ليبيون منقسمون حول حل أزمتهم بعد «محطة برلين»

TT

ليبيون منقسمون حول حل أزمتهم بعد «محطة برلين»

«لم نكن في احتياج إلى مؤتمر دولي جديد كمؤتمر برلين ليذكرنا بأزمة بلادنا والبحث عن حل لها. لقد تأكدنا منذ سنوات من أن الكل يسعى لمصالحه، وأنه لا أحد يهتم بنا كشعب، متغافلين عن أن استمرار الحرب لن يدمر الاقتصاد فقط؛ بل الدولة برمتها»... بتلك الكلمات بدأت غادة السيد (اسم مستعار)، طالبة بإحدى الجامعات الليبية، حديثها عن عدم قدرة مؤتمر برلين الأخير حول ليبيا على أحياء الأمل بوجود انفراجة قريبة في المشهد الليبي الراهن.
الناشط والمحلل السياسي الليبي محمد صالح جبريل، يرى أن «هناك كتلة واسعة من الليبيين تؤمن بضرورة الحسم العسكري، عبر الجيش الوطني في معركته الراهنة لتحرير العاصمة من قبضة الميليشيات المسلحة»، مشيراً إلى أن «الحسم العسكري سيكون مفتاح الحل الحقيقي للأزمة، خصوصاً أن معظم الليبيين يقدرون دور الجيش الوطني الذي حرر مدناً مهمة وكبيرة مثل (بنغازي) و(درنة) من قبضة الجماعات الإرهابية، فالجميع الآن يقارنون بين فوضى الميليشيات بالعاصمة، ودولة المؤسسات والقانون بالشرق والجنوب. الآن ينظر للجيش بوصفه منقذاً من حروب الوكالة ودهاليز السياسة والمشاورات والحلول السياسية الخارجية التي لم يعد أحد يؤمن بها».
بدورها، لم تعوّل الدكتورة حنان الشريف، رئيسة «منظمة ليبيا لحقوق الإنسان»، كثيراً على احتمالية أن تؤدي المسارات السياسية التي تتولد بناءً على توصيات المؤتمرات الدولية حول ليبيا، إلى حل جدي وسريع، مرجعة ذلك لانعدام الحيادية وتغليب لغة المصالح في تلك المؤتمرات. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «نأمل أن يكون الحل ليبيّاً – ليبيّاً. وبالفعل نرصد حركة ناشطة للقبائل الليبية، التي تسعى لتنسيق الصفوف الداخلية، ولكن هذا لن يتحقق إلا بوجود ضغط على الأطراف المؤدلجة الموجودة بمؤسسات الحكم في الغرب الليبي».
وأشار اللواء صالح رجب، رئيس «المجلس الأعلى لقبائل الأشراف والمرابطين»، أيضاً إلى «فقدان الليبيين الثقة بالمؤتمرات الدولية ونتائجها لتغير الواقع ببلادهم»
وأوضح رجب، وهو أحد وزراء الداخلية في عهد القذافي، في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط» أن «الكل يركز على الحل العسكري، بدليل قرار مشايخ القبائل الموحد بضرورة إغلاق حقول النفط والغاز رغم تضرر الجميع بالشرق جراء ذلك اقتصادياً، ولكن نريد أن نوصل رسالة للعالم بدعمنا للجيش الليبي، في معركته لمحاربة الإرهاب، فعوائد النفط تنفق لصالح الميليشيات التي تقتل أولادنا بالجيش وفي جلب مرتزقة وإرهابيين من كل حدب وصوب».
وهو ما يتفق معه فيه مدير إدارة التوجيه المعنوي بالجيش الوطني العميد خالد المحجوب، عبر قوله: «أي حل قد يتم التوصل إليه عبر المسار السياسي لمؤتمر برلين، ليس إلا جزءاً من نتائج الحسم العسكري الذي حققه الجيش أخيراً في محاور القتال بطرابلس».
ويقول المحجوب في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «عندما اقتربت الميليشيات في الغرب من الانهيار والسقوط العسكري والسياسي، بدأ الحديث عن الحل السياسي الذي كانوا يرفضونه بشدة بل ويتوعدوننا بوصفنا قادة بالجيش بالانتقام والتنكيل... الآن اللغة تغيرت والحسابات أيضاً تغيرت لدى الغرب الليبي الذي يسارع للبحث عن طوق نجاة عبر الحلول الدولية والتي نتوقع أن يقوم خلالها الجسم السياسي بالتضحية بالميليشيات بهدف الحفاظ على أي مصالح له بالمستقبل، فتفكيك الميليشيات ونزع سلاحها هدف رئيسي للجيش لا يمكن الحيد عنه».
في المقابل، يصف محمد معزب، عضو المجلس الأعلى للدولة بطرابلس، الحديث عن حل الأزمة عبر الحسم العسكري في طرابلس بأنه مجرد «أحلام»، مشيراً إلى أن الجيش الليبي «بدأ حملته منذ 10 أشهر على العاصمة، ولم يحسم الأمر، بسبب الكتلة السكانية الكبيرة في طرابلس والغرب التي هي على أتم الاستعداد لمحاربة هذا الجيش لآخر قطرة دم».
وقال معزب لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف مخرجات (برلين) كانت مخيبة للآمال، بعد عدم إلزام طرفي الصراع بالجلوس لطاولة تفاوض واحدة للبحث عن حل وإصدار قرار بتوقف كل الأعمال القتالية. لقد اكتفى المؤتمر بتشكيل لجان كلجنة العسكريين التي أثارت غضب الليبيين وأشعرتهم بأن بلادهم أمام مساعي تقسيم دولي...»، مؤكداً: «بالطبع لا نستبعد الحل السياسي، ولكن للأسف سيحدث ذلك بعد حرب تستنزف قدرات الطرفين البشرية والمادية».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.