين للجوء إلى أكبر وأقدم أنظمة التعرّف على الوجه في البلاد: برنامج في مقاطعة «بينيلاس» يغطّي الولاية بكاملها. اعتمد هذا البرنامج قبل نحو 20 عاماً، أي مع بداية استخدام جهات إنفاذ القانون لهذه التقنية.
استخدم رجال الشرطة هذا النظام لمقارنة صورة للرجل المعتقل مع قاعدة بيانات ضخمة، ووجدوا تطابقاً محتملاً. وهكذا، اعتبرت القضية التي حصلت عام 2017 واحدة من النتائج الناجحة الـ400 التي سجّلها النظام منذ 2014.
تقدّم مراجعة تسجيلات فلوريدا المذكورة، والتي تُعدّ التحليل الأشمل الصادر عن نظام التعرّف على الوجه التابع لجهة معنية بإنفاذ القانون حتّى اليوم، لمحة نادرة عن قدرات هذه التقنية والقيود التي تعاني منها.
وكشف مسؤولون أمنيون في فلوريدا أنّهم يستعينون بالنظام 4600 مرّة في الشهر، ولكنّ هذه التقنية ليست عصا سحرية، إذ تشير الإحصاءات إلى أنّ النظام يؤدّي في نسبة قليلة من الحالات إلى نتائج حاسمة في التحقيقات المرتبطة بمشتبه بهم مجهولي الهويّة. تتميّز أداة هذا النظام بفاعلية عالية تتميّز بتقديمه صورا واضحة تعرّف هويّة سجناء متمرّدين، أو أشخاص يستخدمون هويّات مزيّفة وصور من حسابات مجهولة على مواقع التواصل الاجتماعي. ولكن عندما حاول المحقّقون تحديد اسم مشتبه به رُصد بشكل غير واضح في مقطع فيديو من كاميرا مراقبة، حصلوا على نتائج أقلّ بكثير.
خرق الخصوصية
يسلّط نظام فلوريدا للتعرّف على الوجه، الضوء على مخاوف من قدرة التقنيات الجديدة على خرق ضمان الحقوق الذي يكفله القانون.
من جهته كشفت كلير غارفي، المساعدة الأقدم في مركز الخصوصية والتقنية في كلية الحقوق في جامعة جورجتاون أنّ «هذه الأداة تحقّق مبيعات عالية جدّاً على اعتبار أنّها قادرة على القيام بالكثير من الأمور المجنونة».
أثارت تقنية التعرّف على الوجه الكثير من الجدل في السنوات الأخيرة على الرغم من أنّها أصبحت أداة يومية تستخدم في فتح أقفال الهواتف ووسم الصور على منصات التواصل الاجتماعي.
وجذبت هذه الصناعة لاعبين تقنيين كأمازون التي تعاونت مع أقسام الشرطة ونجحت في دفع أجهزة إنفاذ القانون في نيويورك، ولوس أنجليس، وشيكاغو، وأماكن أخرى إلى جانب مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالات فدرالية أخرى، إلى استخدام منتجاتها. وتعتبر البيانات المتوفّرة على هذه الأنظمة شحيحة، ولكنّ دراسة نُشرت عام 2016 أفادت بأنّ 50 في المائة من البالغين الأميركيين موجودين في قواعد بيانات أدوات التعرّف على الوجه المستخدمة من قبل جهات إنفاذ القانون.
يحاجج مسؤولو الشرطة أن تقنية التعرّف على الوجه تعزّز سلامة الناس. ولكنّ مدناً قليلة ومنها سان فرنسيسكو، منعت جهات إنفاذ القانون من استخدام هذه الأداة وسط مخاوف مرتبطة بالخصوصية وأخطاء المطابقة. أمّا مناصرو الحريّات المدنية، فقد حذّروا من الاستخدامات الخبيثة لهذه التقنية، مذكّرين بالحال في الصين، حيث نشرت الحكومة هذه التقنية كأداة للتحكّم السلطوي.
مسألة ضمان الحقوق
وحتى الآن سمحت محكمة واحدة في الولايات المتحدة باستخدام تقنية التعرّف على الوجه من قبل أجهزة إنفاذ القانون، وأجازت تقييد حقّ المدّعى عليه بالحصول على المعلومات.
في عام 2015، اتُهم ويلي لينتش ببيع الكوكايين (كميّة تقدّر قيمتها بـ50 دولاراً) بناء على مطابقة محتملة في نظام «بينيلاس» للتعرّف على الوجه. عندما طلب لينتش، الذي ادّعى أن اتهامه باطل، صور المتهمين المحتملين الآخرين، رفضت محكمة الاستئناف في فلوريدا طلبه، وهو اليوم يقضي عقوبة بالسجن لثماني سنوات.
