بوتان.. مملكة منسية بين ضباب جبال الهيمالايا

وجهة غامضة برسم الاكتشاف

بوتان.. مملكة منسية بين ضباب جبال الهيمالايا
TT

بوتان.. مملكة منسية بين ضباب جبال الهيمالايا

بوتان.. مملكة منسية بين ضباب جبال الهيمالايا

إذا كنت ترغب في التخلي عن وسائل الترف الحديثة التي بين يديك، وما يصاحبها من مؤثرات غربية، وتسعى إلى اكتشاف واحدة من آخر المناطق السحرية التي لم تمسها يد التخريب ولا تزال فيها الحكمة القديمة، فأفضل مكان يمكنك الذهاب إليه هو مملكة بوتان الواقعة على جبال الهيمالايا.
تتساوى مساحة بوتان، التي تقع بين التبت والهند، مع دولة مثل سويسرا، ويبلغ إجمالي عدد سكانها 800 ألف نسمة فقط. تعرف البلاد باسم آخر «شانغريلا» (أرض التنين) على كوكب الأرض. وهي ثرية بالطبيعة الخلابة التي تخطف الألباب والكنوز الثقافية التي صنعها البشر.

* لماذا بوتان؟

* من ذا الذي لا تفتنه المملكة البوذية الصغيرة الواقعة عاليا فوق جبال الهيمالايا، والتي تكمن فلسفتها الأساسية في تعزيز الناتج الوطني للسعادة بدلا من الناتج المحلي الإجمالي. ومن ذا الذي لا يعجب بدولة قصية تحمل غموضا ساحرا لدرجة أنها لم تفتح أبوابها أمام السائحين قبل عام 1974 ولم تدخل إليها أجهزة التلفزيون حتى التسعينات من القرن الماضي؟
تقدم بوتان بجميع أرجائها تجربة أصيلة حقا في أرض الأديرة القابعة بين ثنايا الجبال، والمدقات غير الممهدة التي يقل السائرون فيها، والشعب الرائع المضياف.
لا أعتقد أنني كنت سأسافر إلى بوتان لو لم تكن بديلا سياحيا زهيد التكلفة مقارنة بوجهات أخرى أكثر روعة مثل سويسرا أو فرنسا. ولكن بعد قضاء أسبوع في بوتان، كانت دهشة كبيرة أمام حقيقة أنها بلد استثنائي.
يشبه السفر داخل بوتان بالمرور عبر أجمل عطايا الطبيعة. سوف تجد ذاتك مستمتعا إلى أقصى درجة بما تمنحه الطبيعة من وديان مذهلة وأنهار أصيلة، وجبال شاهقة وأقواس قزح، وأيا كان ما تعرفه عن جمال الطبيعة ستجده أمامك، بينما تضمك النسمات العليلة في محبة بالغة.
أفضل ما يميز بوتان هو عدم وجود خيارات لدى زيارة معالم المدينة. فلن تضيع وقتا في الانتقال من مكان إلى آخر وأنت تحمل برنامج الرحلة وتخرج من وإلى البوابات. بل هي مكان لا يدفعك إلى العجلة، إذ تقدم لك درسا في تقدير الحياة وجميع الأشياء البسيطة. ونظرا لأن عدد سكانها 800 ألف نسمة فقط، تشعر طوال الوقت أن البلد خاليا، ولكنه الفراغ المذهل الذي لا يبعث على الكآبة. كما أن الناس يبدون سعداء.

* تاريخ دولة

* انفصلت مملكة بوتان عن التبت في القرن الثامن، واختفت بين ضباب الجبال. وعلى مدار 11 قرنا كانت مغلقة أمام الغرباء حتى أن بقية العالم نسيها تقريبا. كان زائروها الوحيدون الرهبان الموسميين الذين يهربون من الضغوط الاجتماعية في الدول الأكثر «تحضرا». وظلت مملكة بوتان منعزلة بدرجة كبيرة عن بقية العالم حتى مطلع الستينات من القرن الماضي.

* حذر من الأجانب

* دائما ما كانت بوتان تحذر الأجانب. وعلى الرغم من أنها فتحت أبوابها أمام السياح الأجانب في عام 1974، فإنها ظلت غير متاحة للزيارة أمام معظمهم، ليس فقط بسبب موقعها البعيد، ولكن أيضا بسبب جهودها الصارمة في المحافظة والتي تثير الإعجاب.
تتسم السياحة في بوتان بقلة الأعداد مع ارتفاع الجودة، حيث تضع المملكة أولوية للحفاظ على ثقافتها وبيئتها، لذلك تحرص على عدم السماح للسياحة بالتأثير عليهما سلبا. وتهدف الحكومة إلى جذب زائرين حسني النيات بفرض حد «أدنى» من الرسوم يبلغ 250 دولارا في اليوم للزائر الواحد. قد يبدو هذا المبلغ باهظا ولكنه يغطي تكاليف التأشيرة والإقامة والغذاء والانتقالات والإرشاد السياحي.
يحتاج جميع زائري بوتان إلى الحصول على تأشيرة لدخول البلاد. ويجب الحصول على تصريح بالتأشيرة قبل المجيء إلى بوتان، كما يجب حجز الرحلة عن طريق شركة سياحة بوتانية أو شريك عالمي. ولكن لا يخضع الهنود لمثل هذه القيود.

