رحيل الباحث السوري بشير زهدي «الذي أضنى قلبه علم الجمال»

خلف أكثر من 150 دراسة

بشير زهدي
بشير زهدي
TT

رحيل الباحث السوري بشير زهدي «الذي أضنى قلبه علم الجمال»

بشير زهدي
بشير زهدي

«القلب قد أضناه علم الجمال» عبارة طالما أضحكت أستاذ علم الجمال في جامعة دمشق، عندما كان طلابه يمازحونه بتدوينها على السبورة قبل دخوله قاعة الدرس. إنه الأستاذ محمد بشير زهدي الذي أحب الجميع فيه بساطته ولطفه ونبله، فهو الإنسان الجميل المحب للجمال حتى لازم «علم الجمال» اسمه فعرف به طيلة حياته المهنية، وحتى وفاته يوم الجمعة الماضي عن عمر ناهز الـ93 عاماً، لتفقد دمشق أحد أكثر أبنائها وفاءً لتاريخها وثقافتها وفنها. لقد كرس بشير زهدي الذي نعته المديرية العامة للآثار والمتاحف حياته للبحث المتعمق والدراسة والتدريس في مجالات الآثار والتاريخ القديم والميثولوجيا والفن التشكيلي وعلم الجمال والفلسفة والفن الحديث، ناهيك عن الدراسات القانونية، ليتجاوز عدد دراساته الـ150 دراسة، إلى جانب عمله منذ الخمسينيات في مجال المتاحف، إذ بدأ بالعمل أميناً لمتحف الآثار الكلاسيكية، ثم أميناً رئيسياً للمتحف، إضافة إلى عمله التدريسي في الجامعات السورية في كليات الفنون والهندسة، مقدماً للطلاب خلاصة عمله البحثي والعلمي بتفانٍ كبير دون أن يثنيه عن ذلك ضآلة العائد المادي. إحدى المرات شكى لصديقه من أن عائدات كتاب ألفه للجامعة كانت أقل بكثير من عائدات عامل المطبعة الذي قام بتنضيده!!. ومع ذلك ثابر في عمله البحثي والتدريسي حتى آخر أيامه، محفزاً همته في مواجهة التقدم بالعمر، بالقول لنفسه: «اصمد بشير بيك اصمد». بشير زهدي صمد نحو تسعة عقود، أمضى جلها في البحث المتعمق، محافظاً على جوهره الإنساني الأصيل، كعالم وباحث وفنان مرهف. لم يعرف التقاعس لكرهه للتقاعد، فقد رفضه واعتبره بمثابة الموت «مت قاعد» كما كان يردد على مسامع أصحابه وطلابه، مؤكداً أن رجل المعرفة والعلم لا يتقاعد.
بعد نيل بشير زهدي إجازة في الحقوق من جامعة دمشق 1951 سافر إلى باريس وحصل على ليسانس في الآداب من جامعة السوربون باريس 1954 وشهادة تاريخ الفن في العصور الوسطى وشهادة في تاريخ الفن الحديث علم الجمال وعلم الفن ودبلوم من معهد اللوفر في باريس «تاريخ الشرق القديم - علم المتاحف - تاريخ الفن». قدَّم رسالة بعنوان «بناء تنظيم المدن السورية في العصر الهلنستي والروماني».
وخلال مسيرته المهنية وضع الكثير من المؤلفات الهامة في التاريخ وعلم الآثار والفن التشكيلي منها «فيليب العربي» و«علم الجمال والنقد» و«الفن السوري في العصر الهلنستي والروماني» و«تاريخ الفن جزئين» «حوران موطن الفعاليات الحضارية وأضخم المباني المعمارية» وأبحاث تتعلق بعلم النقود والميثولوجيا وعلم الجمال والثقافة وتاريخ الزجاج. إضافة إلى الدليل المختصر للمتحف الوطني بدمشق - قسم آثار العهود اليونانية والرومانية والبيزنطية. وكتاب «معلولا المدينة الأثرية والسياحية النموذجية» و«الرصافة لؤلؤة بلاد الشام». و«كنيس دورا أوروبوس في المتحف الوطني بدمشق». و«دمشق وأهميتها العمرانية والمعمارية عبر العصور» و«دمشق المدينة العربية المتجددة الشباب» و«دراسات في التاريخ والآثار والحِرف الدمشقية» و«من ذكريات الجلاء» و«الصناعات اليدوية السورية التقليدية».
كرمته الجمهورية العربية السورية بمنحه وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، كما تم تكريمه في إيطاليا ونال وسام برتبة فارس «Chevalier»، فيما منحته فرنسا وسام برتبة ضابط «Officier».
أستاذ علم الجمال بشير زهدي وهب بلاده عمره كاملاً كي لا يخبو جمالها، وما يؤسف له أن يأزف رحيله قبل أن تخرج من نفق الحرب وبشاعتها.