تتعرّض جميع المواد التقنية التي تُقدّم كأدلّة للتحليل في جلسات استماع خاصّة، ولكن نتائج تقنية التعرّف على الوجه لم تعتبر يوماً دقيقة بما يكفي لاعتمادها كدليل في جلسات قضائية. يبقى لتقنية التعرّف على الوجه دوراً كبيراً في التحقيقات، ولكنّها لا تحصل على التدقيق القضائي الذي يُطبّق على التقنيات الجنائية التي أثبتت فعاليتها.
تشدّد أجهزة إنفاذ القانون في كاليفورنيا ومدن أخرى على ضرورة عدم الاعتماد على تقنية التعرّف على الوجه لسجن أي أحد.
وكان جيمس أونيل، مفوّض في شرطة نيويورك، قد كتب في إحدى الصحف في يونيو (حزيران) أنّه «لا يمكن اعتقال أحد بناء على مطابقة تحدث على جهاز كومبيوتر».
اطلعت صحيفة «نيويورك تايمز» على عدد كبير من القضايا التي حصلت في فلوريدا، ووجدت في معظمها أن المحقّقين اتبعوا قواعد مشابهة. ولكن في بعض الحالات، رجّحت سجلّات المحكمة أن تقنية التعرّف على الوجه كانت الدليل الرئيسي الذي بُني عليه قرار الاعتقال.
في أبريل (نيسان) الفائت مثلاً، حصل شرطي في تالاهاسي يحقّق في سرقة جوال ثمنه 80 دولاراً، على صورة من كاميرا المراقبة الموجودة في المتجر وتلقّى مطابقة من نظام التعرّف على الوجه، بحسب ما ورد في لائحة «بينيلاس». بعدها، راجع المحقّق تسجيل المراقبة وتأكّد من أنّ المشتبه به هو نفسه الشخص الذي تعرّفت عليه التقنية، وكتب هذا الأمر في مستند خاص بالمحكمة.
مزايا ونقائص
في اختبارات أولية أجرتها أجهزة إنفاذ القانون في أماكن أخرى، حقّقت التقنية نتائج هزيلة ومن بينها أنظمة في كاليفورنيا كانت قد أسهمت في اعتقال أحدهم قبل أربع سنوات. ولكن على الرغم من هذه النتائج، بقيت قدرات هذه التقنية محيّرة.
في البداية، خطّطت مقاطعة «بينيلاس» لاستخدام تقنية التعرّف إلى الوجه في السجون المحليّة، وتحديداً في نظام التصوير الجنائي التعريفي. بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، تمّ توسيع البرنامج ليشمل المطار. وأخيراً، أصبح بإمكان مساعدي الشرطة استخدامه لتحميل صور مأخوذة بواسطة كاميرا رقمية خلال جولاتهم.
سجّل عدد الاعتقالات ارتفاعاً مع انتشار النظام في أنحاء الولاية وتوسّع نطاق الصور ليشمل نظام رخص القيادة. وفي عام 2009 اعتمد مكتب مفوّض الشرطة على التقنية فيما يقارب 500 اعتقال، ووصل العدد إلى 1000 بحلول 2013.
حقّقت تقنية التعرّف على الوجه مكاسب مذهلة لناحية النوعية في السنوات الأخيرة، ففي الاختبارات الحكومية، تقارن خوارزميات هذه التقنية الصور بقاعدة بيانات تضمّ 1.6 مليون من الصور الجنائية التعريفية.
وفي 2010 انخفضت نسبة الخطأ إلى ما دون 8 في المائة في الظروف المثالية، أي الإضاءة الجيّدة والدقّة العالية في الصور الأمامية، وهبطت النسبة إلى 0.3 في المائة في 2018. ولكن في حالات المراقبة، لم تتمكّن أجهزة إنفاذ القانون من الاكتفاء بمستوى الدقّة هذا.
لعلّ الجدل الأكبر حول تقنية التعرّف على الوجه كان ولا يزال أداؤها المتفاوت في تحديد هويّة الناس من مختلف الأعراق. فقد وجدت دراسة حكومية نُشرت في ديسمبر (كانون الأول) أنّ نوع تقنية التعرّف على الوجه الذي تستخدمه الشرطة في تحقيقاتها يميل إلى أنتاج نتائج إيجابية خاطئة عند تقييم صور نساء داكنات البشرة. ولكّن مسؤولين في أجهزة إنفاذ القانون في فلوريدا اعتبروا أنّ أداء التقنية لم يكن إشارة على التمييز العرقي.
-خدمة «نيويورك تايمز»



