تغييرات روسية داخلية لتعزيز الدور الخارجي

لقاء بوتين وأردوغان في برلين الاسبوع الماضي (أ.ب)
لقاء بوتين وأردوغان في برلين الاسبوع الماضي (أ.ب)
TT

تغييرات روسية داخلية لتعزيز الدور الخارجي

لقاء بوتين وأردوغان في برلين الاسبوع الماضي (أ.ب)
لقاء بوتين وأردوغان في برلين الاسبوع الماضي (أ.ب)

ماذا بعد فلاديمير بوتين؟ بدأ النقاش حول هذه المسألة داخل روسيا وفي الخارج مباشرة بعد انتصار الرئيس الحالي في الانتخابات في عام 2018. الدستور الروسي لا يسمح لفلاديمير بوتين أن يترشح لفترة رئاسية ثالثة. ولا يوجد في روسيا سياسيون آخرون حظوا بمثل هذه الشعبية. هذا ما أدّى إلى تساؤلات عن تطورات الأحداث بعد عام 2024 أي بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة. وكانت سيناريوهات مختلفة على بساط البحث. تنبّأ البعض بتنفيذ ما يسمّى «عملية الخليفة». وهذا عن طريق انتصار شخصية رمزية ومن دون شعبية من أجل وصول فلاديمير بوتين إلى منصب الرئيس بعد 6 سنوات. بحث الآخرون في تعديل الدستور لكي يستطيع الرئيس الروسي أن يترشح من جديد. وأشار بعض المحللين إلى إمكانية مغادرة بوتين منصبه الحالي بعد نهاية الفترة الرئاسية وترؤس مجلس الدولة الذي سيحصل على صلاحيات ضخمة لتحديد السياسة الداخلية والخارجية وهذا مع تقليص صلاحيات الرئيس.
وكما اتضح بعد رسالة بوتين السنوية إلى البرلمان في 15 يناير (كانون الثاني) تقف روسيا أمام سيناريو مختلف تماماً. صلاحيات الرئيس فعلاً ستتقلص. ولكن ما اقترحه بوتين هو توزيع بعض تلك الصلاحيات بين مؤسسات الدولة عن طريق الإصلاحات الدستورية. مثلاً من المفترض أن يقر مجلس الدوما تسمية رئيس الوزراء ونوابه ووزرائه. كذلك سيقوم الرئيس بتعيين رؤساء جميع هيئات القوى المسلحة مثل الجيش والشرطة وغيرها بالتشاور مع مجلس الاتحاد. وسيكون على هذا المجلس وليس على المجالس المحلية أن يشارك في المشاورات حول تعيين مدعين في المحافظات الروسية. وهذا يجب أن يؤدّي إلى مزيد من استقلالية هؤلاء المدعين. ووفقاً لاقتراحات الرئيس بوتين سيزداد دور المحكمة الدستورية. كما سيزداد صوت المحافظين في مجلس الدولة. وينبغي أن يتم تثبيت هذا المجلس في الدستور. وسيحدد مجلس الدولة اتجاهات السياسة الداخلية والخارجية وسينسق أعمال مؤسسات الدولة.
من اللافت أنه بعدما قام فلاديمير بوتين بهذه الاقتراحات أعلن رئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف استقالة حكومته. وتم تعيين ميخائيل ميشوستين على هذا منصب وهو كان رئيس هيئة الضرائب الفيدرالية قبل ذلك. ويُعتبر موظفاً ذا خبرة كبيرة. وأصبحت هيئة الضرائب مؤسسة مريحة وملائمة بالنسبة لمواطنين وشركات في روسيا. وأدخل ميشوستين إمكانية حل أكثرية المشاكل والمسائل على الموقع الإلكتروني الرسمي والتطبيق المحمول. ونجح في زيادة جمع الضرائب.
وتجددت الحكومة الروسية. وفيها الآن 6 نواب لرئيس الوزراء و9 وزراء جدد. ولكن تلك التغييرات تتعلق أساساً بأعضاء الحكومة الذين تركزت أعمالهم على القضايا الاجتماعية. وهناك وزراء جدد للتربية والتعليم العالي والصحة والعمل والحماية الاجتماعية والرياضة. وهذه التعديلات مبنية على الجزء الأول من رسالة فلاديمير بوتين إلى البرلمان. فقد تحدث الرئيس الروسي نحو 40 دقيقة عن المشاكل الديموغرافية والاجتماعية وهذا أكثر من نصف خطابه. وسبب ظهور هذه الأولويات مفهوم. فروسيا أصبحت قوية وقادرة على حماية نفسها من التحديات الخارجية وتلعب الآن دوراً مهماً على الساحة الدولية وحان الوقت لتركيز أكثر على المشاكل الداخلية.
والسؤال يطرح نفسه: كيف ستنعكس تلك التغيرات على السياسة الخارجية الروسية؟ من ناحية يبدو أن موسكو ستتمسك باستراتيجيتها الحالية. وحافظ وزير الخارجية سيرغي لافروف ووزير الدفاع سيرغي شويغو على منصبيهما. وهذا دليل واضح على أن فلاديمير بوتين مرتاح لعملهما. ولكن أشار بعض المحللين قبل تشكيل الحكومة الجديدة إلى إمكانية تولي شخصية أخرى منصب وزير الخارجية. وبشكل عام هناك الشائعات المتداولة خلال السنوات الأخيرة أن سيرغي لافروف طلب مراراً من الرئيس فلاديمير بوتين ليسمح له أن يستقيل. ووفقاً لوسائل الإعلام الروسية يمكن أن يكون وزير جديد هو رئيس الإدارة الرئاسية أنتون فاينو أو المتحدث باسم الرئيس الروسي ديمتري بيسكوف أو رئيس لجنة للشؤون الخارجية في مجلس الاتحاد الروسي قسطنطين كوساتشيوف. ولكن لافروف لا يزال في منصبه. ويقول بعض الخبراء إن بوتين لم يوافق على تولي شخص آخر هذا المنصب بسبب اقتراب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة. وبعدها تصبح كل الاحتمالات مفتوحة.
وبعيداً عن الشخصيات يجدر التذكير من جديد برسالة فلاديمير بوتين إلى البرلمان حيث اقترح تثبيت أولوية القوانين الروسية في الدستور. بكلمة أخرى لا يمكن أن تخالفها القوانين الدولية والاتفاقات وقرارات المحاكم الدولية. علاوة على ذلك اقترح فلاديمير بوتين فرض المنع الدستوري لرئيس الوزراء ولنوابه ولوزراء ولنواب مجلس الدوما ولأعضاء مجلس الاتحاد والقضاة والمحافظين الحصول على جنسية أجنبية أو أي وثيقة تسمح لهم أن يعيشوا في الخارج بشكل دائم. ومن هنا الاستنتاجات واضحة. ما تريده موسكو هو إزالة أكثرية الأدوات التي قد تسمح للدول الأخرى أن تؤثر على سياستها. لذلك ستكون السياسة الخارجية الروسية مبنية على المبادئ الحالية وهذا من جهة. ومن جهة أخرى من المفترض أن تصبح تصرفات موسكو على الساحة الدولية أكثر استقلالاً وأكثر التزاماً بمصالحها الوطنية.