الحناء تراث عربي مشترك بقوائم «اليونيسكو» 

الحنة ترمز إلى دورة حياة الفرد منذ ولادته وحتى وفاته (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)
الحنة ترمز إلى دورة حياة الفرد منذ ولادته وحتى وفاته (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)
TT

الحناء تراث عربي مشترك بقوائم «اليونيسكو» 

الحنة ترمز إلى دورة حياة الفرد منذ ولادته وحتى وفاته (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)
الحنة ترمز إلى دورة حياة الفرد منذ ولادته وحتى وفاته (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)

في إنجاز عربي جديد يطمح إلى صون التراث وحفظ الهوية، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو)، الأربعاء، عن تسجيل عنصر «الحناء: الطقوس، الممارسات الجمالية والاجتماعية» ضمن قوائم التراث الثقافي غير المادي لـ«اليونيسكو» على أنه تراث مشترك بين 16 دول عربية.

ويأتي الملف التراثي نتيجة تعاون مشترك بين وزارتي الثقافة والخارجية المصريتين وسائر الدول العربية التي تعد الحناء من العناصر الثقافية الشعبية المرتبطة بمظاهر الفرح فيها، كما تمثل تقليداً رئيساً لمظاهر احتفالية في هذه المجتمعات وهي: السودان، مصر، المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، العراق، الأردن، الكويت، فلسطين، تونس، الجزائر، البحرين، المغرب، موريتانيا، سلطنة عمان، اليمن، وقطر.

وتعقد اللجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي اجتماعاً يستمر منذ الاثنين الماضي وحتى الخميس 5 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، في أسونسيون عاصمة باراغواي، للبت في إدراج 66 عنصراً جديداً رُشحَت على أنها تقاليد مجتمعية، وفق «اليونيسكو».

وذكّرت المنظمة بأن الحنّة (أو الحناء): «نبتة يتم تجفيف أوراقها وطحنها ثم تحويلها إلى عجينة تُستخدم في دق الوشوم وتحديداً تلك التي تتلقاها المدعوات في حفلات الزفاف، وتُستعمل أيضاً لصبغ الشعر أو جلب الحظ للأطفال».

الحنة تراث ينتقل بين الأجيال (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)

وعللت «اليونيسكو» إدراج الحنّة في قائمة التراث الثقافي غير المادي بأنها «ترمز إلى دورة حياة الفرد، منذ ولادته وحتى وفاته، وهي حاضرة خلال المراحل الرئيسة من حياته، وترافق طقوس استخدام الحنّة أشكال تعبير شفهية مثل الأغنيات والحكايات».

من جهته أعرب الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة المصري، عن اعتزازه بهذا الإنجاز، مشيراً إلى أن تسجيل الحناء يُعد العنصر التاسع الذي تضيفه مصر إلى قوائم التراث الثقافي غير المادي منذ توقيعها على اتفاقية 2003، بحسب بيان للوزارة.

وأكدت الدكتورة نهلة إمام رئيسة الوفد المصري أن الحناء ليست مجرد عنصر جمالي، بل تمثل طقساً اجتماعياً عريقاً في المجتمعات العربية؛ حيث تُستخدم في الحياة اليومية والمناسبات المختلفة، كما أشارت إلى «ارتباط استخدام الحناء بتقاليد شفهية، مثل الأهازيج والأمثال الشعبية، وممارسات اجتماعية تشمل زراعتها واستخدامها في الحرف اليدوية والعلاجية».