«يوتيوب» في عيده العشرين... ثورة ثقافية واقتصادية غيرت المحتوى الرقمي

تحول «يوتيوب» من منصة ترفيهية إلى مساحة للتعليم والتغيير الاجتماعي والتمكين الاقتصادي ما جعله جزءاً حيوياً من المشهد الرقمي العربي
تحول «يوتيوب» من منصة ترفيهية إلى مساحة للتعليم والتغيير الاجتماعي والتمكين الاقتصادي ما جعله جزءاً حيوياً من المشهد الرقمي العربي
TT
20

«يوتيوب» في عيده العشرين... ثورة ثقافية واقتصادية غيرت المحتوى الرقمي

تحول «يوتيوب» من منصة ترفيهية إلى مساحة للتعليم والتغيير الاجتماعي والتمكين الاقتصادي ما جعله جزءاً حيوياً من المشهد الرقمي العربي
تحول «يوتيوب» من منصة ترفيهية إلى مساحة للتعليم والتغيير الاجتماعي والتمكين الاقتصادي ما جعله جزءاً حيوياً من المشهد الرقمي العربي

في صباح الرابع عشر من فبراير (شباط) عام 2005، وبينما كان العالم يحتفل بعيد الحب، كان ثلاثة موظفين سابقين في شركة «باي بال» منشغلين بمشروع جانبي بدا بسيطاً. لم يكن ستيف تشين وتشاد هيرلي وجاويد كريم يدركون أن فكرتهم التي وُلدت في مرآب صغير بمدينة سان ماتيو في كاليفورنيا ستتحول إلى واحد من أعظم الابتكارات في التاريخ الرقمي الحديث. كانت الفكرة آنذاك بسيطة: إنشاء منصة تتيح للمستخدمين رفع ومشاركة مقاطع الفيديو بسهولة. لم تكن لديهم نية لتغيير العالم، ولكن ما بدأ كمجرد حل لمشكلة تقنية، أصبح لاحقاً ثورة إعلامية وثقافية عالمية.

يوتيوب... شرارة الانطلاق

في 23 أبريل (نيسان) 2005، نشر جاويد كريم مقطعاً مدته 19 ثانية أمام حظيرة الفيلة في حديقة حيوانات مدينة سان دييغو الأميركية. هذا الفيديو البسيط الذي حمل عنوان «أنا في حديقة الحيوانات» لم يكن مجرد بداية تقنية، بل كان لحظة ميلاد ثقافة جديدة. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2006، حدث التحول الكبير عندما استحوذت «غوغل» على «يوتيوب» مقابل 1.65 مليار دولار في صفقة وصفت حينها بأنها مبالغ فيها، لكنها تحولت إلى واحدٍ من أنجح الاستثمارات في تاريخ التكنولوجيا. بدعم «غوغل»، انطلق «يوتيوب» إلى العالمية. لكن رحلة «يوتيوب» في العالم العربي سارت بشكل أبطأ، بسبب محدودية انتشار الإنترنت وضعف البنية التحتية الرقمية في ذلك الوقت.

«يوتيوب» عربياً

في عام 2010، أطلق «يوتيوب» واجهة المستخدم الخاصة بها باللغة العربية بهدف تمكين المشاهدين من مشاركة آرائهم وأصواتهم مع العالم، وإتاحة الفرص للتفاعل مع المحتوى المفضل لديهم. ومع تحسن خدمات الإنترنت، بدأ التأثير الحقيقي لـ«يوتيوب» يظهر في المنطقة العربية. ففي 2012، تمّ إطلاق برنامج «شركاء يوتيوب» لمساعدة صناع المحتوى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على تحقيق مصدر دخل مستدام من خلال المحتوى الذي يبدعون فيه.

