مظاهرات حاشدة في بغداد ومدن الجنوب... والصدر يهدد الحراك ثم يتراجع

عشرات الإصابات في الناصرية بعد محاولات لفض اعتصام الحبوبي

مشاركة نسوية كثيفة بمظاهرة حاشدة ضد الطبقة السياسية في كربلاء - متظاهر في مواجهة عناصر أمن بساحة الخلاني في بغداد أمس (أ.ف.ب)
مشاركة نسوية كثيفة بمظاهرة حاشدة ضد الطبقة السياسية في كربلاء - متظاهر في مواجهة عناصر أمن بساحة الخلاني في بغداد أمس (أ.ف.ب)
TT

مظاهرات حاشدة في بغداد ومدن الجنوب... والصدر يهدد الحراك ثم يتراجع

مشاركة نسوية كثيفة بمظاهرة حاشدة ضد الطبقة السياسية في كربلاء - متظاهر في مواجهة عناصر أمن بساحة الخلاني في بغداد أمس (أ.ف.ب)
مشاركة نسوية كثيفة بمظاهرة حاشدة ضد الطبقة السياسية في كربلاء - متظاهر في مواجهة عناصر أمن بساحة الخلاني في بغداد أمس (أ.ف.ب)

في مؤشر على قوة الحراك الاحتجاجي في العراق واستمراره وعدم تأثره بانسحاب أتباع «التيار الصدري»، امتلأت شوارع العاصمة بغداد ومدن وسط وجنوب البلاد، أمس، بموجة جديدة من المظاهرات الطلابية المنددة بالأحزاب والسلطات، مطالبة بتحقيق أهداف الحراك الاحتجاجي. ومثلما جرت العادة في الأشهر الماضية من خروج الطلبة في كل يوم أحد، الذي يصادف بداية الدوام الرسمي للجامعات ومؤسسات الدولة بعد عطلة الأسبوع، توافد آلاف الطلبة من الجامعات الحكومية والأهلية منذ ساعات الصباح الأولى إلى ساحة التحرير وسط بغداد وبقية الساحات، في موجة عُدّت الأكبر قياساً بالموجات السابقة.
وبدا واضحاً أن الطلبة أرادوا التأكيد على دورهم الفعال في إدامة زخم الاحتجاجات وعدم تأثره بانسحاب بعض الأطراف، كما عبّرت بعض الهتافات التي أطلقها المتظاهرون عن عدم الرضا عن انسحاب «تيار الصدر» منها، حيث هتفوا: «كل من عاف التحرير... موش ويانه (ليس معنا)».
وفيما لم تسجل بغداد صدامات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن، باستثناء مناوشات طفيفة في مقتربات ساحتي السنك والخلاني، شهدت مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار، أمس، صدامات عنيفة أسفرت عن وقوع ما لا يقل عن 75 إصابة بين صفوف المتظاهرين والمحتجين في ساحة الحبوبي وتقاطع البهو القريب منها. ويقول الناشط فيصل العويلي إن «القوات الأمنية تسعى منذ أيام إلى فضّ الاعتصام في ساحة الحبوبي، خصوصاً بعد تولي قائد الشرطة الجديد ناصر الأسدي مهام عمله، وقد قاموا صباح اليوم (أمس) بمحاولة الدخول إلى الساحة عبر تقاطع البهو، ووصلوا حتى الجسر الجمهوري، لكن المتظاهرين تصدوا لهم». ويؤكد العويلي لـ«الشرق الأوسط» أن «عمليات الكر والفر بين المتظاهرين وقوات الأمن استمرت لساعات، ثم تمكن بعدها المتظاهرون من طردهم وإرغامهم على العودة إلى مقرهم في مبنى الشرطة». وأضاف: «بعض المتظاهرين هاجموا منزل قائد الشرطة وحاولوا إحراقه وطالبوا بإقالته من منصبه فوراً». وأكد العويلي «سقوط ما لا يقل عن 5 قتلى بينهم اثنان من رجال الشرطة».
وعن المهلة الجديدة التي منحها متظاهرو الناصرية للسلطات الحكومة المتمثلة في إطلاق مسيرة مارثونية من جميع محافظات الجنوب وصولاً إلى بغداد ومحاصرة المنطقة الحكومية (الخضراء)، يستبعد العويلي إمكانية خروج نوع كهذا من الماراثونات الاحتجاجية، ويرى أنها «مكلفة وتتطلب أعداداً ضخمة من المتظاهرين، كما أنها تتطلب نصب مئات الخيام على الطرق الدولية لتقديم الخدمات، وهي فوق ذلك خطرة على حياة المتظاهرين، وسيكون في إمكان القوات الأمنية استهدافهم بسهولة».