المرتزقة في ليبيا... عصف الحرب المأكول

TT

المرتزقة في ليبيا... عصف الحرب المأكول

بعد 9 أشهر من الحرب التي شنها قائد «الجيش الوطني الليبي»، المشير خليفة حفتر، على العاصمة الليبية طرابلس، في 4 أبريل (نيسان) 2019، مدعوماً بمقاتلين من مجموعة «فاغنر» الروسية، دفعت أنقرة بمرتزقة ينتمون لمجموعات سورية معارضة، أبرزها فصيل «السلطان مراد»، الذي غالبية عناصره من تركمان سوريا، إلى ليبيا. وبعد اقتتال دام 14 شهراً، نجحت القوات التابعة لحكومة فايز السراج، في إجبار قوات «الجيش الوطني» على التراجع خارج الحدود الإدارية لطرابلس.

وفي تحقيق لـ«الشرق الأوسط» تجري أحداثه بين ليبيا وسوريا والسودان وتشاد ومصر، تكشف شهادات موثقة، كيف انخرط مقاتلون من تلك البلدان في حرب ليست حربهم، لأسباب تتراوح بين «آيديولوجية قتالية»، أو «ترغيب مالي»، وكيف انتهى بعضهم محتجزين في قواعد عسكرية بليبيا، وأضحوا الحلقة الأضعف بعدما كان دورهم محورياً في بداية الصراع.

وفي يناير (كانون الثاني) 2024، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن عدد عناصر «المرتزقة السوريين» في طرابلس تجاوز 7 آلاف سابقاً، لكن فرّ منهم نحو 3 آلاف وتحولوا إلى لاجئين في شمال أفريقيا وأوروبا.

مرتزقة الحرب الليبية.. وقود المعارك وعبء الانتصارات والهزائم