بحسب البيانات الجديدة الصادرة عن «يوتيوب»، زاد عدد القنوات التي تتخذ من المملكة العربية السعودية مقراً لها وتحقق إيرادات سنوية تزيد على مليون ريال سعودي بنسبة 40 في المائة. كما شهدت مصر زيادة بنسبة 60 في المائة في عدد القنوات التي تحقق إيرادات تتجاوز مليون جنيه مصري، بينما شهدت الإمارات العربية المتحدة نمواً بنسبة 15 في المائة في القنوات التي تحقق إيرادات تزيد على المليون درهم إماراتي سنوياً.

يؤكد نيل موهان، الرئيس التنفيذي لـ«يوتيوب»، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» على هامش دعوة خاصة لزيارة المقر الرئيسي للشركة في مدينة سان برونو بولاية كاليفورنيا بمناسبة الذكرى العشرين لإطلاق المنصة، التزام «يوتيوب» المتزايد بدعم نمو مجتمع المبدعين في السعودية والمنطقة العربية، واصفاً المملكة «بأنها من أكثر الأسواق حيوية وتأثيراً ثقافياً على مستوى العالم». وقد أشاد موهان «بدور المبدعين السعوديين في تجاوز الحدود المحلية وتصدير الثقافة إلى جمهور عالمي».

نيل يوهان الرئيس التنفيذي لـ«يوتيوب» متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» (يوتيوب)
نيل يوهان الرئيس التنفيذي لـ«يوتيوب» متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» (يوتيوب)

دعم إقليمي متصاعد

وعلى الرغم من عدم تأكيده لـ«الشرق الأوسط» عن خطط حالية لإنشاء مركز إقليمي لـ«يوتيوب» للمبدعين في السعودية، فإن موهان سلّط الضوء على مبادرة جديدة تحت مسمى «مجموعات المبدعين»، وهي مبادرة تهدف إلى تعزيز الترابط بين المبدعين وبناء مجتمعات إنتاجية مستدامة. وشرح موهان ذلك قائلاً: «واحد من أكثر الطلبات التي نسمعها من المبدعين هو رغبتهم في التواصل مع بعضهم البعض ليس فقط مع فريق (يوتيوب)». وذكر أن هذه المجموعات مبنية على اهتمامات مشتركة أو مجالات محتوى متقاربة، وقد بدأ «يوتيوب» فعلاً بتطبيقها في المنطقة. وأضاف أن هذا نموذج جديد نسبياً، لكن «يوتيوب» يعتزم الاستمرار في الاستثمار فيه؛ لأنه يساعد على بناء مجتمعات حقيقية تتبادل الخبرات وتنمو معاً.

من جهته، قال جافيد أصلانوف، رئيس «يوتيوب» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خلال حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»، إن المنصة «أصبحت جزءاً من النسيج الرقمي والاجتماعي في المملكة». وأشاد أصلانوف بأهمية العلاقة التي بناها «يوتيوب» مع المجتمع في السعودية. وقال: «نركز بشكل كبير على مواصلة الاستثمار في ثلاثة محاور رئيسية: الابتكار في المنتج، وبناء القدرات، وتحقيق الدخل».

جافيد أصلانوف رئيس «يوتيوب» في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» (يوتيوب)
جافيد أصلانوف رئيس «يوتيوب» في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» (يوتيوب)

الربيع العربي وتحول الأدوار

مع اندلاع أحداث الربيع العربي في 2011، اكتسب «يوتيوب» بعداً جديداً في المنطقة. تحول من منصة ترفيهية إلى أداة توثيق وتغيير اجتماعي. في الجانب الثقافي، شهدت هذه الفترة ظهور موجة جديدة من صناع المحتوى العرب الذين استخدموا اللهجات المحلية بطلاقة. الأهم من ذلك، بدأت تظهر نماذج اقتصادية جديدة. فبعض القنوات الصغيرة على «يوتيوب» تحولت إلى شركات إنتاج قائمة بذاتها. ففي مايو (أيار) 2024، وصل «يوتيوب» إلى 20 مليون شخص في السعودية، و7.5 مليون شخص في الإمارات ممن تزيد أعمارهم على 18 عاماً. وفي قطر، وصلت إلى أكثر من 1.7 مليون شخص ضمن الفئة العمرية 25 - 54 عاماً خلال الفترة نفسها.