* كيف تصل إلى بوتان؟

* في الوقت الحالي، تتجه رحلات طيران يومية من بانكوك ونيودلهي وكالكوتا وباغدوغرا وبود غايا ودكا وكتمندو وغواهاتي وسنغافورة ومومباي إلى مطار بارو الدولي الوحيد في بوتان.
وتنظم شركتا طيران رحلات إلى بوتان وهما شركتا «دروك إير» و«بوتان» للخطوط الجوية. ويجري حاليا إنشاء مطار دولي ثان في غيليفو الواقعة على الحدود الجنوبية مع الهند. يعد السفر إلى مطار بارو الدولي ببوتان تجربة مثيرة حيث يقربك الهبوط إلى وادي بارو من قمم الجبال بدرجة أكبر من أي رحلات طيران أخرى في العالم، وعندما تقلع الطائرة عاليا، يمكنك الاستمتاع برؤية المنظر الخلاب لقمم إيفرست ولوتسي وماكلو وكانشينجونغا. صحيح أن المغامرات تبدأ في معظم الدول عندما تجتاز مكتب الجوازات وتغادر المطار، ولكن تبدأ المغامرة في بوتان بالهبوط المذهل. ويستمر السحر على مدرج الهبوط حيث تغادر الطائرة لتلتقط صورا إلى الخلفية السيريالية الفاتنة التي أقيم أمامها مطار بارو الصغير، الذي يعد أجمل وأهدأ المطارات التي زرتها. يملك المسافرون حرية التجول حول المدرج لالتقاط الصور وسط المناظر المحيطة المثيرة للإعجاب. ويشير إليك العاملون في المطار إلى قاعة الجوازات والهجرة بابتسامة صامتة ولسان حالهم يقول: «لا تزال لم تر أي شيء حتى الآن».
عندما تقف أثناء أداء مسؤولي الجوازات لعملهم بوضع الختم على كل جواز سفر مرتدين زيهم الوطني الجذاب، يمكنك التطلع إلى الصور الموضوعة في إطارات كبيرة للملوك من عائلة وانغشاك الحاكمة المحبوبة، التي نجحت في إدارة البلاد منذ عام 1907.

* بوتان المدهشة

* تضم بوتان الكثير من المفاجآت. إنها بلاد تزرع أرزا أحمر اللون، ولا يعد فيها الفلفل الحار من البهارات بل المكون الأساسي. وتنتشر فيها قلاع الأديرة العملاقة التي تعرف باسم دزونغ. وترى رهبانا بالزي الأحمر في كل مكان، كما تجد في كل منزل غرفة خاصة بمذبح القرابين.
لا يجب أن تغادر بوتان دون أن ترى موقع مسابقة الرماية المحلية التي تقام بعد ظهيرة يوم الأحد. سيسعد السكان كثيرا لشرح الرياضة الوطنية لك وقد يعلموك بعض الهتافات الشبيهة بما يردده مشجعو كرة القدم ضد الفريق المنافس.
قد تكون هناك مفاجأة للأجنبي إذا علم أن كثيرا من النساء البوتانيات لديهن زوجان. يوضح دانشو رينزين، مسؤول الإعلام والتسويق في مجلس بوتان للسياحة، أنه في العائلات التي تتزوج فيها المرأة من رجلين، يظل أحدهما معها بينما يخرج الآخر إلى الجبال لرعاية الماشية. وبعد فترة من الوقت يتبادلان الأدوار.