وسبق أن منح متظاهرو الناصرية الحكومة أسبوعاً واحداً لتحقيق المطالب، وبخلافه تتم عمليات قطع الطرق الدولية الرابطة بين المحافظات. وفي تطور لاحق، انسحب المعتصمون أمس من على جسر فهد على الطريق الدولية الرابطة بين ذي قار وبقية المحافظات بعد قيامهم بقطع الطريق لنحو 4 أيام، نظراً لبعد الجسر عن المدينة وسهولة استهدافهم من القوات الأمنية وصعوبة وصول المؤن إليهم، بحسب بعض الناشطين.
من جانها، قالت مفوضية حقوق الإنسان في العراق، أمس، إنها تواصل توثيق الأحداث والإصابات وأعداد القتلى في المظاهرات المستمرة في بغداد وعدد من المحافظات. وأبدت المفوضية في بيان «أسفها وقلقها البالغ للأحداث التي رافقتها والتي أدت إلى سقوط شهداء ومصابين من المتظاهرين والقوات الأمنية، والذي يعد انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان». وذكرت أنها وثقت خلال اليومين الأخيرين «استشهاد 12 متظاهراً؛ منهم 9 في محافظة بغداد، و3 في محافظة ذي قار، كما وثقت إصابة 230 من المتظاهرين والقوات الأمنية، منهم في محافظة بغداد 118، وفي محافظة ذي قار 78، وفي محافظة البصرة 34، إضافة إلى حصول 89 حالة اعتقال لمتظاهرين في محافظتي بغداد والبصرة». ودعت المفوضية «الأطراف كافة إلى وقف أي شكل من أشكال العنف، وضبط النفس، والحفاظ على سلمية المظاهرات، والابتعاد عن أي تصادم يؤدي إلى سقوط ضحايا، والتعاون بغية حماية الأرواح والممتلكات العامة والخاصة، وإيقاف الانتهاكات في حقوق الإنسان، والتي تؤدي إلى تقييد حرية الرأي والتعبير والتظاهر السلمي».
من جهته، دعا «التيار الصدري» إلى وقفة احتجاجية ضد السفارة الأميركية في بغداد ومن وصفهم بـ«المتجاسرين» على السيد مقتدى الصدر مساء أمس.
وقالت الهيئة السياسية للتيار في بيان: «إلى الأحرار الوطنيين ممن يرفضون الاحتلال الأميركي وغيره... ندعوكم اليوم الأحد إلى وقفة احتجاجية ضد السفارة الأميركية وأذنابها ممن تجاسروا على رمز الوطن القائد السيد مقتدى الصدر». وأوضح البيان أن الوقفة الاحتجاجية تلك ستكون «عند الساعة السادسة مساء في أماكن صلوات الجمعة بالمحافظات»، مبيناً أن الوقفة في النجف ستكون «قرب مجسرات ثورة العشرين».
وفي وقت لاحق، دعا زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر أنصاره إلى عدم التظاهر لأجله، ونقل المقرب منه صالح محمد العراقي في منشور نيابة عنه: «إنني إذ أوقفت الدعم الإيجابي والسلبي إن جاز التعبير، إنما أردت إرجاع الثورة إلى مسارها ورونقها الأول لا إلى معاداتها».
وفهم بعض المراقبين أن الصدر يلوح بالتهديد لخصومه حين ذكر في المنشور أنه «ان لم يعودوا (ويقصد المنتقدين له) فسيكون لنا موقف آخر لمساندة القوات الأمنية البطلة والتي لا بد لها من بسط الأمن لا الدفاع عن الفاسدين». كما قال الصدر إنه يسمح «للفاسدين بركوب موجها (المظاهرات)، لا سيما من سارعوا إلى تصريحات لصالح الثورة ما إن ظنوا أننا ابتعدنا عنها».
وكان طيف واسع من السياسيين وقادة الكتل أعلنوا تأييديهم انتفاضة بعد انسحاب أتباع التيار من المظاهرات، ومن بينهم رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي ورئيس «تيار الحكمة» عمار الحكيم وزعيم «القائمة الوطنية» إياد علاوي، وعاد الأخير أمس، ليشيد بالحراك الاحتجاجي ويعلن رفضه أي مرشح لرئاسة الوزراء يقدم بقرار إيراني. وقال علاوي في تغريدة عبر «تويتر»: إن «المرشح الذي يأتي بقرار أو تأثير خارجي إيراني أو غيره وبمعزل عن إرادة الشعب المنتفض، سيرفض سياسياً وشعبياً، قبل أن يطرح، وسيتسبب بأزمة جديدة ويعقد المشهد أكثر». وأضاف: «الحراك الشعبي الذي يملأ أرجاء الوطن هو حراك عراقي خالص، يرفض بشكل خالص أي وصاية، أو تأثير خارجي، وهو ما نحرص عليه وندعو إليه».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.