منصة لأصوات متنوعة

على مر السنوات، أضحى «يوتيوب» منصة لأصوات متنوعة، بدءاً من البرامج الكوميدية السعودية الرائدة مثل برنامج «نون النسوة» للإعلامية هتون قاضي، ومسلسل الرسوم المتحركة «مسامير»، وصولاً إلى قناة «عالم الزراعة» لمحمد عبد الحفيظ، والتي حصدت نصائحه الزراعية أكثر من 102 مليون مشاهدة حتى الآن. كما شهدت المنصة بعضاً من أبرز اللحظات الأيقونية في المنطقة، بدءاً من تسلّم جلالة الملكة رانيا العبد الله جائزة «يوتيوب لصاحبة الرؤية» (YouTube Visionary Award)، ومروراً برقصة «هارلم شيك» الشهيرة عند أهرامات مصر، وحملة «أبو فلة» لجمع التبرعات للاجئين، ووصولاً إلى حلقة بودكاست «ثمانية» عن العلاقات التي سجلت رقماً قياسياً في موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية. وحتى شهر أبريل 2025 تم رفع أكثر من 20 مليار مقطع فيديو على «يوتيوب».

ازداد عدد القنوات السعودية التي تحقق إيرادات تفوق مليون ريال سنوياً بنسبة 40 في المائة ما يعكس نمو اقتصاد المبدعين في المملكة (يوتيوب)
ازداد عدد القنوات السعودية التي تحقق إيرادات تفوق مليون ريال سنوياً بنسبة 40 في المائة ما يعكس نمو اقتصاد المبدعين في المملكة (يوتيوب)

نقلة في المحتوى

مع تغيّر أساليب المشاهدة، يواصل «يوتيوب» تطوير منتجه ليتماشى مع تطلعات المستخدمين وصنّاع المحتوى. وبهدف مساعدة المزيد من صناع المحتوى على مشاركة قصصهم بالطريقة الأكثر ملاءمة لهم ولجمهورهم، بدأ «يوتيوب» بتوفير مجموعة متنوعة من تنسيقات المحتوى، بدءاً من الفيديو حسب الطلب (VOD)، والبودكاست، والبث المباشر وصولاً إلى جلب محتوى صناع المحتوى إلى شاشة التلفزيون. ففي مايو 2024، وصل «يوتيوب» إلى أكثر من 12 مليون شخص في السعودية، وأكثر من 2.5 مليون شخص في الإمارات عبر شاشات «التلفزيون المتصل بالإنترنت» و600 ألف شخص في قطر ممن تزيد أعمارهم على 18 عاماً. يقول جافيد أصلانوف إن ذلك يأتي في إطار مواصلة «يوتيوب» دعم تجربة متعددة الصيغ ومتعددة الشاشات للمشاهدين وصنّاع المحتوى. ويعد بأن صنّاع المحتوى يتمتعون اليوم بمرونة أكبر في تقديم قصصهم بالطريقة التي يفضلونها. ومع تصاعد استخدام التلفزيونات الذكية، يرى أصلانوف أن التحول لا يتعلق بالراحة فقط، بل بقيمة التجربة أيضاً.

اقتصاد المبدعين

وفقاً لبيانات «ستاتستا» 2024، فإن اقتصاد المبدعين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يشهد نمواً متسارعاً. وأصبحت المنصات الرقمية مصدر دخل رئيسياً لكثير من الشباب في العالم العربي. كما أن الشركات والعلامات التجارية بدأت في التعاون مع هؤلاء المبدعين للوصول إلى جمهور أوسع بطرق أكثر تفاعلية وأصالة. تشير بيانات «يوتيوب» إلى أن المنصة دفعت نحو 70 مليار دولار لصنّاع المحتوى والفنانين والشركات الإعلامية حول العالم خلال السنوات الثلاث الماضية، ويشترك معها اليوم أكثر من 3 ملايين منشئ محتوى، نصفهم بدأ رحلته قبل أكثر من 10 سنوات.

لا يقتصر الأمر على الإعلانات. يقول أصلانوف إن المنصة قامت في عام 2023 بتوسيع برنامج «شركاء يوتيوب» ليتمكن الآلاف من صنّاع المحتوى في سبع دول، من ضمنها السعودية، من تحقيق الدخل لأول مرة باستخدام أدوات التمويل الجماهيري مثل «سوبر تشات» و«سوبر ثانكس» و«سوبر ستيكرز» وعضويات القنوات. كما يشير أصلانوف إلى دور «يوتيوب بريميوم» في دعم الدخل، قائلاً إن «جزءاً كبيراً من إيرادات الاشتراكات المدفوعة يذهب إلى شركاء (يوتيوب)».

