ديغول يحتل «الإليزيه» في غياب ماكرون

بينما انشغل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالتلاسن مع الأمن الإسرائيلي عند بوابة كنيسة «سانت آن» في القدس المحتلة، كان فريق تلفزيوني يحتل القصر الرئاسي في باريس لكي يصور مشاهد داخلية من مسلسل جديد بعنوان «ديغول: التألق والسر». والمسلسل من إنتاج القناة الثالثة وإخراج فرنسوا فيل عن سيناريو لجاك سانتاماريا. وهو يتوقف عند الحياة الداخلية والخاصة للجنرال شارل ديغول، الرئيس الفرنسي الأسبق، وتأثيرها على قراراته السياسية.
كان كاتب السيناريو معجباً بديغول منذ أن التقى به وهو طفل في مكان عام. وقد داعبه الجنرال يومها ومنحه قبلة. وهو قد تتبع بعد زمن سيرة ديغول وقرأ مذكراته والكثير من الكتب التي وضعها رفاقه عنه. وهو يرى أنّ الجمهور العريض لا يحمل فكرة عن الشكوك التي راودت ديغول خلال فترات نفوذه وعن تذبذب ثقته بنفسه. ولعل أكثر ما عانى منه وترك أثراً في حياته هو موت ابنته آن بسبب مرض عقلي.
تدور الحلقات بين عامي 1940 عند اندلاع الحرب العالمية الثانية وعام 1970 تاريخ رحيل ديغول. ومن المقرر أن تعرض في الخريف المقبل. واستغرق التحضير وقتاً طويلاً لاختيار الممثل الأنسب لتأدية دور الجنرال. واستعرض المخرج عشرات الممثلين وأجرى التجارب لعدد منهم قبل الاتفاق على منح الدور للممثل صامويل لابارت. ويعرف جمهور التلفزيون لابارت من خلال دوره في المسلسل الرائج «الجرائم الصغيرة لأغاثا كريستي». كما وقع الاختيار على الممثلة كونستانس دولي للقيام بدور زوجة ديغول التي يلقبها الفرنسيون بـ«العمة إيفون».
وخلال ساعات التصوير الأولى تحول قصر «الإليزيه» إلى ورشة لعشرات الفنيين وعمال الكهرباء والإنارة والصحافيين الذين حصلوا على تصاريح مسبقة من القناة الثالثة بحضور التصوير. وكانت إحدى صالات الاستقبال في القصر قد تحولت إلى ركن للماكياج لاستكمال قيافة الممثلين الرئيسيين والثانويين بما يتلاءم وثياب الحقبة التاريخية التي تجري فيها الأحداث، وكذلك تسريحاتها. واستغرق الأمر 4 ساعات لتحول الممثل الرئيسي إلى نسخة قريبة من هيئة الجنرال ذي القامة المديدة الذي قاد المقاومة الفرنسية خلال الحرب الثانية.
فُرشت أرضية الصالة بلفافات البلاستيك لحماية السجاد الثمين. وكذلك أحيطت الحدائق بالحواجز لمنع السير على النجيل المعتنى به. وجرى التصوير في حدائق أخرى تشبهها. وبسبب موجة الصقيع التي تجتاح فرنسا فقد كان مساعدو التصوير يهرعون لتغطية الممثلين بالبطانيات بين مشهد خارجي وآخر. كما كان هناك من يقدم لهم أكواب القهوة وطاسات الحساء الحار. لكن أغلب أحداث المسلسل تجري في أماكن أخرى. ولإنجازها، كان على الجهة المنتجة أن تخوض مفاوضات للحصول على موافقة العائلة من أجل التصوير داخل منزل ديغول في بلدة «كولومبي». أما مكتب الرئيس فقد أعيد تأثيثه بالكامل في قصر عتيق يقع في بلدة «أبيرني» ويعود للقرن الثامن عشر.
تجري وقائع المشهد الذي تمكن الصحافيون من متابعة تصويره في الفترة التي أعقبت انتخاب شارل ديغول رئيساً للجمهورية الفرنسية، عام 1965. انتخاباً يجري للمرة الأولى بالاقتراع الشعبي المباشر. وكان الجنرال متردداً في القبول بولاية ثانية ويشعر بأنه تجاوز السن المناسبة للحكم. وحتى زوجته لم تكن مرتاحة لولاية ثانية. لكن جنفياف، ابنة شقيقه تمكنت من إقناعه بالاستمرار في الرئاسة. وكانت جنفياف ذات شخصية قوية وهي من بطلات المقاومة خلال الاحتلال الألماني لفرنسا ولرأيها مكانة لدى عمها.
يسعى المنتجون للحفاظ على خط تاريخي تعليمي مشوق دون الوقوع في كثير من الإثارة على غرار مسلسل «التاج» البريطاني. وترى دلفين إرنوت، رئيسة التلفزيون الفرنسي التي تنضوي تحتها القناة الثالثة، أن أجيالاً من الفرنسيين عاصرت تلك المرحلة لكن جيلاً جديداً لم يعرف زمن الحرب ولا ديغول ويحتاج لمن يروي له وقائع تلك الفترة الخطيرة من تاريخ البلد.