* مناطق تجب زيارتها

* أنشئت تيمبو عاصمة بوتان، وهي في حجم بلدة إنجليزية، على يد الملك الراحل جيغمي دورجي وانغتشوك في عام 1961، لتحل محل العاصمة القديمة بونخا التي تبعد بمسافة سلسلة من الجبال. وعلى ارتفاع 7.710 قدم في وادي نهر وانغ شو الخصيب، تجمع العاصمة تيمبو بين القديم والحديث. إنها عاصمة استثنائية على مستوى العالم. فهي مدينة صغيرة يسكنها 100 ألف نسمة. وأبرز علاماتها المرئية هو تاشيتشو ديزونغ، مقر الحكومة الملكية وهيئة الرهبانية المركزية. لا يختفي سحر تيمبو داخل ثروات المعارض أو المتاحف أو المناطق ذات المعالم التاريخية، بل يجب أن يتجول الزائرون عبر الشارع الرئيسي ويدخلون إلى المحلات، التي صممت جميعها بالطراز التقليدي ذاته. ويتسم البائعون في تيمبو بالتعاون ويبذلون قصارى جهدهم لتلبية أقل الطلبات.
تعرض كثير من المتاجر العامة مجموعات من أعمال الحرف اليدوية والمنسوجات للزائرين المارة، وتم حاليا افتتاح متاجر متخصصة في الحرف اليدوية.
على مسافة تقطعها السيارة في 3 ساعات شرق تيمبو، تقع بونخا العاصمة القديمة لبوتان. وتحتل تلك المدينة موقعا استراتيجيا بين نهرين فو تشو (ذكر) ومو تشو (أنثى)، حيث يختلف لونا مياه النهرين. وتعد ثاني أقدم وأكبر قلعة في بوتان، بونخا دزونغ (قصر السعادة الكبرى)، من أروع القلاع الساحرة التي يربطها بالأرض الرئيسية جسر خشبي مقوس.
من بين الأماكن الأخرى الجديرة بالزيارة دوكيولا باس (على ارتفاع 11 ألف قدم) حيث يحبس الزائرون أنفاسهم وهم يشاهدون آلافا من رايات الصلوات وهي ترفرف مع الرياح ويرون المناظر المهيبة فوق جبال الهيمالايا. وهناك تظهر القمم العليا في شرق الهيمالايا في الأفق، وكأنها صف من الأسنان البيضاء على حافة وعاء ضخم.
قرية غانغتي وهي عبارة عن وادي ثلجي رائع. بعد أن تتسلق الغابات الكثيفة، تفاجئك أشجار الخيزران القصيرة الممتدة على مساحات شاسعة. يتميز الوادي بمرور نهرين متعرجين جميلي المنظر هما ناكاي تشو وغاي تشو. ويعد وادي غانغتي من أكثر الوديان المذهلة في الهيمالايا، ويضاعف من الدهشة أن يجد المرء مثل هذا الوادي الواسع المنبسط دون أي أشجار بعد الصعود الوعر عبر الغابات الكثيفة وذلك لندرة وجود وادي ذي مساحة واسعة في بوتان حيث تكون معظم الوديان ضيقة.
أقيمت قلعة الدين العظيم (تاشيتشو ديزونغ) في البداية في عام 1941. وأعاد الملك الثالث إنشاءها في عام 1952، وتستخدم في الوقت الحالي كمقر للحكومة الملكية البوتانية. تقع القلعة وسط حدائق جميلة، وتتخذ منها هيئة الرهبانية المركزية مقرا للإقامة صيفا.
قد تكون قمة زوري دزونغ تريك أفضل موقع لترى منه صورة من أعلى لوادي بارو بأكلمه. ويقال إن هناك يقع كهف كان بوذا يتأمل فيه في القرن الثامن.
لا يجب أن تترك بوتان قبل أن تتسلق دير (تايجرز نست)، وهو مقصد للزائرين يطل على جرف منحدر طوله 900 متر ويقف أعلى غابة مذهلة من أشجار الصنوبر الزرقاء ونبات رودودندرون. أفضل وقت للقيام بهذه الجولة في الجرف شديد الانحدار في نهاية رحلتك حتى يكون لديك وقت للتأقلم. تقدم كافيتريا موجودة هناك فترة راحة مناسبة لمن لا يجدون أنفسهم في أفضل حالة قبل صعود الجزء الأخير من المدق الذي يؤدي بهم إلى بقعة ترى منها أروع المناطق في بوتان.

* نصائح للمسافرين
* اطلب تصريحا قبل التقاط صورا للأشخاص أو الفعاليات أو الأشياء.
ليس من المسموح التقاط الصور داخل مباني المعابد أو القلاع أو الأديرة.
يرجى عدم لمس أي عمل فني أو أثري ديني. في بوتان، تتسم الطقوس الدينية بالجدية الشديدة، ومن المحظور شراء الأعمال الفنية الدينية، وعلى وجه التحديد الأثرية.
يرجى عدم تسلق أي شيء أو فعل أي شيء يدل على عدم احترام الأعمال الفنية أو الأثرية البوذية، سواء كبيرة أو صغيرة، متهالكة أو غير ذلك، فهي تحظى بالتقديس.
يرجى خلع القبعات أثناء دخول الدزونغ أو المعبد أو الدير.
لا يسمح بارتداء السراويل القصيرة أثناء دخول الدزونغ أو المعبد أو الدير. ويرجى عدم السير فوق أي أقمشة أو كتب أو مواقد أو مواد مكشوفة في المواقع الدينية.
تذكر أنه في حين عادة ما يستخدم الطهاة في بوتان توابل كثيرة في إعداد الطعام، إلا أنهم أيضا يحاولون تقليل كمية البهارات لدى إعداده لأجل الغربيين.
ولا تنس أن التدخين غير مسموح به في معظم مناطق بوتان وأن بيع التبغ ممنوع في المتاجر البوتانية. ويسمح للزائرين بإحضار 100 من السجائر إلى داخل البلاد، ولكن سيجب عليهم تسديد ضريبة تبلغ 200 في المائة.
يفضل الشعب البوتاني تناول وجبة من الفلفل الحار والجبن على تناول الأرز، ولكن يمكن أن يحصل الزائرون على أطباق تتكون من الدجاج أو اللحم البقري أو الأسماك مع الأرز، بالإضافة إلى تشكيلة من الخضراوات والمشروم. وغالبا ما تضم الحلويات فاكهة مثل التفاح والكمثرى.



قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.