وصف الرئيس التنفيذي لـ«يوتيوب» نيل موهان السعودية بأنها واحدة من أكثر الأسواق حيوية وتأثيراً ثقافياً على مستوى العالم (أدوبي)
وصف الرئيس التنفيذي لـ«يوتيوب» نيل موهان السعودية بأنها واحدة من أكثر الأسواق حيوية وتأثيراً ثقافياً على مستوى العالم (أدوبي)

بناء القدرات

أحد محاور دعم المنصة لصنّاع المحتوى هو بناء القدرات من خلال التدريب والدعم. من أبرز المبادرات في هذا المجال، برنامج «بطلة يوتيوب»، الذي يهدف إلى تمكين النساء في مجال صناعة المحتوى. في 2024، تخرّج أكثر من 500 امرأة من مختلف أنحاء المنطقة في البرنامج، بحسب أصلانوف. كما أشار إلى التعاون المستمر مع جهات محلية مثل هيئة الموسيقى السعودية لتنمية المواهب الإبداعية وصقل المهارات الرقمية.

التحديات والتحولات

لم تكن السنوات الأخيرة سهلة على المنصة. فقد واجهت تحديات تتعلق بالرقابة من جهة، واحتدام المنافسة من منصات مثل «تيك توك» من جهة أخرى. لكن «يوتيوب» استجاب بإطلاق «يوتيوب شورتس» محلياً، ودعم صيغ الفيديو القصير بميزات تنافسية مثل الترجمات التلقائية والدبلجة الذكية.

خوارزميات تراعي الثقافة

فيما يخص سياسات المنصة وخوارزمياتها، يوضح أصلانوف أن نظام التوصية مبني على أكثر من 80 مليار إشارة تهدف إلى إيصال المستخدم للمحتوى الذي يهمه بالفعل. كما أشار إلى أن «يوتيوب» يستجيب لطلبات إزالة المحتوى المخالف للقوانين المحلية فقط بعد مراجعة دقيقة.

يعتمد «يوتيوب» بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة المشاهدة وتوفير أدوات متقدمة للمبدعين مثل التلخيص الذكي والدبلجة التلقائية (يوتيوب)
يعتمد «يوتيوب» بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة المشاهدة وتوفير أدوات متقدمة للمبدعين مثل التلخيص الذكي والدبلجة التلقائية (يوتيوب)

دور الذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد تقنية مساعدة في «يوتيوب»، بل تحول إلى محرّك رئيسي للابتكار. أصبح بإمكان المستخدمين طرح أسئلة في أثناء مشاهدة الفيديو والحصول على إجابات مباشرة، إضافة إلى أدوات تلخيص المحتوى وتوليد صور مصغّرة وعناوين جذابة تلقائياً لصنّاع المحتوى.

عبر تبويب «إنسبيرايشون» في «يوتيوب استديو» يمكن للمبدعين توليد أفكار جديدة لفيديوهاتهم، والحصول على عناوين جذابة وصور مصغرة مستندة إلى تفضيلات جمهورهم. وتبرز هنا أداة «دريم سكرين»، التي تمكّن منشئي «شورتس» من ابتكار خلفيات وصور باستخدام وصف نصي فقط، مما يفتح آفاقاً جديدة للإبداع بأسلوب سريع وفعّال. وفي خطوة رائدة لكسر حواجز اللغة، أطلق «يوتيوب» ميزة «أوتو دابنغ»، التي تسمح بدبلجة الفيديوهات تلقائياً إلى لغات متعددة (العربية قريباً) مع الحفاظ على نبرة الصوت الأصلية. هذه الميزة تتيح لصناع المحتوى توسيع نطاق جمهورهم دولياً، دون الحاجة لإعادة تسجيل الصوت أو إنتاج نسخ جديدة من الفيديو، مما يعزز من فرص الانتشار والوصول إلى شرائح أوسع حول العالم.

من الماضي نحو المستقبل

من فيديو مدته 19 ثانية أمام قفص فيلة، إلى منصة تُشاهد فيها مليارات الساعات يومياً، رحلة «يوتيوب» لم تكن عادية. السؤال اليوم لم يعد: كيف غيّر «يوتيوب» العالم؟ بل: كيف سيغيّر العالم شكل «يوتيوب» في العقد المقبل؟ الإجابة تبدأ مع كل فيديو جديد وكل قناة ناشئة وكل فكرة تُطرح. فالمستقبل لم يعد مجرد مشاهدة... بل مشاركة وإبداع وتغيير.