وسلط الملف الذي قُدم لـ«اليونيسكو» بهدف توثيقها الضوء على أهمية الحناء بأنها عنصر ثقافي يعكس الروح التقليدية في المجتمعات المشاركة، وكونها رمزاً للفرح والتقاليد المرتبطة بالمناسبات الاحتفالية وفق الدكتور مصطفى جاد، خبير التراث الثقافي اللامادي بـ«اليونيسكو»، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «تمثل الحناء واحدة من أهم عناصر تراثنا الشعبي، فهي مرتبطة بمعظم مفردات التراث الشعبي المصري والعربي الأخرى؛ وهي وثيقة الارتباط بالنواحي الجمالية والتزيينية، وأغاني الحناء، فضلاً عن الأمثال والمعتقدات الشعبية، والاستخدامات والممارسات الخاصة بالمعتقدات الشعبية، وتستخدم الحناء في الكثير من طقوسنا اليومية، المتعلقة بالمناسبات السعيدة مثل الزواج والأعياد بشكل عام».

الحنة تراث عربي مشترك (بكسيلز)

وأكد جاد أن التعاون العربي تجاه توثيق العناصر التراثية يعزز من إدراج هذه العناصر على قوائم «اليونيسكو» للتراث اللامادي؛ مشيراً إلى أنها ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة، وقال: «تثمن (اليونيسكو) عناصر التراث الشعبي المشتركة بين الدول، وقد سبق تسجيل عناصر النخلة، والخط العربي، والنقش على المعادن المشتركة بين مصر وعدة دول عربية؛ مما يؤكد الهوية العربية المشتركة».

وأضاف: «نحن في انتظار إعلان إدراج عنصر آخر مشترك بين مصر والسعودية على القوائم التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي بـ(اليونيسكو) اليوم أو غداً، وهو آلة السمسمية الشعبية المعروفة».

وكانت بداية الحناء في مصر القديمة ومنها انتشرت في مختلف الثقافات، خصوصاً في الهند ودول الشرق الأوسط، حتى صارت ليلة الحناء بمثابة حفل «توديع العزوبية» في هذه الثقافات، وفق عالم المصريات الدكتور حسين عبد البصير، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «الأدلة الأثرية والتحاليل العلمية وثقت دور الحنة باعتبارها مادة أساسية ذات أهمية كبيرة في الحياة اليومية للمصريين القدماء»، وتابع: «بخلاف استخدامها في الأغراض التجميلية مثل صبغ الشعر، فقد تمت الاستعانة بها في الطقوس الجنائزية؛ إذ يعتقد استخدامها في التحنيط، كما كانت جزءاً من الممارسات الروحية لتحضير المومياوات للحياة الآخرة، فضلاً عن صبغ الأقمشة والجلود».

ارتبطت الحناء بالمناسبات والأعياد (بكسيلز)

الفنان العُماني سالم سلطان عامر الحجري واحد من المصورين العرب الذين وثقوا بعدستهم استخدام الحنة في الحياة اليومية، وسجّل حرص الجدات على توريثها للأجيال الجديدة من الفتيات الصغيرات، يقول الحجري لـ«الشرق الأوسط»: «الحنة في سلطنة عمان هي رمز للفرحة، ومن أهم استخداماتها تزيين النساء والأطفال بها في عيد الفطر، حيث عرفت النساء العربيات منذ القدم دق ورق الحناء وغربلته ونخله بقطعة من القماش وتجهيزه، مع إضافة اللومي اليابس (الليمون الجاف)، لمنحها خضاب اللون الأحمر القاتم، وذلك قبل العيد بعدة أيام، ثم يقمن بعجن الحناء المضاف له اللومي الجاف بالماء، ويتركنه لفترة من الوقت، وقبل النوم يستخدمن الحناء لتخضيب اليدين والرجلين للنساء والفتيات».